أسئلة وردود
إيمان الإمام علي في حـداثـة السن
▪ الوهابية يقولون : نحن نقر بأن عليا كرم الله وجهه أول من آمن، وأن أبابكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة آمنوا بعده بمدة من الزمن، ولكن إيمان أولئك يفرق عن إيمان علي بن أبي طالب إذ لا يحسب العقلاء إيمانه في ذلك الزمان فضيلة، ويحسبون إيمان أولئك المتأخرين عنه فضيلة! لأن عليا كرم الله وجهه، آمن وهو صبي لم يبلغ الحلم، وأولئك آمنوا وهم شيوخ كبار في كمال العقل والإدراك. ومن الواضح أن إيمان شيخ محنك ومجرب ذي عقل وبصيرة أفضل من إيمان طفل لم يبلغ الحلم. و اضافة على هذا أن إيمان سيدنا علي تقليدا وإيمانهم كان تحقيقا وهو أفضل من الإيمان التقليدي.
الجواب
هل إن عليا(ع) حين آمن صبيا، كان إيمانه بدعوة من رسول الله(ص) أم من عند نفسه أم الهام من الله؟!
اولاً لا تقولوا الهاماً فتقدموه على رسول الله(ص)، لأن النبي لم يعرف الاسلام حتى أتاه جبرائيل و عرف له الاسلام و علمه .
ثانیاً: اذا قلتم من عند نفسه و هو أسلم بطريقة لم يكن أحداً أسلم مثله، فلا نقيسه مع أي أحد من الصحابة الذين أسلموا بدعوة من الرسول(ص) فيعد من خصائص الفضائل التي لم يشاركه أي أحد فيه.
أما إذا قلتم بأن إسلامه کان بدعوة من رسول الله(ص).
فنقول :هل إن النبي(ص) حين دعا عليا(ع) إلى الإيمان كان يعلم أن لا تكليف على الطفل الذي لم يبلغ الحلم أم لا؟!
إذا قلتم: ما كان يعلم! فقد نسبتم الجهل إلى النبي(ص) وذلك لا يجوز، لأنه(ص) مدينة العلم، ولا يخفى عليه شيء من الأحكام.
وإذا قلتم: إنه(ص) كان يعلم أن لا تكليف على الطفل ومع ذلك دعا عليا(ع) وهو صبي إلى الإيمان بالله والإيمان برسالته، فيلزم من قولكم إن النبي(ص) قام بعمل لغو وعبث، والقول بهذا في حد الكفر بالله سبحانه! لأن النبي(ص) مؤيد بالعصمة، ومسدد بالحكمة من الله تعالى وهو بريء من اللغو والعبث، وقد قال عز وجل في شأنه:
{وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}
ومن جانب آخر، صغر السن لا ينافي الكمال العقلي، وبلوغ الحلم وحده لا يكون سبب التكليف، فإن هناك من بلغ الحلم ولم يكلف ـ لقصر عقله وسفهه ـ وبالعكس، نجد من لم يبلغ الحلم، لكن الله كلفه بأعظم التكاليف، كما قال سبحانه وتعالى في شأن يحي(ع): {وآتيناه الحكم صبيا}
وقال تعالى حكاية عن عيسى بن مريم: {إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا}
قال هذه الجملة، وهو صبي في المهد، فالحكم المأتي ليحيى إنما كان تكليفا من الله تعالى ليحیي(ع)، والنبوة كذلك تكليف من عند الله عز وجل لعيسى بن مريم(ع)، وهذان التكليفان لهذين الصبيين، دليل على عظمة شأنهما وكمالهما وكفايتهما وفضلهما و وفور عقلهما.
وإيمان الإمام علي(ع) بدعوة رسول الله(ص) إنما هو تكليف موجه من هذا القبيل، وهو على فضله وكماله أكبر دليل!
وقد أشار سيد الشعراء إسماعيل الحميري ـ المتوفي سنة 179 هجرية ـ إلى هذه الفضيلة قائلا:
وصي مـحـمد وأبو بـنـيه و وارثه وفارسه الوفيا
وقد أوتي الهدى والحكم طفلاً كيحيى يوم أوتيه صبيا
كما كان الإمام علي عليه السلام يشيد بهذه الفضيلة ويفتخر بها في أشعاره:
سبقتكم إلى الاسلام طرا * على ما كان من فهمي وعلمي
وإذا كان إيمانه في الصغر لا يعد فضيلة، فلماذا كان النبي(ص) ينوه به ويشير إليه؟! وما ذلك إلا ليسجل له فضيلة أخرى، تضاف إلى فضائله الجمة؟!
قال الحاكم النيسابوري : ولا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أولهم إسلاما.
و قد روى الحاكم روايتين صحيحتين في الامام علي بأنه اول من اسلم:
عن قيس بن أبي حازم ، قال : كنت بالمدينة فبينا أنا أطوف في السوق إذ بلغت أحجار الزيت ، فرأيت قوماً مجتمعين على فارس قد ركب دابة ، وهو يشتم علي بن أبي طالب ، والناس وقوف حواليه إذ أقبل سعد بن أبي وقاص فوقف عليهم ، فقال : ما هذا؟ ، فقالوا : رجل يشتم علي بن أبي طالب ، فتقدم سعد فأفرجوا له حتى وقف عليه ، فقال : يا هذا ، علام تشتم علي بن أبي طالب؟ ألم يكن أول من أسلم؟ ألم يكن أول من صلى مع رسول الله(ص)؟ ، ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس؟ وذكر حتى قال : ألم يكن ختن رسول الله(ص) على إبنته؟ ألم يكن صاحب راية رسول الله(ص) في غزواته؟ ثم إستقبل القبلة ورفع يديه ، وقال : اللهم إن هذا يشتم ولياً من أوليائك ، فلا تفرق هذا الجمع حتى تريهم قدرتك قال قيس : فوالله ما تفرقنا حتى ساخت به دابته فرمته على هامته في تلك الأحجار ، فإنفلق دماغه ومات ، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.
عن إبن عباس ، قال : قال أبو موسى ، الأشعري : إن علياً أول من أسلم مع رسول الله(ص)، هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه.
المصدر: المواقف (مع الاختصار)