الغرض من تدوين هذا المقال هو دراسة بعض الأدلة الروائية لأحد أدعياء النيابة، وهو «أحمد بن إسماعيل البصري»، والذي يدّعي أنه من أحفاد الإمام المهدي الحجة بن الحسن العسکري (عليهما السلام) والممهّد لظهوره، کما یدّعي خلافة الإمام بعد رحيله!
سعى احمد بن اسماعيل اثبات مزاعمه من خلال التمسك ببعض روايات المعصومين. ويرى اتباعه ان ما يطلقه من أدلة وبيانات إنما هي امتداد للعلم الإلهي ولا يمكن نقد أيّ منها. لكننا نجد بعد دراسة للأدلة المدعاة أن الرجل قد استند الى روايات غير معتبرة، وتمسك بمصادر غير علمية، وانتهج التقطيع وتحريف المعنى ودلالاته، وعمل على خداع مخاطبيه. وقد ساهمت حداثة مثل هذا التيار في إيران والحاجة الى تحليل علمي مستند الى ما تطرحه هذه المجموعة، أن نعمد الى نقد بعض الأدلة الروائية التي يطرحها الرجل فضلا عن التعريف بشخصيته ومناهجه في التبليغ.
وينتهج المقال طريقة تحليلية- توصيفية، وما حصل من نتائج، تثبت أن الرجل قد نسب الكذب الى الأئمة والتدليس على الاتباع لعدم اطلاعهم بعلم الحديث. كما بحث المقال بعض الادلة المدعاة لإبطال مدعاه خصوصا وأن وصي المهدي وخليفته ينبغي أن يمتاز بالعلم والعصمة.
* المقدمة
تعتبر قضية المهدوية من أهم القضايا الفكرية والروحية التي تحتاج الى بذل عناية خاصة، وأن الخوض في موضوعاتها يحتاج الى دراسة تحليلية دقيقة وإمعان نظر وخبرة تخصصية واعية في مستندات وأدلة ما يطرح على هذا الصعيد.
ومن الواضح أن فكرة المهدوية تركت انعكاسها الجلي على شتى مناحي حياة المجتمع الاسلامي عامة والشيعي خاصة، وكان لها اشراقتها الخاصة على أكثر من صعيد، وتمكنت من استقطاب الكثير من الاتباع والمؤمنين الراسخين بها. وقد ادرك- مبكرا- كل من المنحرفين والامويين والعباسيين مدى انعكاس نظرية المهدوية على إحياء الفكر الاسلامي وتعزيز الثقافة الشيعية ودعم مبدأ التصدي لمنطق الظلم وهيمنة المستبكرين مما يتعارض مع أهداف الحكّام ورغباتهم الدنيوية التي شيّدوا أساس حكمهم فوقها. من هنا- وبعد أن عجزوا عن القضاء على نظرية المهدوية مباشرة او بوسطة وكلائهم من العملاء- بذلوا وما زالوا قصارى جهدهم لتدمير هذه الثقافة وتشويه صورتها ومنع استمراريتها ودينامياتها.
وللأسف، فإن جهل بعض الاصدقاء والمقربين من أبناء الدين إسلامي ساعد في سكب الوقود في ماكنة الاعداء والخصوم وسهل لهم أمر مهتمهم التشويهية هذه.
ومن هنا يفرض الواقع الموضوعي على الباحثين والمهتمين بالشأن الاسلامي والإيماني دراسة أبعاد المهدوية دراسة حصيفة تستند الى الدليل المحكم والبرهان الناصع لايصاد الباب أمام تعكير صفوها، والوقوف بوجه عملية التشويه التي تطالها، والأضرار الناجمة عن الجهل وسوء معاملة المشعوذين والانتهازيين والإبقاء عل نقائها ناصعا في ضمير المؤمنين وجذوتها متقدة في نفوس الأحرار الطامحين بتحقيق غدٍ إنساني رغيد والإرساء بسفينة الإنسانية الى ساحل الأمن والخروج بها من ظلمات بحر الخرافة المتلاطم الى دائرة النور الإلهي.
بالتأكيد أن تطور المنهج العلمي والمعرفي للمجتمع الاسلامي وعرض القضايا الدينية بموضوعية ومنطق سليم يستند الى قواعد واسس محكمة ومعايير علمية رصينة، وانتشار ثقافة الحوار والسؤال في الوسط الاجتماعي، كل ذلك سيؤدي في نهاية المطاف الى سحب البساط من تحت أقدام المخادعين والمشعوذين ومدعي المهدوية زورا، والحدّ من ظهورهم على الساحة بنحوٍ ما. هذا من جهة.
ومن جهة اخرى إن المسؤولية ملقاة على عاتق العلماء والمفكرين والمختصين بالشأن المهدي من أبناء المدرسة الشيعية بان يبذوا قصارى جهودهم لنشر الثقافة المهدوية الناصعة والبعيدة عن الخرافة والتجهيل وإزاحة غبار الفتنة عن عقول الجماهير الاسلامية (انظر: الكافي، ج 8، ص 55)، وأن على الجماهير اتباعهم والاخذ منهم معالم دينهم والانتهال من نمير علمهم الصافي في المعارف الالهية والدينية.(انظر: الطبرسي، ج 2، ص458).
نحاول في هذه المقالة وبعون الله تسليط الأضواء على زاوية من الأدلة التي ساقها أحد مدعي النيابة عن الإمام المهدي، المدعو أحمد البصري، علما أننا شهدنا أن بعض الدراسات النقدية لهذه الحركة وبسبب حداثة القضية وندرة المصادر التي تساعد في معرفة جميع أبعادها أدى في نهاية المطاف الى إعطاء نتائج عكسية وتوفير مادة جيدة لأتباع اليماني المذكور في تعزيز موقفهم وتوجيه سهام نقدهم الى تلك النقود الضعيفة، من هنا نرى من الضروري تسليط الاضواء- وباختصار- على هذه الشخصية وحركتها وطبيعة الداعمين والمؤدين لها.
* إطلالة على السيرة الذاتية لأحمد البصري (أحمد الحسن)
ولد أحمد بن إسماعيل في إحدى المناطق التابعة لمحافظة البصرة العراقية، وأنهى العقود الثلاثة الاولى من حياته في مسقط رأسه مواصلا دراسته الاكاديمة حيث نال شهادة البكلوريوس في الهندسة المدنية.
التحق أواخر عام 1999 م وهو في التاسعة والعشرين من عمره بالحوزة العلمية لدراسة العلوم الدينية بالنجف الاشرف بأمر من الإمام المهدي حسب زعمه. بعد الفراغ من الدراسة الأكاديمية، ولكنه صرّح أن التدريس في الحوزة في النجف يعيش خللا علميا ومنهجيا وأنّ التدريس متدنٍ، فهم يدرسون اللغة العربية والمنطق والفلسفة وأصول الفقه وعلم الكلام والفقه، ولكنّهم لا يدرسون القرآن الكريم أو السنة الشريفة أبداً ، وكذا فإنّهم لا يدرسون الأخلاق الإلهية التي يجب أن يتحلّى بها المؤمن، فقرر الاعتزال.
وعن ذهابه الى النجف يقول: إنّي رأيت رؤيا بالإمام المهدي، وأمرني فيها أن أذهب إلى الحوزة العلمية في النجف، وأخبرني في الرؤيا بما سيحصل لي، وحدث بالفعل كل ما أخبرني به في الرؤيا. في عام 1424 هـ ادعى بان الإمام المهدي أمره بالإعلان عن دعوته، وفي الثالث من شوال زعم أنه مأمور من قبل الإمام المهدي بإعلان الثورة على الظالمين، والإسراع بترتيب الامور وتنظيمها. (انظر لمزيد الاطلاع: قسم التحقيقات والبحوث… ، بدون تاريخ- (أ): 36؛ الزيادي، 1432: 131؛ البصري، 1431: ج 1- 3، 173)
أطلق عليه أتباعه ومريدوه اسم أحمد الحسن، مستندين في ذلك الى رواية جاء فيها: وَيُسَمِّيهِ بِاسْمِ جَدِّهِ رَسُولِ اللَّهِ وَيُكَنِّيهِ، وَيَنْسُبُهُ إِلَى أَبِيهِ الْحَسَنِ الْحَادِيَ عَشَرَ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. (الخصيبي، 1419: 397)، بادعاء ان ينتمي بنسبه الى الإمام الحسن العسكري ومنه الى الإمام الحسين (عليه السلام) (البصري، بدون تاريخ، ص 60) وهذا ما نتعرض لنقده لاحقا. وقد قام المدعو (أحمد الحسن) وأنصاره بإعداد شجرة نسب يؤكدون فيها ذلك، حيث ورد في شجرة النسب المزيفة له، أنه: «أحمد بن إسماعيل، بن صالح بن حسين بن سلمان، بن محمد (الإمام المهدي)، بن الحسن العسكري، بن علي بن محمد بن على بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي السجاد ابن الحسين بن علي بن أبي طالب».
فيما يذهب شيروان الوائلي الوزير السابق للأمن الوطني العراقي وجماعة من كبار طوائف البصرة أن الرجل ينتهي نسبه الى بيت الهمبوشي أحد بيوت “البوسويلم” والتي لا تنتهي بحال من الاحوال الى السادة الاشراف. (انظر: الموقع الإلكتروني لصحيفة الشرق الاوسط، تقرير جاسم داخل: «التيار المهدوي، يقسم العراقيين بين رافض لطروحاته ومتفهم لها»).
* موقف العلماء من أحمد البصرى وردة فعله
بعد أن كشف البصري عن دعوته يساعده في ذلك طائفه من اتباعه بنشر ما يروج لهذه الدعوة من الكتب والكراريس مطالبين مراجع التقليد وعلماء العراق ومفكريه بمبايعته والسير تحت لوائه، عمد الاعلام الى رصد أدلة الرجل ومعرفة طبيعة مستنده الذي لا يقوم على أسس موضوعية فاعلنوا رفضهم وتفنيدهم لهذه الفرية من خلال الكتب والمقالات التي سلطت الاضواء على مكامن الخلل وبيّنت مراكز الانحراف لتلك الحركة المزيفة.
والجدير بالذكر أن انصار البصري لصقوا تهمة العمالة لأمريكا بسماحة آية الله العظمى السيد السيستاني الذي يقود سفينة التشيع في العراق في هذا البحر المتلاطم من المشاكل والامواج العاتية التي تحيط بهذه السفينة!!!
كذلك اعتمد اليماني المزعوم المنهج الوهابي في تخريب وتفكيك عُرى البيت الشيعي والحوزات العلمية التابعة لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام). ومما يثير العجب أن الرجل واتباعه اعتبروا تجاهل كبار الطائفة لهم وعدم اعتنائهم بهذه الحركة المشبوهة دليل حقانيتها في مغالطة يعرفها أدنى من سبر البحث العلمي وخاض في قواعد وأصول المعرفة.
* نشاط أتباعه ومريدية
قام أتباعه الذين يسمون أنفسهم “بأنصار الإمام المهدي” بنشاطات واسعة لنشر دعوته والتبليغ لافكاره مستخدمين الفضاء الإلكتروني وشبكات الإنترنت، ومن خلال إنتاج برامج ترويجية كالافلام الوثائقية “الظهور”، ونشر الكتب والمقالات التي تدعو للحركة والتي تكفلت بنشرها دور نشر تابعة لأحمد بن الحسن المعروفة “باصدارات الإمام المهدي”، فضلا عن التبليغ المباشر في المحافل الخاصة والعامة، بما في ذلك المدارس والشوارع والساحات العامة والجامعات، والمشاركة في معارض الكتاب في فرانكفورت وبغداد في عام 2012م، وإنشاء مؤسسة إذاعية (راديو)، ونشر مجلة شهرية (الصراط المستقيم) تعنى بالترويج للحركة فضلا عن اسبوعية المنجي الالكترونية.
* نماذج من مزاعم البصري
1ـ ادعاء انتهاء نسبه وبأربع وسائط الى الإمام المهدي الحجّة بن الحسن العسكري عليهما السلام.
2ـ ادعاء انه اليماني وأنه الممهد لظهور الإمام عليه السلام.
3ـ أنه أول الممهديين الاثني عشر الذين يستلمون الحكم بعد الإمام المهدي الحجّة بن الحسن العسكري (عليهما السلام).
4ـ ادعى لنفسه العصمة والعلم ووراثة أهل البيت عليهم السلام (انظر: قسم التحقيقات…، (أ): 30).
5ـ أنه شبيه عيسى (عليه السلام) الذي فداه من الصلب فقتل دونه. وانه كان مع جميع الانبياء الماضيين. (البصري، 2010 (أ): ج 1- 4، 299).
6ـ أنه دابة الأرض التي تكلم الناس في آخر الزمان، مدعيا بأنه المصداق الثاني لـ”دابة الارض” المذكورة في الآية المباركة، وان مصداقها الاول الإمام علي (عليه السلام) كما صرحت بذلك الاحاديث المروية، والتي تظهر عند الرجعة، فيما يخرج هو في آخر الزمان وقبل رجوع الإمام علي (عليه السلام). (نفس المصدر: 235).
7ـ ادعى أنّه من الثلاثمئة والثلاثة عشر من أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).
8ـ أنه صاحب راية رسول الله مستدلا على ذلك بانه مكتوب على رايته “البيعة لله”. قسم التحقيقات- (أ): 25).
9ـ يرى بان دراسة كل من اصول الفقه، الفلسفة، المنطق، الرجال ودراية الحديث بدعة. (نفس المصدر: ص 37)
10ـ حرّم تقليد المراجع وانه هو المرجع الذي يجب تقليده حصرا. (البصري، 2010 (أ): ج 1، 101).
11ـ يحترم من المراجع الإمام الخميني والشهيد محمد محمد صادق الصدر صاحب موسوعة الإمام المهدي، الأمر الذي لم يهضمه مريدوه ولم يذكروا سببه. (البصري، 1431: ج 1- 3، 48،76، 315).
12ـ يدّعي في حق نفسه مقامات ومراتب يبرهن عليها بالرؤى والأحلام، ويطلب من الآخرين الاستخارة من أجل الايمان به وتصديقه.(المصدر نفسه: ص 9)
13ـ وقوع الرجعة بعد حكومة المهديين الإثني عشر وأنه أول هؤلاء المهديين.
14ـ أعلن تاييده لما جاء في اصدارات انصار الإمام المهدي والموقع الرسمي المعروف بالأنصار، وان كل ذلك يمثل ملاك دعوته. البصري، 2010 (باء): 29؛ نفس المصدر، 2010 ج: 25؛ نفس المصدر، 1431: ج 4- 6، 527 و 583).
تتابع
المصدر: موقع الشیعة الإلکتروني