ملاحظة
الميرزا الشيرازي ودوره السياسي في ثورة التنباك
انتشار فتوى المجدد الشيرازي الكبير السيد محمد حسن الشيرازي(قد) بتحريم التنباك (التبغ) في ايران أدّت الى إفلاس الشركة البريطانية المتاجرة بالتبغ والتي كانت غطاء التغلغل في ايران والسيطرة على الحكم وإقتصاد البلاد
فقد وافقت حكومة الشاه ناصر الدين القاجارية على منح إمتياز زراعة وتجارة التبغ في إيران للشركة البريطانية، وهذه كانت بّوابة لدخول الإستعمار في بلاد الإسلام وفرض الهيمنة السياسية والإقتصادية والثقافية على المسلمين في ايران، وبالتالي في غيرها من بلدان المنطقة.
فلم يمض على توقيع هذه المعاهدة الإستعمارية الخطيرة وقت طويل حتى تصدّى لها الإمام الميرزا الكبير المجدد السيد محمد حسن الشيرازي(قد) بإصدار فتوى حرَّمت إستعمال التنباك وهذا نصّها:
(إستعمال التنباك والتتن حرام بأي نحو كان، ومن إستعمله كان كم حارب الامام المنتظر(عج)).
*أثر الفتوی
كانت فتوى المجدد الشيرازي الكبير بمثابة ثورة ضد الإستعمار البريطاني، فقد أيقظت العالم الإسلامي وإعطته الوعي السياسي في تاريخه الحديث، حيث تنبَّه المسلمون بفضلها الى الأخطار التي يسببها النفوذ الأجنبي في بلادهم.
ولم تؤثر الفتوى هذه على الشعب الإيراني فقط، بل سرى أثرها حتى الى بلاط الشاه، فعندما شاع خبر الفتوى بين الناس ترك جميع افراد الشعب الايراني التدخين وكُسرت كُل نارجيلة وكُل آلة تستعمل للتدخين حتى ان نساء وخادمات القصر الملكي في طهران كسرن كل نارجيلة وجدت في زوايا القصر (النارجلية كانت آلة التدخين في ايران آنذاك وكانت تستعمل على نطاق واسع)
وقد حدث كلّ ذلك في فترة قصيرة والشاه لايعلم بما حصل، فطلب من خادمه المُقرّب اليه أن يُعدّ له نارجيلةً حسب الاُصول وان يأتيها اليه على عادته في فترات معينه من كل يوم، فذهب الخادم وعاد دون ان يأتي بنارجيلة معه فامره الشاه باحضارها فذهب وعاد بودنها حتى فعل ذلك ثلاث مرات وفي المرة الثالثة غضب الشاه ونهره بشدةٍ فأجابه الخادم بالقول: عفواً سيدي لم تبق في القصر نارجيلة واحدة الاّ وكسرتها الخانمات «السيدات» وهنّ يقلن: ان الميرزا الشيرازي قد حرّم التدخين.
وحُكي ان بعض (أهل السوابق) كانوا جالسين في احدى المقاهي فعندما سمعوا ان الميرزا الشيرازي قد حرّم التدخين قاموا على التو بكسر وتحطيم نارجيلاتهم، فقال لهم بعض الجالسين في المقهى: انتم ترتكبون كل منكر ولاتتورعون عن فعل المُحرّم وكيف والحالة هذه تمتثلون لفتوى الشيرازي وتمتنعون عن التدخين وتكسرون آلته، ان هذا الامر مستغرب منكم، فقالوا اننا نفعل المعاصي ولنا أمل بالرسول وآله بيته ان يشفعوا لنا الى الله سبحانه وتعالى ويطلبوا لنا غفران ذنوبنا، والميرزا الشيرازي اليوم هو نائبهم وحامي شرعهم ومُؤدّيه الى الناس فنحن نأمل ان يشفع لنا عندهم فاذا اغضبناه فمن الذي يشفع لنا ويسأل من الله غفران ذنبوبنا؟
ان هذا الكلام البسيط يبرهن لنا كيف ان فتاوى الميرزا الشيرازي كانت تترك تأثيراً عميقاً وعلى اوسع نطاق سواء في الوسط الشعبي او في الاوساط السياسية الحاكمة.
وهكذا ترك الملايين من مواطني ايران آنذاك التدخين عملاً بفتوى الميرزا الشيرازي فاضطر الشاه الى فسخ الامتياز مع الشركة الانجليزية ودفع ما خسرته بسبب ذلك، وقد تكون فتوى الشيرازي قد تسبب في خسارة الحكومة الايرانية في حينه لكنها صانت بلاد الاسلام من تغلغل النفوذ الاجنبي ومن الاحتكارات الاستعمارية التي لو انتصرت بحصولها على امتياز التبغ والتنباك في ايران لتمادت في امتصاص خيرات بلاد الاسلام ولفرضت بالتدريج هيمنتها وسلطتها على مقدرات الاسلام والمسلمين، ومن هنا كانت فتوى الميرزا الشيرازي نابعة عن تبصّر وبُعد نظرٍ وحرصٍ شديد على صيانة أرض الاسلام وحماية مصالح المسلمين بوجه اطماع الاجانب.
*ثم لا اله الا الله
عندما أصدر المجدّد الشيرازي الكبير فتواه، بعث الحاكم ناصر الدين شاه (القاجاري) مندوباً الى الامام الشيرازي ليشرح له فوائد المعاهدة مع البريطانيين، لعله يقنع السيد في سحب فتواه.
دخل المندوب على السيد الشيرازي، وأخذ يتكلم بكلام مسهب حتى انتهى بعد اطناب وتملّق.
فكان جواب الشيرازي الكبير، هذه الكلمة الشريفة فقط: (لا اله الاّ الله).
ثم أمر السيد باحضار القهوة، اشارة الى ختام الجلسة.
خرج المندوب الايراني، وعاد مرة أخرى في اليوم الثاني، وهو يعيد كلامه الاول بأسلوب آخر. ولما انتهى من كلامه، اعاد السيد الشيرازي، كلمته باضافة (ثم) فقال: (ثم لا اله الاّ الله).
وهكذا أمر بإحضار القهوة اشارة الى انتهاء اللقاء.
ولمّا رجع مندوب الشاه، سأله الشاه: ماذا كانت النتيجة؟
فقال المندوب الذي كان مرهقاً من سفرته الى العراق:
«لا شيء، فقد قال السيد: لا اله الاّ الله».
*إثر فتوى المجدد الشيرازي في العراق
وقد تابع العراقيون، وخاصة في المناطق الشيعية تلك الأحداث باهتمام كبير. وأما داخل الحوزات والحلقات والمدارس العلمية فإنها أثارت جدلاً فكرياً وسياسياً عاماً، وهكذا مثلت الفتوى التي أصدرها الإمام الشيرازي، وتدخله المباشر في قضية التنباك، والانتفاضة المتولدة عنها، إحدى أهم المواقف والنشاطات الفكرية والسياسية للعلماء المسلمين الشيعة في العراق في أواخر القرن التاسع عشر، وشكلت مظهراً رئيساً من مظاهر الاتجاه الثقافي الفكري السياسي الإسلامي الذي مهد لقيام الحركة الإسلامية في العراق أوائل القرن العشرين.
المصدر: الکوثر