حوار
مقابلة مع حجة الإسلام أبو القاسم مقیمی حول متطلبات الفقه المتخصص
تعریب: تحریر الآفاق
رهنامه: شكراً لكم على منحنا وقتكم الثمين. كمقدمة للنقاش، يرجي من فضلكم أن تخبرنا عن قلق كبار علماء الحوزة بشأن تخصص الفروع الدراسية في الحوزة؟
الأستاذ: أشكر أيضاً "مجموعة وسائل" على اهتمامها بقضايا وأخبار الحوزة. منذ فترة، تسعى الحوزة العلمية إلى تصميم تخصصات مختلفة في نظامها التعليمي لتلبية احتياجات المجتمع، مثل التخصصات في علم الكلام والتفسير والتاريخ والحديث وغيرها. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: هل هذا النهج الجديد نحو التخصص يصب في مصلحة الحوزة ونظامها التعليمي أم لا؟ لهذا السبب، يشعر البعض بالقلق من هذه الناحية.
في هذا السياق، تجري مناقشات بين الأساتذة والخبراء المختلفين حول عملية التخصص، والهدف من هذه المناقشات هو المساعدة في عملية تخصص الفروع الحوزوية، وما إذا كان من الصحيح الدخول في هذه القضية أم لا. وإذا كانت القضية صحيحة من حيث المبدأ، فكيف ينبغي متابعة هذه العملية وتنفيذها؟
رهنامه: في رأيكم، إذا تم تأكيد الحاجة إلى تخصص فروع الحوزة، ما هي النقاط الرئيسية التي يجب مراعاتها كجوانب عامة لهذا النقاش في المرحلة الأولى؟
الأستاذ: هناك عدة نقاط مهمة في الإجابة على هذا السؤال. النقطة الأولى هي أنه مهما كان الأسلوب أو النهج الذي نريد تصميمه في النظام التعليمي للحوزة، يجب أن يكون بطريقة لا تحرمنا من تراثنا السابق. يجب تصميم النظام التعليمي والمناهج الجديدة مع مراعاة التقاليد التعليمية والبحثية في الحوزة، لأن النظام التعليمي والبحثي الموجود في الحوزة، والذي يشارك فيه الأساتذة والطلاب ضمن دروس الخارج ويتناولون فيه المباحث العلمية، هو أسلوب قديم اكتسب خبرات على مر السنين، وكان مستجيباً بنوعه وتمكن من إيصال الحوزة إلى النمو والازدهار.
إذا عدنا إلى الماضي (مثلاً إلى سبعة قرون ماضیة)، نجد أن تفاسيرنا وفلسفتنا وفقهنا وأصولنا وعلم الكلام لدينا وغيرها من العلوم قد تم الحفاظ عليها جميعاً في العملية التعليمية والبحثية للحوزة، وتطورت تدريجياً في هذا النظام التعليمي التقليدي نفسه. فقهنا اليوم قد نما مقارنة بفقه القرون السبعة الماضیة، وأصبح أكثر دقة وتفصيلاً. هذا يدل على أن هذا النظام التعليمي تمكن من تنمية وتطوير العلوم الحوزوية، ومضافا إلى ذلك، قام بتربية فقهاء وأصوليين وفلاسفة عظماء أصبحوا أصحاب مدارس فكرية وكان لكل منهم نظام فكري مستقل.
مع التوضيحات المقدمة، يمكن القول بأن ما لدينا هو ثروة قيمة، وأن أسلوبنا التعليمي والبحثي ليس أسلوباً غير فعال أو غير قادر على الاستجابة أو غير قادر على تربية مجتهدين ومفسرين ومتكلمين. لذلك، يجب علينا عند تصميم نظام تعليمي جديد أن نعمل بطريقة تحافظ على تراث وتقاليد التعليم والبحث في الحوزة وتستفيد منها بشكل أمثل.
رهنامه: كيف يمكن إقامة صلة بين مراعاة تقاليد وتراث الحوزة والقضايا المباحث الجديدة؟
الأستاذ: إلى جانب تراث الحوزة، لدينا أيضاً مجموعة من الاحتياجات الجديدة. العصر الجديد يأتي مع قضايا ومواضيع جديدة تتطلب أحكاماً ودراسات شرعية، وبالتالي بحوثاً جديدة. الثورة الإسلامية تدعي إدارة الحكم والاستجابة لاحتياجات الشعب والمجتمع والنظام. النظام يعني الأجهزة والمنظمات والمؤسسات المختلفة التي تصمم وتنفذ عمليات مختلفة على مدار الساعة. يجب ملاحظته فی أنه هل تتوافق هذه المجموعة (التصميم والتنفيذ) مع وجهة النظر الإسلامية أم لا؟
نظراً لأن هذا النظام منسوب إلى الإسلام، يجب أن يكون لدى المفكرين المسلمين إجابات لمجموعة احتياجات الأجهزة الحكومية المختلفة، وأن يصمموا وينفذوا نظاماً تربوياً واقتصادياً وسياسياً ودفاعياً وغيرها. لا يمكن القول والادعاء بأن الحكومة إسلامية ولكن أنظمتها الفرعية مصممة ومنفذة على أساس النظام الفكري الغربي.
كذلك، بعد الثورة الإسلامية، أصبح الناس أكثر وعياً بالمسائل الشرعية، وهناك الكثير من المتدينين الذين يريدون معرفة واجبهم الشرعي في التعامل مع المواضيع الجديدة، مثل ما إذا كان هذا النوع من القروض أو هذا النوع من المعاملات شرعياً أم لا. من الطبيعي أن فقهاءنا، سواء في الماضي أو اليوم، قد استجابوا لهذه القضايا. لكن النقطة هي أن الإجابة على بعض المواضيع والقضايا تتجاوز مجرد إجابة استفتائية، وتتجاوز أيضاً سؤالاً شرعياً فردياً، وتحتاج إلى نظام وجهاز فكري. يجب تصميم نظام فكري واقتصادي وتربوي وسياسي ودفاعي وغيره. هنا يأتي السؤال: ما هو المنظور الشامل للإسلام في كل من هذه المسائل؟
كل من هذه الأنظمة السياسية والاقتصادية وغيرها لديها سلوكيات داخلية يتم تنفيذها حالياً وتحتاج إلى ممارستها لأنها قد تكون موضوعاً للحكم الشرعي. لهذا السبب، فلذا هناك لها أبعاد فقهية، ولهذا السبب أيضاً يتم طرح مفاهيم مثل نظام الفقه السياسي، ونظام الفقه التربوي، ونظام الفقه الاقتصادي وما شابه ذلك. هذا يتطلب من الفقيه أن يدخل في دراسة وتصميم هذه القضايا بشكل شامل، وأن يتعرف على مواضيع وهيكل ذلك العلم حتى يتمكن من فهم الظواهر بشكل صحيح، وبالتالي يمكنه التعبير عن وجهة نظر الإسلام والرؤية الفقهية الإسلامية في إطار الأدبيات المنتجة وفي إطار ذلك العلم. هذه الحاجة تتطلب اهتمام الفقهاء للدخول في هذه القضايا بشكل متخصص.
رهنامه: لو أمكن، يرجی أن توضح لنا عملية تشكيل التخصصات التي تفكر فيها من حيث المواد الدراسية والإطار الزمني اللازم لتنفيذها؟
الأستاذ: ما نقصده بالتخصص ليس تخصص عملية الاجتهاد أو التجزي في الاجتهاد. أي إننا لا نقول بأن يتحول جميع المجتهدين المطلقين إلى مجتهدين متجزئين حتى يسأل هل ملكة الاجتهاد قابلة للتجزئة أم لا؟، وهل هذا في صالحنا أم لا. بل ما نقصده هو أن الفرد في عملية التعليم يجب أن يكمل مراحل دروس الفقه والأصول المتقدمة بالكامل وفقاً للأساليب المعتادة في الحوزة، وأن يصل إلى الاجتهاد المطلق في الفترة المصممة. ولكن هل يجب على المجتهد بعد اكتساب ملكة الاجتهاد أن يتناول حل جميع المسائل؟ هذا القدر من المسؤولية ليس ممكناً ولا مستحسناً.
لم يكن لدى فقهاء الماضي مثل هذا التوفيق، وكانوا يتناولون فقط بعض الأبواب في حياتهم وأنشطتهم العلمية بشكل أفضل وأكثر تفصيلاً واستدلالاً. لذلك، فإن العديد من مجتهدينا قد ركزوا فقط على موضوع واحد، فمثلاً في باب الصلاة، هناك هذه الكتب المشهورة، أو في المباحث الأخرى، لكل منها عدة كتب أو عدة فقهاء لهم شهرة وتخصص أكبر، وقد تم طرح مباحثهم الفقهية في موضوع واحد بشكل أكثر تفصيلاً وتوسعاً.
ما نقوله هو أنه بعد أن يكمل المجتهد المطلق عملية التعليم والتدريب للوصول إلى الاجتهاد، يجب أن يأتي ويركز ويتخصص في مجال واحد ومجموعة من القضايا المرتبطة، ويكتسب مجموعة المعلومات اللازمة في ذلك المجال من العلوم الحديثة والقديمة وفهم الموضوع أو المباحث الجامعية المتعلقة بذلك الموضوع، ويصبح على دراية بجميع الجوانب الجديدة والقديمة لتلك المجموعة من القضايا، ويقوم بالدراسة والبحث الاستدلالي، كي يتمكن من الإجابة على القضايا الجديدة في ذلك المجال.
لهذا السبب، من الضروري أن يأتي الطالب الذي أكمل المراحل الأولية من الدراسة الفقهية أن يتعلم المباحث الجديدة عن الشركة [مثلا]، ويتعرف على القضايا الحديثة لها، فيقيس علاقة هذه الشركة الجديدة بالشركة الاصطلاحية الموجودة في الكتب الفقهية، ويجيب عن مسائلها، أو يتناول المسائل المتعلقة بالحقوق المعنوية، وخاصة المسائل المتعلقة بتصميم نظام مثل نظام اقتصادي، لا جميع المسائل فردا، حتى يتمكن من خلال هذا المسار والنهج من الإجابة على القضايا الكبرى وتصميم نظام الفقه السياسي والفقه الاقتصادي والفقه التربوي وغيرها.
رهنامه: كمثال، اذكر بعض مزايا هذه الخطة وبعض المشاكل والقضايا التي قد نواجهها في تنفيذ هذه الخطة.
الأستاذ: إذا قبلنا النقاط السابقة، فسيتم تصميم نظام في إطار تصميم النظام التعليمي يراعي أولاً التقاليد التعليمية والبحثية السابقة ويحافظ عليها، وفي الوقت نفسه، يتم تصميم الإجابة على الاحتياجات الجديدة والتمكن من المباحث والقضايا الحديثة في أحد التخصصات في هذا النظام التعليمي.
إذا تمكنا من تصميم طريقة في جميع التخصصات والفقه المضاف تحافظ على تقاليد فقهائنا السابقين، وبالإضافة إلى ذلك، في النظام التعليمي المصمم، أن نعرّف باحثنا وطالبنا بالمواضيع والقضايا الجديدة والنظام العلمي للتخصص في العصر الحديث، فمن الطبيعي أن يكتسب هذا الفرد شمولية ويتمكن من تحقيق الهدف الذي ذكرناه.
مع مراعاة هذه الأصول الحاكمة، إذا أردنا جعل طالب لا يزال منخرطاً في المستوى العالي من الحوزة أن يتداخل في قضايا متخصصة وإزالة تركيزه على تحصيل الخطوات الأولية للفقه والأصول، فإن تلك الطريقة والتقليد التعليمي القديم للحوزة سينحزم، ولن يتمكن الطالب من اكتساب ما هو موجود في النظام التقليدي للحوزة والوصول إلى درجة الاجتهاد والتمكن من مباحث الفقه وأصول الفقه والرجال. كما أثبتت التجربة أن الدخول في المجالات التخصصية في هذه المرحلة يؤدي إلى الإضرار بالمباحث العلمية وعدم ازدهار الذهن الاجتهادي للطالب، ولن يتمكن من اجتياز مقدمات الاجتهاد، التي هي في الواقع صعبة وثقيلة جداً، بنجاح.
لهذا السبب، من الضروري أن يركز الطالب بشكل كامل على دروس بحث الخارج (لمدة سنتين إلى أربع سنوات) عند دخوله فيها، وأن يعمل على ترسيخ مبانيه الرجالية، ويتعرف على أبواب العبادات ذات الروايات الكثيرة في الفقه، ويتقن المباحث من خلال الطريقة الفقهية للفقهاء في دروس بحث الخارج واستنباط المسائل. عندما يجتاز هذا المسار ونما عقله إلى المستوی اللازم، يجب أن ينتقل إلى الاهتمام الثاني وهو الإجابة على قضايا العصر.
رهنامه: كالسؤال الأخير وكذلك كتلخيص للحوار، ما هي القضايا التي يجب الاهتمام بها للوصول إلى الهدف المرسوم؟
الأستاذ: هنا نواجه ثلاث مجموعات من القضايا؛ مجموعة من القضايا أساسية، أي إن جميع الذين يدخلون في المباحث التخصصية يجب أن يتعرفوا على هيكل العلوم الإنسانية ومباحث العلم الديني وطبيعة أسس وافتراضات العلوم الإنسانية في الغرب.
يجب أن يتعرفوا على المناقشات الكبرى حول بناء النظام الفقهي وفقه النظام وإمكانية تصميم فقه النظام، وكذلك على مناقشة نطاق الدين، هل هو حد أدنى أم حد أقصى؟ إذا اعتبرنا نطاق الدين حداً أدنى، فلن يكون هناك مجال لطرح القضايا التي ذكرناها، وإذا اعتبرناه حداً أقصى، فسيشمل كل شيء من الأمور الفردية والاجتماعية.
المجموعة الثانية من القضايا هي تلك المتعلقة بذلك التخصص. إن لكل تخصص مجموعة من الأدبيات في مجاله الأكاديمي التي يجب على الباحث والطالب الحوزوي التعرف عليها حتى يتمكن من التواصل مع المتخصصين في ذلك المجال.
المجموعة الثالثة من القضايا هي تلك المتعلقة بالفقه التخصصي والفقه المضاف لذلك المجال. إنه بعد الفقه العام وتشكل الاجتهاد لدى الطالب، يجب أن يتعرف، إلى جانب هذه القضايا والتعرف على المباني، على القضايا الفقهية المرتبطة بهذا التخصص. يحتوي قسم من جميع قضايا الفقه، علی القضايا التربوية، وآخر علی القضايا الاقتصادية، وآخر علی القضايا السياسية، وأجزاء أخرى تتناول مباحث أخرى.
يجب أن يتعرف الطالب على ذلك الجزء من الفقه الذي مرتبط بالمجال التخصصي الذي تعرف عليه، ولكن بنفس النموذج الفقهي ووفقاً للتقليد التعليمي للحوزة، أي دروس بحث الخارج في القضاء والمعاملات والقضايا القانونية وقضايا فقه التربية وغيرها، لأنه من المقرر أن يصبح خبيراً وينتج الفكر والرأي حتى يتمكن من إعادة إنتاج وإعادة تعريف القضايا الفقهية من خلال الاستنباط من التراث الفقهي ومع مراعاة القضايا الجديدة التي درسها في تخصصه، وأن يساعد في حل القضايا ويتعرف جيداً على القضايا الجديدة، ثم يقدم لها إجابة فقهية استدلالية وفقاً لمنهج الفقه الجواهري بالنظر إلى مصادر الفقه.
المجموعة الرابعة من القضايا التي يجب الاهتمام بها هي التحصيل والجهد في مجال المباحث الرجالية وأصول الفقه، لأن مباحث أصول الفقه والرجال التي بدأها الطالب سابقاً لا تزال ناقصة، فيجب عليه مواصلة دراسة مباحث الرجال والقواعد الفقهية وأصول الفقه بالتزامن مع دخوله التخصصي في مجال الفقه.
في هذا السياق، يجب على الطالب أن يحضر دروس الأستاذ بالطريقة التقليدية، وتستغرق هذه العملية من دروس بحث الخارج حوالي عشر سنوات، وخلال هذه الفترة، يجتاز دورة استدلالية في الأصول والفقه والرجال بالطريقة التقليدية والفقهية والفقه الجواهري، وفي الوقت نفسه يتعرف على مجال تخصصي واحد. بعد هذه الفترة، إذا وصل إلى مرتبة الفقاهة، فسيكون فقيهاً لديه معلومات أكثر دقة وتفصيلاً في مجال تخصصي، وتكون هذه المعلومات مصحوبة بفهم أكمل للموضوع ومعرفة بقضايا ذلك المجال، ومن هنا فصاعداً يمكنه الاجتهاد والبحث في هذا المجال وحل القضايا واكتساب المزيد من التخصص مع مرور الوقت، وتدريجياً تتشكل أدبيات هذا المجال. بعد سنوات من التدريس، يمكنه بناء النظام، وإذا قام عدد كبير بالتدريس والبحث في هذا المجال، فستُقدم قضايا هذا المجال التخصصي بالتفصيل، وقد يستغرق الأمر عدة عقود أو ربما أكثر حتى تتشكل الأدبيات اللازمة في مجال تخصصي.
إذا تم اتباع هذا المسار، فمن المأمول أن نتمكن من تربية مجتهدين متخصصين بطريقة تمكنهم من حل القضايا بشكل استدلالي، وإذا تم التسريع أو التعجيل في أي من هذه المقدمات أو إذا تم حذف أي منها، فمن الطبيعي أن الفرد إما لن يصبح متخصصاً أو لن يصبح فقيهاً أوسيتم إلغاء تصميمنا. ومع ذلك، يجدر الإشارة إلی أن لدينا طلاباً قد بذلوا جهوداً في هذه المجالات، ولكن لأنهم لم يتبعوا هذا المسار، فإن فقههم وتخصصهم لا يصل إلى مستوى العظماء مثل آية الله الخوئي وغيره من الفقهاء الكبار.
هدفنا هو أن يتم اجتياز هذا المسار بتأنٍ خلال فترة عشر سنوات من دروس بحث الخارج، وأن يدخل الأفراد في البحث بعد هذه الفترة حتى يتمكنوا من إنتاج الأدبيات اللازمة لذلك المجال التخصصي.
المصدر: مجلة رهنامه پژوهش
برچسب ها :
ارسال دیدگاه