هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

بداية رحلة جديدة؛ في ذكرى الأستاذ محمد حسين حشمت‌بور (ره)

بداية رحلة جديدة؛ في ذكرى الأستاذ محمد حسين حشمت‌بور (ره)

في صباح يوم السبت، وبعد أداء صلاة الفجر، وكعادتي اليومية، بدأت أتنقل بين صفحات العالم الافتراضي. فجأة، دوّى في روحي خبر كالرعد في سماء هادئة: الأستاذ محمد حسين حشمت‌بور، ذلك الحكيم المتجرد والفيلسوف الذي أبقى لسنوات مصباح الحكمة والعرفان مشتعلاً في مدرسة خان بمدينة قم، لم يعد بيننا.
لحظة صمتتُ، ونظرتُ إلى الجدار. أخذت ذكريات سنواتي الأولى في قم تتدفق إلى ذهني واحدة تلو الأخرى. في تلك السنوات، جلستُ بشوق لا يوصف في حلقات درسه، وتعلمت منه بعض أجزاء النمط الثامن من كتاب "الإشارات"، وكذلك "شوارق الإلهام".
 
لكن ما بقي خالدًا في ذاكرتي ليس فقط علمه الغزير، بل تواضعه وأدبه الذي لا نظير له. كان الأستاذ دائمًا يجلس أثناء الدرس مبتعدًا عن الجدار، ولم يكن أبدًا يتكئ عليه في حضور الآخرين. كان يجلس على ركبتيه، يضع الكتاب عليهما، ويخفض رأسه بهدوء وبزاوية خاصة. هذه الزاوية، وكأنها كانت لغة صامتة تصرخ بالخجل والتواضع. كان يقول لطلابه مرارًا إن هذا الانحناء ليس عادة، بل قرارًا واعيًا اتخذه في طفولته؛ قرارًا للابتعاد عن أي نظرة غير ضرورية والحفاظ على نقاء الذهن. حتى أنه نادرًا ما كان ينظر إلى الرجال، وكانت هذه العادة علامة على تركيزه العميق ونقاء داخله.
كان صوته هادئًا، وكل كلمة كان ينطق بها كانت مختارة بعناية بالغة. كلماته كانت مثل لآلئ ثمينة تستقر في أذهان طلابه. كان يقول إنه كرّس 350 يومًا من بعض السنوات للتدريس. لكن تدريسه لم يكن مجرد نقل للمعرفة؛ بل كان يفتح عقد الفلسفة والعرفان الصعبة، ويأخذ طلابه إلى عوالم أعمق. قضى سنوات طويلة يتعامل مع العبارات المعقدة في "شفاء" ابن سينا. وكان أحيانًا يشكو من صعوبتها، لكنه لم ينكر أبدًا عمق فكر ابن سينا. وكان يمزح قائلًا: "لدي كلام كثير مع ابن سينا يوم القيامة! ليس معه شخصيًا، بل مع تعقيد عباراته!".
لكن في السنوات الأخيرة، ما أدهشني أكثر من أي شيء آخر هو القرار الكبير الذي اتخذه الأستاذ. بعد أربعة عقود من تدريس الفلسفة، فجأة غيّر مساره. ترك الفلسفة والحكمة النظرية ورحل نحو تفسير القرآن وتدريس الحديث. في إحدى الجلسات، قال بصوت هادئ: "لقد تجاوزنا الفلسفة. قضيت عمري في المقدمة، ولم أصل بعد إلى صلب الموضوع".
كانت هذه الجملة البسيطة، في ظاهرها وداعًا للفلسفة، لكنها في الحقيقة كانت بداية رحلة جديدة نحو ينابيع العلم والحكمة الأصيلة.
بهذا القرار، أعطانا الأستاذ حشمت‌بور درسًا عظيمًا. أظهر لنا أن أي علم، مهما علا شأنه، ليس إلا مقدمة للوصول إلى الحقيقة النهائية؛ تلك الحقيقة التي تتجلى في القرآن والحديث. من خلال تدريسه "تفسير مجمع البيان" واستبدال دروس الحديث بدروس الفلسفة، علّمنا أن العودة إلى الأصل هي عودة إلى النور والحقيقة. لم تكن هذه العودة من باب التعب، بل كانت دليلًا على نضجه الفكري. لقد أدرك أن الفلسفة والحكمة ليست سوى جسر يعبر به إلى فهم أعمق؛ وأن الوجهة النهائية هي القرآن والحديث.
كان الأستاذ محمد حسين حشمت‌بور، بحياته المتواضعة، نموذجًا لا مثيل له لكل طالب علم يسعى ليس فقط إلى التميز في العلم، بل إلى بلوغ القمة في الأخلاق والإيمان. برأسه المنحني، أرانا علوّ المعرفة؛ رجلٌ فتح قلبه الممتلئ بالإيمان وإرادته الراسخة طريقًا نحو الحقيقة.
نُخلِّد ذكراه، ونتعلم منه أن العلم ليس هدفًا بحد ذاته، بل هو مصباح يضيء الطريق نحو حقيقة أعظم. أظهر لنا أن العلم وحده لا يكفي؛ بل الأدب، والتواضع، والإيمان هي التي تجعل الطريق أكثر إشراقًا.
قصة حياته دعوة إلى الاجتهاد، والتواضع، والعودة إلى ينابيع العلم الأصيلة؛ حيث يضيء نور الحقيقة الذي ينادي كل طالب علم ويسعى له.

برچسب ها :
ارسال دیدگاه