حين يهلُّ هلال شعبان، تتفتح أبواب الرحمة، وينبض الكون بنورٍ سماويٍّ يهيّئ القلوب لاستقبال شهر الله الأعظم. إنه نهرٌ رقراقٌ يجري بين رجب ورمضان، يغتسل فيه العابدون من أدران الغفلة، ويتزودون بأنوار الطاعة ليعبروا نحو شاطئ المغفرة في رمضان. شعبان هو شهر رسول الله(ص)، شهرٌ تتناثر فيه نفحات الرحمة كزهورٍ عبقة في بستان العبودية، تملأ الأرواح بعبير الصفاء والقرب من الله. وقد كان نبي الرحمة يروي قلوب أصحابه بحب هذا الشهر، قائلاً: "شعبان شهري، ورمضان شهر الله عزوجل"، فما أعظمه من وسامٍ إلهيٍّ لهذا الزمن المبارك! وفي رحاب هذا الشهر، تتدفق ينابيع الفضل الإلهي، فتُمحى الذنوب لمن استظل بظلال الاستغفار، وتزهرُ أرواح الصائمين بضياء التقوى، فمن صام يومًا منه كُتبت له الحسنى، ومن أكثر فيه من الدعاء فُتحت له أبواب الإجابة. وها هي المناجاة الشعبانية، درةٌ من درر أهل البيت(ع)، تتلألأ في سماء شعبان، تفيض بأرقّ كلمات الحب الإلهي، وتنسج مناجاة العارفين الذين تاقت أرواحهم للذوبان في نور الجلال. وفي ليالي شعبان، يهبط الملائكة حاملين بركات السماء، تعانق الأرض فرحًا بذكريات الولادة الطاهرة، إذ شهد هذا الشهر ميلاد أنوارٍ هاديةٍ: الحسين الشهيد، وسيد الساجدين، وبطل العلقمي، وصاحب العصر والزمان(ع)، وكأن هذا الشهر قد اختُصَّ بأن يكون مهدًا لأولياء الله، ليكون شعلةً تهدي السالكين في ظلمات الطريق. يا له من شهرٍ كالمشكاة، يضيء دروب التائبين، ويمدّ أرواح العاشقين بطاقةٍ من نور، ليرتقوا في معارج القرب! فطوبى لمن اغترف من معينه الصافي، واستظل بظلال رحمته، وجعل منه جسرًا يعبر به إلى ضيافة الرحمن في رمضان.