printlogo


printlogo


مقالة/ الجزء الثاني
دراسة موجزة في آیة النفر

 المبحث الثَّاني: الجوانب المختلفة في الآية الشَّريفة
يمكن النَّظر إلى الآية الشَّريفة من زوايا مختلفة وجوانب متعدِّدة، ونشير إلى هذه الجوانب بشكلٍ ‏مختصر كإشارات: ‏
*الجانب الأوَّل: الجانب العقديّ في الآية
يمكن أن ننظر إلى الآية المباركة من ناحية البعد العقديّ وتحديداً في مسألة معرفة الإمام(ع)‏ الَّتي تعدُّ ‏من المسائل المهمَّة جدّاً، بل هي الأساس في معرفة الدِّين ككلّ، فإذا عرِفَ الإنسان من هو المبلِّغ عن ‏دينِ لله، عرِفَ ماذا يريد منه الله.‏
وبعبارة أخرى: إذا عرف الإنسان النَّبيّ(ص)‏ أو الوصيِّ من بعده فإن عرف الباب الموصِل إلى معرفة ‏الدِّين أجمع. فالمطلوب منَّا التفقُّه في الدِّين ولا يحصل هذا الفقه إلَّا بالرُّجوع إلى النَّبيّ(ص)‏ والأئمَّة من ‏بعدهi، وأمَّا في زماننا فلا يحصل التَّفقُّه الصَّحيح إلَّا بالرُّجوع إلى الفقهاء الَّذين يمثلِّون هذا الخطَّ، ‏والأخذ بما جاء عن المعصومينi‏.‏
وفي ما يلي نظرة إلى ما قد ورد من أحاديث حول هذه الآية، وكيف كان الأئمَّةiيفسِّرونها أو يذكرون ‏المصداق البارز لها وهو حول مسألة معرفة الإمام، ويمكن بيان ذلك من خلال ذكر بعض الأحاديث ‏الواردة عنهمi‏ من البرهان في تفسير القرآن:‏
‏1. يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّه‏(ع)‏: إِذَا حَدَثَ عَلَى الإِمَامِ حَدَثٌ، كَيْفَ يَصْنَعُ النَّاسُ؟ قَالَ: أَيْنَ قَوْلُ الله‏: {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا ‏إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏}؟! قَالَ: «هُمْ فِي عُذْرٍ مَا دَامُوا فِي الطَّلَبِ، وهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُمْ فِي عُذْرٍ حَتَّى ‏يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ أَصْحَابُهُمْ.‏
‏2. عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ‏(ع)‏ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِذَا هَلَكَ الإِمَامُ فَبَلَغَ ‏قَوْماً لَيْسُوا بِحَضْرَتِهِ؟ قَالَ: يَخْرُجُونَ فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ فِي عُذْرٍ مَا دَامُوا فِي الطَّلَبِ.‏
قُلْتُ: يَخْرُجُونَ كُلُّهُمْ أَوْ يَكْفِيهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا بَعْضُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّ اللهَa‏ يَقُولُ: {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ ‏فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدَّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}‏. قَالَ: «هَؤُلَاءِ ‏المُقِيمُونَ‏ فِي السَّعَةِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ أَصْحَابُهُمْ.‏
‏3. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ‏(ع)‏: إِنَّ قَوْماً يَرْوُونَ أَنَّ ‏رَسُولَ اللَّهِ(ص)‏ قَالَ: اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ. فَقَالَ:صَدَقُوا، فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةً ‏فَاجْتِمَاعُهُمْ عَذَابٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ وذَهَبُوا، إِنَّمَا أَرَادَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ ‏فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}،‏ فَأَمَرَهُمُ اللهُ أَنْ ‏يَنْفِرُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ(ص)، ويَخْتَلِفُوا إِلَيْهِ فَيَتَعَلَّمُوا، ثُمَّ يَرْجِعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَيُعَلِّمُوهُمْ، إِنَّمَا أَرَادَ اخْتِلَافَهُمْ مِنَ ‏البُلْدَانِ لَا اخْتِلَافاً فِي الدِّينِ، إِنَّمَا الدِّينُ وَاحِدٌ، إِنَّمَا الدِّينُ وَاحِدٌ.‏
‏4. العَيَّاشِيُّ: عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ‏(ع)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِذَا حَدَثَ لِلْإِمَامِ حَدَثٌ، كَيْفَ ‏يَصْنَعُ النَّاسُ؟ قَالَ: يَكُونُونَ كَمَا قَالَ اللهُ: {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ‏.. ‏إِلَى قَوْلِهِ: يَحْذَرُونَ}، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: فَمَا حَالُهُمْ؟ قَالَ: هُمْ فِي عُذْرٍ.‏
‏٥. وعَنْهُ أَيْضاً فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: مَا تَقُولُ فِي قَوْمٍ هَلَكَ إِمَامُهُمْ، كَيْفَ يَصْنَعُونَ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي: أَمَا ‏تَقْرَأُ كِتَابَ اللهِ‏ {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ‏.. إِلَى قَوْلِهِ: يَحْذَرُونَ‏}»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَا حَالُ ‏المُنْتَظِرِينَ حَتَّى يَرْجِعَ المُتَفَقِّهُونَ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي: رَحِمَكَ اللهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ ‏وعِيسَىm‏ خَمْسُونَ ومِائَتَا سَنَةٍ، فَمَاتَ قَوْمٌ عَلَى دِينِ عِيسَى انْتِظَاراً لِدِينِ‏ مُحَمَّدٍ(ص)‏ فَآتَاهُمُ اللهُ أَجْرَهُمْ ‏مَرَّتَيْنِ.‏
‏6. عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ(ع)‏ يَقُولُ: تَفَقَّهُوا، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ أَعْرَابِيٌّ، إِنَّ اللهَ ‏يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ‏ إِلَى قَوْلِهِ: يَحْذَرُونَ‏}.‏
‏7. الطَّبْرِسِيُّ: قَالَ البَاقِرُ(ع)‏: كَانَ هَذَا حِينَ كَثُرَ النَّاسُ فَأَمَرَهُمُ اللهُ سُبْحَانَهُ أَنْ تَنْفِرَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ وتُقِيمَ ‏طَائِفَةٌ لِلتَّفَقُّهِ، وأَنْ يَكُونَ الغَزْوُ نَوْباً.‏
‏8. عليّ بن إبراهيم: في قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} "كي يعرفوا اليقين".‏
*الجانب الثَّاني: البعدُ الفقهي في الآية
تُبْحثُ هذه الآية في مسائل التَّقليد والاجتهاد، فيُذكر أنَّه: هل تعلُّم الأحكام الدِّينيَّة واجب أم لا؟ ثمَّ ‏إذا كان واجباً هل هو واجب عينيّ أو واجب كفائيّ؟ ‏
وتوجد آراء في هذه المسألة:‏
‏1. أنَّه واجب عينيّ:‏
نقل ذلك المحقِّق القمِّي عن بعض قدماء علماء الإماميَّة وفقهاء حلب فأوجبوا على العوَّام الاستدلال، ‏واكتفوا فيه بمعرفة الإجماع الحاصل من مناقشة العلماء عند الحاجة إلى الوقائع، أو النُّصوص الظَّاهرة، ‏أو أنَّ الأصل في المنافع الإباحة وفي المضَّارّ الحُرمة مع فقد نصٍ قاطعٍ في متنه ودلالته، والنُّصوص ‏محصورة، وقريب من هذا الكلام ما عن بعض من حرَّم التَّقليد من أنَّه يجب على العامِّي الرُّجوع إلى ‏عارف عدل يذكر له مدرك الحكم من الكتاب والسُّنَّة فإن ساعد لغته على معرفة مدلولهما وإلَّا ترجم ‏له معانيها بالمرادف من لغته، وإذا كانت الأدلَّة متعارضة ذكر له المتعارضَين، ونبَّهه على طريق الجمع ‏بحمل المنسوخ على النَّاسخ والعامّ على الخاصّ والمطلَق على المقيَّد، ومع تعذُّر الجمع يذكر له أخبار ‏العلاج، ولو احتاج إلى معرفة حال الرَّاوي ذكر له حالَه.‏
ويرد على هذا القول: ‏
‏1. أنَّ الوجوب العينيّ موجب للعسر والحرج، لا سيَّما في هذا الزَّمان الَّذي صار الاجتهاد فيه صعبٌ، ‏فيلزم تعطيل الأشغال والأسواق، وابتلاء النَّاس بمحنة شديدة. ‏‏2. إطلاقات أدلَّة التَّقليد، وسيرة المتشرِّعة تدلُّ على خلاف ذلك. ‏
فالحقُّ أنَّه واجبٌ نفسيٌّ كفائيّ، مضافاً إلى وجوبه المقدِّميّ أو الطَّريقيّ بمعنى أنَّ في تركه يعاقب ‏الجميع، وبارتكاب بعضٍ كافٍ يسقط عن الباقي.‏
‏2. أنَّه واجب كفائيّ: ‏
وعليه أكثرُ علمائنا الإماميَّة(ره) كما عن السَّيِّد في الذَّريعة، والشَّيخ في العِدَّة، ‏والمحقِّق في المعارج، والعلَّامة في النِّهاية والتَّهذيب والمبادئ والقواعد والإرشاد والتَّبصرة والتَّذكرة ‏والتَّحرير، وفخر الإسلام في الإيضاح وشرح المبادئ، والشَّهيد الأوَّل في الذِّكرى وغيره، والشَّهيد ‏الثَّاني في المقاصد العليَّة، والمحقِّق الثَّاني في الجعفريَّة، وغيرهم(ره).
إذاً الاجتهاد صيانةٌ للأحكام عن الاندراس، والمحافظة على الشَّريعة المقدَّسة عن الاضمحلال، وهو ‏واجب كفائيّ، وإلى ذلك أشار سبحانه بقوله عزّ من قائل: {وَما كانَ‌ المُؤْمِنُونَ‌ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‌ فَلَوْ ‏لا نَفَرَ مِنْ‌ كُلِّ‌ فِرْقَةٍ‌ مِنْهُمْ‌ طائِفَةٌ‌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ‌ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ‌ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ‌ لَعَلَّهُمْ‌ ‏يَحْذَرُونَ}‌(التَّوبة: ١٢٢)، حيث دلَّ‌ على أنَّ كلَّ طائفة من كلِّ فرقة مأمور بالتَّفقُّه، وتحصيل الأحكام ‏الشَّرعيَّة وتبليغها للجاهلين، فهي ظاهرة الدَّلالة على وجوب تحصيل الأحكام الشَّرعيَّة كفائيّاً.‏
ومن المباحث الفقهيَّة الَّتي كتبت حول هذه الآية المباركة أيضاً هي قاعة إرشاد الجاهل ويمكن ‏عرض هذه القاعدة وكيفيَّة الاستدلال بالآية كالتَّالي:‏
*قاعدة الإرشاد:‏
المعنى: المراد من الإرشاد هنا هو بيان الأحكام للجاهل، فيجب على العالِم إرشاد الجاهل وتعليمه ‏المسائل الدِّينيَّة، وعليه قد يعبَّر عنها (القاعدة) بوجوب إعلام الجاهل على العالِم.‏
المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي:‏
الآية: وهي قوله تعالى‌: {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا ‏رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}(التَّوبة: 122)، دلَّت على وجوب تعلُّم الأحكام لغاية الإنذار والإرشاد ‏بالنِّسبة إلى القوم الَّذين لا يعلمون، فيجب إرشاد الجاهل على العالم بحكم الآية الكريمة. ومن ‏المعلوم، أنَّ الآية تكون في مقام بيان غائيَّة العمل؛ أي الإنذار غاية للتَّفقُّه فتفيد وجوب الإرشاد قطعاً ‏كما قال السَّيِّد الخوئيّS‏: أمَّا الأحكام الكلِّيَّة الإلهيَّة فلا ريب في وجوب إعلام الجاهل بها؛ لوجوب ‏تبليغ الأحكام الشَّرعيَّة على النَّاس جيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة، وقد دلَّت عليه آية النَّفر، والرِّوايات ‏الواردة في بذل العلم وتعليمه وتعلُّمه.‏
*الجانب الثَّالث: الجانب الأصوليّ في الآية
من جملة الآيات الَّتي يُستدلًّ بها على حجِّيَّة خبر الواحد هي آية النَّفر، فإنَّها دلَّت على وجوب الحذر ‏عند إنذار المنذِرين من دون اعتبار إفادة خبرهم العِلم لتواتر أو قرينة فيثبت وجوب العمل بخبر ‏الواحد.‏
أمَّا وجوب الحذر فمن وجهَين:‏
‏1. أنَّ لفظة لعلَّ بعد انسلاخها عن معنى التَّرجيّ ظاهرة في كون مدخولها محبوباً للمتكلِّم، وإذا تحقَّق ‏حسن الحذر ثبت وجوبه؛ لما ذكر من أنَّه لا معنى لندب الحذر إذ مع قيام المقتضي يجب ومع عدمه ‏لا يحسن، وإمَّا لأنَّ رجحان العمل بخبر الواحد مستلزِم لوجوبه بالإجماع المرَّكب، لأنَّ كلَّ من أجازه ‏فقد أوجبه.‏
‏2. أنَّ ظاهر الآية وجوب الإنذار لوقوعه غايةً للنَّفر الواجب بمقتضى كلمة لولا، فإذا وجب الإنذار ‏أفاد وجوب الحذر لوجهَين:‏
أ. وقوعه غايةً للواجب فإنَّ الغاية المترتِّبة على فعل الواجب ممَّا لا يرضى الأمر بانتفائه، سواء كان ‏من الأفعال المتعلِّقة للتَّكليف أم لا كما في قولك: تُب لعلَّك تفلح، وأسلِم لعلَّك تدخل الجنَّة، وقوله ‏تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى}.‏
ب. أنَّه إذا وجب الإنذار ثبت وجوب القبول وإلَّا لغا الإنذار.‏
ونظير ذلك ما تمسَّك به في المسالك على وجوب قبول قول المرأة وتصديقها في العِدِّة من قوله ‏تعالى: {ولا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَ‏} فاستدلَّ بتحريمِ الكتمان ووجوب ‏الإظهار عليهنَّ على قبول قولهنَّ بالنِّسبة إلى ما في الأرحام.‏
فإن قلت: المراد بالنَّفر النَّفر إلى الجهاد كما يظهر من صدر الآية، وهو قوله تعالى: {وَما كانَ المُؤْمِنُونَ ‏لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} ومن المعلوم أنَّ النفر إلى الجهاد ليس للتَّفقُّه والإنذار، نعم ربما يترتَّبان عليه بناءً على ‏ما قيل من أنَّ المراد حصول البصيرة في الدِّين من مشاهدة آيات الله، وظهور أوليائه على أعدائه، ‏وسائر ما يتفق في حرب المسلمين مع الكفار من آيات عظمة الله وحكمته، فيخبروا بذلك عند ‏رجوعهم إلى الفرقة المتخلِّفة الباقية في المدينة، فالتَّفقُّه والإنذار من قبيل الفائدة لا الغاية حتَّى تجب ‏بوجوب ذيِّها.‏
قلت:‏
‏١. ليس في صدر الآية دلالة على أنَّ المراد النَّفر إلى الجهاد، وذكر الآية في آيات الجهاد لا يدلُّ على ‏ذلك.‏
‏٢. لو سُلِّم أنَّ المراد هو النَّفر إلى الجهاد لكن لا يتعيَّن أن يكون النَّفر من كلِّ قوم طائفة لأجل مجرَّد ‏الجهاد، بل لو كان لمحض الجهاد لم يتعيَّن أن ينفر من كلِّ قومٍ طائفة، فيمكن أن يكون التَّفقه غاية ‏لإيجاب النَّفر على كلِّ طائفة من كلِّ قوم لا لإيجاب أصل النَّفر.‏
‏٣. أنَّه قد فسَّر الآية بأنَّ المراد نهي المؤمنين عن نفر جميعهم إلى الجهاد كما يظهر من قوله‏: {وَما ‏كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} وأمر بعضهم بأن يتخلَّفوا عند النَّبيّ(ص)، ولا يخلُّوه وحده فيتعلَّموا مسائل ‏حلالهم وحرامهم حتَّى يُنذروا قومهم النَّافرين إذا رجعوا إليهم.‏
والحاصل: أنَّ ظهور الآية في وجوب التَّفقُّه والإنذار ممَّا لا يُنكر، فلا محيص عن حمل الآية عليه، ‏وإن لزم مخالفة الظَّاهر في سياق الآية أو بعض ألفاظها.‏
تتابع
المصدر: مجلة بقیة الله