مقالة
دراسة اعتبار الفتوى والقضاء في ظل الذكاء الاصطناعي
أشار أستاذ البحث الخارج في حوزة قم العلمية إلى أن قدرات الذكاء الاصطناعي لم تُحدد بعد، مبينا أنه حتى لو افترضنا أن هذه الأداة يمكنها في المستقبل الوصول إلى الفتاوى الفقهية، فلماذا لا تملك فتاوها حجيةً واعتبارًا شرعيًا؟
وفقا للاجتهاد، عُقدت ندوة “الذكاء الاصطناعي وحجيّة الفتوى والقضاء وقول الخبير في “مركز الگوی إسلامي ايراني پیشرفت” (مركز النموذج الإسلامي الإيراني للتقدم)، بحضور أستاذ البحث الخارج في الفقه والأصول في حوزة قم العلمية الأستاذ الشيخ محمد القائيني النجفي.
وفي ما يلي نقدم لكم ملخص الندوة:
إنّ عنوان حديثنا هو “دراسة اعتبار الفتوى والقضاء في ظل هذه الآلة الجديدة وهي الذكاء الاصطناعي من جانب، ومن جانب آخر سنبحث عن تأثير الذكاء الاصطناعي على مصداقية النتائج المُستَخرَجة منه في مجال الخبرات الفقهية والقضائية، وبتعبير جامع تلك القضايا التي تتطلب الخبرة والاختصاص.
إنّ حديثنا اليوم يدور حول الذكاء الاصطناعي، تلك الإمكانية الهائلة التي باتت حقيقة واقعة، ونظرًا لما يُتوقّع من قدرات هائلة للذكاء الاصطناعي تفوق ما هو متاح حاليًا، فإنّنا مضطرون لمناقشة هذا الموضوع من منظور الاحتمالات والإمكانيات المُحتملة التي قد يُتيحها لنا هذا الاختراع المُذهل في المستقبل.
إنّ مدى قدرات الذكاء الاصطناعي ما زالت غير محدد بشكل دقيق. فهل تمتلك هذه الأداة القدرة على تلقي وتحليل المعلومات المُؤثّرة على مسار القضايا والوصول إلى نتائج في مسائل الفتوى والقضاء أم لا؟ وإذا كانت تمتلك هذه القدرة، فما مدى فاعليتها في ذلك؟
إنّ معرفتي بإمكانيات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة، ونفس الأمر ينطبق على العديد من الخبراء، ممّا يجعل من الصعب التكهن بنتائج وتبعات استخدام هذه الأداة، خاصةً في المجالات المعقدة مثل الفقه، حيث لا يمكن الوصول إلى نتائج محددة كآلة حاسبة بسيطة تُدخل فيها البيانات وتُخرج النتائج.
فنخطوا في البحث على حساب الاحتمالات. نفترض أن الذكاء الاصطناعي مصمم بطريقة تمكنه من استيعاب المسائل التمهيدية المتعلقة بالاستنباط واستنتاج الأحكام. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الذكاء الاصطناعي قادر على جمع هذه المقدمات للتوصل إلى نتائج يُطلق عليها “الآراء الفقهية والقضائية”.
يمكن أن تكون درجة اجتهاد الذكاء الاصطناعي أعلى من درجة اجتهاد الفقيه
في الجلسة الماضية، افترضنا أن درجة الوصول إلى النتائج باستخدام هذه الأداة المتقدمة يمكن أن تكون أعلى من درجة الوصول إلى النتائج من قبل شخص طبيعي. وذلك لأن الشخص الطبيعي قد يخطئ في مراعاة المقدمات التي تؤدي إلى النتيجة، وقد يغفل عن بعض المقدمات في بعض المسائل. بعبارة أخرى، من المحتمل أن يغفل الفقيه عن بعض المقدمات عند الوصول إلى نتيجة في مسألة ما، وأن يتجاهل بعض المقدمات الضرورية واللازمة للوصول إلى النتيجة.
فنفترض ألا يُغفل الذكاء الاصطناعي بعض المقدمات أو يتجاهلها، حتى تكون درجة عصمته من الخطأ أعلى من درجة عصمة الشخص الطبيعي. فوصل البحث إلى هنا أنه هل يمكن لوجود مثل هذه الأداة أن يؤثر على فتاوى الفقهاء وأحكام القضاة بحيث تسقط الفتوى من اعتبارها؟ وذلك لأننا افترضنا أن لهذه الأداة درجة عصمة من الخطأ أعلى من درجة عصمة الشخص الطبيعي.
في هذا الافتراض، هل يفقد اعتبار فتوى الفقيه، التي تستند إلى استخلاص المقدمات واستنتاج النتائج بشكل يدوي مع احتمال الخطأ في جمعها؟ أم أن وجود هذه الأداة لا يؤثر فقط على إبطال اعتبار آراء الفقهاء، بل لا قيمة شرعية لهذه الأداة نفسها، على الرغم من أننا افترضنا عصمة هذه الأداة في تحقيق نتائج أفضل من الشخص الطبيعي؟
ذكرنا أن أحد كبار مراجع الشيعة قدم رسالته العملية لبعض كبار العلماء الآخرين لمراجعتها بشكل عام. لم يكن الهدف من المراجعة العامة التحقق من صحة المقدمات، بل كان هدف ذلك الفقيه هو مراجعة هذه الرسالة العلمية بناءً على نفس المقدمات التي تشكل مباني ذلك الفقيه في الأصول والفقه. فعندما راجع ذلك العالم رسالة هذا الفقيه في فترة زمنية قصيرة، لاحظ بعض النقاط التي تم تجاهلها مع الحفاظ على مباني صاحب الرسالة. وقد أدى إهمال هذا الفقيه في تطبيق مبانيه الخاصة للوصول إلى النتائج إلى خطأ في بعض فتاويه.
هل تفقد آراء الشخص الطبيعي قيمتها أمام هذه الأداة؟ أم لا تزال آراء الأشخاص الطبيعيين ذات قيمة من حيث المصادر والأدلة والمباني المقبولة؟ بينما تفتقر آراء الأشخاص غير الطبيعيين والذكاء الاصطناعي إلى الدليل كمصدر حجة.
يبدو أن أصل هذا الإشكال والشك هو الافتراض بوجود درجة من العصمة للذكاء الاصطناعي، وسنستمر في افتراض ذلك حتى نهاية البحث.
الفرق بين اعتبار الحجية والمطابقة للواقع
أما بالنسبة لرأي الشخص الطبيعي، فليس له قيمة من حيث كونه دليلاً على الحكم الواقعي. قد يُقال أن 90٪ من قيمة رأي الفقيه لا تستند إلى كونه دليلاً على نفس الأمر والواقع الذي يمثل حكم الله، بل تستند إلى واقع الظن، وليس القطع واليقين.
نعم، إن لرأي الفقيه قيمة بالتأكيد، لكن هناك فرق بين أن يكون له اعتبار باليقين وأن يكون واقع يقينا. ما يعتبر حجة معتبرة ودليلًا مقبولًا، سواءً بناءً على بناء العقلاء أو كحجة شرعية، لأن الشريعة لم تمنع هذا البناء العقلاني في اعتبار قول الفقيه كخبير وحامل خبرة، بل قبلته كتقرير، فإن مطابقة فتوى الفقيه للواقع ستكون في حدود الظن.
والشاهد هو أن كبار الفقهاء يختلفون في المسائل، وعلى الرغم من اختلافهم في كثير من المسائل إلا أن الحكم الإلهي واحد، ويكون بعض الفقهاء مصيبًا وبعضهم مخطئًا في ذلك الحكم. وبالتالي، هناك فرق بين اعتبار الحجة ومطابقتها للواقع.
عندنا مسألة الحجية في فتوى الأشخاص الطبيعيين وآراء الأشخاص الطبيعيين، سواء بسبب بناء العقلاء للرجوع إلى أهل الخبرة أو بسبب القبول الصريح لاعتبار الفتوى بالنسبة للفقهاء. الآن، على افتراض أننا نميز بين التطابق مع الواقع والحجية، نأتي إلى الذكاء الاصطناعي.
نفترض أنّ الفقیه حصل له الیقین من خلال المقدّمات الانتاجیّة إلى الواقع، ونفترض أنّ الذكاء الاصطناعی یمکنه الوصول إلى نفس النتيجة، لكن النتائج المتحصّلة من هذا الجهاز لا تخلق أكثر من الظنّ مقارنة بنتائج اجتهاد الفقیه.
إن الفقيه قد يحصل له اليقين بالواقع، لكن يقينه بالواقع ليس يقينا لي وفي أحسن الحالات يخلق لي الظن فقط لأنني أرى رأي هذا الفقيه متعارضا مع رأي فقيه آخر. لذلك ففي أعلى درجة القيمة هذا الرأي فائدة للمقلد هی الظن بالواقع.
الآن، هل قبل الشارع حجية النتيجة الحاصلة من الذكاء الاصطناعي؟ لا، لم يصل إلينا دليل على أن النتائج التي توصل إليها الذكاء الاصطناعي معتبرة. لا يقال أن الشارع لم يمنع. لأن عدم المنع له قيمة فقط إذا كان معاصرًا مع حضور أصحاب الشريعة والأئمة المعصومين. لذلك، فإن فتوى الفقيه والخبر الواحد وما شابه ذلك، لأنها كانت معاصرة للأئمة ولم يُمنع عقلاء الناس من العمل بها، فهذا دليل على قبول الشريعة والموافقة على هذه الحجج والطرق العقلائية. ولكن الطرق التي لم تكن موجودة من قبل، فلا يوجد دليل على قبولها ومصادقتها. لذلك يُقال إن السيرة المستحدثة للعقلاء كسيرة لا قيمة لها.
وبناءً على ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي، حتى لو كان يعادل شخصًا طبيعيًا في النتائج، فلن يجلب اليقين بالواقع لشخص يريد جعل هذه الأداة موثوقة به. حتى لو كان الأمر كذلك، فإن مجرد أن يكون الظن بهذه الأداة معادلاً للظن الناتج عن رأي الفقيه والقاضي لن يحمل معه الاعتبار والحجية.
المصدر: الاجتهاد
برچسب ها :
ارسال دیدگاه