هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

من أهداف علم الاستغراب مواجهة التقليد الأعمى للقيم الغربية

حوار / الجزء الثاني

من أهداف علم الاستغراب مواجهة التقليد الأعمى للقيم الغربية

الحوار مع :د. علي الطالقاني

 اسمحوا لنا بالعودة إلى المسألة الأولى، وهي: إذا اعتبرنا مثل هذا التفسير عن الغرب الذي تعرّضنا له على نحو الإجمال قراءةً خاطئةً، فما هو الغرب من وجهة نظركم، وكيف يجب أن يكون موقفنا منه؟
 
ـ حاليًّا هناك الكثير من الحركات الطليعية والقوية التي أخذت في الغرب تتعرّض إلى مسألة التديّن والإيمان بالله، وهي تدافع عن هذا النمط من الأفكار على خير وجهٍ. وأرى أن المسلمين بعيدون جدًّا عن مثل هذه الاتجاهات والتيارات. إن الأبحاث القروسطية أصبحت اليوم شائعةً في كافة الجامعات الفلسفية في الغرب، في حين ينظر إليها في الكثير من جامعات العالم الإسلامي بوصفها من الأمور البالية والقديمة. وفي الحقيقة فإننا قد أصبنا بتخلُّفٍ ثقافيٍّ. تحدث حاليًّا دراساتٌ عميقةٌ حول ابن سينا وصدر المتألهين، ولم يعد الاستشراق والأبحاث التاريخية تستقطب أنظارهم كثيرًا، بل الأعمال الجادّة والأصلية تدور حول المسائل الفلسفية. ولكننا نتصوّر أن تاريخ هذه الأبحاث قد انتهى، وفقدت أهميتها وانتهت صلاحيتها. وفي حدود علمي فإن الكثير من الجامعيين لا يحملون أفكارًا علمانيةً. وإن الكثير من الفلاسفة ليسوا علمانيين، وإنما يبحثون عن نموذجٍ مناسِبٍ من نماذج الحكومات الدينية، وفلسفة السياسة الدينية والأخلاق الدينية. إن بناء الفلسفة السياسية يقوم على فلسفة الأخلاق، ومن هذه الناحية هناك رؤيةٌ شبهُ أشعريةٍ في طريقها إلى الظهور والتبلور، ولكن المفكِّرين في العالم الإسلامي، لم يتمكّنوا للأسف الشديد من إقامة العلاقة والارتباط مع هذه التيارات. وفي الحقيقة فإن تصورنا عن العالم الغربي في القرن الحادي والعشرين، شبيهٌ بتصورنا له في القرن الثامن عشر للميلاد، في حين أن الواقع الغربي ليس كذلك. تصدر في الغرب حاليًّا مقالاتٌ حول مسائلَ، من قبيل: البحث عن جذورٍ للإيمان عند ديفد هيوم مثلًا. في حين أننا في المقابل نسعى دائمًا إلى إظهار هيوم بوصفه شخصًا ملحدًا. إننا نبحث عن شخصياتٍ كبيرة، لتكون نموذجًا للإلحاد، وعليه عن أيّ غربٍ نتحدث نحن؟ عن الغرب في القرن الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد. ثم إن عالم التفكير ليس هو عالم رسم الخطوط، إذ يمكن الاستفادة من أكثر الفلاسفة إلحادًا، على أفضل وجهٍ للدفاع عن الأفكار والآراء الدينية. من ذلك على سبيل المثال  أنّه يمكن لنا أن نقتبس من برتراند راسل الذي ألف كتابًا ضد المسيحية، وهذا الكتاب في واقعه مخالفٌ لجميع أنواع الإيمان بالله واللاهوت بعض الأفكار لتوضيح بعض المسائل الدينية، من قبيل: المعاد الجسماني والمادي. إن هذا الاتجاه كان يمثّل جزءًا من تحقيقٍ كنت قد أنجزته؛ وعلى هذا الأساس فإن القول بأن ديفد هيوم شخصٌ سيئٌ، وعليه ينبغي عدم قراءة أفكاره، لا أراه توجُّهًا خاطئًا فحسب، بل أذهب إلى الاعتقاد إلى ضرورة قراءتها والاستفادة من أفكاره وآرائه لصالح الدين. إن الأبحاث المطروحة حاليًّا في النظريات الإلهية أو نظرية الأخلاق الإلهية تقوم على أساس أفكار ديفد هيوم، وعلى أساس التمايز بين الواقعية والقيَم. وعلى هذا الأساس فإن الأمر من وجهة نظري ليس بحيث إنّه حتى كبار المؤسسين من أمثال: ديكارت وهيوم وكانط وغيرهم في مواجهةٍ مع الأفكار الدينية. كيف امتزجت الفلسفة الأفلاطونية والأرسطية بفلسفة ابن سينا والفارابي وأضحت إسلاميةً، في حين أنّه إنْ لم نقل بأسلمتها، فلا أقل من عدم رميها بالشرك. وعلى كلٍّ فقد أمكن لهذه الأفكار أن تمتزج بالتعاليم النبوية، أو أن تكون في الحدّ الأدنى في خدمة التعاليم النبوية. وأرى أن التفكير الحديث من هذا النمط أيضًا. ومن ناحيةٍ أخرى، صحيحٌ أن السياسة في البلدان الغربية قد تحولت بشكلٍ تقليديٍّ إلى سياسةٍ علمانيةٍ، إلا أن الكثير من رجال السياسة هم من المتدينين، ويسعون إلى تحطيم جدار العلمانية، ويعملون على إدخال الدين في المؤسسات السياسية ومصادر القرار الاجتماعي. ولا يخفى بطبيعة الحال أنهم يواجهون الكثير من التحدِّيات الجوهرية في هذا الشأن، ولكنهم يحملون هذا الهاجس ويصارعون من أجل تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم. ولربما يسود عكس هذه الحالة في بعض البلدان الإسلامية، حيث نجد أن المناخ الرسمي دينيٌّ بالكامل، ولكن البعض يسعى إلى إدخال العناصر العلمانية إلى السياسة. بمعنى تحكيم القشرة الدينية والروح العلمانية في السياسة.
 
 هل المواجهة الانتقائية مع الغرب صحيحةٌ وممكنةٌ؟ بمعنى أن نعمل من خلال التفكيك والفصل بين العقائد والتداعيات والمعطيات الغربية في حقل «الحسن» و«القبيح»، على أنْ نأخذ من الغرب كلَّ حسنٍ ما هو، وأن نجتنب منه كلَّ قبيحٍ.
 
ـ إن التعاطي العلمي يصبّ في مصلحة الإنسانية. ففي مثل هذا التعاطي يحصل كل طرفٍ على معطياتٍ جديدةٍ. إن هذا النوع من التعاطي يتحقق بين أبناء البشر. وقد تم إيجاد هذا الانفتاح بين الغربيين بالتدريج أيضًاً. من ذلك على سبيل المثال ما هي الضرورة إلى الإحالة إلى «المنقذ من الضلال» لأبي حامد الغزالي[1] في مقالة وجه ستانفورد؟ مع أن تلك المقالة تهتم بمطالعة الإيمان الإلحادي. في الكثير من المقالات الصادرة ما بين عاميْ 2015 2017 م تتمّ الإحالة إلى ابن سينا. فما الذي يعنيه هذا؟ هل يعني ذلك شيئًا غير إيجاد الانفتاح. إن هذا المناخ لم يعد مناخًا سياسيًّا. في الحقيقة حينما يقوم فيلسوفٌ غربيٌّ في موضوع فلسفة الدين بالإحالة إلى ابن سينا، فهذا يعبّر عن وجود نوعٍ من الانفتاح عندهم. وقد كان هذا الانفتاح من جهتنا ومنذ عصر الآغا علي المدرّس[2] أيضًا. فقد كان الآغا علي المدرّس الطهراني شغوفًا بفهم أفكار الفلاسفة الفرنسيين من أمثال ديكارت أيضًا. وأرى أن الذين كان بإمكانهم العمل على تسهيل هذا الحوار والتعاطي من الذين يحظون بالكثير من حسن السمعة والشهرة من أمثال أمير كبير[3] لم يقوموا بالدور الفاعل في هذا الشأن. إن أمير كبير بدلًا من أن يعمل على تسهيل عملية تحديث وتطوير الحوزات العلمية، لتتحول هذه الحوزات إلى ما يُشبه جامعة أكسفورد، صار إلى تأسيس محفلٍ علميٍّ جديدٍ باسم دار الفنون، وهو يؤدي شاء أم أبى إلى ما يُشبه الجامعة[4]، الأمر الذي أدى بدوره إلى إحداث شرخٍ في المنظومة التعليمية والتحقيقية في إيران، أي: الانشقاق بين الحوزة العلمية والجامعة، حيث لا نزال نعاني من هذا الشرخ إلى يومنا هنا. فلا نزال نعاني من بيان كيفية التعاطي الذي يجب أن يقوم بين هاتين المؤسستين، ومشاكل أخرى من قبيل: الاتحاد بين الحوزة العلمية والجامعة، والتفاعل بين الحوزة العلمية والجامعة، والمواجهة بين الحوزة العلمية والجامعة. إن هذا الاتجاه أدّى إلى تقطيع أوصال جميع العلوم التي كانت تدخل ضمن المناهج الدراسية في الحوزة العلمية، لتنحصر العلوم في الحوزة العلمية بالعلوم الدينية من قبيل: الفقه والأصول وغيرهما. في حين كانت الحوزة العلمية في السابق تدخل في مناهجها التعليمية دروسًا من قبيل: الأدبيات، والفلك، والطب، والرياضيات وما إلى ذلك أيضًا. وقد أدى هذا الاتجاه إلى خروج الكثير من مؤلفات العلماء الإسلاميين من أمثال: ابن الهيثم[5]، وابن سينا، وأبي ريحان البيروني[6] وآخرين، عن دائرة اهتمام الطلاب في الحوزة العلمية. لقد حدثت مثل هذه الأمور والوقائع غير المحمودة للأسف الشديد وبلغت بنا إلى هذا الوضع، وإلا فقد كان هناك مثل هذا الانفتاح من هذه الجهة أيضًا، وكان هناك من يمكنه أن يسهم في هذا التعاطي والتلاقح الفكري. وفي الحقيقة كان بالإمكان بدلًا من إرسال مجاميعَ من الشباب إلى أفضل البلدان الأوربية أن نعمل على إرسال الآغا علي المدرّس الزنوزي مرّةً واحدةً إلى أوروبا ولفترةٍ لا تتجاوز الستة أشهر. ألم نكن نحصل من ذلك في مثل هذه الحالة على فوائدَ أفضلَ وأجدى للمجتمع الإسلامي؟ بيد أن هذا النهج الخاطئ لا يزال متواصلًا إلى يومنا هذا. لقد ابتُلينا، من جهةٍ، بالانبهار بالغرب وتقليده بشكلٍ أعمى، ومن جهةٍ أخرى، ابتلينا على العكس من ذلك بعداءٍ ونزاعٍ مع الغرب لا أساس له. وبعبارةٍ أخرى: إن المسلمين قد وقعوا في نوعٍ من الإفراط والتفريط تجاه التعاطي مع الغرب، في حين أننا بحاجة إلى تعاطٍ وتحاورٍ علميٍّ وتحقيقيٍّ مع الغرب، وأن ندرس أفكارهم، ونأخذ الصحيحة منها، وننبذ الخاطئة.
 
 بالالتفات إلى قراءتكم الخاصة للغرب والثقافة الغربية والحداثة وضرورة التعاطي والتعامل مع الغرب، ما هي نصيحتكم بشأن المشروع الذي يحمل عنوان «الاستغراب»، والتعاطي الفكري مع العالم الغربي؟
 
ـ أقترح أن يكون هناك عملٌ على تسهيل الحوار العلمي مع المراكز العلمية والمفكِّرين في العالم. للعمل من خلال ذلك على نقل أفكارها والتأسي بأفكار الغربيين، والعمل من خلال ذلك على رفع مستوى المعرفة البشرية. وفي الحقيقة فإن هذه ليست قضية ومسألة البشرية، أو قصة هؤلاء القوم أو أولئك القوم، أو هذا المذهب أو ذلك المذهب. للأسف الشديد هناك الكثير من المراكز الإسلامية التي تعمل حاليًّا على مفاقمة ونشر نوعٍ من النزعة الغربية باسم الاستغراب، بمعنى أنها تعمل على الترويج للآراء العلمانية الغربية، دون الآراء الغربية الدينية. إن هذه المراكز للأسف الشديد لا تعمل على نشر آراء المفكِّرين الغربيين من أمثال: وليم ألستون[7]، وألفين بلانتينغا[8]، أو أنها لا تقدم إيمانويل كانط برؤيةٍ دينيةٍ. إن المنهج الراهن للاستغراب في هذه المراكز يؤدي من وجهة نظري إلى تقليدٍ غيرٍ واعٍ للأفكار العلمانية الغربية. فقد عملنا أولًا على تقديم صورةٍ علمانيةٍ بالكامل عن العالم الغربي برمّته، في حين أرى أن هذه الصورة لا وجود لها إلا في الكتب، بمعنى الغرب بالحمل الذاتي الأولي، وليس الغرب بالمعنى الشائع الصناعي. إن الغرب بالحمل الشايع ليس علمانيًّا برمّته. أجل، يمكن أن تكون أوروبا كذلك، ولكن ظروف أوروبا تختلف عن الولايات المتحدة الأمريكية، فلا أقل من أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست علمانيةً بالكامل. وللأسف الشديد يعود سبب هذه الرؤية الخاطئة إلى غياب الحوار. ليس هناك حاليًّا في الجامعات الغربية من يقدس ديكارت أو هيغل أو هايدغر أو فيتغنشتاين[9] وأمثالهم، إذ إنهم ينظرون إليهم كما ينظرون إلى مئات الفلاسفة الآخرين، بيد أن هؤلاء ملهمون. ومن هنا فإنه يتمّ الرجوع إلى هؤلاء الفلاسفة، ولكن لا أحد يقدّسهم. إن المسلمين بحاجةٍ ماسّةٍ إلى الحوار. وعليه يجب أن يكون هناك حوارٌ بين المفكِّرين الإسلاميين والمفكِّرين الغربيين. وهذا في الحقيقة يمثّل الأسلوب الصحيح للتعايش العلمي.
تمّ
المصدر: المرکز الإسلامي للدراسات الاستراتیجیة

برچسب ها :
ارسال دیدگاه