إذا كانت الدبلوماسية الثقافية هي فنّ التأثير في العقول والقلوب، فإنّ أهمّ رصيدٍ لها بلا شك هو «الإنسان». وفي هذا السياق، تمتلك الحوزات العلمية الشيعية ــ في إيران وفي العالم الإسلامي ــ قدرة فريدة على إعداد شخصيات تحمل المعنى والقيم والأخلاق الدينية إلى الساحة الدولية. ويُعدّ أساتذة الحوزات وفضلاؤها وطلبتها، كلٌّ في مستواه ودوره، الفاعلين الرئيسيين في الدبلوماسية الثقافية الشيعية.
يشكّل أساتذة الحوزات العلمية العمود الفقري لهذه الدبلوماسية؛ فهم من خلال إنتاج المعرفة، والتأصيل النظري، والبيان العقلي لمعارف أهل البيت(ع)، وفتح آفاق الحوار مع المدارس الفكرية الأخرى، يهيئون حضور الفكر الشيعي في الأوساط النخبوية والعلمية العالمية. إنّ الدرس الحوزوي والكتاب والكرسي العلمي، حين يكون منفتحًا على قضايا الإنسان المعاصر، يتحوّل بحدّ ذاته إلى أداة فعّالة للدبلوماسية الثقافية، ويقدّم صورة عقلانية وأخلاقية وحضارية عن الدين.
أمّا الفضلاء والباحثون الحوزويون، فيمثّلون حلقة الوصل بين إنتاج المعرفة وتداولها عالميًا. فهم المترجمون الثقافيون للحوزة، القادرون على نقل المفاهيم الدينية العميقة إلى لغة البحث الأكاديمي، والإعلام، والحوار العام. وتبرز أهميتهم في مجالات التأليف، والترجمة، وإنتاج المحتوى التحليلي، والمشاركة في الشبكات الفكرية، بما يسهم في تعميم رسالة الحوزة على المستوى الدولي.
ويأتي دور الطلبة ليجسّد البعد الميداني والاجتماعي لهذه الدبلوماسية. فالطالب الحوزوي الحاضر في ساحات التبليغ، والمتفاعل مع فئة الشباب، والمنخرط في الأنشطة الثقافية والفضاء الرقمي، يمثّل سفيرًا ثقافيًا مباشرًا للتشيّع. وغالبًا ما يكون سلوكه، وأسلوب حياته، وطريقة خطابه، أبلغ تأثيرًا من النصوص والخطابات الرسمية.
إنّ الدبلوماسية الثقافية الشيعية لا تبلغ نضجها الحقيقي إلا حين تتكامل هذه المستويات الثلاثة وتعمل بوعي وانسجام. ومستقبل هذا المسار لا يُصنع في الوثائق والهياكل فحسب، بل في تمكين الإنسان الحوزوي وربط معارفه بحاجات العالم المعاصر.