هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

سر الحاجة الى الإمام المعصوم

□ مقالة

سر الحاجة الى الإمام المعصوم

□  سماحة آیة‌الله محمدتقی مصباح الیزدی

الرمز لغةً
على الرغم ممّا یجمع المسلمین من اتفاق حول کلیّات الدین، کالأصول، والعقائد، والأخلاق، والأحکام (سواء ما کان منها متعلّقاً بالمناسك العبادیّة أو ما یختصّ بالأحکام المدنیّة، والحقوقیّة، والقوانین القضائیّة، والجزائیّة، والسیاسیّة، وما إلى ذلك من الشؤون الإسلامیّة)، إلاّ أنّهم یختلفون فی جانب ثانویّ من العقائد وبعض تفاصیل الأحکام والقوانین، الأمر الذی جعلهم أتباع فِرَق ومذاهب شتّى.
اِنّ من الممکن تلخیص هذه الخلافات فی محورین أساسیّین؛ الأوّل: محور العقائد المرتبط بعلم الکلام، والثانی: محور الأحکام (بمدلوله العام) الذی یستند إلى علم الفقه. النموذج البارز للخلاف حسب المحور الأوّل هو الخلاف بین الأشاعرة والمعتزلة فی المسائل الکلامیّة. أما النموذج فی نطاق المحور الثانی فهو الخلاف فی المسائل الفقهیّة بین المذاهب السنیّة الأربعة.
اِنّ أحد أشهر الخلافات بین المذاهب الإسلامیّة هو ذلك القائم بین الشیعة والسنّة فی قضیّة الإمامة، حیث یعتقد الشیعة (الإمامیّة) اَنّ علیّ بن أبی‌طالب(ع) هو الإمام بعد رحیل النبیّ الأکرم(ص) والخلیفة من بعده، فی حین لا یعتبر أهل السنّة علیّاً سوى أنّه الخلیفة الرابع من بعد الرسول(ص). فی واقع الأمر إنّ المیزة الرئیسیّة التی تمیّز مذهب الإمامیّة هی الاعتقاد بإمامة الأئمّة الاثنی عشر مع حیازتهم لثلاث خصال: العصمة، والعلم الموهوب من الله، والتنصیب من قبل الله تعالى.
هنا یطرح سؤال وهو: هل إنّ أصل هذا الخلاف مرتبط بحقل العقائد والکلام، واِنّ الخلافات الفقهیّة ذات الصلة به لا تعدو أن تکون سوى مسألة فرعیّة لیس إلاّ؟ أم إنّه خلاف فقهیّ صِرف؟ أم هو نزاع سیاسیّ أشبه ما یکون بذلك الذی ینشب بین حزبین سیاسیّین على انتخاب مرشّح الرئاسة لکلّ منهما؟
الحقیقة هی أنّ هذه المسألة ـ على الأقلّ من وجهة نظر التشیّع ـ هی مسألة عقائدیّة کلامیّة، واِنّ ابعادها الفقهیّة والسیاسیّة لها جنبة فرعیّة لا غیر. بعبارة أخرى: اِنّ للنظام العقائدیّ عند الشیعة حلقات مرتّبة ومتناسقة والإمامة تشکل واحدة من تلك الحلقات، وبحذفها تفقد هذه السلسلة انسجامها وکمالها. من أجل أن یزداد هذا المطلب وضوحاً یتعیّن علینا أن نلقی نظرة إجمالیّة على النظام العقائدیّ للشیعة، لتتّضح لنا مكانة الإمامة من هذا النظام المتسلسل ویتبیّن السبب من وراء اهتمام الشیعة بهذه القضیّة والدلیل على ضرورتها.
إنّ الحلقة الاُولى فی النظام العقائدیّ للإسلام هی الاعتقاد بوجود الإله الواحد، ومن ثمّ الاعتقاد بصفاته الذاتیّة والفعلیّة. اِنّه، ووفق الرؤیة الإسلامیّة، فإنّ الله تعالى، کما اِنّه الخالق لکلّ ظاهرة فی الوجود، فهو الربّ والمدبّر والمدیر لها کذلك، ولا موجود على الإطلاق هو خارج عن مملکة خالقیّته وربوبیّته. والله سبحانه وتعالى لم یخلق أیّ شیءٍ باطلاً أو عبثاً، بل اِنّ الکلّ قد خُلق وفق نظام حکیم، وکلّ الموجودات، التی تنتظم فی سلاسل طولیّة وعرضیّة، وبسعة تمتدّ منذ الأزل وحتّى الأبد، تشکّل معاً نظاماً واحداً متناسقاً تتمّ إدارته ـ بمقتضى الحکمة الإلهیّة ـ بواسطة قوانین العلیّة.
ومن بین مخلوقات الباری تعالى، التی لا تُحصى ولا تُعد، هو الإنسان الذی یمتاز بصفات من قبیل الشعور، والتعقُّل، والإرادة، والإختیار، الأمر الذی یجعل أمامه مسیرین: أحدهما یتّجه نحو السعادة، و الآخر یقوده نحو الشقاء الأبدیّ. لهذا السبب فالإنسان مشمول بربوبیّة خاصّة ـ زائدة على تلك الربوبیّة التی تشمل کل ظواهر الوجود غیر المختارة ـ ألا وهی الربوبیّة التشریعیّة. أی اِنّ مقتضى الربوبیّة الإلهیّة الجامعة، بالنسبة للإنسان، هو أن توفّر له الأسباب والمقدّمات للسیر الاختیاریّ والتی من بینها تعریفه بالهدف وتشخیص معالم الطریق الذی سیطویه للوصول إلیه، کی یتیسّر له الاختیار عن تعقّل ووعی. على هذا الأساس فإنّ مقتضى الحکمة الإلهیّة هو ترمیم النقص الحاصل فی ادراکاته الحسیّة والعقلیّة عن طریق علوم الوحی.
یتّضح مما تقدّم مدى أهمیّة مجموعة الوحی والنبوّة فی هذا المضمار. لأنّ الله تبارك و تعالى لو أنّه أوکل الإنسان إلى نفسه ولم یرسل له الأنبیاء لیدلّوه على الصراط المستقیم للوصول الى السعادة الأبدیّة، لکان کالمضیف الذی یدعو ضیفه للقیام بضیافته ثمّ لا یدلّه على دار الضیافة!
اِنّ تعالیم الأنبیاء کانت تشکو ـ تحت تأثیر عوامل شتّى ـ التغییر والتحریف، العمدیّ منه وغیر العمدیّ، بمرور الوقت إلى الحدّ الذی كانت تفقد معه خاصیّتها فی الهدایة، الأمر الذی کان یستدعی بعثة نبیّ آخر لکی یحیی التعالیم الماضیة ویأتی ـ إذا لزم الأمر ـ بتعالیم أخرى تضاف إلى سابقاتها، أو تحلّ محلّها.
لعلّ سؤالاً یطرح هنا، وهو: هل اِنّ هذا المنوال سیستمرّ اِلى أبد الآبدین؟ أم اِنّ من الممکن اَن تأتی شریعة متکاملة تبقى مصونة من آفة التحریف فتنتفی الحاجة بذلك إلى بعثة نبیّ آخر؟ اِنّ الإجابة التی یطرحها الإسلام على هذا السؤال هی الخیار الثانی. فکلّ المسلمین متفقون على أنّ الإسلام هو آخر شریعة سماویّة، وأنّ نبیّ الإسلام هو خاتم الأنبیاء، واَنّ القرآن الکریم، الذی هو المصدر الأساسی لهذه الشریعة، قد وصل اِلى أیدینا سالماً، خالیاً من التحریف وسیبقى کذلك.
غیر أنّ القرآن الکریم لم یُبیّن کلّ ما تحتاجه البشریّة من تعالیم بشکل تفصیلی، وأوکل هذه المهمّة الى النبیّ الأکرم(ص)، فقد جاء فی القرآن ما نصّه: «وَأَنزَلْنَا إِلَیْكَ الذِّكْرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیْهِمْ»2. ویُستدلّ من ذلك على اَنّ المصدر الثانی لمعرفة الإسلام هو «السنّة». اِلاّ اَنّ هذا المصدر لیس مصوناً [من التحریف] کما کان القرآن مصوناً منه. فنفس النبیّ الأکرم(ص) قد تنبّأ ـ والشواهد التاریخیّة القطعیّة متوفّرة ـ على انّ أفراداً سینسبون، کذباً، اِلى النبیّ ما لم یقُله وسینقلون عن لسانه أقوالاً عاریةً عن الصحّة.
هنا یأتی سؤال آخر مفاده: ما هو المشروع الذی رسمته الربوبیّة الإلهیّة فی سبیل تأمین هذه الحاجة الملحّة بعد رحلة الرسول الأعظم(ص)؟ فی هذه النقطة بالذات یُلاحظ اَنّ هناك حلقة مفقودة فی سلسلة التشکیلة الفکریّة والعقائدیّة لأهل السنّة على خلاف التشکیلة العقائدیة للشیعة حیث تسطع ـ فی هذا المجال ـ حلقة غایة فی الوضوح ألا وهی «الإمامة». بمعنى: اِنّ تبیین أحکام الإسلام وقوانینه وتفسیر عمومیّات القرآن الکریم ومتشابهاته بعد النبیّ الأکرم(ص) قد أوکل الى أفراد یتمتّعون بعلم أفاضه الله علیهم، ومَلَکةٍ منحهم ایّاها وهی العصمة، وکذا جمیع المقامات والمزایا التی کانت للنبیّ الأعظم(ص) ـ باستثناء النبوّة والرسالة ـ کمقام الولایة والحکومة. بتعبیر آخر: اِنّ ربوبیّة الله التکوینیّة قد اقتضت وجود مثل هذه الشخصیّات فی هذه الأمّة، واِنّ ربوبیّته التشریعیّة قد اقتضت فرض طاعة هؤلاء على الناس.
إذن حلقة الإمامة هی فی الحقیقة استمرار لمجموعة الرسالة، واِنّ عترة الرسول الأکرم(ص) هم الذین واصلوا الطریق وقاموا بمهمّة الرسول(ص) من بعده، حیث أنّهم ـ ومن دون تمتّعهم بمقام النبوّة ـ حفظوا میراث هذا الرجل العظیم وبیّنوه للأجیال القادمة، وهم قد نُصّبوا ـ ضمناً ـ من قبل الله جلّ وعلا، لإدارة شؤون المجتمع الإسلامیّ، والتصدّی لمقام الحکومة والولایة على الاُمّة، على الرغم من اَنّ هذا الأمر لم یدخل حیّز التنفیذ اِلاّ لفترة وجیزة، کما اِنّه لم یکن قد تیسّر اِلاّ لبعض الأنبیاء فقط وفی برهة محدودة من الزمن.
استناداً اِلى ما تقدّم أصبح من الجلیّ أنّ مسألة الإمامة أصلاً هی مسألة کلامیّة ولابد اَن تُبحث من باب أنّها قضیّة عقائدیّة، لا اَن تُناقش على اَنّها مجرّد فرع من فروع الفقه أو بعنوان أنّها قضیّة سیاسیّة أو تاریخیّة.
المصدر: الموقع الاعلامی لآثار آیة الله الشیخ محمدتقي مصباح یزدي
مؤتمر حول التشیّع / فیلادلفیا
تمّوز / 1993

برچسب ها :
ارسال دیدگاه