الجانب الأخلاقي ركيزة أساسية في المنظومة الشيعية ككل، الأمر الذي جعل أئمة أهل البيت، عليهم السلام، يهتمون بهذا الجانب ويولونه اهتماما بالغا، خصوصا وأن لهذا الجانب تأثيرات كبيرة في شخصية الانسان، لذلك فهم من جهة أصّلوا للأخلاق الإسلامية كما يريدها الدِين، ومن جهة أخرى وقفوا ضد المدارس الأخلاقية التي تحاول أن تركس الإنسان ولا ترفعه.
في قراءتنا هذه المرة سنستعرض كتابا يبحث فلسفة الاخلاق في الفكر الشيعي باختيار نموذج واحد من رجال الفكر الشيعي، وهو محمد بن أحمد بن يعقوب الملقب (مسكويه).
بدأ المؤلّف وهو سماحة الشيخ الدكتور حسن البلوشي (حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الاسلامية من جامعة أكستر في المملكة المتحدة (بريطانيا)  ببيان فكرة عامة تهدف الى بسط الافكار ليدخل القارئ بعدها الى لُب الموضوع الرئيسي، وصراحة هذه الفكرة جميلة، إذ أنها تصنع تصورا عاما للقارئ حول المفاهيم التي ربما تلتبس عليه في ثنايا البحث، وتحت هذا العنوان (مدخل عام الى الدراسة) بيّن الباحث مصطلحات ومفاهيمَ، كتعريف الأخلاق، والأدب، والفكر الشيعي، لذلك جدير بمن يقرأ هذا الكتاب ان يطّلع على المدخل، ولا يقفز الى الفصل الاول، لان بعض القراء يرى انه من غير المجدي قراءة المقدمات والمداخل لأي كتاب.
*الفصل الأول: التراث الأخلاقي في الفكر الشيعي.. مقاربة أولية
يعقد المؤلف هذا الفصل لبيان الفكر الشيعي واسهامات في مختلف المجالات، ومنها المجال الأخلاقي، وكيف أن تراث أهل البيت، عليهم السلام، ارسى للقواعد الأخلاقية من صميم التعاليم الاسلامية الأصيلة.
وتعرض المؤلّف الى بيان مصادر الفكر الشيعي، وأشار الى تميّز هذا الفكر، كون مرجعيته ـ التي أصّلت  لهذا الفكر ـ هم الائمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام، لذلك المنهجية التي سار عليها أهل البيت، تختلف عن بقية المدارس الفكرية والاخلاقية والعقائدية، وهذا بدوره انعكس على شيعتهم في كيفية تعاطيهم مع القرآن الكريم والروايات الورادة عنهم.
ايضا بيّن المؤلف البلوشي ضمن هذا الفصل ماهية المجتمع الشيعي، وكيف أثرت الظروف الاجتماعية والسياسية في تشكيل هذا المجتمع، ثم تطرق الى مسألة مهمة تحت عنوان: اشكالية معرفة الآخر.. الشيعة نموذجا، وبين تحت هذا العنوان ان الآخرين عرفوا الشيعة من خلال اعدائهم، خصوصا المستشرقين، الذين تأخروا كثيرا في معرفة التشيع إلا في خمسينيات القرن الماضي.
*الفصل الثاني: التعرّف على مسكويه
عقد المؤلف هذا الفصل للتعرف على شخصية محمد بن أحمد بن يعقوب الملقب (مسكويه)، ذلك ان هذا المؤلَف الذي بين ايدينا يدرس فلسفة الأخلاق عند مسكويه، وكان لابد من التعرف على شخصيته، حتى تكون بداية رحلة معرفية عن كيفية وصوله الى تلك المرتبة العلمية التي جعلت منه محطَّ دراسات، ليست هذه هي الوحيدة.
يقول الشيخ حسن البلوشي (المؤلّف): تستهل البحوث التي تتناول أفكار شخصيات معينة الحديثَ للتعرّف الى الشخصية المبحوثة أفكارها، وذلك من خلال التدقيق في كل المعطيات المعلوماتية التي تتوافر عليها، من المولد والاسم واللقب، والنشأة التربوية والاجتماعية، والظروف المحيطة بها، والأعمال التعليمية او العملية لتلك الشخصية” (ص:83).
وفي هذا الفصل تعرض المؤلف الى بيان التراث الفكرية عند مسكويه، وعرضَ قائمة بمؤلفاته المطبوعة، وغير المطبوعة المنسوبة اليه وصحيحة النسبة.
*الفصل الثالث: أصول التفكير الأخلاق عند مسكويه
بعد عرض الشخصية يبدأ الشيخ البلوشي في هذا الفصل والفصلَين اللاحقين في بيان فلسفة الاخلاق عند مسكويه، وما هي الاسس التي اعتمدها في التأسيس لفكره الاخلاقي يقول المؤلّف: وما نحن فيه من الحديث عن فكر مسكويه الاخلاقي، نعتقد ان هنالك في فكره ما هي أصول وأسس بَنى عليها فلسفته الأخلاقية بصورة تدريجية، بحيث تعتبر اللبنات التي صاغت عموم الميادين والحقول في فلسفته الاخلاقية وأعطتها هويّتها وتميّزها عن غيرها، ولا نريد بهذا التميّز أي نوع من المفاضلة والتفوّق، بل غرضنا التوصيف والتحديد والتحليل. (ص107).
ثم ينساب البحث الى بيان المفردات الأخلاقية عند مسكويه كمفهوم النفس، والإنسانية، وغيرها، إذ يفصل في ذلك المؤلف تفصيلا دقيقا.
*الفصل الرابع: مجالات تطبيقية للأصول الأخلاقية .. دراسة تحليلية
في هذا الفصل يتم بحث المجالات التطبيقية في الاصول الاخلاقية عند مسكويه، بعد ان تم في الفصل السابق التعرض الى المباحث النظرية التي أسس لها مسكويه في فلسفته الاخلاقية.
ويبحث المؤلف في خضم هذا البحث عدة مباحث منها: علاقة الجسم بقوى النفس ونشوء الفضائل، وتعريف الفضيلة عند مسكويه، وجرى الكلام مفصلا عن معيارية الفضيلة، وتطرق البحث على معيار الوسط في الفضائل، والجميل في هذا المبحث وجود مخطط قوى النفس وملكات الاخلاق، من حيث الافرط والتفريط، والوسط فيها.
*الفصل الخامس: آليات الممارسة الأخلاقية وأدواته عند مسكويه
في هذا الفصل ـ الأخير ـ وكما الفصل السابق يكون الكلام عن التطبيقات العملية في فلسفة الاخلاق عند مسكويه، لكن مما يلفت ان المؤلف انتقد بعض التصورات في فكر مسكويه والتي عدّها بشرية، يقول: “ولكن المسألة لا يمكن ان تمر جون الوقوف عند اشكالية مزروعة في فكر مسكويه خصوصا وفي الفكر البشري عموما، وهي ان كثيرا من الناس يمارسون بعض الافعال التي تتطابق من حيث المظهر الخارجي والسلوك العملي مع مقتضيات الاخلاق لكننا نعلم ان غاياتهم أو (نياتهم) ليست معلقة بالفضائل بل لأغراض تخدك أمورا تصنف في عداد الرذائل. (ص:195).
في هذا الفصل تم التطرق الى مباحثَ مهمة من قبيل: حفظ الصحة النفسية، وعي نعمة النفس، وبقية المفردات المتعلقة بهذ المبحث، مثل الغضب، والحزن وما اشبه.

المصدر: موقع الهدی