الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
*خلاصة المشروع الامريكي للعراق
لم يكن تشخيصنا للمشروع الامريكي للعراق وركيزتهم فيه الاكراد / وهم حلفاؤهم في ذلك (مذكرات بريمر ص386)/ والحركات العلمانية بأن يحافَظ على علمانيته وغربيته في مناهجه التربوية على الرغم من اسلامية المعارضة الشيعية وقاعدتها وشعبيتها العريضة مجرد استنتاج بل هو صريح أدبياتهم.
وهو ايضا صريح كلام بريمر فقد قال:
«وكان الاكراد يخشون دائما من تأثير المرجعية في العراق الجديد) (370) (وبقيت المصادقة على الدستور القضية الاصعب، كرر الاكراد قلقهم بشأن الدستور الدائم الذي قد تكتبه العمائم السوداء» (ص374).
وهو ايضا صريح كلام الاخضر الابراهيمي:
«يجب الا يدير اصحاب العمائم السوداء الحكومة العراقية المؤقتة». (356).
وكان يؤكد بريمر ايضا بصراحة:
«ان وزارة التربية والداخلية يجب ان تبقى خطوطا حمراء على الإسلاميين» (ص 194).
وقد حرص بريمر ايضا ان تضاف مادة تخص مبادئ الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور بان لا تسن قوانين تخالفها فطلب من بعض اعضاء مجلس الحكم ان يطرحها للتصويت وطلب من مجلس الحكم الموافقة عليها» (ص 379).
وحين تمت الموافقة عليها قال بريمر:
«لقد اثمر رهاننا الخطر في كسب جولة مهمة لصالح عراق علماني» (ص 387).
*مشروع السيد السيستاني في نظر السياسيين والكتاب السياسيين المعاصرين
قوبل مشروع السيد السيستاني للعراق من قبل رجال السياسة العالمية فضلا عن اغلب رجال السياسة العراقية على تنوعهم الايديولوجي والمذهبي ليس فقط بموافقته بالراي مائة بالمائة بل بالدهشة والاعجاب وقد اضطرت معه امريكا الى الاستجابة على الرغم من محاولات الالتفاف عليه في اكثر من مرة، كما دعت إيران اتباعها من خلال توجيهات الولي الفقيه وتوجيهاته الى الانضواء تحت راية السيد السيستاني مع احتفاظهم بمشروعهم وحركتهم فيه سرا.
قال مار شليمون وردوني في 24/10/2008م: «لقد أصغى سماحة السيد السيستاني لنا بكل رحابة صدر لأنه رجل محبوب وهادئ يخشى الله.
وقال النوفلي: ان السيستاني خيمة لجميع العراقيين وهو الاخ الاكبر طرحنا عليه همومنا نشكر تقديمه الملاحظات ونطلب من السياسيين ان يأخذوا بملاحظاته حتى يبعدوا الاذى عن العراق والعراقيين».
وقال عبد الرحمن الراشد اعلامي سعود: «آية الله السيستاني ليس فقط اهم مراجع الشيعية بل في مقدمة دعاة الاعتدال والتعايش وكان صمام الامان في العراق طوال السنوات الست الخطرة الماضية وحال بحكمته دون انزلاق العراقيين في وحول الفتنة الطائفية والحرب الاهلية .
وكتب نعوم شومسكي: كان نجاح انتخابات كانون الثاني الماضي تتويجا مشرفا لسياسة اللاعنف والتي اصبح اية الله السيد علي السيستاني رمزا لها وقلة من المراقبين الاكفاء قد يخالفون محرري الفايننشال تايمز الراي والذين كتبوا في اذار الفائت ان السبب في قيام الانتخابات كان اصرار اية الله العظمى السيد علي السيستاني على الوقوف في وجه ثلاث محاولات قام بها الاحتلال الامريكي لتأجيل هذه الانتخابات او الغائها».
وكتب توماس فريدمان: «مع اقترابنا من موسم منح جائزة نوبل للسلام اريد ان ارشح زعيم الشيعة الروحي في العراق اية الله العظمى علي السيستاني الذي اصر على اجراء انتخابات مباشرة على مستوى العراق ككل ورفض الاقتراح الامريكي الاحمق بإجراء مؤتمرات شعبية محلية… وهو الذي امر الشيعة بعدم الانتقام لمساعي البعثيين والاصوليين المتطرفين (الذين كان يهجمون على المساجد الشيعية ويرتكبون القتل الجماعي ضد الشيعة) بدفع البلد الى حرب اهلية وبقيامه بذلك ساعد على منح الشرعية لسلطة الشعب في منطقة لم تسمح يوما بشيء كهذا اما الشيء الثالث الذي قام به السيستاني والاكثر اهمية فهو قوله: يجب ان يؤثر الاسلام على السياسة والدستور وعلى رجال الدين الا يحكموا... . كيف يمكن لرجل بهذا الحس وبهذه الحكمة ان يظهر من وسط حطام العراق الذي سببه صدام حسين انا لن اعرف ذلك ابدا».
وقال فؤاد معصوم:«ان هذا الرجل العظيم اثبت بانه أكثر عراقية من اي شخص اخر وانه يعمل لصالح العراق وارشاداته جميعا تصب من اجل حفظ وحدة العراق وتقدمه واستقراره».
وقالت مادلين اولبرايت: «خلافا لرجال الدين في ايران الذين يصرون على ممارسة السلطة السياسية ينتمي السيستاني الزاهد الى التراث الشيعي السائد الذي يبقى فيه رجال الدين بمنأى عن الحياة العامة الروتينية مع انهم يحتفظون بحق استعمال سلطتهم في الاوقات الحاسمة. فمنذ سقوط بغداد ادى السيستاني دوره بشكل خلاق. وبدلا من المواجهة العسكرية توصل السيستاني الى طريقة تجعل المحتلين يعملون لصالحه. ففي سنة 2003 م عندما كشفت الولايات المتحدة النقاب عن خطة متعددة المراحل للعراق تقضي باختيار جمعية وطنية ووضع مشروع دستور تصدى لها السيستاني لا لأنها دمقراطية بل لأنها ليست ديمقراطية بقدر كاف فقد كان الامريكيون يريدون عملية خاضعة للسيطرة تضع القواعد قبل اجراء الانتخابات ورأى السيستاني ان قيام ممثلين غير منتخبين بوضع مسودة الدستور امر غير مشروع واصر على ان تتم الانتخابات اولا وبعد محاولة تجاهل مطلبه في البداية ثم بعد الفشل في التوصل الى تسوية لم يكن امام المسؤولين الامريكيين بالنظر الى كل حديثهم عن الديمقراطية الا الرضوخ ».
وقال غسان سلامة: «كان هاجس السيد علي السيستاني منذ اليوم الاول للاحتلال بان يكون هناك دستور. . . صدقني عندما كنا نتحدث مع بريمر حول دستور كان يضحك، عارف بلد لافيه امن ولا فيه كهرباء ولا فيه بنزين ولا فيه كذا ولا فيه حتى من يمثل العراقيين. عندما نتحدث مع العراقيين لم يكن احد يذكر الدستور. ذهبنا الى السيد علي السيستاني وكنت في تلك المرة مع سيرجيو فقال لنا بالعربية: انا اريد دستور هذا مطلبي الوحيد ولكن اريد دستور يكتبه عراقيون منتخبون من الشعب، هذا امر كان باطل بالنسبة للأمريكان كان هناك عدة دساتير مكتوبة كان هناك مكتب في واشنطون اخذا مالا طائلا من الاميركيين وكتب دستورا للعراق. . . جاء السيستاني قال لا. وحين اجابه (سيرجيو) من قبل عراقيين طبعا هذا أفضل فترجم للسيستاني (من قبل عراقيين) فثارت ثائرته قال: انا لم اقل (من قبل عراقيين) بل (من قبل عراقيين منتخبين)».
وقال الاخضر الابراهيم: في تصريحه في ختام لقائه بالسيد السيستاني يوم السبت 21/12/1424هـ الموافق 13/2/2004 م «ان السيستاني محق في اجراء الانتخابات ونحن نوافقه الراي لان الانتخابات هي الوسيلة الانسب لحل مشكلة الشعب العراقي. . . وقال جئت من اجل الاطلاع على راي السيستاني حول مسالة الانتخابات. . . وقال ان السيد السيستاني ما زال مصرا على موقفه ونحن معه في هذا الراي مائة في المائة لان الانتخابات هي الطريقة الوحيدة لإخراج العراق من محنته ومن النفق المظلم».
وكتب ربيع نادر: في مراجعة رحلة السنوات التسع يقول النائب حبيب الطرفي: ان المرجعية في النجف الاشرف كان لها دور واضح واساسي في تشكيل العملية السياسية واجراء استفتاء شعبي على الدستور. مرجعية النجف هي صمام الامان للعملية السياسية باعتراف الجميع فالطيف السياسي العراقي الذي يتكون بشكل رئيس من شيعي وسني وكردي ومكونات اخرى لم يجمع على شيء كإجماعه على ان للمرجعية في النجف دورا في تقريب وجهات النظر ومنع الانهيارات.
كتب حارث الحسن: «الى حد كبير كان المرجع السيستاني قد لعب الدور الابرز في صياغة عراق ما بعد صدام رغم انه كان الاقل كلاما بين اللاعبين العراقيين وغير العراقيين. . . سألته (الاسوشيتد برس) بعد ايام قليلة من دخول القوات الامريكية الى بغداد عن رؤيته لمستقبل العراق كانت اجابته التي لم تتغير ابدا هي: انتخابات جمعية تأسيسية تضع دستورا يكتبه العراقيون ونقل السلطة الى حكومة عراقية منتخبة. فقد شكل السيستاني للأمريكيين مشكلة وحلا في نفس الوقت فهو خلافا لكل من احاط بهم من العراقيين كان وحده يمتلك الشرعية والقوة لأحداث تغيير بالوضع او طمأنته لا يحتاج الامر لأكثر من فتوى بسطور قليلة. . . كانوا بحاجة الى قوة من هذا النوع قادرة على ضبط الجمهور المؤدلج في معظمه ضد وجودهم والأهم من ذلك كانوا يخشون من استفزاز تلك القوة ودفعها الى معسكر الرافضين لمنطق العملية السياسية في ظل الاحتلال كانوا يعلمون جيدا ان انضمام التيار الحوزوي المحافظ الى الحركة الصدرية المتحمسة في وقت كان الشارع السني وقواه الاجتماعية مأ سورين بفكرة المقاومة يعني فقدان السيطرة على العراق».
وكتب اسحاق نقاش الاستاذ في جامعة برانديز الاميركية: «ان السيستاني يمثل المدرسة الاهدأ (quietist school) في الفكر الاسلامي داخل التشيع. . . لقد كشف السيستاني عن براكماتية وذرائعية في التعامل مع الوجود الامريكي في العراق حاثا الشيعة على عدم رفع السلاح ضد المحتلين فكان نهوضه (اي نهوض السيد السيستاني) او ارتفاع نجمه كصاحب النفوذ الاول وصاحب الصوت الاخلاقي الاعلى في العراق والاكثر وضوحا في الهدنة (truce) التي كان فيها وسيطا في شهر اب 2004م وذلك اثناء عودته الدراماتيكية للعراق بعد رحلته العلاجية الطبية في لندن تلك الهدنة التي انهت ثلاثة اسابيع من القتال حول ضريح الامام علي في النجف بين قوات المارينز الامريكية والمتمردين التابعين لمقتدى الصدر والتي تم خلالها تفادي هجوما وشيكا على الضريح وكذلك وفي عدة مناسبات بين عامي 2003-2004م اصطدم السيستاني او وقف ضد خطط بريمر الذي كان في قمة هرم الاداريين الامريكان العاملين في العراق وفي حزيران 2003م أصدر السيستاني حكما منع بموجبه تعيين عناصر او اشخاص لكتابة الدستور وجعل ذلك حصريا بانتخابهم من قبل ابناء الشعب العراقي. هذه الحركة وجهت ضربة الى الخطة الامريكية التي كادت تفضي بل تدعو للتعجيل بإصدار دستور جديد للعراق وفي تشرين الثاني من العام المذكور وعندما كشف بريمر النقاب عن خطة لانتخاب جمعية وطنية انتقالية من خلال مؤتمر عام يدعو له اصر السيستاني على انتخابات حرة مباشرة مجبرا الامريكان على الغاء هذه الخطة، كما عارض السيستاني موضوع الدستور المؤقت(قانون الادارة الانتقالية) الموقع من قبل مجلس الحكم العراقي في آذار 2004م مؤكدا بان الجمعية الانتقالية يجب ألّا تقيد بأية وثيقة مكتوبة من قبل هيئة يتم تعيينها تحت الاحتلال وكانت نتيجة هذا الاعتراض هو ابطال موضوع الدستور المؤقت. بهذه الاجراءات استطاع السيستاني اشغال صناع السياسة الامريكية غير المكترثين في جدل ساخن حول معنى الديمقراطية التي يريدون تطبيقها في العراق وكما تبين فيما بعد كان نفوذه او ضربته هذه قد غيرت بالصميم جوهر المخططات الامريكية في العراق آلت بالنتيجة الى تحويل القرار السيادي الى حكومة عراقية مؤقتة في حزيران 2004 م والتي كان السيستاني قد منحها ثقة مشروطة. . . وعلى الرغم من ان السيستاني لديه رؤية خاصة عما ينبغي ان تنطوي عليه الحكومة الاسلامية الا انه لم يكن ملهما او متأثرا بالخميني لقد مثل استاذه ابو القاسم الخوئي الذي توفي في عام 1992م حيث تقبل حقيقة واقعية الدولة الحديثة التي يقودها السياسيون العاديون. . . كانت اراء السيستاني تقترب من اداءات ورؤى محمد حسين النائيني مؤلف كتاب (تنبيه الامة وتنزيه الملة) المطبوع لفي النجف عام 1909م فرؤية السيستاني مثل رؤية النائيني تقوم على تأكيد مسؤولية الحكومة وموثوقيتها وحمايتها للإسلام. . . انه من ا لصعب التكهن بالضبط الى اين يريد السيستاني الذهاب بالتشيع لكنه يبدو مصمما على تحاشي المطبات والمآزق. . .».
وقال ايضا: «الشخصية المحركة التي كانت تقف وراء الانتخابات 30 يناير /2005 م هو علي السيستاني الذي اظهر حنكة قيادية مشهود به في كبح كافة المحاولات داخل العراق وخارجه والتي كانت تدعو الى تأجيل الانتخابات، واظهر كذلك حكمة قيادية في تعبئة الشيعة وباقي العراقيين للمشاركة في العملية السياسية في الشهور التي قادت الى الانتخابات استطاع السيستاني ان يتربع على سدة الدور ويتصدر الواجهة كمحرض ومتعهد بحفظ المصالح السياسية للشيعة وكانه الزعيم الوطني العراقي (الاوحد) لقد عمل الرجل على تجسير الفجوات وردم الهوى بين المجاميع العراقية. . . فقد دعا في فتاواه واحكامه الى انتخابات حرة وشفافة معتبرا التصويت واجبا على جميع العراقيين كما شدد بان المرأة المتزوجة ليس واجبا عليها ان تصوت لنفس القائمة التي يفضلها زوجها وانما عليها ان تدلي برايها وفق ضميرها وقناعتها ومعتقداتها».
*إنتهت
المصدر: مرکز فجر عاشوراء الثقافي