في خضمّ ما يعيشه العالم الإسلامي من تحديات مصيرية، تبرز قضية خطيرة تُهدّد وجدان المسلمين وعقيدتهم، ألا وهي ظاهرة علماء البلاط. أولئك الذين يخلعون عن العلم شرفه، ويلبسونه ثوب التبرير والتزييف لخدمة الحكام على حساب أمانة الدين ومصلحة الأمة. لقد تحوّل بعض من يفترض أن يكونوا ورثة الأنبياء إلى موظفين يبيعون فتاواهم عند أبواب السلاطين، يكرّسون الاستبداد ويطفئون شعلة المقاومة، ليكون نتاج ذلك انحسار الثقة بالعلماء وتراجع مكانتهم في قلوب الناس.
إن أخطر ما يواجهه المجتمع المسلم اليوم أن تُساق عقيدته نحو التمييع والتزييف باسم الدين ذاته، حين ينحرف صوت الشريعة عن مقاصدها العظمى في نصرة المظلوم والوقوف بوجه الظالم. وما يحدث في غزة يُجسّد هذا الامتحان بجلاء، إذ يتعرض الشعب المسلم المرابط لأبشع صور العدوان، بينما يتخاذل بعض العلماء عن نصرة صموده، بل يذهبون أحيانًا إلى تزييف الوعي الجماهيري بإسكات كل صوت يطالب بالحق ودعم المقاومة.
إن هذه الفجوة العميقة بين صوت الجماهير العاشقة لفلسطين وبين جزء من المؤسسة الدينية الرسمية المقيّدة، تنذر بانكسار مزدوج: انكسار الثقة في الكلمة التي تُتلى على المنابر، وانكسار الوحدة التي تحتاجها الأمة في معاركها المصيرية. لذلك فإن الواجب كبير على العلماء الأحرار الذين لا يبيعون دينهم بعرض من الدنيا؛ الواجب أن يُعلوا كلمة الحق، ويعيدوا للأمة ثقتها بعلمائها، ويثبتوا أن الدين لا ينفصل عن كرامة الإنسان وحريته ومقاومته للمحتل والظالم.
إن المعركة اليوم ليست بالسلاح وحده، بل بالكلمة الصادقة التي تحرّك الهمم وتصون هوية الأمة من الانحراف. وإن التاريخ لن يذكر المنابر المأجورة إلا بوصفها صفحات مظلمة، فيما يسطع نور صوت الحق الذي أبَت غزة أن تغيّبه.