مقالة/ الجزء الثاني
دراسة موجزة في آیة النفر
الشیخ جعفر عبدالنبي الجبوري
المبحث الثَّاني: الجوانب المختلفة في الآية الشَّريفة
يمكن النَّظر إلى الآية الشَّريفة من زوايا مختلفة وجوانب متعدِّدة، ونشير إلى هذه الجوانب بشكلٍ مختصر كإشارات:
*الجانب الأوَّل: الجانب العقديّ في الآية
يمكن أن ننظر إلى الآية المباركة من ناحية البعد العقديّ وتحديداً في مسألة معرفة الإمام(ع) الَّتي تعدُّ من المسائل المهمَّة جدّاً، بل هي الأساس في معرفة الدِّين ككلّ، فإذا عرِفَ الإنسان من هو المبلِّغ عن دينِ لله، عرِفَ ماذا يريد منه الله.
وبعبارة أخرى: إذا عرف الإنسان النَّبيّ(ص) أو الوصيِّ من بعده فإن عرف الباب الموصِل إلى معرفة الدِّين أجمع. فالمطلوب منَّا التفقُّه في الدِّين ولا يحصل هذا الفقه إلَّا بالرُّجوع إلى النَّبيّ(ص) والأئمَّة من بعدهi، وأمَّا في زماننا فلا يحصل التَّفقُّه الصَّحيح إلَّا بالرُّجوع إلى الفقهاء الَّذين يمثلِّون هذا الخطَّ، والأخذ بما جاء عن المعصومينi.
وفي ما يلي نظرة إلى ما قد ورد من أحاديث حول هذه الآية، وكيف كان الأئمَّةiيفسِّرونها أو يذكرون المصداق البارز لها وهو حول مسألة معرفة الإمام، ويمكن بيان ذلك من خلال ذكر بعض الأحاديث الواردة عنهمi من البرهان في تفسير القرآن:
1. يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّه(ع): إِذَا حَدَثَ عَلَى الإِمَامِ حَدَثٌ، كَيْفَ يَصْنَعُ النَّاسُ؟ قَالَ: أَيْنَ قَوْلُ الله: {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}؟! قَالَ: «هُمْ فِي عُذْرٍ مَا دَامُوا فِي الطَّلَبِ، وهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُمْ فِي عُذْرٍ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ أَصْحَابُهُمْ.
2. عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِذَا هَلَكَ الإِمَامُ فَبَلَغَ قَوْماً لَيْسُوا بِحَضْرَتِهِ؟ قَالَ: يَخْرُجُونَ فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ فِي عُذْرٍ مَا دَامُوا فِي الطَّلَبِ.
قُلْتُ: يَخْرُجُونَ كُلُّهُمْ أَوْ يَكْفِيهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا بَعْضُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّ اللهَa يَقُولُ: {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدَّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}. قَالَ: «هَؤُلَاءِ المُقِيمُونَ فِي السَّعَةِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ أَصْحَابُهُمْ.
3. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع): إِنَّ قَوْماً يَرْوُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ(ص) قَالَ: اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ. فَقَالَ:صَدَقُوا، فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةً فَاجْتِمَاعُهُمْ عَذَابٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ وذَهَبُوا، إِنَّمَا أَرَادَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، فَأَمَرَهُمُ اللهُ أَنْ يَنْفِرُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ(ص)، ويَخْتَلِفُوا إِلَيْهِ فَيَتَعَلَّمُوا، ثُمَّ يَرْجِعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَيُعَلِّمُوهُمْ، إِنَّمَا أَرَادَ اخْتِلَافَهُمْ مِنَ البُلْدَانِ لَا اخْتِلَافاً فِي الدِّينِ، إِنَّمَا الدِّينُ وَاحِدٌ، إِنَّمَا الدِّينُ وَاحِدٌ.
4. العَيَّاشِيُّ: عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِذَا حَدَثَ لِلْإِمَامِ حَدَثٌ، كَيْفَ يَصْنَعُ النَّاسُ؟ قَالَ: يَكُونُونَ كَمَا قَالَ اللهُ: {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ.. إِلَى قَوْلِهِ: يَحْذَرُونَ}، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: فَمَا حَالُهُمْ؟ قَالَ: هُمْ فِي عُذْرٍ.
٥. وعَنْهُ أَيْضاً فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: مَا تَقُولُ فِي قَوْمٍ هَلَكَ إِمَامُهُمْ، كَيْفَ يَصْنَعُونَ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي: أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللهِ {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ.. إِلَى قَوْلِهِ: يَحْذَرُونَ}»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَا حَالُ المُنْتَظِرِينَ حَتَّى يَرْجِعَ المُتَفَقِّهُونَ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي: رَحِمَكَ اللهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وعِيسَىm خَمْسُونَ ومِائَتَا سَنَةٍ، فَمَاتَ قَوْمٌ عَلَى دِينِ عِيسَى انْتِظَاراً لِدِينِ مُحَمَّدٍ(ص) فَآتَاهُمُ اللهُ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ.
6. عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ(ع) يَقُولُ: تَفَقَّهُوا، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ أَعْرَابِيٌّ، إِنَّ اللهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ إِلَى قَوْلِهِ: يَحْذَرُونَ}.
7. الطَّبْرِسِيُّ: قَالَ البَاقِرُ(ع): كَانَ هَذَا حِينَ كَثُرَ النَّاسُ فَأَمَرَهُمُ اللهُ سُبْحَانَهُ أَنْ تَنْفِرَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ وتُقِيمَ طَائِفَةٌ لِلتَّفَقُّهِ، وأَنْ يَكُونَ الغَزْوُ نَوْباً.
8. عليّ بن إبراهيم: في قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} "كي يعرفوا اليقين".
*الجانب الثَّاني: البعدُ الفقهي في الآية
تُبْحثُ هذه الآية في مسائل التَّقليد والاجتهاد، فيُذكر أنَّه: هل تعلُّم الأحكام الدِّينيَّة واجب أم لا؟ ثمَّ إذا كان واجباً هل هو واجب عينيّ أو واجب كفائيّ؟
وتوجد آراء في هذه المسألة:
1. أنَّه واجب عينيّ:
نقل ذلك المحقِّق القمِّي عن بعض قدماء علماء الإماميَّة وفقهاء حلب فأوجبوا على العوَّام الاستدلال، واكتفوا فيه بمعرفة الإجماع الحاصل من مناقشة العلماء عند الحاجة إلى الوقائع، أو النُّصوص الظَّاهرة، أو أنَّ الأصل في المنافع الإباحة وفي المضَّارّ الحُرمة مع فقد نصٍ قاطعٍ في متنه ودلالته، والنُّصوص محصورة، وقريب من هذا الكلام ما عن بعض من حرَّم التَّقليد من أنَّه يجب على العامِّي الرُّجوع إلى عارف عدل يذكر له مدرك الحكم من الكتاب والسُّنَّة فإن ساعد لغته على معرفة مدلولهما وإلَّا ترجم له معانيها بالمرادف من لغته، وإذا كانت الأدلَّة متعارضة ذكر له المتعارضَين، ونبَّهه على طريق الجمع بحمل المنسوخ على النَّاسخ والعامّ على الخاصّ والمطلَق على المقيَّد، ومع تعذُّر الجمع يذكر له أخبار العلاج، ولو احتاج إلى معرفة حال الرَّاوي ذكر له حالَه.
ويرد على هذا القول:
1. أنَّ الوجوب العينيّ موجب للعسر والحرج، لا سيَّما في هذا الزَّمان الَّذي صار الاجتهاد فيه صعبٌ، فيلزم تعطيل الأشغال والأسواق، وابتلاء النَّاس بمحنة شديدة. 2. إطلاقات أدلَّة التَّقليد، وسيرة المتشرِّعة تدلُّ على خلاف ذلك.
فالحقُّ أنَّه واجبٌ نفسيٌّ كفائيّ، مضافاً إلى وجوبه المقدِّميّ أو الطَّريقيّ بمعنى أنَّ في تركه يعاقب الجميع، وبارتكاب بعضٍ كافٍ يسقط عن الباقي.
2. أنَّه واجب كفائيّ:
وعليه أكثرُ علمائنا الإماميَّة(ره) كما عن السَّيِّد في الذَّريعة، والشَّيخ في العِدَّة، والمحقِّق في المعارج، والعلَّامة في النِّهاية والتَّهذيب والمبادئ والقواعد والإرشاد والتَّبصرة والتَّذكرة والتَّحرير، وفخر الإسلام في الإيضاح وشرح المبادئ، والشَّهيد الأوَّل في الذِّكرى وغيره، والشَّهيد الثَّاني في المقاصد العليَّة، والمحقِّق الثَّاني في الجعفريَّة، وغيرهم(ره).
إذاً الاجتهاد صيانةٌ للأحكام عن الاندراس، والمحافظة على الشَّريعة المقدَّسة عن الاضمحلال، وهو واجب كفائيّ، وإلى ذلك أشار سبحانه بقوله عزّ من قائل: {وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}(التَّوبة: ١٢٢)، حيث دلَّ على أنَّ كلَّ طائفة من كلِّ فرقة مأمور بالتَّفقُّه، وتحصيل الأحكام الشَّرعيَّة وتبليغها للجاهلين، فهي ظاهرة الدَّلالة على وجوب تحصيل الأحكام الشَّرعيَّة كفائيّاً.
ومن المباحث الفقهيَّة الَّتي كتبت حول هذه الآية المباركة أيضاً هي قاعة إرشاد الجاهل ويمكن عرض هذه القاعدة وكيفيَّة الاستدلال بالآية كالتَّالي:
*قاعدة الإرشاد:
المعنى: المراد من الإرشاد هنا هو بيان الأحكام للجاهل، فيجب على العالِم إرشاد الجاهل وتعليمه المسائل الدِّينيَّة، وعليه قد يعبَّر عنها (القاعدة) بوجوب إعلام الجاهل على العالِم.
المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي:
الآية: وهي قوله تعالى: {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}(التَّوبة: 122)، دلَّت على وجوب تعلُّم الأحكام لغاية الإنذار والإرشاد بالنِّسبة إلى القوم الَّذين لا يعلمون، فيجب إرشاد الجاهل على العالم بحكم الآية الكريمة. ومن المعلوم، أنَّ الآية تكون في مقام بيان غائيَّة العمل؛ أي الإنذار غاية للتَّفقُّه فتفيد وجوب الإرشاد قطعاً كما قال السَّيِّد الخوئيّS: أمَّا الأحكام الكلِّيَّة الإلهيَّة فلا ريب في وجوب إعلام الجاهل بها؛ لوجوب تبليغ الأحكام الشَّرعيَّة على النَّاس جيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة، وقد دلَّت عليه آية النَّفر، والرِّوايات الواردة في بذل العلم وتعليمه وتعلُّمه.
*الجانب الثَّالث: الجانب الأصوليّ في الآية
من جملة الآيات الَّتي يُستدلًّ بها على حجِّيَّة خبر الواحد هي آية النَّفر، فإنَّها دلَّت على وجوب الحذر عند إنذار المنذِرين من دون اعتبار إفادة خبرهم العِلم لتواتر أو قرينة فيثبت وجوب العمل بخبر الواحد.
أمَّا وجوب الحذر فمن وجهَين:
1. أنَّ لفظة لعلَّ بعد انسلاخها عن معنى التَّرجيّ ظاهرة في كون مدخولها محبوباً للمتكلِّم، وإذا تحقَّق حسن الحذر ثبت وجوبه؛ لما ذكر من أنَّه لا معنى لندب الحذر إذ مع قيام المقتضي يجب ومع عدمه لا يحسن، وإمَّا لأنَّ رجحان العمل بخبر الواحد مستلزِم لوجوبه بالإجماع المرَّكب، لأنَّ كلَّ من أجازه فقد أوجبه.
2. أنَّ ظاهر الآية وجوب الإنذار لوقوعه غايةً للنَّفر الواجب بمقتضى كلمة لولا، فإذا وجب الإنذار أفاد وجوب الحذر لوجهَين:
أ. وقوعه غايةً للواجب فإنَّ الغاية المترتِّبة على فعل الواجب ممَّا لا يرضى الأمر بانتفائه، سواء كان من الأفعال المتعلِّقة للتَّكليف أم لا كما في قولك: تُب لعلَّك تفلح، وأسلِم لعلَّك تدخل الجنَّة، وقوله تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى}.
ب. أنَّه إذا وجب الإنذار ثبت وجوب القبول وإلَّا لغا الإنذار.
ونظير ذلك ما تمسَّك به في المسالك على وجوب قبول قول المرأة وتصديقها في العِدِّة من قوله تعالى: {ولا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَ} فاستدلَّ بتحريمِ الكتمان ووجوب الإظهار عليهنَّ على قبول قولهنَّ بالنِّسبة إلى ما في الأرحام.
فإن قلت: المراد بالنَّفر النَّفر إلى الجهاد كما يظهر من صدر الآية، وهو قوله تعالى: {وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} ومن المعلوم أنَّ النفر إلى الجهاد ليس للتَّفقُّه والإنذار، نعم ربما يترتَّبان عليه بناءً على ما قيل من أنَّ المراد حصول البصيرة في الدِّين من مشاهدة آيات الله، وظهور أوليائه على أعدائه، وسائر ما يتفق في حرب المسلمين مع الكفار من آيات عظمة الله وحكمته، فيخبروا بذلك عند رجوعهم إلى الفرقة المتخلِّفة الباقية في المدينة، فالتَّفقُّه والإنذار من قبيل الفائدة لا الغاية حتَّى تجب بوجوب ذيِّها.
قلت:
١. ليس في صدر الآية دلالة على أنَّ المراد النَّفر إلى الجهاد، وذكر الآية في آيات الجهاد لا يدلُّ على ذلك.
٢. لو سُلِّم أنَّ المراد هو النَّفر إلى الجهاد لكن لا يتعيَّن أن يكون النَّفر من كلِّ قوم طائفة لأجل مجرَّد الجهاد، بل لو كان لمحض الجهاد لم يتعيَّن أن ينفر من كلِّ قومٍ طائفة، فيمكن أن يكون التَّفقه غاية لإيجاب النَّفر على كلِّ طائفة من كلِّ قوم لا لإيجاب أصل النَّفر.
٣. أنَّه قد فسَّر الآية بأنَّ المراد نهي المؤمنين عن نفر جميعهم إلى الجهاد كما يظهر من قوله: {وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} وأمر بعضهم بأن يتخلَّفوا عند النَّبيّ(ص)، ولا يخلُّوه وحده فيتعلَّموا مسائل حلالهم وحرامهم حتَّى يُنذروا قومهم النَّافرين إذا رجعوا إليهم.
والحاصل: أنَّ ظهور الآية في وجوب التَّفقُّه والإنذار ممَّا لا يُنكر، فلا محيص عن حمل الآية عليه، وإن لزم مخالفة الظَّاهر في سياق الآية أو بعض ألفاظها.
تتابع
المصدر: مجلة بقیة الله