الحوار
دراسة الحدیث
□ في حوار مع الأستاذ محمد واعظ زاده الخراساني / الجزء الثاني
□ ما هي الفراغات الموجودة عند الشيعة برأيكم في مجال الحديث وعلومه وما هي البحوث والدراسات التي ينبغي تقديمها؟
من الأعمال التي أعتقد بضرورتها هو متابعة الأحاديث المشتركة بين الشيعة والسنة. فهم يتصورون أن رواياتنا صادرة عن أهل البيت(ع) وهي غير ما لديهم هم عن النبي الأكرم(ص)، وهذا في حين أن ثمانين بالمئة (وربما أكثر) من الروايات هي روايات مشتركة ولا سيما في الأخلاق. وأساساً كان الأئمة يذكرون روايات النبي هذه نفسها من دون إسناد.
المسائل التي كانت تطرح على أئمتنا كانت مسائل فرعية بشكل عام، إلا أنه في القضايا الأساسية التي هي مثلاً حول فضيلة العلم والصلاة والصوم والقضايا العامة الأخرى، أحاديث الأئمة هي الأحاديث النبوية نفسها، فأحياناً ينسبونها إلى النبي(ص) وأحياناً لا ينسبونها وهذا هو الغالب. ولم يكن الناس يطلبون منهم نسبتها إلى النبي. ونحن أنفسنا في المجمع العالمي للتقريب نتابع هذا العمل بعدة أشكال. فمثلاً تقدّمنا بكتاب "التاج" لكي يتم استخراج ما يناسب من الأحاديث عند الشيعة ووضعها إلى جانب أحاديث هذا الكتاب. وقد طرحت هذا الموضوع (الأحاديث المشتركة) في إحدى جلسات مؤتمر "مجمع التقريب" فاسترعى الاهتمام كثيراً. قلت إذا جمعنا الأحاديث المشتركة بين الفريقين والتي تبلغ ثمانين إلى خمسة وثمانين بالمئة فستكون إلى جانب القرآن مصدراً للاجتهاد في الفقه وغيره من العلوم. فالقرآن متفق عليه، وما علينا إلا أن نفرغ من الموضوعات الأخرى.
بالنسبة إليهم عدالة الصحابة أصل لا يمكنهم التخلي عنه، لأنه إذا تخلو عنه فسوف لن يكون لهم فقه. وبالنسبة إلينا عصمة الأئمة أصل إذا لم يكن لم يعد قولهم حجة ولا يبقى لدينا شيء. ولذلك، من الأفضل عدم طرح هذين الأصلين، بل نحل المشكلة بجمع أحاديث الفريقين.
والجدير بالذكر هنا أن المرحوم آية الله البروجردي قال منذ بداية عملنا على جمع أحاديث كتاب "جامع الأحاديث": "اكتبوا في ذيل كل باب ما للسنة من روايات في ذلك الباب, فهذا سيكون نافعاً جداً". وقد أعطانا كتاب "التاج" لنستخرج روايات أهل السنة. هذا الكتاب يحتوي على خمسة من "أصول" أهل السنة وهو كتاب مختصر، أدغم المكررات وأوجز الأسانيد.
وكان السيد ثابتي همداني وغيره قد أكملوا كتاب الطهارة على هذا الشكل وإذا بآية الله البروجردي يقول: "لا تكتبوا بعد الآن، لا يحسن ذلك. سيقولون إن العلماء السابقين تحمّلوا الكثير ليميزوا روايات الشيعة والآن يريدون خلطها". بعد ذلك كتبت له رسالة ذكرت له فيها مدى أهمية هذه العمل وتأثيره الكبير في الوحدة الإسلامية وأنه كما ذكر هو يؤثر في فهم الروايات، على أمل أن يعيد النظر في ذلك، ولكنه ظل على قراره. كان من عادته أن يعيد الرسائل التي نكتبها إليه، فأعاد هذه الرسالة وهي الآن بين وثائقي.
□ طبعاً آية الله البروجردي هو حقاً قمة بين فقهاء الشيعة في البحث الرجالي وفقه الحديث. إذا كانت لديكم رغبة هنا في الإشارة إلى جانب من إبداعاته وأساليبه وملاحظاته فتفضلوا بها.
كان يأخذ بنظر الاعتبار الجو الذي صدر فيه الحديث، بمعنى في أي أجواء صدر هذا الحديث. طبعاً نحتاج في هذه الحالة إلى أن نعرف ما هي الأحاديث الموجودة عند أهل السنة التي توجّه أحاديثنا أنظارها إليها (سواء أرادت تأييدها أو ردها) كما نحتاج إلى أن نعرف طبيعة الفتوى الموجودة آنذاك.
أحد امتيازات كتاب "جامع الأحاديث" هو أنه كان يقول ضعوا روايات الراوي الواحد إلى جانب بعضها، لاحظوا كم لزرارة من الروايات في مسألة من المسائل. فمن السذاجة أن نتصور أن زرارة كان يذهب ليسأل الإمام(ع) وكان الإمام يجيبه ثم يعود ثانية وثالثة ليسأل الإمام السؤال نفسه! ليس الأمر كذلك، سأله مرة واحدة، ولكن بعد أن رُويت المسالة تفرّق الحديث إلى هذا الحد. قال مرة إننا نعلم أن الإمام(ع) قال شيئاً، ولكن أنْ نتصور كلاً من هذه الروايات (بخصوصياته) هو قطعي مؤكد، فالأمر ليس كذلك. من مجموع الروايات نحصل على شيء ما.
كان استنباطه على هذا الشكل، ولكن نرى العلماء اليوم يقولون مثلاً لزرارة خمس روايات هنا وعند ذلك يدرسون كلاً منها على حدة. السيد لم يكن يؤمن بذلك. من امتيازات كتاب "جامع الأحاديث" أن روايات الراوي الواحد موضوعة إلى جانب بعضها. وأحياناً يتضح من الرواية المختلفة والمتضادة لراوٍ ما أنه رُوي عنه بصورتين، أي رووا تلك الرواية ولكن قطّعوها أيضاً. أحياناً نجد قسماً منها وأحياناً لا نجده. وهذا كثيراً ما يحصل، وحقيقةً أن آيةالله البروجردي توصل إلى ذلك عن اجتهاد. فنحن قلما شاهدنا في أكابرنا إلى الحد الذي اطلعنا عليه ممن يحمل هذا القدر من العمق في هذه الأمور وليس لديه أي تعصب.
من أساليبه الأخرى أنه في القضايا التي كان يتفق عليها المسلمون جميعاً ولكن حصل فيها شيء من الاختلاف، كان يبدأ بطرح الجهة المشتركة منها أولاً. فعلى سبيل المثال، في مسألة وقت صلاة المغرب، فهو يقول اتفق المسلمون على أن وقت صلاة المغرب هو "الغروب الشرعي". بمعنى أنهم جميعاً يتفقون على كلمة "الغروب"، ولكن عندما لوحظت فيما بعد روايات عن الأئمة تشترط ذهاب الحمرة المشرقية للتأكد من غروب الشمس، أضاف الشيعة هذا الشرط. وهذا هو أمر احتياطي ولا ينبغي اعتباره اختلافاً في وقت صلاة المغرب، بل وقت صلاة المغرب هو غروب الشمس وتحديده يكون بزوال الحمرة المشرقية. الاختلاف هو في طريقة التحديد. هذا في حين يتناول بعضهم الموضوع بشكل آخر من أننا نختلف في أوقات الصلاة، فهم يقولون وقت المغرب هو كذا ونحن نقول لا ليس كذلك بل هو في وقت آخر. كان في مسائل من هذا النوع كثير التدقيق في أن يذكر أولاً النقاط المشتركة ثم يطرح نقاط الاختلاف. وهناك مسائل أخرى من هذا القبيل.
□ نرجو تقديم توضيح حول الكتب الرجالية لآية الله البروجردي، أسانيد الكافي والتهذيب وغيرها.
نعم، كما كتبت في مقدمات هذه الكتب أنها سلسلتان: إحداهما "ترتيب الأسانيد" التي انتظمت فيها كل أسانيد "الكافي" تحت بعضها واحداُ واحداُ. فمثلاً نظّموا كل ما رُوي عن أبي علي الأشعري وعندها نلاحظ اختلافاً في داخل هذه الأسانيد التي هي نوع واحد وسند واحد، فتارةً يرد اسم الراوي وتارة كنيته وثالثة يرد أيضاً اسم أبيه أو جده.
وكنموذج لذلك، روايات الصدوق ليس لها تاريخ يُعرف منه متى رُوي حديث من الأحاديث. فترتيب الأسانيد مفيد جداً في معرفة عمن ينقل الراوي وعن كم طريق. فعلى سبيل المثال، أبو علي الأشعري أو علي بن إبراهيم اللذان يمتلكان أكبر قدر من الرواية في "الكافي" (نحو من ألفي حديث)، سيتضح من خلال هذا الترتيب عدد الذين رووا عنهم وعدد طرق الرواية.
طبعاً قام بذلك إبداعاً وابتكاراً من عنده وهو عمل اجتهادي. وبهذا الأسلوب يزول الكثير من الشبهات، ولا سيما في الرواة المتشابهين والمشتركين، لأننا سنرى بأم أعيننا من هو هذا الرواي وعمن يروي.
من الكتب الرجالية لآية الله البروجردي سلسة من "ترتيب الأسانيد": ترتيب أسانيد الكافي، ترتيب أسانيد التهذيب (والتي تشمل "الاستبصار" أيضاً، لأن "الاستبصار" ليس كتاباً آخر بالإضافة إلى "التهذيب"، بل هو جزء مفصول عن روايات "التهذيب" يمثل الروايات المختلف فيها. وفي كل "الاستبصار" و"التهذيب" لم أجد إلا روايتين غير موجودة في "التهذيب" وموجودة في "الاستبصار"، وأحتمل أن يكون ذلك من باب الخطأ)، ترتيب أسانيد من لا يحضره الفقيه، ترتيب أسانيد كتب الصدوق (والتي هي بعض كتب الصدوق)، ترتيب أسانيد رجال الكشي، ترتيب أسانيد رجال النجاشي، ترتيب أسانيد فهرست الطوسي.
في هذه السلسلة، أوردوا الأسانيد التي في أولها راوٍ مشترك فقط ثم كل الأسانيد المشابهة بالترتيب. طبعاً المرحوم السيد نوري، محقق الكتاب، أشار إلى المكررات في آخر الصفحة. كما أنه للسيد البروجردي مقدمة مقتضبة جيدة قيمة على "أسانيد الكافي". كما كان له مقدمة على "أسانيد التهذيب" ولكن للأسف لم تصلنا لنطبعها، لم نعثر عليها، لا أدري لمن أعطاها. وهذه المقدمة التي طبعناها أيضاً لم تكن من بين النسخ التي أُعطيت إلينا. هذه كانت عند السيد پرويز صادقي الذي اضطررنا إلى طبع كتابه كي يعطينا هذه المقدمة، لأنه قال: "ما لم تطبعوا كتابي لا أعطيكم المقدمة. عندما يُطبع كتابي ويخرج من المطبعة، سأعطيكم نسخة منها". فقمنا نحن بذلك حيث كتب السيد نوري المقدمة بخط حسن وتم طبعها.
سلسلة أخرى من كتب آية الله البروجردي هي "الطبقات"، وهي موجزة جداً. فمثلاً يطرح راوياً من الرواة ويقول: عن فلان وفلان وفلان وهو عن فلان وفلان وفلان. ثم رتّب الطبقات. وهذه الطبقات بهذا الشكل هي من مصطلحات آية الله البروجردي نفسه. كان يقول أحياناً أثناء الدرس إنه هو نفسه مثلاً من الطبقة الرابعة والثلاثين من الرواة أو إن الشيخ الطوسي مثلاً من الطبقة الثانية عشرة. فهو أعطى لكل راوٍ ثلاثين سنة وقسّمهم طبقات على هذا الأساس. طبعاً كان أحياناً يذكر طبقة الراوي على مستوى الاحتمال وتارة يقطع بها، وباعتبار أن معدل فترة أخذ أو أداء الحديث لراوٍ من الرواة هي ثلاثون سنة فقد قسّم الرواة إلى طبقات بهذا الترتيب. وعلى هذا الأساس يقول: "يُحتمل أنه من طبقة فلان" أو "كأنّه من طبقة فلان". وأحياناً كان يؤكد ويقول مثلاً: "لا ريب في أن محمد بن مسلم وزرارة هما من الطبقة الخامسة ". اسم "الطبقات" أيضاً ليس في محله، فأحدهما "ترتيب الأسانيد" والآخر ينبغي أن يكون "رجال الأسانيد". فهذه الطبقات في الحقيقة هي "رجال الأسانيد"، أي أنه عزل رجال "الكافي" وحدد طبقة كل منهم وأنه عمن يروي ومن يروي عنه وما إلى ذلك. طبعاً كان قرار آية الله البروجردي هو إعداد كتاب من مجموع "ترتيب الأسانيد" هذا وهذه المجموعة التي كتبها هو حول الطبقات وبدأ بهذا العمل. فأحضر لذلك عدة أشخاص كنت أنا أحدهم. أعطى لكل منا كتاباً نستخرج منه كل ما كُتب عن راوٍ من الرواة. ولم تتشكل لهذا العمل أكثر من جلسة واحدة. ويبدو أنه وجد أن هذا العمل لا يمكن إنجازه بهذا الشكل. لا بد لشخص واحد من أن يقوم بهذه الأعمال. وهو نفسه لم يكن لديه مجال فلم يستطع إنجازه.
وعلى أي حال، كان قد وضع حجر الأساس لبناء في غاية الأهمية. هذا العمل هو طريقة تشبه ما يجري اليوم بالكمبيوتر. وللأسف أن بعض هذه الكتب استُخرجت من طبعة طهران بالمقياس الكبير حيث قام المرحوم نوري بإعادة كتابتها وتحمّل الكثير من المشاق ليرتبها. طريقته في الاختيار أوضحتها أنا في المقدمة.
المرحوم حجةالإسلام والمسلمين الميرزا حسن نوري همداني كان صديقنا الفاضل والخطاط ومن تلامذة آيةالله البروجردي. عمل مدة خمس عشرة سنة تحت إشرافه على تنظيم وكتابة وإعداد مؤلفاته. فبعد سنوات نهل خلالها من السيد البروجردي، صار من الرجاليين المتمرسين في حوزة قم ومن العارفين النادرين بالمدرسة الرجالية لآية الله البروجردي إلى الحد الذي أنه كتب في حياة السيد أسانيد كتب الصدوق (من هذه المجموعة نفسها) وقدمها إلى السيد وأقرّه هو عليها، ومن بعد وفاته في عام 1971م كتب أسانيد "التهذيب" بالطريقة نفسها وقدمها إلى مؤتمر ألفية الشيخ الطوسي(ره).
كان المرحوم نوري يجمع الأوراق التي يكتبها آية الله البروجردي وينظمها، ثم يعرضها عليه بعد أن يستخرج أحاديثها ويعيد كتابتها. ومن بعد الثورة عندما طلبت منه مؤسسة الدراسات الإسلامية للحضرة الرضوية المقدسة التعاون معها، قام بكل ما في وسعه ليبحث عن جميع النسخ والملاحظات الرجالية لآية الله البروجردي وتصحيحها ومطابقتها واستخراج أحاديثها وتنظيمها وكتابتها، واستطاع بمفرده وبتحقيق موسع دام عدة سنوات أن يطور هذه الموسوعة الرجالية الكبرى ويتلافى ما سقط منها ويشير إلى نواقصها ويزيلها قدر المستطاع ويضيف إليها استدراكات ويكتب فهارسها أيضاً، إلا أنه للأسف لم يمهله الأجل إلى نشر هذه الموسوعة الرجالية، أي إلى رؤية ما كان يأمل ونأمله نحن جميعاً منذ أمد بعيد، حيث وافاه الأجل قبيل طبع الكتاب في سفرة للدعوة والتبليغ إلى سيرجان في حادثة، رحمة الله رحمة واسعة.
وقد كتبت بالتفصيل حول هذه المجموعة الرجالية في مقدمة مجلدها الأول.
□ نشكر الأستاذ كثيراً على إتاحة هذه الفرصة للمجلة. آخر ما نود سؤاله هو إذا كان لديكم إشكال أو ملاحظة على مجلة "علوم الحديث" نرجو التفضل بها.
طبعاً لم أطالع المجلة من زاوية نقدية، إلا أنها على أي حال شيء كان فراغه ملموساً، ولا سيما المقابلات والأحاديث التي تجرونها مع الشخصيات. رأيت حديثكم مع الشيخ المحمودي، كان حديثاً جيداً وقيّماً.
برچسب ها :
ارسال دیدگاه