هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

المرجعية الدينية الرشيدة في النجف الاشرف مدار الحجة وسطوع البرهان

مقالة

المرجعية الدينية الرشيدة في النجف الاشرف مدار الحجة وسطوع البرهان

الكاتب: د. ابو عباس النجفي

الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الجزء الأول
أ. المقدمة:‏
لا أحسب أن أمة من الناس قد عاشت على هذه الأرض من دون أن تعتنق دينا تدين به للخالق جل وعلا ومن خلال جملة من ‏المعتقدات التي تكوّن بمجموعها ذلك الدين، وبغض النظر عن مدى الاستقامة أو الانحراف الذي قد تنطوي عليه تلك المعتقدات. إن ‏جميع الأديان والشرائع السماوية وعلى مدى التاريخ الإنساني، كان لها حَمَلة وأمناء يبلغونها إلى الناس ويوضحون لهم منظومة العقائد ‏والقيم والأخلاق التي جاء بها ذلك الدين أو الشريعة. إن أهم ما يميز حملة الدين أنهم يجسدون وبشكل كامل، منظومة الدين الذي ‏يدعون إليه ويجسدون كل تعاليمه بطريقة تجعل منهم أنموذج عملي يٌحتذى به، ومثالا تطبيقيا كاملا يترجم كل معاني الدين إذ لا يمكن ‏أن نتصور أن هناك دين أو شريعة بدون حملة أو مبلغين، سواء كانوا من قمة هرم القيادة وهم الأنبياء والرسل وأوصيائهم وحواريهم أو ‏كانوا من قاعدة هرم القيادة وهم الكهنة أو الرهبان أو العلماء المجتهدين الذين يضطلعون بدور الهداية بالعلم والعمل ويغدون بذلك دينا ‏يمشي على الأرض وأجسادا تتحرك بوحي العقيدة وعلى مدار الزمن.‏
إذن فالدين ببساطة هو تلك الثنائية المترابطة والمتلازمة من تشريع مكتوب وحامل لذلك التشريح تتمثل فيه روح النص. وبهذه الثنائية ‏يعيش الدين حيا في نفوس أتباعه، وإلا فأنه يصبح مومياء خال من الروح لا يحمل من صفات الجسد إلا الملامح الظاهرية.‏
وبنظرة فاحصة دقيقة للديانات والشرائع والمذاهب التي تدين بها جموع الناس في هذه المعمورة، وعلى ضوء هذا المقياس يمكن أن ‏نميّز الشرعة الحية التي يتسق فيها النص مع التطبيق، من غيرها من الشرائع المحنطة التي عجزت عن تقديم أنموذجها الحي!
ب‌. الإسلام في الدائرة الشيعية:‏
قدم الإسلام وطبقا للرؤية الشيعية (الإمامية الإثني عشرية) منهجا واضحا وجليا في إدارة الدين لمسيرة الخلق في هذا العالم، هذا المنهج ‏الذي شرّع له وحدد معالمه كلا من النص الديني المقدس وحامل النص المعصوم، وذلك ابتداء من أعلى قمة في هرم القيادة وهو ‏الرسول الأعظم(ص) مرورا بأوصيائه من الأول وحتى آخرهم صلوات الله تعالى عليهم أجمعين، حيث المسار الذي ‏اتسقت فيه النظرية بالتطبيق والممارسة بالنص الشرعي، وحيث الشرعة المنسجمة من الفطرة السليمة والخالية من العقد والمآزق ‏والتناقضات والمفارقات وعلى مدى الزمن وليومنا هذا، فلا يجد المتتبع الفطن والباحث المنصف وصاحب الفطرة السليمة، لا يجد في ‏هذا النهج أي نوع من التناقض أو التهافت الذي يمكن أن يُسجّل على مسيرة هذا الخط، لا بين النص الشرعي وسلوك راعي النص، ولا ‏بين رعاة النص أنفسهم، مما يقدم ظاهرة وحيدة في مضمونها وفريدة من نوعها، ميزت الإسلام في دائرته الشيعية الإمامية الإثنى ‏عشرية التي اتخذت من القران دستورا محفوظا ومن المعصوم راعيا وأمينا ومترجما ومطبقا ومفسرا لهذا الدستور وقائدا للمسيرة ‏‏(الكتاب والعترة)، ميّزته عن بقية المذاهب الإسلامية الأخرى من جهة وعن وبقية الديانات والشرائع في العالم من جهة أخرى. إن ‏المتابع الحصيف لمسيرة هذا الخط سيجد أن الصورة المثالية الكاملة التي رسمها النص المقدس عن الإنسان الكامل وطبيعته وخواصه ‏لا يمكن أن نجدها مجسدة تجسيدا تاما شاملا، إلا في شخص الراعي والأمين على هذا النص وهو قائد هذا الخط دون غيره من الناس، ‏وهذا ما لا نجده في أي ديانة أو شرعة منذ أن بزغ فجر الإسلام على هذه الأرض وإلى يومنا هذا.‏
إن من أعظم التحديات التي طرأت خلال مسيرة هذا الخط وهو عندما اقتضت الحكمة الإلهية أن تحجب شخص القائد والراعي والأمين ‏على النص المقدس، عن الأنظار من دون أن تغيب إدارته وتدبيره للمسيرة، ولقد تم الإعداد لهذه المرحلة الحرجة ولهذا التحدي الكبير ‏في فترات زمنية سبقت غياب القائد، حيث كان التوجيه بإتباع العلماء العاملين المجتهدين في تحصيل العلم والمنضبطين بحدود النص ‏المقدس، ليشكّلوا بذلك امتدادا لذلك القائد ولو بدرجات كبيرة دون العصمة، ليكونوا بمثابة قبسا من نور العصمة الوهاج، ولكي يقودوا ‏المسيرة بتسديد ورعاية من صاحب المقام الأول. ومرة أخرى قدم هذا الخط للعالم أجمع، أنموذجا للدين الحي عندما اتسقت شخصية ‏القائد وممارساته مع النص الشرعي، ليقدم لأتباع هذا الخط ولغيرهم نماذج مشرّفة غير خافية على كل مراقب منصف، بينما انزلقت ‏المذاهب والديانات والشرائع الأخرى إلى متاهات ومآزق كبرى على مستوى النص والتطبيق وخلّفت لنا إرثا ملطخا بالدماء ويعج ‏بالظلم والجور والخروقات والكبوات والفضاعات والفضائح والجرائم المروعة.‏
ج. ملامح القيادة في المرجعية:‏
لعل من أبرز الملامح العامة والأساسية التي اتسمت بها المرجعية بصفتها قائد المسيرة وعلى مدى قرون من تولي رجالاتها لهذا ‏التكليف الشرعي، وعلى سبيل الإجمال لا التفصيل والحصر، هي: قبس من نور الراعي الأول: وهو أمر بديهي يفرضه منطق العقل والدين والمعتقد، إذ لا يمكن أن نتصور أن مستوى من مستويات ‏النيابة العامة تعضدها حالة من حالات التسديد والرعاية يمكن أن تتحقق في شخص المرجع من دون أن تحمل شخصية ذلك المرجع ‏قبسات من هدي وسمة وخُلق الراعي والقائد الأصيل صاحب المقام الأول، وهو ما يعزز حقيقة انتماء المرجعية إلى خط الوصاية التي ‏أوصى بها رسول الله(ص). وهنا يمكن أن نحصل على عدة ثمرات من خلال هذه الميزة الرفيعة الثمرة الأولى ‏هي أن الأطروحة الإمامية الإثني عشرية هي أطروحة عملية واقعية استطاعت عبر قرون طويلة أن تؤدي رسالة الدين الحنيف وأن ‏تحمل كل وصاياه وتعاليمه ومعتقداته وهديه بالشكل الذي تجعل منه دينا نابضا بالحياة يتحقق فيه التناسق بين النص وحامل النص. ‏الثمرة الثانية هو قدرة هذا الخط على اجتياز كل العقبات والمخاطر وحرب الإبادة والتشويه والإقصاء عن الحياة العامة والعزلة و ‏وضغط الظلم والجور وشدة الفتن التي واجهته وابتداء من وفاة صاحب الرسالة(ص) وإلى يومنا هذا، فكان على رأس هذا ‏الخط إما إمام معصوم حاضر أو نائب عام لإمام معصوم غائب، يقوم مقامه ويبلغ الدين عنه من خلال العلم والرواية والتحقيق ‏والاجتهاد. الثمرة الثالثة وهي حالة الانسجام والتناسق التام الذي ميزّت قيادات هذا الخط و وحدة النسق العقائدي التي اتسمت به، فلا ‏تناقض ولا تشتت ولا تعارض في المباني الاعتقادية والاستدلالية بل كانت وما تزال قلعة محصنة بالدليل الساطع والبرهان الرصين.‏
تعاضد السيرة والمسيرة: إذا ما أردنا أن نعرّف هذه الميزّة الرفيعة، فإننا يمكن أن نقول أنه وعلى مدى اتساع ساحات الأديان وتعدد ‏ميادينها على مستوى التاريخ والجغرافيا فإننا لم نشهد حالة تعززت فيها عرى الترابط بين سيرة القائد الشخصية وبين طبيعة المهمة ‏التي ينهض بها، كما نشهده في قيادة المرجعية الممثلة لخط الإسلام بمداره الشيعي الإمامي الإثني عشري. فمن خلال نظرة محايدة ‏ومنصفة للصفات والملكات التي تتمتع بها شخصية المرجع القائد، يمكن أن تتضح لنا هذه الميزّة العظيمة، فعلى خطى الرعاة الأوائل، ‏تبلورت شخصية المرجع واستجمعت كل الملكات التي تؤهله للاضطلاع بهذا الدور الخطير، فطهارة المولد وطيبة النشأة وحسن ‏السيرة مزينة بالورع وطاعة الله تعالى ومخالفة الهوى والعدالة والجد في التحصيل والاجتهاد ممزوجة بالزهد والعفة والصبر والتواضع ‏لله تعالى والعفو عن المسيء مرصعة بالحكمة والشجاعة والثبات والأمانة وسداد الرأي وطول الصمت، كل ذلك وأكثر من معالي ‏الصفات وطيّب السمات نراها قد رسمت معالم الطريق وبينت طبيعة المنهج وأفصحت عن عظيم الترابط و وثاقة التلاحم بين شخص ‏المرجع  ومنهجه المبني على رفعة الدين و دعوة الناس للتمسك به.‏
سمو الغاية وصلاح الوسيلة: وفي هذه الميزّة يتجلّى عمق التواصل بين شخصية المرجع القائد وروح الدين وقيمه وسمو أهدافه ونقاء ‏أدواته، كما وتظهر واضحة للعيان قوة الإرادة والثقة بالله تعالى وحسن الظن به والتصديق بوعده، وذلك من خلال التوجه إلى الغايات ‏السامية الرفيعة عبر التوسل بالوسائل الأخلاقية والشرعية التي رسمها لنا الشرع المقدس والسيرة المباركة لأصحاب المقام الأول، فلا ‏يشوب التقدم إلى الأهداف الرفيعة، كل ما يثلم عقائد الدين والإيمان بها والانحراف عن خطه المستقيم، بل لا مكان حتى للشبهات ‏والعثرات والهفوات، فكم من الفرص السانحة والمراتب المتاحة والانتصارات الساحقة والفتوحات الكبيرة حال دون الوصول إليها، ‏الورع عن محارم الله وشدة الاحتياط والوقوف عند الشبهات ودقة التحري لصريح الحق، وهذا هو الابتلاء الأكبر والامتحان الأصعب ‏والجهاد الأعظم لهوى النفس ونزعاتها وغرائزها، فالنجاح في هذا الاختبار لا يكون إلا لمن نال المراتب العالية في رياضة النفس ‏وجهادها، وهو ما وسم قيادة المرجعية الصالحة على مدى الزمن دون غيرها من القيادات الدينية لدى الأديان والشرائع في كل زمان ‏ومكان.‏
تتابع
المصدر: مجلة فجر عاشوراء العدد 4 و 5‏

برچسب ها :
ارسال دیدگاه