الأدباء المسيحيين في لبنان والإمام علي(ع)
الشيخ عفيف النابلسي
اطلت عيوننا على الحياة ودخلنا الكتاتيب عند شيوخ الضيعة ودرسنا تحت الزيتونة وفي المسجد العتيق المهجور واصبح بامكاننا قراءة الحرف وتعلمنا الخط الجيد والحساب بعد قراءة القرآن وتجويده وصرنا نتدرج في سلم المعرفة من شيخ الى آخر نقرا الادب العربي ونحفظ منه اشعاراً جزلة وفخمة ونستمرعلى هذا الادب وفجأة يطل علينا مجموعة من ادباء الشرق اتعبهم الانصاف فحولوا المسار الادبي باتجاه اهل البيت(ع) وراحوا يقرأون تاريخهم ومأسيهم وألمعيتهم وأحقيتهم ثم يعودون الينا بالنفع العميم ويصدرون الى العالم روائع شعرهم ونثرهم ويوينون كتبهم ويبخرون اقلامهم بعطر آل علي وهم مأنوسون حيث العطور تضخمهم والانوار تظللهم واذا بهم نفحة من عطر وقبس من نور يكتبون ويكتب غيرهم ولكن غيرهم يكتب الفاظاً وجملاً جامدة لا حياة فيها اما هم يكتبون جملاً ظاهرها كأنه سبائك الياقوت وداخلها كانه روائح الجنان يفيضون شهراً اين منه ملاحم البطولة وملاعب الاسنة واسواق عكاظ ويموجون نثراً اين منه مقامات الهمداني والحريري ويقدمون ويقدمون موائد غنية من الادب العلوي لم يظفر الا من اخلص في حبه للبيت العلوي الطاهر.
لا غرابة فمن يأخذ جانب اهل البيت يستقو ولعلنا لا نجد في العصر الديث وقبل نصف قرن وزيادة من تقدم في الكتاب من علماء المسلمين كل المسلمين في حق آل البيت على الادباء المسيحيين في لبنان.
ولعل الادباء هؤلاء انما سموا بهذا الدنيا بعطاء خاص من المولى جل شأنه لانهم خصوا اهل البيت(ع) بفرائد ادبهم وشعرهم ونثرهم فهي منحة ربانية كرمى لاهل بيت الرحمة اعطاها المولى الجليل جزاء لهؤلاء في هذه الدنيا والا فما معنى هذا المضمار وينجح هؤلاء الابطال وينثرون على الدنيا كتباً عز على الزمن نشرها ومنها ملاحم شعرية كملحمة الاديب القاضي اللامع والمثقف العالمي الاستاذ جورج جرداق وكبير ادباء الشرق جبران خليل جبران وعميد ادباء لبنان الاستاذ مخيائيل نعمية وابن شقيقته النحات الاول في الوصف والترصيف الاستاذ سليمان كتاني الذي ما فتىء يقدم في كل سنة ادبه المخملي ويفوز في المبارات الادبية الرائعة وكان هذا الرجل معجون بماء المحبة لعلي وابنائه الاكارم والاستاذ الكبير نصري سلهب الذي كتب في خطى علي ثم بعد ذلك في خطى محمد وخطى المسيح واليك بعض ملخصات هذا الانتاج ولعلك تعذرني فيما تحدث عنه ولا بد انك سوف تنعتني بالتقصير امام زخم عطائهم عندما تسمح قول إمام الفقه والعقيدة والتاريخ السيد عبد الحسين شرف الدين يقول للاستاذ جورج جرداق اعرني بيانك كي اقرظ به كتابك وكذلك عندما نسمع الامام موسى الصدر يقول للاستاذ سليمان كتاني يقول: كنت استمع اليه وارى أمامي لوحات رائعة تكشف بوضوح جمال ذوقه وروعة فنه ثم يقول بعد ذلك متعة العمر كانت هذه الساعات امام الجمال الالهي في جلوة فاطمة المنعكسة على فكر وقلب هذا الرجل المرأة الوديع.
ولسوف تقرا معي بعد قليل نتف الزنابق نثرها هؤلاء الادباء على ربوع لبنان فتحول الى بلد الحسن والجمال وهكذا يخضر البلد وهكذا تزهو روابية وتشرئب اعناق قوافيه.
بداية يتصدر جبران خليل جبران قائمة الابداع والخيال والرحب ويفتش في دنيا الفضائل وآفاقها الرحبة ويغوص في بحار ولجج العلوم والمناقب ويقرأ لبوذا ونيتشه والى وليام بلايك لكن قلبه لم يعلق الا في شباك العظماء الثلاثة عيسى بن مريم ومحمد بن عبد الله نبي الاسلام وعلي بن ابي طالب.
▪ ١ جبران خليل جبران:
ينظر جبران الى علي نظرته الى الكائن الذي اتصل بأسمى ما في الوجود من معاني وتاق الى الكمال فادركه واتحد به فإذا هو يلازم ما اسماه الروح الكلية ويجاورها ويسامرها فلا يجفوها ولا تجفوه.
وهو يرى ان علياً اول عربي بعث في مسامع الدنيا اغاني هذه الروح الشاملة حتى لكان قلبه ينهل منها فتذيعها شفتاه اناشيد سماوية تلو نشيد.واليك ما تجيش به نفسه من حب وتقدير لمن لازم الروح الكلية وسامرها."
وفي عقيدتي ان ابن ابي طالب كان اول عربي لازم الروح الكلية وجاورها وسامرها وهو اول عربي تناولت شقتاه صدى اغانيها على مسمع قوم لم يسمعوا بها من ذي قبل فتاهوا بين مناهج بلاغته وظلمات ماضيهم فمن اعجب بها كان اعجابه موثوقاً بالفطرة ومن خاصمه كان من ابناء الجاهلية.
" مات علي بن ابي طالب شهيد عظمته" مات والصلاة بين شفتيه مات وفي قلبه الشوق الى ربه ولم يعرف العرب حقيقة مقامه ومقداره حتى قام من جيرانهم افلرس اناس يدركون الفارق بين الجواهر والحصى.
"مات قبل ان يبلغ العالم رسالته كاملة وافية " غير انني اتمثله مبتسماً قبل ان يغمض عينيه عن هذه الارض. " مات شأن جميع الانبياء الباصرين الذي يأتون الى بلد ليس ببلدهم والى قوم ليس بقومهم في زمن ليس بزمنهم ولكن لربك شأن في ذلك وهو اعلم ! ".
▪ ٢ عائلة جرداق:
عائلة نبت فيها الادب كما ينبت الزهر في الروض والنور في الحقل والسنديان في الجبل ولم يكونوا محتاجين الة دخول مدرسة لاظهار هذا الادب غير ان المدرسة طورت افكارهم وهذبت اقلامهم وجعلت ادبهم مميزاً وشعرهم منظداً.
ولا فرق عندهم نظموا او نثروا ماذا نظموا؟ نظموا عقود الدر والمرجان وااذ نثروا نضدوا هذا الادب فتلألأ كاللجين والنضار وتراهم في حالتي الرضا والسخط ادباء متمردين على البؤس والظلم متخذيم من روائع علي(ع) قمة لهذا الادب ينافسون فيه أنّى كانوا ولا شك ان الشاعر الكبي فؤاد جرداق عندما نظم قصيدته في هجاء الواقع الظالم والعفن:
وطن سراجين الذئاب تسوسه
وزعيمه تحت الحذاء يدوسه
ومنها:
ربضت على الصبر الجميل اسوده
وتحكمت بالعاقلين تيوسه
ومنها:
وزراؤه اوزاره ورجاله
اصلاله ورئيسه مرؤوسه
الخ... انما كان ينزع الى ثورة متمردة على الظلم وعلى رجالاته وصحيح اني عارضتها حيث ساوى بين المشايخ الثائرين والقساوسة الممتازين المترفين لكنني بقيت احتفظ باصالتها وقيمتها الثورية.
يقول الاستاذ فؤاد جرداق اخ الكاتب الكبير جورج جرداق مستغيثاً بعلي ومنبهاً البشر ان خلاصهم في طريقته ونهجه ,اسمع هذه الابيات المختصرة التي تغنيك عن ملحمة
كلما بي عارض الخطب ألم
رحت اشكو لعلي علتي
وأنادي الحق في اعلامه
كلما عُذب بالجور فتى
فهو للظالم رعدٌ قاصف
وهو للعدل حمى قد صانه
من الاوطان بها العسف طغى
غير نهج عادل في حكمه
وصماني من عنا الدهر ألم
وعلي ملجا من كل هم
وعلي علم الحق الاشم
ودعاه في دجا الخطب نجم
وهو للمظوم فينا معتصم
المصدر: WWW.BALAGHAH.NET
برچسب ها :
ارسال دیدگاه