هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

الاجتهاد عند الشيعة الإمامية 

مقالة/ الجزء الأول

الاجتهاد عند الشيعة الإمامية 

الشيخ آية الله محمّد واعظ زاده الخراساني عضو المجلس الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطاهرين وصحبه الميامين، ومن ‏تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وبعد:‏
أيها الحفل الكريم: إنه لمن دواعي السرور والشكر عندي الاشتراك في هذه الندوة المباركة التي ‏جمعت في أحضانها نخبة من العلماء والباحثين من الأقطار الإسلامية، للبحث عن أهم المواضيع ‏الإسلامية وهو (الاجتهاد في الإسلام).‏
وإني إذ أحييكم بأطيب التحيات أقدم  إليكم بحثا متواضعا بعنوان: (الاجتهاد عند الشيعة الإمامية ‏مصادره وضوابطه). وقبل الخوض في صميم الموضوع أشير موجزا إلى شيء من التحولات التي ‏مرّت على فقه الإمامية تمهيدا للحبث:‏
*تمهيد
مادة الفقه بحسب اللغة تحتوي في ذاتها فهم الأمور الخفية وكشف الخبايا أو كما قيل: (معرفة الباطن ‏من الظاهر) وأطلقت أولا بشكل عام على الرسوخ في علم الدين وفهمه عميقا، انطلاقا من قوله تعالى: ‏‏(وماكان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم ‏إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) (التوبة/ 122).‏
والتفقه بصيغة التفعل يؤكد عمقا في الفهم ثم شاع استعماله في وقت لا يعرف بالضبط، ولعله في عصر ‏الصحابة والتابعين على استنباط الأحكام خاصة، فكان يقال للمختصين بمعرفة الأحكام عن بصيرة ‏وفقه: (الفقهاء) وقد اشتهرت طائفة قليلة من الصحابة، وطائفة أكثر من التابعين بوصف الفقهاء.‏
فالتعبير عن فهم الدين عموما وعن استنباط الأحكام خصوصا بـ(التفقه في الدين أو في الأحكام) من ‏حيث المادة والصيغة مشعر بما يتطلبه فهم الدين وخاصة قسم الأحكام منه من الدقة والتعمق، الأمر ‏الذي عبّر عنه القرآن الكريم – ثم الفقهاء – بـ (الاستنباط). قال تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى ‏أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (النساء/ 83). والإستنباط في اللغة هو استخراج الماء ‏من البئر، ثم استعير لإخراج ماخفي من الأحكام وغيرها من مصادرها ومن هذا المنطلق شاع إطلاق ‏‏(الفقه) على علم الأحكام الشرعية وكذلك (التفقه) على عملية استنباط الأحكام.‏
ثم عبّروا عنها في وقت سابق لا يعلم مداه  بـ (الاجتهاد) باعتبار أنها تتطلب جهدا كبيرا واستفراغا ‏للوسع – وقد عرّفوا به الاجتهاد أيضاً – فقالوا: (الاجتهاد هو استفراغ الوسع لمعرفة الاحكام).‏
ولعلهم حينما عبّروا عن الاجتهاد كمصدر من مصادر الفقه، ثم أطلقوه على عملية استنباط الاحكام ‏تبعوا في ذلك معاذ بن جبل الصحابي(ره) عنه، حينما أراد النبي(ص) أن ‏يبعثه إلى اليمن قاضيا، فسأله – كما جاءت في كتب الحديث(1): ما معناه: (بماذا تقضى؟ فقال: ‏بكتاب الله، فقال(ع): فإن لم تجد؟ قال بسنة رسول الله(ص)، فقال: فإن لم تجد؟ قال أجتهد ‏رأيي) وهذا الحديث كالنص على أن الاجتهاد عند معاذ كان مصدرا من مصادر القضاء بعد فقدان ‏الحكم في الكتاب والسنة.‏
ولكنه مالبث حتى أطلق على نفس استنباط الاحكام من مصادرها. وكيف كان فقد استمر الاجتهاد ‏في جميع العواصم الإسلامية العلمية كالمدينة ومكة والعراق والشام ومصر وغيرها عند فقهاء البلاد ‏استنادا إلى الكتاب والسنة وما ألحق بهما من الإجماع والقياس والرأي والاستحسان وغيرها على ‏خلاف بينهم في غير الكتاب والسنة من الأدلة.‏
وكلما توسّعت رقعة الإسلام، وتنوّعت الأعراف والعادات، وازدادت وتضاعفت الحاجات في صعيد ‏الشريعة والأحكام، أو في حقل الأقضية والفتاوي، توسّع واستكمل نطاق الاجتهاد، كما اختلفت الآراء ‏والأقوال وبرزت المذاهب والمدارس الفقهية في البلاد، حتى أصبح علم الفقه والاجتهاد من أبسط ‏العلوم وأطولها، بل وأهمها في الإسلام، ذا شقوق وفروع وأصول وأركان، مرتبطا بجملة من العلوم ‏الأدبية واللغوية القرآنية والحديثية وغيرها.‏
وقد تكفّل علم برأسه – وهو علم أصول الفقه – بيان أصوله  وضوابطه وأسسه وقواعده.‏
هذا هو مصير الاجتهاد عند الجمهور، وأما الشيعة الإمامية فكانوا يكتفون إلى أواسط القرن السابع ‏الهجري – رغم استكمال الفقه عندهم وتوسّعه - بالتعبير عن هذا العلم بلفظ (الفقه) وعن عملية ‏الاستنباط بلفظ (التفقه) جريا على طريقة السلف واتباعا لأئمتهم من آل البيت(ع)‏ مجتنبين التعبير ‏بـ(الاجتهاد) لأنه كان عندهم مساوقا للرأي والقياس اللذين نهى عنهما الأئمة، وقد جوزهما كثير من ‏فقهاء الجمهور.‏
قال الشيخ الطوسي – المعروف بشيخ الطائفة الامامية – (385 – 460هـ) في كتاب (عدّة ‏الأُصول)(2).‏
بعد ذكر أصول الأحكام عنده: (وقد ألحق قوم بهذا القسم الكلام في الإجماع والقياس والاجتهاد... – ‏إلى أن قال: وذلك غير صحيح على قاعدة مذاهبنا... وأما القياس والاجتهاد فعندنا أنهما ليسا ‏بدليلين، بل محظور استعمالهما...).‏
فالشيخ الطوسي، وهو يعيش في أوساط القرن الخامس الهجري بقي الاجتهاد عنده على معناه الأول ‏مرادفا للقياس كمصدر للفقه عند الجمهور، لما ثبت عنده في المذهب أنه محظور من قبل الأئمة من ‏آل البيت(ع)، ولاسيما الإمام جعفر بن محمّد الصادق(ع) الذي كان يؤكد على تحريم العمل ‏بالقياس والرأي، ويناقش أصحاب الرأي وعلى رأسهم الإمام ابا حنيفة كما جاء في المصادر(3).‏
والظاهر أن المحقق الأول، أو المحقق الحلي (م 676هـ) نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي – وهو ‏من كبار فقهاء الإمامية في القرن السابع – أوّل من أطلق لفظ (الاجتهاد) من الإمامية على استنباط ‏الأحكام في كتابه (معارج الوصول في علم الأُصول).‏
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان الفقه عند الإمامية في القرون الثلاثة الأول محصورا فيما روي ‏عن الأئمة من الأحاديث والفتاوي مع مافيها من معالم ونماذج من الاستدلال والاستشهاد بالكتاب ‏والسنة، حيث أن الأئمة كانوا مهتمين بتدريب أصحابهم على ذلك فقد قال الإمام أپو جعفر محمّد بن ‏على الباقر عليه السلام (48 – 114هـ) وهو والد الإمام الصادق وخامس الأئمة من آل البيت – ‏لأبان بن تغلب (422) وكان من فقهاء أصحابه وكانت له مكانة عالية عند أهل السنة: (اجلس في ‏مسجد المدينة وأفت الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك)(4).‏
وروى زرارة بن أعين وهو من كبار أصحاب الإمامين الباقر والصادق(ع): مامعناه قلت ‏لأبي عبد الله – أي الصادق(ع): من أين علمت أن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين، ‏فأجابه بأن الله قال: (فاغسلوا وجوهكم) فعرفنا أن الوجه يغسل كله، وقال: (وأيديكم إلى المرافق) ‏فعلمنا أنه يجب غسل اليدين إلى المرافق. ثم فصّل بين الكلام فقال: (وامسحوا برؤسكم) فعلمنا أن ‏المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس، كما وصل اليدين بالوجه، فقال: ‏‏(وأرجلكم إلى الكعبين) فعلمنا أن المسح على بعض الرجلين...)(5). وكلّنا يعلم أن مسألة مسح ‏الرجلين وغسلهما في الوضوء كانت ولازالت متضارب الآراء بين الفريقين، وهناك شيء كثير من ‏الحوار والمحاجة بين الطرفين في هذه المسألة، وغيرها من مسائل الفقه، كمسائل العقيدة والكلام، ‏جاءت في كتب مسائل الخلاف.‏
وهكذا كان الفقه عند الإمامية في غالب الحديث نقلا عن الأئمة بأسانيد شتى إلى أوائل القرن الرابع ‏الهجري، وكلما جاءت من أسامي الكتب في فهارسهم، ولاسيما في فهرست الشيخ الطوسي، وفهرست ‏الشيخ النجاشي (م450هـ) منسوبة إلى فقهائهم ومحدّثيهم الذين عاشوا قبل ذلك فهي مجموعات من ‏الأحاديث الفقهية وهي قسمان:‏
قسم منها (أصل)، وهو ما رواه الراوي عن الإمام مباشرة، أو بواسطة واحدة وعددها عند بعضهم ‏أربعمائه اصل.‏
وقسم منها (جامع) وهي التي جمعت ما كان في الأُصول وهذه هي (الجوامع الأولية) عند استاذنا ‏الامام البروجردي(ره)، بإزاء الكتب الأربعة وهي الجوامع الثانوية عنده. وكان في الجوامع قليل ‏من الشرح والبيان والاحتجاج، إلى أن برز فقيه في بلدة (قم) - وكانت من أهم عواصم العلم يومذاك ‏عند الإمامية – وهو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (م329هـ) - وهو شيخ عائلة كبيرة ‏أنجبت فقهاء ومحدثين – فحول هذا الفقيه الفقه من الفقه الروائي الذي كان في ثوب روايات مسندة، ‏إلى تجريد ألفاظها وحذف أسانيدها فعرض الفقه في صورة متن فقهي مستخرج من الروايات مع ‏الاحتفاظ على الفاظها قدر المستطاع.‏
فدوّنها في رسالة له إلى ولده، محمّد بن علي المعروف بـ(الشيخ الصدوق)(م381هــ) ولم تصلنا هذه ‏الرسالة كاملة، سوى قطعات منها أدرجها ابنه في كتابه (من لا يحضره الفقيه) - وهو أحد الكتب ‏الأربعة المعتبرة في الحديث عند الإمامية – وكذلك في غيره من كتبه الفقهية. ويسمى هذا النوع من ‏الفقه (مجرد الفقه) أو الفقه المنصوص. فهذا يعد أول تحول في الفقه الإمامي.‏
ثم نهض في القرن الرابع فقيه معاصر للشيخ الصدوق باسم (محمّد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي)، ‏المتوفي عام 381هـ(6).‏
نفس العام الذي توفي فيه الصدوق – بتأليف كتب استدلالية في الفقه الإمامي، على طراز ماكان عند ‏أهل السنة من ذي قبل، ولكن كتبه – مع الأسف – لم تصلنا. سوى بعض فتاويه متفرقة في الكتب ‏المتأخرة من زمانه. ويبدو أنها تـُركت وطُردت حين ظهورها من قبل العلماء، لأنها كانت مظنة الرأى ‏والقياس – وقد كان ابن جنيد ينسب إليه العمل بالقياس – وحينئذ قام تلميذه وتلميذ الصدوق معا ‏الشيخ المفيد (م 413هـ) أبو  عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان، بتأليف الفقه والأصول بنفس ‏الأسلوب مع الاحتراز عن القياس. وتبعه أصحابه في هذه الطريقة، ولاسيما الشريف المرتضى علم ‏الهدى (م436هـ) وأبو جعفر الطوسي وغيرهما، فألف المرتضى كتاب (الذريعة) والطوسي كتاب ‏‏(العدّة)، كلاهما في علم الأُصول وهذان الكتابان لحد الآن من أحسن المؤلفات في هذا العلم عند ‏الإماميّة، ومن أقدمها. ولم يكتف السيد والشيخ بتأليف علم الأُصول بل قاما بتفريع الفروع على طراز ‏ما شاع بين المذاهب الأخرى قبل ذلك. – كما قاما بتأليف الكتاب في مسائل الخلاف في الفقه - ‏فللطوسي - كتاب كبير باسم (المبسوط) في الفقه التفريعي، وقد نص في أوله على أن أصحابنا ‏الإمامية كانوا إلى هذا الوقت يكتفون بالفقه المنصوص مجتنبين التوسع في الفروع حذرا من الوقوع ‏في القياس والرأي. وقال: إني أطرح كل ما فرغ الفقهاء حسب قواعدهم في التعويل على القياس، ‏وأعالجها من دون القياس تعويلا على أصولنا.‏
وهذا الكتاب يعد أول كتاب في الفقه التفريعي عند الإماميّة. ولكن ليس معنى ذلك لم يكن قبله ‏تفريع في الفقه عندهم أصلا، كيف وفي كثير مما روي عن الأئمة عليهم السلام يوجد التفريع، بل ‏يروى عن الإمام الصادق عليه السلام (م148هـ) أنه قال: إنما علينا أن نلقى إليكم الأُصول وعليكم ‏أن تفرّعوا(7).‏
وعن الإمام الرضا عليه السلام (م203هـ) – وهو ثامن الأئمة – أنه قال: علينا إلقاء الأُصول وعليكم ‏التفريع(8).‏
إلى غيرهما من الأحاديث. ولكن الإمامية لم يوسّعوا في التفريع إلا قليلا ووقفوا عند النصوص حسب ‏ماقاله الطوسي.‏
وهذا النوع من الفقه شاع بعد الطوسي بين الإمامية وتوسّع عبر العصور إلى هذا الزمان، ولم يتوقف ‏في وقت من الأوقات، ولهم في الفقه والأصول مطولات ومختصرات وكتب الفتاوي لا تعدّ ولا ‏تحصى. وبأساليب شتـّى. من أجل أن باب الاجتهاد عندهم مفتوح لا يتبعون فقيها معيّنا كما يقلّد ‏أهل السنة أئمتهم. وإنّ أئمة آل البيت(ع) أقوالهم من مصادر الفقه والاجتهاد وليس الناس يقلدونهم ‏كمجتهدين، وهذا هو الفارق بين مذهب أهل البيت والمذاهب الأخرى، وبين أئمتهم وأئمة المذاهب.‏
ومع ذلك لم تنقطع بتاتا طريقة الفقه المنصوص، أو الفقه الروائي، فكان يوجد بين الفقهاء من يميل ‏إليه، تاركا الفقه التفريعي إلى أن قام بتجديده ونشره في القرن الحادي عشر عالم باسم (محمّد أمين ‏الإسترابادي) (م 1032) وله كتاب باسم (الفوائد المدنية)، وتبعه آخرون سموا باسم (الأخبارية) ‏لاعتمادهم على الروايات والأخبار، فشكّلوا جماعة في قبال جمهور الإمامية، الذين يعبر عنهم ‏بـ(الأصوليين) لاعتمادهم على علم الأُصول. ولهؤلاء الأخبارية آٍراء خاصة، وكان اكثرهم قاطنين ‏‏(البحرين) وماجاورها من البلاد في الجزيرة العربية، ثم هاجروا إلى ساير البلاد ونشروا مسلكهم. ‏والأخبارية بين الإمامية كأهل الحديث والسّلفية عند أهل السنة.‏
وهم بين مفرط في الإنكار على الأصوليين وعدّهم من أتباع طريقة أهل الرأي والقياس، وبين معتدل ‏في الموقف. ومن أبرزهم وأعدلهم موقفا الشيخ يوسف البحراني الساكن في الحائر الحسيني (كربلاء) ‏صاحب كتاب (الحدائق الناضرة) وغيرها من المؤلفات (1107 – 1186هـ).‏
والأخبارية كان لهم دور كبير في الدولة القاجارية وقبلها، ولاسيما في عصر هذا العالم، إلا أنه قد ‏نهض عالم فـذّ من الأصوليين – وكان معاصراً له قاطنا معه في كربلاء أيضاً – وقاومه بشدة، وهو آقا ‏محمّد باقر البهبهاني المعروف بـ(الأستاذ الأكبر) و(الوحيد البهبهاني) (1118 – 1208هـ) فغلب عليه ‏وكسر صولة الأخبارية، وله مع البحراني قضايا مشهورة. وكان له تلاميذ وأصحاب من جُلّة ‏المجتهدين، أخذوا زمام أمر الشيعة الإمامية بيدهم، وتبعهم أكثر الناس، فانعزلت الأخبارية وتركوا ‏الساحة للأصوليين إلى عصرنا هذا.‏
وللأصوليين الذين تأخروا عن الوحيد البهبهاني آراء وإبداعات في علم الأُصول لم يسبق لها نظير من ‏ذي قبل، لا في الإمامية، ولا في غيرهم من أتباع المذاهب الفقهية الأخرى.‏
هذا هو موجز عن سير الفقه عند الشيعة الإمامية وقد حان الحين لبيان مصادر الفقه وضوابطه عندهم.‏
تتابع
المصدر: المجمع العالي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة

برچسب ها :

ارسال دیدگاه