□ مقالة
أهمیة العلم من الناحیة الدینیة والاجتماعیة
في هذا المقال، نسلط الضوء على أهمية طلب العلم، من الناحية الدينية والاجتماعية، ونشير الى حال المسلمين ونتائج الجهل في أمتنا.
▪ العلم فريضة
قال الله عزَّوجلَّ في كتابه الكريم: [قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ]
في هذا البحث نتحدّث عن فريضة من الفرائض الإسلاميّة لا تقلّ شأناً عن بقيّة الفرائض، ألا وهي «فريضة العلم»، وأمّا تعبيرنا عن العلم بالفريضة فناشىء من وصف الأحاديث الشريفة لطلب العلم بأنّه فريضة، فقد ورد عن النبي(ص) أنّه قال: «طلب العلم فريضة على كلّ مسلمٍ». وفي كتاب بحار الأنوار إضافةُ كلمة «ومسلمة». وهذا الحديث ممّا اتّفق عليه الفريقان، السنّة والشيعة.
▪ معنى الفريضة
والفريضة تعني الواجب وبهذا يكون المراد من الحديث الشريف أنّ طلب العلم واحد من الفرائض والواجبات الإسلاميّة، وعليه يكون للإسلام فضلُ السبق في مضمار حثّ الناس على طلب العلم، فبعد أن كان التعلُّم حقّاً وامتيازاً تتمتّع به فئات خاصّة وطبقات معيّنة في مجتمعِ ما قبل الإسلام، جاء الإسلام ليعتبر طلب العلم واجباً وفريضةً على كلّ فردٍ من أفراد المجتمع الإسلامي، دون أي فرقٍ بين المرأة والرجل، أو بين طبقةٍ أو جماعةٍ وأخرى؛ إذاً تحصيل العلم والمعرفة فرض واجب على جميع المسلمين، كالصلاة والصوم والحجّ وغيرها من الفرائض الإسلاميّة.
▪ المسلمون والعلم
ينقسم المجتمع الإسلاميّ، من حيث نظرته إلى العلاقة بين الدِّين والعلم، إلى فئتين:
الفئة الأولى: وهي تسعى لإظهار أنّ الدين والعلم متخالفان ولا يمكن أن يلتقيا أبداً، وهذه الفئة تنقسم بدورها إلى طائفتين: وهي طائفة الجهلاء المتظاهرين بالتديّن، وهؤلاء يعيشون ويرتزقون بسبب الجهل المتفشّي في الناس، ومن هنا كان العلم عدوّهم اللدود، فراحوا يشوّهون صورته أمام الناس، لكي يبتعدوا عنه، كانت دعواهم أنّ العلم يتنافى مع الدِّين. وهي طائفة المثقّفين المتعلِّمين، الّذين ضربوا بالمبادئ الإنسانيّة والأخلاقيّة عرض الحائط، فلكي يبرّروا أعمالهم المنكرة، قالوا لا يمكن أن يأتَلِفَ الدينُ والعلم، فإمّا أن تكون متديّناً، وإمّا أن تكون متعلِّماً ومثقَّفاً.
الفئة الثانية: وهي الّتي لم يخالجها قطُّ إحساس بأيِّ تناقضٍ أو تنافٍ بين الدِّين والعلم، فسَعَت إلى إزالة الظلام والغبار الّذي أثارته الفئة الأولى بطوائفها حول العلم والدِّين المقدّسين، وكان لها حظّ من كلّ من العلم والدِّين، كشاهدٍ على إمكانيّة الجمع بينهما في الواقع.
▪ الإسلام يوصي بالعلم
فالإسلام قد أولى مسألة تحصيل العلم أهمّيّةً قصوى، حتّى أنّه اعتبره فرضاً واجباً على كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ، وقد تعرّضت جملة من الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة لبيان فضل العلم والعلماء وما لهم من الأجر الكبير عند الله عزَّ وجلَّ، وكلّ ذلك ترغيباً في العلم ودعوةً إلى تحصيله، ونحن هنا سنكتفي بذكر شيء يسير من أحاديث النبيّصلى الله عليه وآله وسلم في الحثّ على طلب العلم:
الأوّل: «طلب العلم فريضة على كلّ مسلمٍ ومسلمة» وفي هذا الحديث تأكيد على أنّ طلب العلم أمر لا يتمايز فيه أحد عن أحدٍ، فهو واجب على الرجل والمرأة، الصغير والكبير، الشابّ والشيخ، الحاكم والمحكوم، ولا يختصّ بطبقةٍ أو جنسٍ.
الثاني: «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد» وفيه إشارة إلى أنّ طلب العلم لا يختصّ بزمانٍ دون زمانٍ، فهو فريضة على كلّ مسلمٍ في كلّ زمان.
الثالث: «اطلبوا العلم ولو في الصين» فليس لطلب العلم مكان معيّن، وكلّ مكانٍ مهما كان بعيداً يوجد فيه علم نافع ومفيد هو من الأمكنة الّتي يجب على المسلم أن يسعى للوصول إليها، لتحصيل ذلك العلم والإفادة منه، وهذا ما يجعل طلب العلم فريضةً متميّزةً عن كثيرٍ من الفرائض الإسلاميّة الّتي حُدِّد لها وقت معيّن، كالصلاة والصوم مثلاً، أو مكان معيّن، كالحجّ.
الرابع: «الحكمة ضالّة المؤمن يأخذها أينما يجده» والحكمة هي الموضوع المحكَم المتقَن المنطقيّ السليم، وهي كلّ قانونٍ أو قاعدةٍ تتّفق مع الحقيقة، وليست صنيعة الوهم والتخيّلات، فالمؤمن يبحث عن الحقيقة في كلّ اتجاه، ولا يتحفّظ أن يطلبها ولو كانت عند كافرٍ أو مشركٍ، وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: «الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، فَخُذِ الْحِكْمَةَ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاق». فالشرط الوحيد إسلاميّاً في أخذ العلم هو أن يكون ذلك العلم صحيحاً، ويتّفق مع الحقيقة والواقع.
▪ العلم النافع، شرط واحد للعلم
ينبغي لمنْ ليسوا من أهل الاختصاص أن لا يستمعوا إلى كلّ من ألقى بدَلْوه من الناس، بل لا بدّ لهم من الاستيضاح حول طبيعة الشخص الّذي يتلقَّوْن منه العلم، لئلاّ ينحرف بهم عن الخطّ المستقيم من حيث لا يشعرون، أمّا إذا كان لديهم من الخبرة ما يجعلهم يميّزون بين المفيد والمضرّ، والصحيح والفاسد من العلوم، فلا ينبغي لهم التوقّف في أخذ الصحيح والمفيد منها، ولو كان المعلِّم كافراً أو مشركاً أو منافقاً، وهذا أيضاً يميّز طلب العلم عن بعض الفرائض الإسلاميّة الأُخرى الّتي قُيِّدت بشروطٍ، كصلاة الجمعة الّتي يجب فيها الاقتداء بإمامٍ واحدٍ مسلمٍ مؤمنٍ عادلٍ، أمّا طلب العلم فلم يُقيَّد سوى بأن يكون العلم صحيحاً مفيداً، ويتّفق مع الحقيقة والواقع، وإلاّ انتفى الغرض من تحصيله.
▪ حال المجتمع الإسلامي
ونحن لا نريد تفصيل الكلام في مدى عناية الإسلام واهتمامه بالعلم والترغيب فيه، وذلك لأنّه قد قيل وكُتِب الكثير حول ذلك، ومَنْ ينظر إلى مجتمعاتنا الغارقة في الجهل والأُمّيّة والتخلُّف لن يصدّق ما سوف نقوله له من عناية الإسلام الكبرى في طلب العلم، إذ كيف يكون الإسلام كذلك والمسلمون غارقون في الجهل؟!
ولهذا نرى أنّه لا بدّ من الالتفات إلى عيوب المجتمع الإسلامي، والتفكير في أسباب التأخّر العلميّ في هذا المجتمع، فلعلّنا نتمكّن أن نتخلّص من ذلك كلّه، لننطلق بعدها في طريق العلم الواسع الّذي سيقودنا إلى الرقيّ والحضارة الحقيقيَّيْن ما دام مقترناً بالإيمان والالتزام.
وتجدر الإشارة إلى تلك الحادثة الّتي حصلت مع العلاّمة السيّد عبد الحسين شرف الدين!، فإنّه أخذ في تأليف الكتب حول أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم رَدْحاً من الزمن، ولكنّه التفت بعد فترةٍ إلى أنّ الشيعة في لبنان كانوا مستضعفين، وليس فيهم العالم ولا المهندس ولا الطبيب إلاّ بأعدادٍ ضئيلةٍ جدّاً، فرأى أنّ كتبه لن يكون لها أيّ فائدةٍ ما دام الوضع على حاله، فانصرف بكلّ طاقته إلى النشاطات العمليّة الّتي من شأنها أن تنهض بهؤلاء، وعمد إلى تأسيس المدارس ومعاهد التعليم والجمعيّات الخيريّة، فتغيّر الوضع، وتبدّل الحال، وصار للشيعة علماء ومهندسون ومثقّفون، وهكذا وجدت الدعوة والحركة الإسلاميّة مناخاً ملائماً لها في لبنان.
▪ انعكاسات التخلّي عن مكافحة الجهل
في كلّ البلدان الّتي تعاني من الجهل والفقر والتخلُّف نجد حضوراً قويّاً لمجموعاتٍ أجنبيّة، قد قطعت آلاف الأميال للوصول إلى تلك البقاع المحرومة من الأرض، وتحمّلت العناء والمرارة، وكلّ ذلك في سبيل نشر العلم والاهتمام بالجوانب الصحّيّة والإنمائيّة في تلك البلاد.
نحن لا نريد الخوض في بيان أهداف هؤلاء من حركتهم، ولكنّنا نقول: هؤلاء يصلون إلى أماكن ومناطق لم تطأها قدمُ داعِيةٍ ومبلِّغٍ ومرشِدٍ من قبلُ، الأمر الّذي يعني أنّ هؤلاء المتستّرين بغطاء المساعدة الإنسانيّة، والهادفين إلى نشر أفكارهم وعقائدهم، سوف يتمكّنون من ملء قلوب وعقول المساكين والفقراء والبُسَطاء من الناس هناك بما يريدون، وهذا أمر طبيعيّ، فالإنسان رهين الإحسان، ومَنْ سيُنقذ إنساناً من الجهل والفقر والتعاسة سيمتلك قلبه وعقله وروحه وفكره حتماً، فبماذا سنعتذر إلى الله ورسوله إذا ما ارتدّ هؤلاء الفقراء عن الإسلام، محتجّين بأنّهم كانوا -ولأربعة عشر قرناً- مسلمين فلم يعرفوا سوى الجهل والفقر والتخلُّف حتّى جاء أتباع الديانات الأُخرى فأنقذوهم وعلَّموهم وأخذوا بأيديهم في طريق الحضارة والتقدُّم؟ وبماذا سنجيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو سألنا هل عملتم بما قلته لكم من أحاديث في طلب العلم؟
إنّ العلم وحده لا يضمن السعادة للناس، بل لا بدّ أن يقترن بالإيمان والالتزام، وحينها يكون علماً نافعاً، كما أنّ الصورة الّتي رسموها يمكن قراءتها بشكلٍ آخر، فكما أنّ اللصّ المتعلّم يختار ما يسرق بدقّة وعناية كذلك صاحب البيت المتعلّم يعرف كيف يحمي بيته من اللصوص، وكما أنّ العلم نور بيد اللصّ يبصّره طريقه كذلك هو نور بيد صاحب البيت يعرف به مكان اللصّ ويفضحه. فالعلم نور، إذا وجد مَنْ يستخدمه في الشرّ فلن يعدم من يستخدمه في الخير. أمّا الجهل فهو وبال محض، يستغلّه الشرّير لممارسة شروره، ويقف حائلاً بين المرء ومجابهة ما يُحاك له من المكائد والمؤامرات.
فإذا أردنا أن يكون لنا دين صحيح، وخلاص من الفقر، ومجتمع راقٍ ولائق، علينا أن ننهض في حركةٍ علميّةٍ واحدةٍ تُخرجنا ممّا أصابنا من الجهل والتخلُّف، وإلاّ سنكون قد ساهمنا مريدين أو غير مريدين في تدمير الإسلام والمجتمع الإسلاميّ، وفي منح الآخرين السيطرة والسلطة على الواقع الإسلاميّ كلّه
▪ أقلّ الجهد
وهُنا لا يقولَنَّ أحد إنّ علينا والحال هذه أن نتصدّى لهؤلاء ونمنعهم من الوصول إلى تلك البلاد وتعليم الناس والاهتمام بقضاياهم الصحّيّة والإنمائيّة، فإنّ هذا كلام مرفوض من قِبَل العالَم، ومن قبل الشعوب الإسلاميّة الّتي تعاني من الفقر والجهل.
يمكننا أن نقول إنّ علينا أن نستنفر كلّ طاقاتنا، ونبذل جهدنا لنشر العلم في تلك البقاع وإخراج الناس هناك ممّا هم فيه من الفقر والجهل والشقاء، وحينها لن تجد تلك الجماعات مكاناً لها في عقولٍ صارت قادرةً على التمييز بين صديقها وعدوّها.
▪ القرآن يحثّ على التسابق في فعل الخير
وقد أكّد القرآن الكريم على وجوب التسابق نحو فعل الخير، حيث وضع المسلمين في حركة منافسةٍ مع الأُمَم الأُخرى في استخدام ما آتاهم الله عزَّ وجلَّ لتحقيق الخير والسعادة للناس، فقال: [لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ].
▪ النتيجة
إذن علينا أن نبدأ، وكفانا خمولاً وانزواءً، وطريق الألف خطوة تبدأ بخطوة، وحين يؤمن الناس حقّاً بأنّ العلم والتعليم فريضة إلهيّة، كالصلاة والصوم ونحوهما، ويمارسون ذلك كفريضةٍ سنشهد المعجزات في حركة النهضة العلميّة.
▪ خلاصة
حثّ الإسلام على طلب العلم، إلاّ أنّ بعضاً زعموا أنّ العلم يتنافى مع الدِّين ليُبعِدوا الناس عنه، ولكنّهم افتُضِحوا عندما استطاع آخرون أن يجمعوا عمليّاً بين الدِّين والعلم. ولكنّ المتأمِّل في حال المسلمين اليوم يدرك أنّ المسلمين قد تخلَّوْا عن الالتزام بأوامر الإسلام بطلب العلم ونشره، فوصلوا إلى ما هم عليه من الجهل.
المصدر: www.almaaref.org.lb