هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

"رسالة الحوزة العلمية في مواجهة محاولات طمس الهوية الإسلامية"

مقالة

"رسالة الحوزة العلمية في مواجهة محاولات طمس الهوية الإسلامية"

الآفاق- كتب سماحة الشيخ حسين التميمي من العراق مقالًا قيمًا لأسبوعية "الآفاق" تحت عنوان: "رسالة الحوزة العلمية في مواجهة محاولات طمس الهوية الإسلامية"، تناول فيه دور الحوزة العلمية كحصن فكري وديني للأمة الإسلامية في التصدي للتحديات الكبيرة التي تهدد الهوية الإسلامية في ظل التحولات الاجتماعية والفكرية والثقافية المعاصرة. وقد استعرض الكاتب بعمق الجهود التاريخية والمعاصرة للحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدسة، مشيرًا إلى دورها المحوري في حماية القيم الدينية والثقافية، ومواجهة موجات التغريب والغزو الثقافي والحروب الناعمة التي تستهدف العقول والقلوب، مؤكدًا على أهمية تطوير أدوات التبليغ والخطاب الفكري بما يتلاءم مع متغيرات العصر. وإلیکم نص المقال:
إن في ظلّ التحولات الاجتماعية والفكرية والثقافية التي يشهدها العالم المعاصر، تواجه المجتمعات الإسلامية تحديات جسيمة تستهدف طمس هويتها الدينية والثقافية، وسلخها عن جذورها الأصيلة، وذلك من خلال موجات التغريب، والعولمة الثقافية، والحروب الناعمة، والتشكيك في الثوابت الدينية، والتلاعب بالمفاهيم الكبرى كالحرية والعدالة والهوية.. وفي هذا السياق، تبرز مسؤولية الحوزة العلمية، بوصفها الحصن الفكري والديني للأمة، في التصدي لهذه المحاولات، وحماية الهوية الإسلامية، وبعث الوعي في نفوس المسلمين، وتقديم خطاب واعٍ يتلائم مع متغيرات العصر، ويواجه الانحرافات الفكرية والثقافية التي تهدد القيم والمبادئ الإسلامية.
ولقد كان للحوزة العلمية، وخصوصًا في النجف الأشرف وقم المقدسة، دورٌ محوريٌ على مرّ العصور في الحفاظ على الهوية الإسلامية والمذهبية، إذ لم تقتصر رسالتها على التعليم ونشر المعرفة الدينية، بل امتد دورها إلى تأصيل المفاهيم، والتصدي للغزو الثقافي، والرد على الشبهات، والدفاع عن قيم الأمة ومقدساتها، ففي مرحلة الاستعمار الغربي، نهضت الحوزة بقيادة علماء كبار، كالشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والسيد محسن الحكيم، والسيد الخميني، والسيد محمد باقر الصدر (رضوان الله تعالى عليهم)، في مواجهة محاولات طمس الهوية الإسلامية التي كانت تُغلّف بشعارات التمدن والتحرر، فكانت فتاواهم ومواقفهم مصابيح هداية، أشعلت جذوة الوعي في قلوب الشعوب، وأسهمت في تحريك الجماهير لمقاومة الاحتلال الأجنبي، والتمسك بالانتماء الديني والوطني.
وفي العصر الحديث، ومع تطور أدوات الحرب الناعمة، كالإعلام الموجَّه، والمناهج الدراسية المفروضة، والتقنيات الرقمية التي تُستغل لبث القيم الغربية، والترويج للإلحاد واللادينية والانحرافات الأخلاقية، تعاظمت مسؤولية الحوزة العلمية في تحصين المجتمع ثقافيًا وفكريًا، وقد أكد سماحة السيد  علي الخامنئي (دام ظله) مرارًا أن "الحرب الناعمة أخطر من الحرب العسكرية"، لأنها تستهدف العقول والقلوب، وتسعى لهدم هوية الأمة من الداخل، داعيًا الحوزة إلى الحضور الفاعل في الميادين الثقافية والإعلامية، لا سيما بين أوساط الشباب.
ومن المواقف المشرفة المعاصرة للحوزة العلمية، ما قام به سماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني (دام ظله) بعد سقوط النظام البعثي عام 2003، حيث أكّد في بيانه التاريخي ضرورة أن يُكتب دستور العراق بما ينسجم مع هوية الشعب الإسلامية، رافضًا كل محاولات فرض العلمانية أو تغريب المجتمع. كما أولى سماحة السيد السيستاني - حفظه الله- أهمية كبيرة لدعم العملية التعليمية والدينية، وشجع أبناء المجتمع على التمسك بقيمهم، رغم ما تعرّض له العراق من أزمات سياسية وطائفية وهذا وجدناه من العتبتين الحسينية والعباسية بالحملة الثقافية الشاملة لكل العراق مع الانشطة الخارجية.
وفي قم المقدسة، برزت الحوزة بدور ريادي فعّال في تفعيل مراكز الدراسات الفكرية والعقائدية، والرد على الشبهات التي تستهدف أصول الدين، ومراقبة وسائل الإعلام الموجهة، وتقديم خطاب فكري عميق، من خلال مؤسسات علمية ومجلات متخصصة، كمركز المصطفى للدراسات، ومركز الأبحاث العقائدية، وغيرها من المنابر الفكرية التي أثرت ساحة المواجهة الثقافية.
ومن هنا فإن رسالة الحوزة العلمية لا تقتصر على الدفاع عن الهوية، بل تشمل بناء خطاب معرفي شامل، يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويخاطب الناس بلغة واقعية حيّة، تُقرّب المفاهيم الكبرى إلى أذهانهم وتُلبي احتياجاتهم، وتجعلهم أكثر وعيًا بثوابتهم الدينية وقيمهم الأخلاقية.
وكما بات من الضروري أن تطوّر الحوزة أدواتها في التبليغ، عبر استخدام الوسائط الرقمية الحديثة التي تُعدّ من أسرع وسائل النشر والتأثير، مع تأهيل طلاب العلوم الدينية للتفاعل مع الجمهور بلغة العصر، وإنشاء منصات فكرية وثقافية تواجه التيارات التغريبية التي تستهدف الأسرة، والقيم، والدين، وتسعى بكل وسيلة لتمييع العقيدة وتخريب الهوية.
وطالما قد أثبتت الحوزة العلمية، عبر تاريخها العريق ومواقفها المشرفة، أنها صمّام أمان الأمة وقلعتها الحصينة أمام محاولات التذويب والطمس الثقافي. فإن ما قدّمه علماؤها من تضحيات، وما أظهروه من وعي وبصيرة، يمثل أنموذجًا راقيًا في الوعي الرسالي والالتزام الشرعي. فطوبى لتلك الحوزة التي ما توانت عن أداء رسالتها في أحلك الظروف، وبوركت جهود رجالاتها الذين نذروا أنفسهم لخدمة الدين، وحماية عقائد الناس، وصيانة هوية الأمة وإنها اليوم، كما كانت بالأمس، تبقى منارة هدى ومشعل نور في زمن الفتن والانحرافات.

برچسب ها :
ارسال دیدگاه