أسئلة وردود
لماذا لم يحضر الامام علي بن ابي طالب الدواة والكتف؟
▪ نص الشبهة:
قال بعض المخالفين للشيعة: لماذا لم يتكلم علي رضي الله عنه عندما طلب الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته أن يكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، وهو الشجاع الذي لا يخشى إلا الله؟! وهو يعلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس!!
▪ الجواب:
أن هذا الإشكال يشير إلى رزية الخميس التي وقعت قبيل وفاة رسول الله(ص) بأربعة أيام، وهي مروية في صحيح البخاري ومسلم بسنده عن ابن عباس، قال: لما اشتد بالنبي(ص) وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. قال عمر: إن النبي(ص) غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط، قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع. فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله(ص) وبين كتابه.
والعجيب أن هذا المخالف ومن كان على شاكلته لا يغلطون عمر بن الخطاب في اعتراضه على رسول الله(ص)، وحيلولته دون كتابة هذا الكتاب الذي لا تضل الأمة به بعد وفاة رسول الله(ص)، بل يصوِّبونه، ويعدّون ذلك من دلائل فقه عمر بن الخطاب، ويغلطون رسول الله(ص)، لزعمهم أن النبي(ص) تراجع عن طلبه، ورأى رأي عمر، ولذلك لم يصر على كتابة ذلك الكتاب!!
وهؤلاء القوم لا يكتفون بتغليط النبي(ص) في هذه الحادثة، بل يحاولون جاهدين أن يغلطوا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب الذي لم يرد له أي ذكر فيها لا من قريب ولا من بعيد، وإشكال هذا المخالف مبتن على ذلك، فهو يعترض على أمير المؤمنين بأنه لم يقم بإحضار الكتاب الذي طلبه رسول الله(ص)، وهذا يدل على مخالفته لأمره(ص)، فيشمله الذم الذي شمل من كان حاضراً في بيت رسول الله(ص) في ذلك الوقت.
إلا أن هذا الإيراد يندفع بعدة أمور
1- أنه لا دليل على أن أمير المؤمنين كان حاضراً في ذلك الوقت، فلعله لم يكن موجوداً، وكل أحاديث القوم لا تدل على أن علي بن أبي طالب كان حاضراً، وعلى من يدّعي أن أمير المؤمنين كان حاضراً أن يثبت ذلك بدليل صحيح.
نعم روى الشيخ المفيد(قد) في كتابه الإرشاد خبراً طويلاً جاء فيه:
فلما سلم انصرف [النبي(ص)] إلى منزله واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة ممن حضر المسجد من المسلمين، ثم قال: ألم آمر أن تنفذوا جيش أسامة؟! قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فلمَ تأخرتم عن أمري؟ فقال أبو بكر: إنني كنت خرجت، ثم عدت لأجدِّد بك عهداً. وقال عمر: يا رسول الله، لم أخرج لأنني لم أحب أن أسأل عنك الركب. فقال النبي(ص): فأنفذوا جيش أسامة، فأنفذوا جيش أسامة (يكرِّرها ثلاث مرات)، ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف، فمكث هنيهة مغمى عليه، وبكى المسلمون، وارتفع النحيب من أزواجه وولده والنساء المسلمات ومن حضر من المسلمين، فأفاق عليه وآله السلام، فنظر إليهم، ثم قال: ائتوني بدواة وكتف، أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً. ثم أغمي عليه، فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفاً، فقال له عمر: ارجع، فإنه يهجر! فرجع. وندم من حضره على ما كان منهم من التضجيع في إحضار الدواة والكتف، فتلاوموا بينهم، فقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد أشفقنا من خلاف رسول الله. فلما أفاق(ص) قال بعضهم: ألا نأتيك بكتف يا رسول الله ودواة؟ فقال: أبعد الذي قلتم! لا، ولكنني أوصيكم بأهل بيتي خيراً. ثم أعرض بوجهه عن القوم فنهضوا، وبقي عنده العباس والفضل وعلي بن أبي طالب وأهل بيته خاصة، فقال له العباس: يا رسول الله، إن يكن هذا الأمر فينا مستقرًّا بعدك فبشِّرنا، وإن كنت تعلم أنا نُغلب عليه فأوص بنا. فقال: أنتم المستضعَفون من بعدي. وأصمت، فنهض القوم وهم يبكون، قد أيسوا من النبي(ص).
وهذه الرواية تدل على أن أمير المؤمنين كان حاضراً في المجلس عندما أمر النبي(ص) القوم بإحضار الدواة والكتف؛ ليكتب لهم كتاباً لا يضلون بعده، إلا أن هذه الرواية لا تصح سنداً، بل هي مروية من غير إسناد، فلا يصح الاحتجاج بها.
2- أنا لو سلَّمنا أن أمير المؤمنين كان حاضراً في البيت في ذلك الوقت، فإن ذلك لا يقتضي الطعن فيه بعدم امتثال أمر النبي(ص) ؛ لأن الطعن إنما يلحق الذين طعنوا في رسول الله(ص) بأنه يهجر أو غلبه الوجع، والذين حالوا بينه وبين كتابة الكتاب بقول أو عمل، وأما من كان حاضراً ولم يصدر منه أي مخالفة فلا يجوز الطعن فيه بشيء؛ لأننا لا نعلم الدواعي التي منعته من إحضار الكتاب، فنحمل فعله على سبعين محملاً من الخير.
3- أن الحديث بجميع طرقه المروية في كتب الشيعة وأهل السنة لم يدل بأي دلالة على أن النبي(ص) أمر أمير المؤمنين بإحضار الدواة والكتف، وأن أمير المؤمنين خالف في ذلك، أو تلكأ، أو تباطأ؛ ليتجه الطعن في أمير المؤمنين بأنه لم يمتثل أمر النبي(ص)، فربما كان المأمور بذلك غيره.
4- أنَّا لو سلَّمنا بأن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كان هو المأمور بإحضار الدواة والكتف، أو كان المأمور بذلك كل من كان حاضراً في البيت، ومن ضمنهم أمير المؤمنين، فإن ذلك لا يقتضي الطعن في أمير المؤمنين بأنه لم يحضر الدواة والكتف؛ لأن شغب عمر ومن كان معه حال دون إحضار الدواة والكتف، ومنَعَ النبي(ص) من الإصرار على كتابة الكتاب؛ لعدم الفائدة من كتابته بعدما قال القوم ما قالوا، ولهذا وبَّخهم، وأمرهم بالقيام والانصراف.
5- أن أمير المؤمنين لم يجابه القوم الذين حالوا دون كتابة الكتاب بقول أو عمل؛ لأنه كان في محضر رسول الله(ص)، وليس له أن يفعل فعلاً، أو يقول قولاً إلا بأمره(ص) وبإذنه، فإذا لم يأمره النبي(ص) بشيء فإن أمير المؤمنين لا يؤاخَذ بأي مؤاخذة، ولا يلام بأي لوم.
المصدر: مرکز الاشعاع الإسلامي