
علی حافّة النسیان
عليرضا مکتبدار؛ رئیس التحریر لأسبوعیة الآفاق
في خضم ضجيج الأخبار والتطورات المتسارعة في العالم، تُضيع أحيانًا صرخات المظلومين وسط صخب الإعلام. وغالبًا ما تُشغل قلوبنا القضايا اليومية والأزمات القريبة منا، حتى ننسى أن هناك في ركن من هذه الأرض شعبًا يعيش تحت وطأة الظلم والجريمة، يتنفس بصعوبة ويصارع الموت كل يوم. اليوم، نقف على حافة النسيان؛ نسيان آلام ومعاناة شعب غزة المظلوم، نسيان الأطفال العزل الذين فقدوا تحت القصف الهمجي للكيان الصهيوني ليس فقط بيوتهم وعائلاتهم، بل حقهم في الحياة أيضًا. لقد انشغلنا بأخبار الهجوم الوحشي للكيان الصهيوني على إيران، وغرقنا في التحليلات وردود الفعل على هذا العدوان اللاإنساني ودعم الدول الغربية المخزي لهذه الجريمة. ولكن وسط كل هذا، لا يجب أن نسمح بأن تُطوى صرخات المظلومين في غزة وسط هذا الضجيج. لا ينبغي أن نسمح بأن يُنسى الأطفال الأبرياء في هذه الأرض المقاومة من ذاكرتنا.
غزة، هذه الأرض الصغيرة ولكن المقاومة، منذ سنوات طويلة وهي تحت نير الظلم واحتلال الكيان الصهيوني، أصبحت رمزًا للمظلومية والصمود. شعب يقف بأيدي خالية ولكن بقلوب مليئة بالإيمان والأمل، أمام أحد أكثر الجيوش تجهيزًا ووحشية في العالم. أطفال يكبرون بدلاً من اللعب في الشوارع والحدائق، بين الأنقاض والخراب؛ وبدلاً من القلم والكتاب، يسمعون أصوات الانفجارات والصرخات. هؤلاء الأطفال هم مستقبل غزة، ولكن هل بقي لهم مستقبل؟ كل يوم يمر، نسمع أخبارًا أكثر فظاعة من هذه الأرض. قصف متواصل بلا هوادة، حصار لا يسمح حتى بدخول الدواء والطعام، وجرائم تؤلم قلب كل إنسان حر. والآن، وسط كل هذا الظلم، خبر آخر هز قلوبنا: طيارون صهاينة، بعد عدوانهم على سماء إيران، ألقوا ما تبقى من ذخائرهم وقنابلهم على رؤوس أهل غزة العزل! هذا الخبر لا يكشف فقط عن عمق وحشية هذا الكيان، بل يظهر أن غزة، حتى في لحظات الأزمات الأخرى، تظل هدفًا لجرائمه وغضبه.
نحن، كبشر ينبض قلبنا من أجل العدالة والإنسانية، كيف يمكننا أن نتجاهل هذه الكارثة؟ كيف يمكننا أن نسمح بأن تُنسى مظلومية شعب غزة وسط أخبار العدوان الصهيوني والأمريكي على إيران، ودعم الدول الأوروبية المخزي لهذه الأفعال التي تخالف القوانين والأعراف الدولية؟ أليس من المفترض أن يكون شعب غزة، الذي استمد قوة قلبه وأمله من دعم إيران المعنوي والمادي على مر السنين، يعلم أن هذا الظلم سينتهي يومًا ما؟ أليس من المفترض أن تكون كل صرخة مقاومة في غزة مرتبطة باسم إيران ودعمها؟ فكيف يمكننا في هذه الأيام التي نعيش فيها أزمة أخرى أن ننساهم؟
وضع غزة ليس وضع أمة فقط؛ إنه وضع ضمير الإنسانية. كل طفل يموت تحت الأنقاض في غزة، كل أم تحتضن طفلها وتصرخ، كل أب يفقد بيته وعائلته، يدفن جزءًا من إنسانيتنا معه في التراب. لا يمكننا ولا يجب أن نسمح بأن تُنسى هذه المأساة في ظل أخبار أخرى. العالم، وبخاصة الدول الإسلامية، صمت أمام هذا الظلم. لا يقومون بأي تحرك لدعم شعب غزة، بل على العكس، بعض هذه الدول، وللأسف الشديد، تسعى لتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني. هذا التطبيع ليس فقط خيانة لشعب غزة، بل خيانة لكل القيم الإنسانية والإسلامية. كيف يمكن مصافحة كيان ملطخة يداه بدماء الأطفال الأبرياء؟ كيف يمكن السكوت أمام كل هذه الجرائم، بل والتعاون مع المجرم؟
لكن ما هو مسؤوليتنا؟ نحن في إيران، ونحن أنفسنا نواجه العدوان والتهديد، كيف يمكننا أن نكون صوت غزة؟ قد يقول البعض إننا أيضًا نعاني من مشاكلنا، وإننا أيضًا نتنفس تحت ضغط التهديدات والعقوبات. ولكن أليس ألم غزة هو ألمنا؟ أليس صمود غزة جزءًا من صمودنا؟ لا يمكننا ولا يجب أن نسمح بأن تُمحى هذه المظلومية من عقولنا وقلوبنا. يجب أن نكون صوت غزة، يجب أن نوصل صرخات المظلومين إلى العالم. كل واحد منا، بقدر استطاعته، يمكنه أن يخطو خطوة في هذا الطريق. من الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الحديث مع الأصدقاء والعائلة، من نشر الوعي إلى الدعاء لهؤلاء المظلومين. كل خطوة صغيرة يمكن أن تخفف جزءًا من هذا العبء الثقيل عن كاهل غزة.
أطفال غزة، هؤلاء الملائكة الصغار، يحتاجون أكثر من أي شيء إلى تذكرنا. يحتاجون أن يعلموا أن العالم لا يزال يراهم، وأن هناك قلوبًا تنبض من أجلهم، وأن هناك من لا يزال يذرف الدموع ويدعو لهم. يحتاجون أن يعلموا أنهم لم يُنسَوا. تخيلوا طفلاً يبحث عن أمه بين الأنقاض، طفلاً يرتجف ليلاً من أصوات القصف، طفلاً بدلاً من الضحك، الدموع ترتسم على وجهه. هل يمكننا أن نمحو هذه الصورة من أذهاننا؟ هل يمكننا أن نسمح بأن يُنسى هؤلاء الأطفال في ظل أخبار أخرى؟
الأخبار الأخيرة من غزة تؤلم قلب كل إنسان حر. قصف متواصل بلا هوادة، حصار لا يسمح حتى بدخول المساعدات الإنسانية، وجرائم تتخذ أبعادًا جديدة كل يوم. وفي خضم ذلك، خبر مروع عن إلقاء الطيارين الصهاينة قنابل متبقية على رؤوس أهل غزة بعد عدوانهم على إيران، يظهر أن هذا الكيان لا يعرف حدودًا لجرائمه. هذا الفعل ليس فقط جريمة حرب، بل إهانة صريحة لكل القيم الإنسانية. كيف يمكن تبرير هذه الوحشية؟ كيف يمكن السكوت أمام هذا الظلم؟
نحن نقف على حافة النسيان، ولكن لا يجب أن نسمح لهذه الحافة أن تقودنا إلى هاوية اللامبالاة. لا ينبغي أن نسمح بأن تُنسى مظلومية غزة وسط ضجيج أخبار أخرى. يجب أن نتذكر أن كل صرخة مقاومة في غزة، كل قطرة دم تسيل على تراب هذه الأرض، هي جزء من النضال من أجل العدالة والحرية. يجب أن نتذكر أن أطفال غزة ليسوا فقط مستقبل هذه الأرض، بل مستقبل الإنسانية. إذا صمتنا اليوم، إذا نسينا اليوم، فماذا سيكون جوابنا لضميرنا غدًا؟
وفي الختام، أطلب من كل من يقرأ هذه الكلمات أن يتأمل لحظة. أن يفكر لحظة في أطفال غزة، في الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن، في الآباء الذين فقدوا بيوتهم وعائلاتهم في لمح البصر. أن يفكروا لحظة، إذا صمتنا، إذا نسينا، فمن سيكون صوتهم؟ لنعاهد أنفسنا ألا ننسى غزة، أن نوصل صرخات المظلومين إلى العالم، أن يظل قلبنا ينبض من أجل غزة حتى في أصعب الظروف. لنظهر أن الإنسانية لا تزال حية، وأن هناك قلوبًا تنبض من أجل المظلومين. لا ننسَ غزة، لا ننسَ أطفال غزة.
برچسب ها :
ارسال دیدگاه