کلمة رئیس التحریر
غدیر خم، نبراساً یضیء إلی الأبد
واقعة غدير خم هي من أبرز الأحداث التي شهدها تاريخ الإسلام والتي حملت دلالات عميقة ومعاني جليلة، تجلت فيها حكمة النبي محمد(ص) وحرصه على مستقبل الأمة الإسلامية. حدثت هذه الواقعة في الثامن عشر من شهر ذي الحجة في السنة العاشرة للهجرة، حينما كان النبي(ص) عائداً من حجة الوداع، وهي آخر حجة له(ص).
عند وصوله إلى مكان يُدعى غدير خم، نزل الوحي على النبي(ص) بآية عظيمة:(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَم تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(سورة المائدة: 67). هذا الأمر الإلهي الجليل جاء ليؤكد على النبي(ص) بأن هناك رسالة هامة يجب عليه تبليغها للأمة.
جمع النبي(ص) الناس في مكان غدير خم، وخطب فيه خطبة جامعة، قال فيها: "أيها الناس، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟" فأجابوا: "بلى يا رسول الله". فأخذ بيد علي بن أبي طالب(ع) ورفعها قائلاً: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه".
هذا الإعلان لم يكن مجرد توصية، بل كان تأكيداً على أن علي بن أبي طالب(ع) هو الخليفة والوصي بعد النبي(ص)، وأولى الناس بالولاية على المؤمنين. ولا يمكن فهم واقعة غدير خم بمعزل عن سياقها التاريخي والديني، فهي تأكيدٌ على استمرار خط النبوة عبر الإمامة، وضمانٌ لاستمرار الرسالة الإسلامية بيد من هم أهلٌ لها.
وقد شهد لهذه الواقعة الكثير من الصحابة والتابعين، ودوّنها المؤرخون والمحدثون في كتبهم. فهي حدثٌ محوريٌّ في تاريخ الإسلام، يشير إلى الحكمة الإلهية في اختيار القيادة، وضمان بقاء الدين على نهجه الصحيح.
إنّ واقعة غدير خم ليست مجرد حدثٍ تاريخيٍّ، بل هي درسٌ عظيم في القيادة والحكم الرشيد، وبيانٌ جليٌّ لأهمية الولاء والولاية في الإسلام. علينا أن نتأمل في معانيها العميقة، ونستخلص منها العبر والدروس التي تعيننا على فهم دور القيادة في بناء المجتمع وتوجيهه نحو الخير والصلاح.
بهذا الحدث العظيم، أرسى النبي محمد(ص) مبدأً جوهرياً في حياة المسلمين، وهو مبدأ الولاية التي تتجسد في علي بن أبي طالب(ع) ومن جاء بعده من الأئمة الأطهار(ع). فواقعة غدير خم ستظل نبراساً يُضيء درب الباحثين عن الحق، ومعلماً من معالم الحكمة والرشاد في تاريخ الأمة الإسلامية.
برچسب ها :
ارسال دیدگاه