مقالة
دور المرجعية في التصدي للحركات الإلحادية والمعادية للإسلام (للأعوام 1957-1971 م) - الجزء الأول
الباحث: أ.م. د طارق حسن الأسدي - جامعة ذي قار كلية العلوم الإسلامية
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على نبينا محمد(ص) وعلى آله الطيبين الطاهرين
وبعد إن الذي يطلع على تاريخ الحوزة العلمية والمرجعية الدينية يتبين له مدى الثروة العلمية الكبيرة لفقهاء أهل البيت(ع) وما تتضمنه هذه المدرسة من رؤى فقهية وأفكار عميقة ودراسات ومناهج في الاجتهاد والتجديد في مناهجه إلى أن أضحى صرحاً علمياً شامخاً على امتداد التاريخ وعلى الرغم من أن البعض جعل دور المرجعية يقتصر على الناحية العلمية لكن في الحقيقة إن دور المرجعية كان اجتماعيا وسياسيا وفكريا أيضا، ويشهد على ذلك التاريخ المشرف للمرجعية من خلال تصديها للتيارات الفكرية المعادية للإسلام والتي بثت سمومها في المجتمع الإسلامي فضلا عن بروز الجانب الاجتماعي لهذه الجهة الدينية العريقة والتي أخذت على عاتقها الاهتمام بمشاكل وهموم الناس، إضافة إلى الأدوار السياسية الشجاعة ضد السلطة.
هذا وقد ظهرت على الساحة الفكرية والعقائدية حركات وتيارات فكرية منحرفة اكتسحت مدن العراق ونواحيه مستهدفة الإنسان المسلم في عقيدته ودينه وفطرته ومن هذه الحركات البهائية والشيوعية وحركات الغلو المتطرفة، فانبرت المرجعية للتصدي لها وكشف حقيقتها وتفنيد أفكارها وتحذير الأمة من خطر السقوط في مكائدها.
وقد اتخذ الباحث موضوع الدراسة (دور المرجعية في التصدي للحركات الإلحادية والمعادية للإسلام للأعوام (1957-1971 م) لتسليط الضوء على هذه الفترة، واتخاذها كمنطلق لبيان دور المرجعية في ضوء تنامي وتطور وسائل التواصل الحديثة والمعلومات السريعة فتعددت من خلالها الرؤى والأفكار المتنوعة ومنها الأفكار العلمانية، مستغلة ذلك الوضع السياسي المتخلخل الذي يعيشه العراق وكذلك الوضع الإقليمي الذي شهد عدوانا صريحا على العراق وشعبه، مما أضحى لقمة سائغة لأفواه الآخرين الذين يسعون لتدمير العراق وأهله.
هذا وقد قسمت البحث إلى مقدمة ثم تناولت البحث في فصلين، تضمن الفصل الأول مكانة المرجعية ونشوء الحركات الإلحادية والمعادية للإسلام وآثارها وذلك ضمن مبحثين، أما الفصل الثاني فتضمن المبحث الأول فيه تصدي المرجعية لهذه الحركات الفكرية المعادية للإسلام ومن ثم المبحث الثاني الذي اشتمل على دور الآخرين في مواجهة هذه الأفكار المضادة للإسلام.
والحمد لله ربِّ العالمين
تمهيد:
الإلحاد لغة واصطلاحاً:
نجد أن الإلحاد هو الميل عن الاستقامة والانحراف عن طريق الحق والإيمان وقد ظهر هذا في كلمات اللغويين.
فقد قال ابن منظور: (ألحد: مال، وقيل: لحد مال وجار، وقال ابن السكيت: الملحد: العادل عن الحق المدخل فيه ما ليس فيه، يقال: قد ألحد في الدين، ولحد: أي حاد عنه، وروي: لحدت: ملت وألحدت: ماريت وجادلت، وألحد: مارى وجادل ومعنى الإلحاد في اللغة: الميل عن القصد لحد إليه بلسانه: مال)
وقال آخرون : (وألحد فلان: مال عن الحق، وألحد في دين الله، حاد عنه وعدل، وسمي اللحد لحدا لأنه قد أميل عن وسط القبر إلى جانبه، والملتحد: الملجأ، سمي بذلك لأن اللاجئ يميل إليه)
*الإلحاد اصطلاحاً:
ذكر بأنه هو مصطلح عام يستعمل لوصف تيار فكري وفلسفي يتمركز حول فكرة إنكار وجود خالق أعظم، أو أية قوة إلهية بمفهوم الديانات السائدة. وببساطة شديدة فإن الإلحاد يعني إنكار وجود الله لعدم توافر الأدلة على وجوده، فمنطق الإلحاد هو (إن ما لم تثبته التجربة العلمية يكون خاطئًا وتافهًا ومنقوصًا من أساسه).
وكلمة الإلحاد في القرآن لا تأتي بمعنى الإلحاد بالمفهوم الحالي (المعاصر) المتعارف عليه. وكذلك الشخصيات المذکورة في القرآن من الذين كانوا لا يؤمنون بالرسالة النبوية كانت شخصيات غير ملحدة (بالمفهوم المعاصر) بل کانوا يؤمنون بتعدد الآلهة (مشركون) فرغم اعتقادهم بوجود الإله الأوحد فإنهم كانوا في نفس الوقت يؤمنون بأن التماثيل التي كانوا يعبدونها باستطاعتها الشفاعة لهم عند الإله الأعظم، قال تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)
وفكرة إنكار وجود الخالق من الأساس فكرة مستبعدة تماما في كل العصور، لأن الإنسان فُطِر على وجود إله خالق، وهذه حقيقة لا ينكرها حتى الملحد، لكنه يعاند ويكابر، قال تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّا.
هذا ويمكن تقسيم الإلحاد إلى قسمين:
إلحاد موجب: وهو نفي وجود إله.
وإلحاد سالب وهو عدم الاعتقاد بوجود إله.
فالفرق بين الملحد الموجب والسالب -عندهم- هو أن الملحد الموجب ينفي وجود الله تعالى، وقد يستعين بنظريات علمية وفلسفية لإثبات ذلك، بينما الملحد السالب يكتفي فقط بعدم الاعتقاد بالله نظرا لعدم قناعته بالأدلة التي يقدمها المؤمنون.
لكن الملحدين عموماً يركزون كثيراً على أن العلم الحديث ينافر الإيمان بالله ويناقضه متشبثين بنتائج أثبتها علم الطبيعة والأحياء وعلم النفس.
الفصل الأول: مكانة المرجعية ونشوء الحركات الإلحادية والمعادية للإسلام وآثارها
المبحث الأول: مكانة المرجعية وأهميتها
المرجع هو الذي ترجع إليه الأمة في أمورها كلها وبالخصوص الحوادث المستجدة. فمسألة المرجعية ليست رهبنة ولا مقتصرة على إعطاء الفتوى في الأمور العبادية فقط أو ما شابهها مما هو مدون في الرسائل العملية، بل المرجعية شاملة لكل مجالات الحياة، وأبرزها الحوادث الواقعة المستجدة التي تواجه الأمة، ولو اقتصرت المرجعية على الشؤون المدونة في الرسائل العملية لاكتفت الأمة بكتاب يدون فيه جميع المسائل ترجع إليه الأمة عند حاجتها ويكون شبيهاً بالكتب الدراسية التي يؤلفها المختصون في الجامعات والمدارس.
وأهمية المرجعية ترجع إلى قدرتها على بناء وحفظ كيان الإسلام، وبسطه واعتلائه، وذلك لأن المرجع هو الحافظ للإسلام والحارس لجميع ما يتعلق بالمنظومة الإسلامية. وهو الملاذ عند الفوادح والمخاطرات بجميع أشكالها سياسية واقتصادية وفكرية وغيرها.
وهو الجبل الأشم أمام التيارات المضادة الداخلية والخارجية الآتية من أعداء الإسلام وأصحاب المذاهب الفكرية والاعتقادات الباطلة مثل الماسونية والوهابية والبهائية، وأصحاب القوانين الوضعية المخالفة للإسلام ولا ملاذ للمسلمين اليوم إلا المرجعية لصيانة دينهم وحفظ قرآنهم، وتماسك كيانهم، وبقاء قبلتهم.
قال الإمام الصادق عليه السلام: (إن العلماء ورثة الأنبياء. وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ شيئا منها فقد أخذ حظاً وافراً. فانظروا علمكم هذا عمَّن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)
إنّ أهمّ ما يميّز المرجعيّة الصالحة تبنّيها للأهداف الحقيقيّة التي يجب أن تسير المرجعيّة في سبيل تحقيقها لخدمة الإسلام، وامتلاكها صورة واضحة محدّدة لهذه الأهداف، فهي مرجعيّة هادفة بوضوح ووعي، تتصرّف دائماً على أساس تلك الأهداف بدلاً من أن تمارس تصرّفات عشوائيّة وبروح تجزيئيّة وبدافع من ضغط الحاجات الجزئيّة المتجدّدة.
وعلى هذا الأساس كان المرجع الصالح قادراً على عطاء جديد في خدمة الإسلام وإيجاد تغيير أفضل لصالح الإسلام في كلّ الأوضاع التي يمتدّ إليها تأثيره ونفوذه.
ومن أهم أهداف المرجعية هو نشر أحكام الإسلام على أوسع مدى ممكن بين المسلمين والعمل لتربية كلّ فرد منهم تربية دينيّة تضمن التزامه بتلك الأحكام في سلوكه الشخصي.
وتعمل المرجعية على إيجاد تيّار فكري واسع في الاُمّة يشتمل على المفاهيم الإسلاميّة الواعية، من قبيل المفهوم الأساسي الذي يؤكّد بأنّ الإسلام نظام كامل شامل لشتّى جوانب الحياة، واتّخاذ ما يمكن من أساليب لتركيز تلك المفاهيم.
وكذلك تعمل على إشباع الحاجات الفكريّة الإسلاميّة للعمل الإسلامي، وذلك عن طريق إيجاد البحوث الإسلاميّة الكافية في مختلف المجالات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، والمقارنات الفكريّة بين الإسلام وبقيّة المذاهب الاجتماعيّة، وتوسيع نطاق الفقه الإسلامي على نحو يجعله قادراً على مدّ كلّ جوانب الحياة بالتشريع، وتصعيد الحوزة ككلّ إلى مستوى هذه المهامّ الكبيرة.
وتمارس المرجعية القيمومة على العمل الإسلامي والإشراف على ما يعطيه العاملون في سبيل الإسلام في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من مفاهيم وتأييد ما هو حقّ منها وإسناده وتصحيح ما هو خطأ.
إذن يتضح أن المرجعية هي القيادة العليا للأمة، وبانية الحضارة الإنسانية العريقة، وحافظة التراث الإسلامي الناصع، والذائدة عن حريم الإسلام المقدس، والمعايشة لآلام الناس، والمطلع على مشاكلهم، والمدافعة عن مظلوميتهم والحافظة لحقوقهم.
ومن المعلوم إن الأحكام العامة ثابتة لا تتغير قال الإمام الصادق(ع): (حلال محمد حلال أبداً إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام أبداً إلى يوم القيامة)، ولكن الفتاوى خاضعة للظروف الزمكانية والموضوعية والشخصية ووضع الأمة، وهذا يتطلب معرفة كل ذلك حين إصدار الفتوى، فالفقيه الذي يحق للمجتمع تقليده واتباعه، وتسليمه أزمة الأمور كلها والقيادة هو الفقيه الذي يتصف بما ذكرنا عالماً بجميع تعاليم الإسلام العبادية والمعاملاتية وكل ما يمت إلى الحياة العامة بصلة.
لذلك أمرنا باتباع الفقيه الجامع للشرائط باعتبار ان المكلف بل كل إنسان يسأل عما يجهله ومن أهل الاختصاص وذلك باعتبار انهم اعرف به من غيرهم قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) فهي دلت على وجوب السؤال عند الجهل، ومن الظاهر أن السؤال مقدمة للعمل، فيكون معنى الآية (فأسألوا أهل الذكر) لأجل أن تعملوا على طبق الجواب، لا أن المقصود الأصلي هو السؤال نفسه، لوضوح أنه لغو لا أثر له، فلا مصحح للأمر به لو لم يكن مقدمة للعمل، فتدلنا الآية على جواز رجوع الجاهل إلى العالم وهو المعبر عنه بالتقليد)
وقد أكد الأئمة(ع) على الرجوع إلى الفقهاء في أمور دينهم وان عليهم أن يقلدوه في مسائل دينهم فقد قال الإمام العسكري(ع): ( فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه)
المبحث الثاني:
المطلب الأول: نشوء الحركات الإلحادية والمعادية للإسلام
لقد سجل القرآن الكريم معالم الإلحاد الأولى وحكاها تفصيلا وتحذيرا فقال سبحانه: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) وقال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) وقال جل وعز: (فَسَجَدَ الملائِكَةُ كُلُّهُم أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)
فإبليس الملعون هو أبو الملحدين ففي سورة البقرة «وكان من الكافرين (وفي سورة الكهف) ففسق عن أمر ربه» فالفسق والكفر هما أصل الإلحاد وعينه، وهذه هي بذرة الإلحاد الأولى.
والتاريخ يشهد بنشوء الحركات الإلحادية على مستوى أفراد أو جماعات وكانت تنتهز الفرص للتأثير على معتقدات المسلمين والعمل على إضعافهم وتوهين مذهبهم.
وهي نتاج تلقائي وإفراز طبيعي عند مراجعة السنن التاريخية وما يحدث فيها من حركات الضلال والانحراف التي تسعى لزعزعة كيان الأمة الإسلامية.
وعند مراجعة ما قام به الأئمة(ع) في مواجهة هذه الفئات الضالة، نجد كيف أنهم قاموا بالرد عليهم وكيف دحضوا حججهم الباطلة، فقد ذكر كل من الشيخين الصدوق والطبرسي وغيرهما جملة من المواقف التي واجهها الإّمام عليه السلام مع الزنادقة والملحدين، وهي تدل على غزارة علمه ووضوح نهجه وإيمانه بحرية الرأي، مع ثقته بالقدرة على دفع شكوك سائليه دون أن تبدر منه بادرة غضب مهما كان السؤال منكراً أو بادرة ضعف، بل قد يبلغ في إجاباته مبلغاً من العمق لم تصله الفلسفة فيما بعد.
وأيضا قد تعرض المسلمون في عهد الإمام الصادق(ع)، إلى هزّة فكرية وعقائدية عنيفة بسبب السياسات المتبعة من قبل من كانوا ينعتون أنفسهم بـ (الخلفاء) من بعد النبي الأكرم(ص)، فقد كانت المرحلة الانتقالية من الحكم الأموي إلى الحكم العباسي، بمنزلة الأعاصير التي تضرب إيمان وعقيدة وأخلاق المسلمين التي شُيدت خلال حوالي قرن من الزمن، بجهاد وتضحيات النبي وأهل بيته وأصحابهم. فلم يرَ المسلمون آنذاك، سوى الاستئثار بالمال العام والاستغلال البشع للسلطة وتفشي الطبقية وضياع القيم الأخلاقية والإنسانية، وعودة الكثير من القيم الجاهلية وأبرزها تحكيم منطق القوة بهدف الهيمنة والتسيّد، الأمر الذي فتح الأبواب أمام الأفكار الفلسفية القادمة من الغرب والتي تدّعي البحث عن الحقائق في الحياة والكون، فبدأت شريحة كبيرة من المجتمع الإسلامي آنذاك، تشكك بمساعدة هذه الأفكار بما آمنت به من قبل، بالعدل والمعاد والثواب والعقاب وحتى التشكيك بالنبوة والتوحيد.
في مثل هكذا أجواء عاش الإمام الصادق(ع)، فإذا كان كما يقول المؤرخون بأن عهده كان أفضل العهود التاريخية لنشر علوم وثقافة أهل البيت(ع)، فانه كان من أصعبها وأكثرها تعقيداً في التعامل مع المخلفات الفكرية والثقافية للصراع الدموي على السلطة وانحراف الحكام وطغيانهم. وهذا ما دعا الإمام، عليه السلام، لأن يتعامل مع مجتمع ذلك الوقت بمنتهى الذكاء والحنكة بإتباع منهج العقل والحكمة ومطابقة الأحكام والتعاليم مع الفطرة الإنسانية. وهذا ما كان يعجز أكثر الملحدين جدلاً وأشد المعاندين، فينسحبون بهدوء من أمام الإمام(ع)، ويقرون بحقانيته.
وللإمام الصادق(ع) مناظرات علمية كثيرة مع الملحدين والزنادقة، منهم من كان يأتيه ويسأله سؤال استفهام واسترشاد، ومنهم من كان على عناده وسابق رأيه، ولكن الكل يكن له الاحترام والتبجيل، ويقتنع بما طرحه الإمام(ع) من حجج تبطل أفكار من يشكك بالدين الإسلامي.
وأيضا قد انتشرت في عصر الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع) الكثير من الفرق والتيارات والمذاهب والنحل المنحرفة والضالة كالزنادقة والملاحدة، وقد اعتمد الإمام الكاظم(ع) على مناظرتهم ومحاورتهم بالأساليب العلمية القوية التي ينهزم أمامهم أصحب الفكر السقيم، ويعود بعضهم إلى الحق، كما اتبع الإمام الكاظم(ع) الإقناع بأدوات العقل والبديهة، وهو الأمر الذي لا سبيل لإنكاره من قبل أصحاب الأفكار المنحرفة.
وأيضا قد انتشرت في عهد الإمام موسى الكاظم(ع) الحركة الإلحادية، وأخذت تدعو إلى التفسخ والتحلل من الأخلاق والدين، وإنكار الخالق تعالى، أو وجود بعض صفاته الثبوتية أو السلبية، وعدم الإيمان بالأنبياء والرسل والأوصياء، وإنكار المعاد. وأخطر أشكال الإلحاد هو نكران وجود الله تعالى وهي الفكرة التي ترتكز عليها الشيوعية ومختلف أنواع التيارات الملحدةوقد تكاثرت الدعوة إلى الإلحاد والزندقة في العصر العباسي الأول، وتبنت أفكار الإلحاد والانحراف والزندقة مجموعة من التيارات الملحدة، ومنها:
المانوية التي قامت ببث الأفكار الإلحادية في العصر العباسي الأول.
ومنها المزدكية وقد انتشرت هذه الفرقة في العصر العباسي الأول، لأنها تدعو للتحلل من الالتزامات الدينية، والقيم الاجتماعية، وتدعو للتحرر من كل القيود الأخلاقية، وتنكر القيم الدينية، فاعتنقها خلق من الناس للانسياق مع شهواتهم وأهوائهم، والتخلص من التزاماتهم الدينية.
ومنها الزرداتشية وقد راجت الزرادشتية في العصر العباسي الأول، واعتنقها خلق من البسطاء المغرر بهم، وقد عملت على محاربة القيم الإسلامية، وتفكيك الروابط الاجتماعية، وتحلل المسلمين من الخلق والآداب الإسلامية. وعلى أي حال، فإن هذه المبادئ التي انتشرت في العصر العباسي تكشف لنا بوضوح عن الفراغ العقائدي، وضحالة التفكير، وسيادة الجهل، وعدم إحاطة المسلمين بواقع دينهم الذي يدعو إلى اليقظة الفكرية، والتحرر من جميع رواسب الجهل والجمود.
وقد أشار المترجمون لسيرتهم إلى بدعهم وأضاليلهم التي تدل على كفرهم وزندقتهم، ومروقهم من الدين. يقول الشيخ باقر شريف القرشي: (عمد هؤلاء الملحدون إلى إفساد المجتمع الإسلامي، وإشاعة الفوضى والتحلل بين المسلمين، كما عمدوا إلى تشويه الإسلام، وذلك بافتعال الأخبار الكاذبة التي تحط من كرامة الإسلام، وقد اعترف عبد الكريم بن أبي العوجاء بذلك، فقد صرح قبل أن ينفذ فيه حكم الإعدام، فقال: «لئن قتلتموني فلقد وضعت في أحاديثكم أربعة آلاف حديث مكذوب).
اتخذ الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع) مواقف حازمة تجاه الملاحدة والزنادقة، وتبيين فساد معتقداتهم وانحرافاتهم العقائدية والفكرية، وذلك بالمنطق العلمي، وإتباع المنهج العلمي في الرد عليهم، وبيان انحرافاتهم، كما كان للإمام(ع) الكثير من المواقف في التبرؤ منهم، ولعنهم، وتحذير المسلمين من التأثر بهم، وأهمية الابتعاد عنهم، وعدم مجالستهم أو مؤاكلتهم أو مناكحتهم؛ حتى لا يتأثروا بفكرهم المنحرف.
وقد ذكر العلامة الطبرسي في كتاب الاحتجاج([20])، بعض احتجاجات ومناظرات الإمام الكاظم(ع) مع الزنادقة والملاحدة، والتي بينت زيف وضعف أفكارهم، ورد الشبهات التي كانوا يبثونها بين الناس، وخصوصاً في الحقل العقائدي والكلامي.
ويطول الكلام بذكر مواجهة هذه الحركات الإلحادية على مر التاريخ، والبحث يتعلق بفترة الخمسينات الى أوائل الستينات لكن الأهداف واحدة بل إن الحركات المعاصرة قد اجترت من الماضي الإشكالات والحجج الواهية، فمنذ منتصف الخمسينات تأسس عداء الحزب الشيوعي العراقي للمرجعية الدينية الإسلامية بالتحديد وخصوصا الشيعية في العراق، وذلك على خلفية تحريم الشيوعية وإطلاق فتوى المرجع الديني الأعلى أنذلك السيد محسن الحكيم والتي كان نصها (الشيوعية كفرٌ والحاد) وكان لصدور هذه الفتوى سببين الأول إن الحزب الشيوعي أشاع مظاهر الانحلال الأخلاقي الجنسي كما يرى رجال الدين وذلك حين دعا إلى المشاعية الجنسية والاختلاط بين الجنسين بدون ضوابط أؤكد بدون ضوابط وكان هتافه الشهير بالعامية العراقية (بعد شهر ماكو (لايوجد) مهر و القاضي نذبه (نرميه) بالنهر)، وهذا ما يتنافى والشريعة الإسلامية ويضع علماءها تحت التهديد والمسؤولية.
إما السبب الثاني والأهم هو ما تبناه الفكر الشيوعي وما اعتبره جزءً من مبادئه وهي نظرية (الدين أفيون الشعوب) وان عليها ان تتخلص من الأديان للتخلص من البؤس والشقاء فهم بهذا يقيسون على الدين الذي هو وليد السلطة الظالمة وعلى ما يفعله من يحسب على الدين، فغاب عن الملحد إن الدين أمر الهي وان السلطة زائلة.
المصدر: موقع مؤسسة الهدی للدراسات الإستراتیجیة