الانتظار ليس جمودًا ولا خمولًا، بل هو حركةٌ حيّةٌ متدفقةٌ تنبعُ من أعماقِ الإنسان، فتدفعه نحو النور والحقيقة. إنّه أملٌ لا يتجسّد في الصمتِ والانزواءِ، بل في السعيِ والحركةِ والنشاط. الانتظارُ هو الثباتُ على قمةِ اليقين، بينما تعصفُ رياحُ اليأسِ في وديانِ الشكّ والتردّد.
ومن منظور علم النفس، يُعدّ الانتظار قوّةً دافعةً تنتشلُ الإنسانَ من مستنقعِ اليأسِ وتبعثُ فيه روحَ السعيِ والبناء. فمَن تتّقدُ في قلبِه شعلةُ الانتظارِ يرى في كلِّ لحظةٍ فرصةً للنموّ، وفي كلِّ شدةٍ سلّمًا نحو الكمال. إنّه لا يخشى العقبات، بل يحوّلُها إلى درجاتٍ يرتقي بها.
وفي مرآة الأديان، يُعدّ انتظارُ الموعودِ حلمًا عالميًا متجذّرًا في أعماقِ التاريخِ والوجدانِ البشري. فقد بشّرت الأنبياءُ والمصلحون جميعًا بيومٍ تنقشعُ فيه غيومُ الظلمِ ويشرقُ فيه وجهُ الحقيقةِ.
لكنّ هذا الانتظارَ ليس مجرّدَ ترقّبٍ سلبيّ، بل هو استعدادٌ متواصلٌ لمناصرةِ الحقِّ، ومجاهدةُ الباطلِ، والسعيُ إلى إصلاحِ النفسِ والمجتمع. فالمُنتظرُ الحقيقيُّ هو الذي يتحرّكُ في سبيلِ إقامةِ العدلِ، ولا يبقى متفرّجًا.
لقد حاولَ أعداءُ العدلِ والحقيقةِ تشويهَ صورةِ الانتظارِ على مرِّ العصور. فمنهم مَن سعى إلى تحويلهِ إلى خمولٍ واستسلامٍ، ومنهم مَن غلّفهُ بالتحريفِ والخرافةِ ليطمسَ جوهرَه، وآخرون أوجدوا مُدّعين كاذبين ليُضلّوا الناسَ عن النبعِ الصافي للانتظار.
لكنّ نورَ الحقيقةِ لا يُمكنُ أن يُطفأ. لقد أثبتَ التاريخُ أنّه كلّما اشتدّ الظلم، ازدادت جذوةُ الأملِ بظهورِ العدلِ توهّجًا. وإنّ الحفاظَ على هذا الأملِ يستدعي استبدالَ التقليدِ بالمعرفة، ومواجهةَ الغفلةِ بالبصيرة، وتوعيةَ المجتمعِ بمخاطرِ التحريفِ والانحراف.
الانتظارُ ليس ركودًا ولا جمودًا، بل هو نهوضٌ من أعماقِ النفسِ يمتدُّ ليُصلحَ الفردَ والمجتمع. فالمُنتظرُ الحقيقيُّ لا يكتفي بالمشاهدة، بل يخطو بكلِّ عملٍ صالحٍ خطوةً نحو إشراقةِ فجرِ العدلِ الموعود.