□ مقالة
الإمام الرضا(ع) سليل العلم النبوي
□ محمد طاهر الصفار
أمتاز عصر الإمام الرضا(ع) بأتساع الحركة العلمية, حيث نشط البحث والتدوين والتأليف والتصنيف ونشأت المدارس الإسلامية والتيارات الفلسفية والفكرية، وبدأت حركة الترجمة عن اللغات المختلفة، فكانت هذه الفترة من أغنى فترات الفكر والثقافة الإسلامية، وقد عاش في هذه الفترة كبار العلماء والفقهاء والمتكلمين، فكان الإمام الرضا(ع) وسط هؤلاء كالقطب من الرحى فهو محور التوجيه ومركز الإشعاع ومنطلق الهداية، ومفزع العلماء وملجأ أهل الفكر يناظر على التفسير ويحاور أهل الفلسفة والكلام ويرد على الزنادقة والغلاة حتى جمع محمد بن عيسى اليقطيني المسائل التي أجاب عنها الإمام الرضا(ع) في شتى العلوم فبلغت خمسة عشر ألف مسألة، وكان المأمون العباسي يعقد مجالس المناظرة ويدعو المسلمين والمتكلمين وعلماء الأديان الأخرى وأصحاب الدعوات ويدعو الإمام الرضا(ع) للمناظرة والحوار، فلا يخرج هؤلاء من المناظرة إلا وقد أقروا بعلم الامام الرضا(ع) وفضله عليهم ويعبر الإمام الرضا(ع) عن هذه الحقيقة بقوله: كنت أجلس في الروضة والعلماء متوافرون فإذا أعيا الواحد منهم مسألة أشاروا إلي أجمعهم وبعثوا إلي بالمسائل فأجبت عنها.
يقول ابن الجوزي في تذكرة الخواص والحاكم في تاريخ نيسابور: لقد أخذ(ع) العلم والحديث عن أبيه، وكان يجلس في مسجد رسول الله(ص) فيفتي الناس وهو ابن نيف وعشرين سنة.
لقد تصدى الإمام الرضا(ع) لكل أصحاب الفرق المخالفة والأديان والمذاهب وناظرهم وفاق علمه علمهم فقدم للأمة الإسلامية رصيداً علمياً عظيماً تفخر به وقد سجلت كتب التاريخ هذه المناظرات التي يعجز عنها كبار علماء الأمة سوى الإمام الذي تلقى علمه عن آبائه الطاهرين وهي مناظرات طويلة بذل فيها الخصوم كل جهدهم وسخروا كل علمهم فيها لكنهم باءوا بالفشل أمام العلم الإلهي الذي يحمله الإمام فقد كان(ع) أعرف منهم بكتابهم فناظر أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجيلهم، وأهل الزبور بزبورهم، والصابئين بعبرانيتهم، وأهل الهرابذة بفارسيتهم، وأهل الروم بروميتهم، وأصحاب المقالات بلغاتهم ! فقطع كل صاحب دين ودحض حجته، فرجعوا إلى قول الإمام(ع)..
▪ مع الجاثليق
أثبت(ع) للجاثليق كبير النصارى حقيقة نبوة النبي (ص) في الإنجيل على لسان يوحنا الديلمي أقرب الناس إلى المسيح والذي قال: إنما المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشرني به أنه يكون من بعده فبشرت به الحواريين فآمِنوا به؟
كما أثبت لهم السفر الذي جاء فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمته وأجاب(ع) عن أسئلة الجاثليق عن عدد حواري عيسى بن مريم عليه السلام وعن علماء الإنجيل كم كانوا؟ ومن هم؟ ثم أفحمه الإمام(ع) عندما قال له الجاثليق إن عيسى ما أفطر يوماً قط ولا نام بليل قط وما زال صائم الدهر وقائم الليل.
فقال له(ع): فلمن كان يصوم ويصلي؟!
ولما علل الجاثليق عبادته للمسيح(ع) بأنه كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص فهو رب مستحق لأن يعبد. قال له الإمام الرضا(ع): فإن اليسع قد صنع مثل صنع عيسى عليه السلام, مشى على الماء وأحيا الموتى وأبرء الأكمه والأبرص، فلم تتخذه أمته رباً ولم يعبده أحد من دون الله (عز وجل)، ولقد صنع حزقيل النبي عليه السلام مثل ما صنع عيسى بن مريم فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة قبل المسيح كما أحيا النبي إبراهيم وموسى الموتى قبل النبي.
▪ رأس الجالوت
ثم أثبت(ع) لرأس الجالوت كبير اليهود نبوة محمد(ص) في التوراة فقال له: أقبِل عليّ أسألك بالعشر آيات التي أُنزلت على موسى بن عمران عليه السلام هل تجد في التوراة مكتوبا بنبأ محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير يسبّحون الرب جداً جداً تسبيحاً جديداً في الكنائس الجدد فليفرغ بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم, لتطمئن قلوبهم، فإن بأيديهم سيوفاً ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض. أهكذا هو في التوراة مكتوب؟
فقال رأس الجالوت: نعم إنا لنجده كذلك.
▪ عمران الصابئ
كما ناظر(ع) عمران الصابي كبير الصابئة وأجاب على أسئلته وأفحمه بالجواب فلما سأله عمران عن الكائن الأول وعما خلق قال له عليه السلام:
سألت فافهم أما الواحد فلم يزل واحداً كائناً لا شيء معه بلا حدود وأعراض ولا يزال كذلك ثم خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة لا في شيء أقامه ولا في شيء حده ولا على شيء حذاه ومثله له، فجعل الخلق من بعد ذلك صفوه وغير صفوه واختلافاً وائتلافاً وألواناً وذوقاً وطعماً، لا لحاجة كانت منه إلى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلا به، ولا أرى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصاناً.
ثم قال عليه السلام: واعلم يا عمران أنّه لو كان خلق ما خلق لحاجه لم يخلق إلاّ من يستعين به على حاجته ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق؛ لأنّ الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى والحاجة يا عمران لا يسعها لأنه كان لم يحدث من الخلق شيئاً إلاّ حدثت به حاجه أخرى؛ ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض وفضل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى فضل ولا نقمه منه على من أذل، فلهذا خلق.
فقال عمران: يا سيدي، هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه؟
قال الرضا عليه السلام: إنّما يكون المَعْلَمة بالشيء لنفي خلافه، وليكون الشيء نفسه بما نُفي عنه موجوداً، ولم يكن هناك شيء يُخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها ....
وهي مناظرة طويلة جداً تضمنت أسئلة وأجوبة عن علم الله بما في الضمائر وحدود خلق الله ووحدانيته ومعنى الكلام والنطق لله تعالى والتغيّر والحدوث والإبداع والخلق وحقيقة وجود الله تعالى وفي نهاية المناظرة أذعن فيها عمران للحق الذي جاء على لسان الإمام وأسلم
كما ناظر(ع) الهربذ الأكبر(عالم المجوس وقيل عظماء الهنود) وأصحاب (زرادشت) ونسطاس الرومي (عالم بالطب) والمتكلمين (الفلاسفة وعلماء المذاهب الإسلامية)
المصدر: العتبة الحسینیة المقدسة