هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

السيرة الحسينية ودوافع البحث والتحقيق فيها

مقالة / الجزء الأول

السيرة الحسينية ودوافع البحث والتحقيق فيها

الشيخ حسن الصفار

ليد (تكرار شده در متن):
لدينا اليوم صورة تاريخية منقولة عمّا حدث في كربلاء، وعن السيرة الحسينية، وقد وصلتنا من خلال ظروف قاسية صعبة، فبعد الجريمة النكراء، المتمثلة في قتل الحسين وأصحابه وأبنائه(ع)، وسبي أسرته بتلك الطريقة البشعة، رأت السلطات الأموية نفسها في موقع يستلزم منها التبرير أمام الرأي العام، فسعت إلى تشويه نهضة الإمام الحسين (ع).
متن:
في تاريخ المجتمعات البشرية هناك أحداث متميّزة بعمق تأثيراتها، وسعة انعكاساتها على رقعة الزمان والمكان، وفي تاريخنا الإسلامي تبرز نهضة الإمام الحسين، وشهادته في كربلاء، سنة 61 هـ، كحدث فريد متميّز، لا يزال الاحتفاء به والتفاعل معه يتجدّد في محيط بشري واسع كلّ عام، بأعلى درجات التفاعل، رغم مرور أربعة عشر قرنًا على وقوعه، ويتجلّى التفاعل الأبرز في أيام ذكرى هذا الحدث، في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام، مطلع كلّ عام هجري.
حيث يحيي هذه الذكرى أتباع مدرسة أهل البيت (ع) من المسلمين الشيعة، الذين قد يبلغ عددهم نصف مليار تقريبًا، في مختلف أنحاء الكرة الأرضية، ويأخذ هذا الإحياء منحًى أهليًّا جماهيريًّا عامًّا، تشارك فيه مختلف الشرائح والطبقات، رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا، ضمن برامج ثقافية هائلة، وأجواء عاطفية واجتماعية مؤثرة، تأخذ أشكالًا متنوعة، ومجالات متعددة.
بواعث الاحتفاء بعاشوراء
هذا الإحياء ليس مجرّد موروث تاريخي أو عادة اجتماعية، وإنّما ينطلق الشيعة في إحيائهم لهذه الذكرى من منطلق ديني؛ لأنّ هذا الإحياء مظهر لمودة أهل البيت(ع) ومحبّتهم، التي أمر الله بها في القرآن الكريم، حيث يقول الله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، وأمر بها رسول الله (ص) حيث قال: "أَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي"، ولأنّ أئمة أهل البيت (ع) الذين يدين الشيعة بإمامتهم، قد أوصوا بإحياء هذه الذكرى، حيث وردت عنهم نصوص وروايات كثيرة، تحث على ذكر شهادة الحسين(ع)، والتفاعل معها عاطفيًّا ووجدانيًّا، ووردت أحاديث في كتب الشيعة والسنة تدلّ على اهتمام رسول الله (ص) بهذه الحادثة قبل وقوعها.
كالحديث الذي أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسند صححه الألباني، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ، أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُ حلْمًا مُنْكَرًا اللَّيْلَةَ. قَالَ: "وَمَا هُوَ؟"، قَالَتْ: إِنَّهُ شَدِيدٌ. قَالَ: "وَمَا هُوَ؟"، قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قِطْعَةً مِنْ جَسَدِكَ قطِعَتْ وَوضِعَتْ فِي حِجْرِي. فَقَالَ: "رَأَيْتِ خَيْرًا، تَلِدُ فَاطِمَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غلَامًا، فَيَكُونُ فِي حِجْرِكِ". فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ الْحُسَيْنَ، فَكَانَ فِي حِجْرِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص)، فَدَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِه، ثُمَّ حَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ، فَإِذَا عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ (ص) تهرقَانِ الدّمُوعَ. قَالَتْ: قلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأمِّي، مَا لَكَ؟ قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أمَّتِي سَتَقْتُلُ ابْنِي هَذَا". فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَأَتَانِي بِتُرْبَةٍ مِنْ ترْبَتِهِ حَمْرَاءَ".
حزن رسول الله(ص) على سبطه الحسين(ع)
وقد صحح علماء الحديث من أهل السنة عددًا من تلك الأحاديث التي رواها عدد من الصحابة وأمهات المؤمنين، فهي متعدّدة الرواة والأسانيد، تنقل مثل هذا المشهد عن رسول الله(ص)، أنه يتحدّث عمّا سيجري على سبطه الحسين(ع)، ويبدي حزنه وتألمه لما سيقع عليه، وذلك قبل وقوعه بأكثر من نصف قرن، حيث كانت ولادة الحسين (ع) في السنة الرابعة للهجرة أو الثالثة، وشهادته مطلع سنة إحدى وستين.
حتى أصبحت القضية مشهورة معروفة في أوساط البيت النبوي، ومن حوله من الأصحاب، كما أورد الحاكم النيسابوري في المستدرك بسنده عن ابن عباس قال: "ماكُنّا نَشُكُّ وأهلُ البَيتِ متَوافِرونَ أنَّ الحسَينَ بنَ عَلِيٍّ يقتَلُ بِالطَّفِّ".
إنّ أكثر أمهات المؤمنين لاحظن هذا المشهد من رسول الله(ص)، وكذلك عدد من الأصحاب، يقول الشوكاني في "درّ السحابة في مناقب القرابة والصحابة" بعد أن نقل بعض الأحاديث في الموضوع: "وأخرج نحو هذه الأحاديث "الطبراني" من حديث أم سلمة، وابن سعد من حديث عائشة، و"الطبراني" في "الكبير" من حديث زينب بنت جحش و"أحمد" و"أبو يعلى"، و"ابن سعد"، و"الطبراني" في "الكبير" من حديث علي، و"الطبراني" في "الكبير" أيضًا من حديث أبي أمامة، و"الطبراني" في "الكبير" من حديث أنس، و"الطبراني" في "الكبير" أيضًا من حديث أم سلمة وأبي سعد، و"الطبراني" في "الكبير" من حديث عائشة، و"ابن عساكر" من حديث زينب أم المؤمنين، و"ابن عساكر" من حديث أم الفضل بنت الحارث، زوج العباس".
كما شكّلت ظروف الحصار والاضطهاد التي مرَّت بالشيعة في عصور متلاحقة، حافزًا لإحياء هذه الذكرى، حفاظًا على هويتهم، وتعزيزًا لانتمائهم، وتقوية لتماسكهم الداخلي، ولينقلوا هذا الولاء والانتماء للأجيال القادمة من أبنائهم.
وقد نال شيعة أهل البيت (ع) – وما زالوا – مكاسب كبيرة، بسبب إحيائهم لهذه المناسبة، واهتمامهم بهذه الذكرى العظيمة.
آفاق البحث في الحدث التاريخي
لدينا اليوم صورة تاريخية منقولة عمّا حدث في كربلاء، وعن السيرة الحسينية، وقد وصلتنا من خلال ظروف قاسية صعبة، فبعد الجريمة النكراء، المتمثلة في قتل الحسين وأصحابه وأبنائه، وسبي أسرته بتلك الطريقة البشعة، رأت السلطات الأموية نفسها في موقع يستلزم منها التبرير أمام الرأي العام، فسعت إلى تشويه نهضة الإمام الحسين(ع)، وإظهاره بمظهر الخارج على السلطة الشرعية، وباعث الانشقاق في الأمة، ومن ثم التعتيم على طبيعة الواقعة، ومحاصرة أخبارها، ومنع انتشار أحداثها، إلّا بالشكل الذي تريده.
وتوالت بعد الأمويين سلطات أخرى مناوئة لأهل البيت(ع)، اعتمدت النهج ذاته، وعاش أهل البيت (ع) وشيعتهم زمنًا طويلًا ظروفًا من الحصار والقمع، لا تسمح لهم بإظهار توجهاتهم وآرائهم، وهذا يعني فقد جزء من الحقائق والأخبار عن طبيعة الأحداث وسيرة رجالاتها.
لكنّ الحدث فرض نفسه، وانتشرت أخبار كثيرة عن تفاصيل الواقعة من مصادر مختلفة، بعضها ممن عاصر الواقعة من أسرة الحسين وأصحابه (ع)، كالإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع)، وابنه الإمام محمد الباقر(ع)، والسيدة زينب (س) بنت علي شقيقة الحسين(ع)، وكذلك سائر أفراد العائلة الحسينية.
وبعض أخبار الواقعة رواها أشخاص من معسكر يزيد بن معاوية، وهناك ما سجّله رواة محايدون حضروا الواقعة للمشاهدة والرواية كحميد بن مسلم.
ومع مرور الزمن تراكمت المعلومات والروايات عن تلك الحادثة، وكأيّ حادثة تاريخية تتعرّض مروياتها للزيادة والنقص، والمبالغة والتشويه، ويحصل تضارب واختلاف بين المرويات.
وهناك جانب التفسير والتحليل للواقعة وأحداثها، والمرويات حولها، حيث تتنوع وجهات النظر، وفقًا لتنوع القناعات والاتجاهات، ولوجود مصالح وأغراض تدفع باتجاه تحليلات وتفسيرات معيّنة.
ونجد أنفسنا الآن أمام كمٍّ كبير من المعلومات والروايات التاريخية لواقعة كربلاء، وسير شخصياتها، وأمام ألوان من التحليلات والتفسيرات لطبيعة الحادثة وأغراضها ومقاصدها، وهذا أمر طبيعي متوقع لكلّ حدث تاريخي، خاصة إذا كان ذا أهمية كبيرة، فبحجم أهمية الحدث تتعدّد الأسباب والبواعث للاختلاف فيه.
التعامل مع روايات الحدث وتحليله
يمكننا الحديث عن ثلاثة اتجاهات:
•             الاتجاه الأول
الاتجاه التقليدي الذي يرى ضرورة المحافظة على الرواية المألوفة المتداولة في كلّ مجتمع شيعي، وإن اختلفت تلك الرواية في تفاصيلها بين مجتمع وآخر، وتعزيز الاحتفاء العاطفي بهذه الذكرى، ويؤكّد على الطابع القدسي الغيبي لما يرتبط في السيرة الحسينية، فهي ليست من سنخ القضايا البشرية العادية، بل بطلها إمام معصوم، وشخصياتها أولياء مقربون، وهناك الكرامات والمعاجز والعناية الإلهية الخاصة، فلا ننحو بالواقعة نحو التفسيرات المادية الظاهرية.
ويضيف أصحاب هذا الاتجاه: لماذا ننشغل بالإشكالات والتساؤلات والتحليلات؟! فلندع الناس يعيشون مع وجدانهم وعاطفتهم الولائية.
لذلك يقف أصحاب هذا الاتجاه في وجه كلّ من يمارس التحقيق والبحث في وقائع كربلاء، ويعتبرون ذلك إضعافًا للمناسبة، وتقليلا من قدسية الذكرى، وتهوينًا لشأنها.
•             الاتجاه الثاني
هو الاتجاه الناقد للحالة الدينية في المجتمع، الذي يتبنّى كلّ رأي يضعف تفاعل الجمهور مع القضايا الدينية، ومع الأحداث التاريخية المرتبطة بها، ويترصد كلّ نقد أو وجهة نظر معارضة، للتدليل على أسطورية الموروثات الدينية وعدم عقلانيتها، فيرفض المرويات التي لا تناسب توجهه، دون الاحتكام إلى ضوابط علمية، ودون أن نأخذ بالاعتبار مجمل المنظومة الشرعية التي يؤمن بها الملتزمون بالنهج الديني، لذلك يرحّب أصحاب هذا الاتجاه بأيّ إشكال على ما روي عن حادثة عاشوراء، دون أن يُكلّفوا أنفسهم عناء البحث والدراسة العلمية.
•             الاتجاه الثالث
اتجاه يدعو إلى البحث والتحقيق العلمي الموضوعي، في أحداث السيرة الحسينية، لمعرفة الحقائق والمعلومات التي قد تكون مجهولة أو مهملة، ولفرز الروايات التاريخية المعتبرة من غيرها، وهو ما يقوم به الباحثون في السيرة النبوية مثلاً، فعلى رغم أهميتها في المجتمع الإسلامي، إلّا أنّها لم تدوّن إلّا في القرن الثاني للهجرة وما بعده، لذلك يواجه الباحثون مشكلات في دراساتهم للسيرة النبوية (ص)، تتمثل في اختلاف النقولات ، وتضارب بعضها، ولا يعترض أحد على التحقيق والتمحيص في السيرة النبوية (ص). وينبغي أن يكون الموقف كذلك من بحث السيرة الحسينية(ع)، فمن الطبيعي أن تتعرّض – كأيّ حدث تاريخي – إلى النقص والزيادة والتحريف، فتحتاج إلى بحث ودراسة.
ونحن معنيّون بتجديد البحث في السيرة الحسينية(ع)، لجمع الصورة كاملة – بالمقدار الممكن -، ولفرز وتمييز المرويات التاريخية، ضمن منهج محدّد. كما يتعامل الفقيه بمنهج محدّد مع الروايات التي تعالج المسائل الفقهية، أو الكلامي الذي يقرّر التفاصيل العقدية، من حيث دراسة المتن والسند، والمقارنة بين الروايات المختلفة والمتعارضة، على أساس القواعد الأصولية في التعارض والترجيح، والعرض على كتاب الله، والسنة الثابتة، وأحكام العقل.
خصوصًا أنّ أدوات البحث في هذا العصر متوفرة، أفضل من أيّ زمن مضى، فقد كان الباحثون في الماضي يجدون صعوبة في الحصول على المصادر، أو الوصول إلى بعض المخطوطات، لكنّ الشبكة العنكبوتية ذللت هذه الصعوبات، فأصبح الوصول إلى مختلف المصادر والكتب أمرًا ميسورًا، كما أنّ مناهج البحث شهدت تطورًا ملحوظًا، تُمكن الباحث من الحصول على النتائج بصورة أفضل وأوسع وأكثر عمقًا.
تتابع
المصدر: موقع جهينة الإخبارية‏

برچسب ها :
ارسال دیدگاه