هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

الاجتهاد عند الشيعة الإمامية

مقالة/ الجزء الثالث والأخیر

الاجتهاد عند الشيعة الإمامية

الشيخ آية الله محمّد واعظ زاده الخراساني(ره) -  عضو المجلس الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية

ويجب التنبيه على أن عمدة المباحث الأصولية مشتركة بين الإمامية وأهل السنة، وإنّما الفارق بينهما ‏أمران:‏
الأول: الترتيب في الذكر، فإن أهل السنة يبدؤن علم الأُصول بالأَحكام وأقسامها التكليفية والوضعية ‏ثم يبحثون عن أدلة الأحكام من الكتاب والسنة، والإجماع، والقياس وما ألحق به من الاستحسان ‏والمصالح المرسلة وغيرهما. ثم يطرحون مباحث الألفاظ ثم مقاصد الشريعة ولها دخل مستقيم في ‏القياس وما ألحق به.‏
أما الإمامية فيبدؤن بمباحث الألفاظ، ثم حجية الأدلة واحدا بعد واحد، ثم الأُصول العملية وما ألحق ‏بها من الأُصول والقواعد ويختمون بباب التعارض والتراجيح ومباحث الاجتهاد والتقليد. وفي خلال ‏مباحث الألفاظ وغيرها أبحاث في الملازمات العقلية، كمقدمة الواجب والأمر بالشيء هل يقتضي ‏النهي عن ضده ام لا؟ واجتماع الأمر والنهي وغيرها. كما أن لهم بحث مستوفي في خلال باب ‏التعارض يعبّرون عنه بالتزاحم فيما إذا تزاحم أمران، في مقام العمل – وهو بحث عقلي أيضاً – مثل ‏أن يبتلي المكلف في وقت واحد بأداء الصلاة وانقاذ الغريق، ولا يتـّسع الوقت لهما معا، فعند ذلك ‏العقل يحكم بتقديم الأهم على المهم، ومالا قضاء فيه على مافيه القضاء، فيجب انقاذ الغريق وإن فات ‏وقت الصلاة. وهذا باب من الأُصول فيه حل لكثير من المستجدات والنوازل.‏
الثاني: التمييز بين الأمارات والأصول، وبين الأحكام الظاهرية والواقعية، وأيضاً بين الأحكام الأولية ‏والثانوية والأحكام الولائية وتوضيحها: أن مايتمسّكون به من الأدلة عند استنباط الأحكام يسمونها ‏أمارة لكونها طريقا إلى الأحكام، وما يلتجئون إليه عند الشك في حكم من الأحكام، كالاستصحاب، ‏والبرائة، والاحتياط والتخيير، مما يحكم به العقل غالبا – وبعض منها دل عليه النقل أيضاً – يسمونها ‏الأصل ومجموعها (الأُصول العملية) - كما سبق – من أجل أن مؤداها وظائف عملية فحسب، ‏وليست طرقا إلى ما شرّعه الله في نفس الأمر. وقد يعبّر عن الأمارات بـ(الأدلة الفقاهتية) وعن ‏الأُصول بـ(الأدلة الاجتهادية).‏
ثم مؤدّى الأمارات إن طابق الواقع الذي شرعه الله، فهي الأحكام الواقعية، وإن خالف الواقع لخطإ ‏حدث في الاجتهاد، فهي أحكام ظاهرية يجب العمل بها على المجتهد وعلى من يقلده، وهي مجزية ‏عند الله مادام لم ينكشف الخطأ. وعند الأصوليين بحث مبسوط في كيفية الجمع بين الأحكام الظاهرية ‏والواقعية، ومن هذا المنطلق نشأ رأي لأحد كبار الأصوليين في القرن الرابع عشر، إلا وهو الشيخ ملا ‏محمّد كاظم الخراساني (م1329هـ) وهو صاحب كتاب (كفاية الأُصول) أهم كتب الأُصول الدراسية ‏لحد الآن، وهو محور المحاضرات الأصولية المعبّر عنها بـ (البحث الخارج) - رأي خاص في تربيع ‏الأحكام بحسب نشأتها عقلا فرتبها إلى (الحكم الاقتضائي) - وهو الملاكات التي روعيت في إنشاء ‏الأحكام، ثم الحكم الإنشائي الذي هو مجرد إنشاء من دون تحديد حدوده  وتقييد قيوده ثم الحكم ‏الواقعي المشروط والمعلق، ثم الحكم الواقعي المطلق، فحصر الأحكام الواقعية فيما بلغ المكلّفين ‏وقامت لديهم الأدلة عليه من دون خطأ في الاستنباط، وأما مالم يصل إلى هذه المرحلة فهو حكم ‏إنشائي أو حكم واقعي مشروط.‏
والحق أن علم الأُصول عند الإمامية، في القرنين الأخيرين اخذ طابعا فلسفيا، فكثير من مسائلها ‏اختلطت بالفلسفة، فلا يفهمها من لا يعرف الفلسفة الإسلامية، وقسم آخر منها من فرط غموضه هو ‏بنفسه نوع من الفلسفة. وقد سرى ذلك إلى كثير من المسائل الفقهية الفرعية. فلها لون فلسفي أيضاً.‏
وأما تثليث الأحكام إلى الأولية، والثانوية، والولائية، فقد نشأ من ملاحظة أن الأحكام التي شرّعها الله ‏لموضوعاتها من دون عروض حالة خاصة عليها، كوجوب الصلاة والصوم وغيرها من الواجبات، ‏وكحرمة الخمر ولحم الخنزير وغيرهما من المحرمّات، هي الأحكام الأولية باعتبار تشريعها اولا، فإذا ‏عرض ماغيّر الأحكام الأولية من الضرورات والأضرار ونحوها مثل الاضطرار إلى أكل لحم الميتة، أو ‏شرب الخمر لرفع العطش أو للتداوي إذا انحصر الأمر فيه، وما شابه ذلك، فالحكم العارض بحسب ‏الحالة العارضة هو حكم ثانوي لا يعارض الحكم الواقعي الأولي، لأنه ليس في عرضه وإنّما هو في ‏طوله، لأنه إنما جاء بعد تبدّل الموضوع بطروّ الحالة العارضة، وهو باق إلى أن تزول تلك الحالة ‏العارضة. والفقهاء يرفعون التضاد والتناقض بين كثير من الأحكام من هذا الطريق، ومنها رفع التضاد ‏بين الأَحكام الواقعية والظاهرية كما مر.‏
ومن هذا المنطلق يدخلون في علاج التعارض بين الأدلة والأصول، فوضعوا مصطلحات: التخصيص – ‏وهو مصطلح عام – والتخصّص، والحكومة والورود، فإن الأدلة والأصول المتعارضة ليست على طراز ‏واحد بل على أشكال متفاوتة في نسبة بعضها إلى بعض، وأعتقد أن أعمق المسائل الأصولية، وأشدّها ‏غموضا هو معرفة إجراء هذه المصطلحات في مجاريها المقرّرة وعدم الخطأ فيها.‏
وأما الأحكام الولائية فهي مايحكم بها الإمام القائد العام، المعبر عنه بـ(ولي أمر المسلمين) وهو ما ‏اصطلح عليه المسلمون عموما، مع فارق بينهم في المصاديق، فعند الجمهور كل من تصدّى للحكم ‏واتـّفق  عليه الناس فهو ولي الأمر، بشروط عند بعضهم، وعند أتباع آل البيت هذا المنصب خاص ‏بأشخاص معيّنين من آل البيت، وهم الأئمة الإثني عشر، ثم من ينوب عنهم من الفقهاء العدول ‏الجامعين للشرائط. وهذه الأحكام كثير منها من قبيل الأحكام الثانوية حيث عرضت عارضة توجب ‏تغيير الأحكام الأولية، وقسم كبير منها مفوّض إلى وليّ الأمر بما يراه من المصالح العامة للمسلمين ‏فيحكم ويصدر لما لا حكم له فيه من المباحات (ويعبّر عنها العلّامة الشهيد السيد محمّد باقر الصدر(قد) ‏ بمنطقة الفراغ حكما جديدا لا يوجد فيما شرعه الله. وهذا ما اشتهر بـ(ولاية الفقيه) التي كان الإمام ‏الخميني(قد)‏ يعوّل عليها كثيرا في أحكامه وآراءه، وكان يقول إن هذه الولاية في نفسها من الأحكام ‏الأولية، لكن مايحكم به الولي الفقيه استنادا إلى هذه الولاية هي من الأحكام الثانوية، أو كما شاع ‏التعبير عنها من (الأحكام الولائية).‏
وفي ذيل باب التعارض – كما سبق – باب بعنوان (التزاحم) وهذا يرجع إلى ملاحظة المصالح ‏وملاكات الأحكام والترجيح بينها، وترجيح الأهم على المهم، وهذا المبحث مصيره إلى بحث (مقاصد ‏الشريعة) وإلى استنباط وجه الشبه في الأقيسة والأشباه والنظائر ونحوها عند الجمهور. والولي الفقيه ‏له مجال واسع في الإفادة من جميع ذلك. وهذه هي نقطة اتصال الاجتهاد عند الفريقين وللمشاركة ‏الفعالة والجهود المماثلة بين فقهاء الفريقين في هذه وفي غيرها من طرق الاجتهاد ومسائل الفقه ‏مجال واسع سوف يكون فيه حل لكثير من المسائل الفقهية، ولاسيما في صعيد الحكم والسياسة ‏والاقتصاد والصحة والصناعة وغيرها بإذن الله تعالى.‏
وكذلك فيه تعايش فقهي بين أئمة المذاهب الإسلامية وخير كثير للمسلمين. والتعايش العلمي ‏والتعاون الثقافي من أهم طرق التقريب بين المذاهب، وربما يكاد يعتبر سببا وحيدا للوحدة الإسلامية ‏المنشودة من قبل المصلحين من علماء الأمة في القرن العشرين، وأخصّ بالذكر تلك النخبة من ‏العلماء الكبار الذين قاموا بتأسيس (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) بالقاهرة منذ الخمسينات، ‏فبذلوا جهودا مشكورة في سبيل إٍرساء قواعد التقريب بين الآراء في مجال المسائل الفقهية المختلف ‏فيها، (ولله الأمر من قبل ومن بعد).‏
 
*ضوابط الاجتهاد عند الإمامية
بعدما مرت علينا من الأپحاث، لايكاد يخفى على أحد أن الاجتهاد يتطلب شروطا وأسبابا يجب ‏اجتماعها عند المجتهد – نذكرها بإيجاز:‏
الأول: معرفة جملة من العلوم: كالعلوم الأدبية من اللغة والصرف والنحو والاشتقاق والبلاغة ونحوها ‏وكالعلوم القرآنية وخاصة التفسير عموما وتفسير آيات الأحكام خصوصا، وكثير من الباحثين حصروه ‏في معرفة آيات الأحكام، والصواب التعميم لكل آيات القرآن، لأن في معرفتها بصيرة بالأحكام الإلهية ‏وبسرّ التشريع، ثم بما شرعه الله تعالى للأمم الغابرة.‏
وأيضاً معرفة السيرة النبوية – وغفلوا عنها غالبا – والسنة النبوية والأحاديث المروية عن أئمة أهل ‏البيت بعد تمحيصها وتوثيقها سندا ومتنا، وكان لأستاذنا الإمام  البروجردي رأي خاص في وجوب ‏الرجوع إلى روايات الجمهور وأقوالهم وفتاويهم الشايعة في عصر أئمة أهل البيت، لأن كثيراً من ‏أقوالهم وآراءهم ناظرة إلى ماشاع بين المسلمين من الفتاوي والأحكام في عصرهم، كما أن جملة من ‏السائلين عنهم كانوا من فقهاء أهل السنة، ثم انتقلوا إلى مذهب الإمامية، أو بقوا على مذهبهم ورووا ‏روايات أهل البيت(ع) وجمعوها في كتاب وهم جملة من أصحابهم. فهؤلاء السائلون والرواة آنست ‏نفوسهم بما شاع عند الآخرين فرجعوا إلى أهل البيت ليعرفوا موقفهم أمام الآخرين – فكان الأستاذ ‏يقول: إن فهم كثير من أقوال الأئمة مبني على معرفة تلك الآراء، ومن هذا المنطلق كان يؤكد على ‏أصحابه معرفة المسائل الخلافية في صعيد الفقه ومعرفة مادارت على المسائل من الأحوال عند ‏المذاهب الفقهية، وكان يكرر أن قدماء أصحابنا كانوا حافظين لمسائل الخلاف عن ظهر القلب.‏
وكذلك يشترط معرفة علم مصطلح الحديث، وعلم الرجال، وتاريخ القضاء والفقه بل وشيء كثير من ‏التاريخ السياسي وسيرة الخلفاء والحكام، ودورهم في إصدار الفتاوى من قبل القضاة ورجال الفتوى، ‏بل تاريخ نشأة المذاهب الفقهية على العموم.‏
وأيضاً معرفة الفقه والفقهاء  البارزين في المذهب، ومعرفة علم الأُصول تفصيلا، وعلم الكلام ومباحث ‏من الفلسفة وعلم المنطق والنجوم والأوزان، والنقود ونحو ذلك مما يحتاج إليه الفقيه في بعض ‏الأحيان.‏
وأيضاً معرفة الأعراف والعادات، فان للعرف دخلا كبيرا في تشخيص الحاجات ومعرفة الحوادث، ‏ومعرفة متطلبات الأعصار ولاسيما في هذا الزمان بالذات. ومن ذلك يعلم أن الاجتهاد قد تعددت ‏أسبابه ومقدماته مما لا يحيط بها عادة مجتهد واحد، ومن أجل ذلك اقترح بعض الباحثين تنويع ‏الاجتهاد وإيكال كل نوع إلى من اختص به، أو إيكال قسم من المسائل النوازل والمستحدثة إلى لجنة ‏فتوائية جمعت بين أحضانها الأخصائيين في كل نوع من أنواع الفقه من الفقهاء، بل وغير الفقهاء من ‏الخبراء في مايحتاج إليه من العلوم الحديثة، والفنون المستجدة، والمفاهيم الجديدة.‏
الثاني: يرى كثير من الفقهاء الكبار شرط الاجتهاد في جميع هذه العلوم ولا يكفي التقليد فيها، وهذا ‏الشرط في معرفة الكتاب والسنة وضوابط الاستنباط وعلم الأُصول ونحوها كاد أن يكون مجمعا عليه، ‏فلو أفتى المجتهد بشيء اتكالا على فهم غيره من الكتاب والسنة، أو توثيق غيره للخبر، أو رأي غيره ‏في قاعدة أصولية من دون اجتهاده هو فيها، فهذا نوع من التقليد، أو قل: هو اجتهاد في نطاق ‏المذهب، وليس اجتهادا مطلقا، وفي أقسام الاجتهاد كلام كثير عند الفقهاء من جميع المذاهب.‏
الثالث: العقل السليم، وحسن التشخيص واستقامة الرأي، والحذاقة التامة التي لا تحصل إلا بالممارسة ‏الدائبة، واستفراغ الوسع ليل نهار ونحوها مما يجب حصوله في جميع العلوم والصناعات. وبعض فقهاء ‏الإمامية زادوا شرطا آخر ربما يرجع إلى بعض ماذكر، وهو أن يملك المجتهد قوة قدسية، وذوقاً ‏فقهيا وشما تشريعيا وهي مما يهبها الله تعالى لأهل التقوى والهداية (فمن يرد الله أن يهديه يشرح ‏صدره للإسلام..)(الانعام/125) وتتطلب جهادا كبيرا، قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)(قد)(العنكبوت/69).‏
الرابع: الإخلاص والتقوي والتعهد والالتزام بما شرعه الله، والتحفظ والتماسك عن التساهل في ‏الفتوى، والاجتناب عن الأهواء والآراء وعن التأثر بما يبدعه المبدعون في كل عصر ولاسيما في هذا ‏العصر الذي غلبت فيه الأهواء والآراء القيم والمكارم، وينادى فيه بالحداثة، والعلمنة حتى في نطاق ‏الأحكام الشرعية، أما العلمنة في نطاق السياسة وفصلها عن الدين فأمر واقع – مع الأسف – في أكثر ‏البلاد الإسلامية تبعا للغر ب وقد نجح فيها أصحابها منذ زمن بعيد، فغرّبوا أو شرّقوا، ولا حول ولا قوة ‏إلا بالله العزيز الحكيم.‏
الخامس: رعاية الترتيب بين الأدلة حسب ما أومأنا إليه، فلا يقدّم ماحقه التأخير، ولا يؤخّر ماحقه ‏التقديم، وهذا يرجع إلى الحذاقة التامة والخبرة الكاملة في الاستنباط والتفقه بكل معنى الكلمة. ‏وكذلك عرض بعض الأدلة على بعض ولاسيما عرض السنة على الكتاب، وهو موضع اتفاق عند ‏أولي الالباب.‏
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين.‏
انتهت
المصدر: المجمع العالي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة

برچسب ها :

ارسال دیدگاه