بكثير من الحشد الطائفي يوظّف آل سعود الدين في خدمة السياسة، فلطالما اتخذوا من المسائل العقائديّة مطيّة لترسيخ الحكم السياسي بقوّة الدم والترهيب، وللانتقام من الأقليّات الدينيّة في البلاد. وقد كانت قضيّة هدم قبب أئمة البقيع واحدة من أبرز المسائل التي استخدمها آل سعود للهيمنة على الجزيرة العربيّة وفرض المذهب الوهابي على كافة المكوّنات الشعبيّة، دون النظر بخصوصيّة التيارات الدينية والتنوّع الفكري والثقافي الموجود في البلاد. القصّة بدأت مع وصول آل سعود إلى السلطة في الحجاز مجدّداً، بعد أن اغتال عبد العزيز آل سعود حاكم الرياض من آل الرشيد ذبحاً بالسيف. حينها وصلت حملات آل سعود إلى المدينة المنوّرة، إذ عمدوا إلى إزالة آثارها العمرانيّة ذات القيمة التاريخيّة والتراثيّة والدينية، وفي مقدّمتها أضرحة الأئمة والصحابة(ع) في مقبرة البقيع. الجريمة الكبرى وقعت في 8 من شهر شوال عام 1344ه، بعد سنوات من محاربة المذهب الشيعي والتخطيط لهذه الخطوة، فهُدمت أضرحة الأئمة من أهل البيت(ع) في بقيع الغرقد وهم: الحسن المجتبى وعلي السجاد ومحمد الباقر وجفعر الصادق،(ع) جميعاً. هدمٌ سوّى الأضرحة بالأرض وأدّى إلى نهب ما كان فيها من آثار قيّمة وحوّلها تالياً إلى أرضٍ مقفرة. لكن انتشار الخبر بسرعة وما رافقه من عزم آل سعود والوهابيين على هدم قبر النبي(ص)، دفع العالم الإسلامي إلى الخروج بتظاهرات عارمة استنكاراً لفظائع السلطة الجديدة. في 17 شوّال 1344ﻫ، نشرت جريدة أُمّ القرى بعددها 69 نصّ الاستفتاء وجوابه، والذي قد بدا وكأنه قد أُعدّ مسبقاً تأكيداً على تهديم القبور. علاوةً على تحديد تاريخ صدور الفتوى من علماء المدينة بتاريخ 25 رمضان 1344ﻫ، لتجنّب نقمة المسلمين، إلّا أنّ الرأي العام لم يهدأ، لا في داخل الحجاز ولا في العالم الإسلامي، وتوالت صدور التفنيدات للفتوى ومخالفتها للشريعة الإسلاميّة. لم تقتصر جريمة آل سعود على هدم قبور أئمة أهل البيت والصحابة(ع) في البقيع، فقد طالت معاولهم الكثير من الآثار الإسلاميّة، ما يكشف حقدهم الدفين على الإسلام والمسلمين ففي مكّة دُمرت مقبرة المعلى، والبيت الذي ولد فيه الرسول(ص) بحسب أمين الريحاني، نقلاً عن حمزة الحسن، في كتاب الشيعة في المملكة السعودية، ج2، ص271. جرائم آل سعود ضد الإسلام والمسلمين تجاوزت حدود الجزيرة العربية، ففي عام 1216هـ (1801م) اعتدى آل سعود على مباني مدينة كربلاء، فهدّموا المساجد والأسواق، والكثير من البيوت التراثية المحيطة بالمرقدين وعبثوا بالمراقد المقدسة وهدموا سور المدينة، وفق دراسات عن كربلاء ودورها الحضاري، جرى تقديمها في وقائع ندوة علميّة عقدت في لندن، دار الصفوة.ط1، ص607. عزم آل سعود على هدم قبة النبي محمد(ص) وسلم لكن المسلمين وخاصة في الهند ومصر خرجوا في تظاهرات احتجاجيّة، الأمر الذي دفعهم للتوقّف عن ذلك، ومع ذلك ما زالوا يخططون لارتكاب جرائم أخرى مماثلة، حتى أن الشيخ عبد العزيز بن باز كان لا يزور مسجد الرسول(ص) وسلم ويحرّض عليه قائلاً: (ما دام هذا الصنم (أي قبة الرسول(ص) وسلم) هناك لا أزوره)، لكن الزمان مرّ عليه ولا يأبه بكلامه أحد. يعدّ الشيخ نمر باقر النمر، قائد الحراك السلمي في القطيف والأحساء، أحد أبرز الشخصيّات التي ناضلت في قضيّة هدم قبور أئمة البقيع، فهو لم يخش اتهام آل سعود في العلن بمسؤوليتهم المباشرة عن هدم القبور الشريفة ثم التنصّل من هذه الجريمة، مبيّناً مسارهم التاريخي في الانتقام من الإسلام والمذهب الشيعي خصوصاً وارتكاب الجرائم بحق رموزه ومقدّساته وتراثه. في محاضرة ألقاها سماحة الشيخ النمر بتاريخ 9 سبتمبر عام 2011، سأل هل قضيّة هدم القبور وهي فرعيّة أي ليست من أصول الدين، هي عقائديّة أم هي مطيّة سياسية؟ ليؤكّد أنها في الواقع هي مطيّة سياسيّة، وأن كثر من حارب بناء القباب هو النظام السعودي. القبور المبنيّة لم تُمس من زمن رسول الله ومن بعده، إذ لم يُهدم قبراً واحداً، وبحسب سماحته لطالما كانت القبور موجودة، إلى عهد الرشيد وتحديداً المتوكل، الذي بدأ بهدم قبر الإمام الحسين بن علي(ع). فأوّل من أسّس هدم القبب هو المتوكّل، ومن يقرأ التاريخ يلاحظ كيف كان الحكّام السياسيين يتلاعبون بالفقهاء. وصولاً إلى سلطة آل سعود الوهابيّة، سرد الشيخ الفقيه، في عام 1216 ه هجم سعود بن محمد على مدينة كربلاء في العراق، وسرق ما موجود في المقام ثم هدم ضريح الإمام الحسين(ع). في عهد عبد العزيز بن محمد بقيادة ابنه سعود عام 1216 ه و1218 ه هدمت القباب في مكة، وفي عام 1220 ه هدمت القباب في المدينة ما عدا قبر رسول الله الذي فشلوا بهدمه، فعلى امتداد التاريخ عجز الكافرين عن هدم قبر رسول الله. ثم أعيد بناء القبب من قبل الوالي المصري، في عام 1220 ه. القضيّة هي سياسيّة بامتياز، أكّد الشيخ النمر، وقال فقد قام نظام آل سعود على محاربة التشيّع، بل حجّموا الدين في مسألة فرعيّة وهي هدم القبور. هذا هو تاريخ آل سعود الذين أمروا بهدم القبب. وتابع، في 17 رمضان عام 1344 ه كتب عبد العزيز إلى عبد الله بن بلهيد وحثّه على هدم قبب المدينة مقابل 1000 جنيه، وهذا الأمر موثّق. وفي 25 رمضان من ذات الشهر ابن بلهيد استفتى علماء المدينة والسيف مسلّط عليهم، فمن رفض قتلوه وحصل في المدينة جرائم قتل مهولة لكل من عارض هذا الخيار، كما أُجبر أهل المدينة على المشاركة في الهدم، وفي 8 شوال هدمت القبب. في نفس شهر شوال أرسل عبد العزيز رسالة إلى عبد الله بن بلهيد يشكره فيها على هدم القبب لكنه في نفس الوقت تبرّأ من الجريمة السافرة. تقع مقبرة بقيع الغرقد في المدينة المنوّرة قرب المسجد النبوي الشريف ومرقد الرسول الأكرم(ص). تضم المقبرة مراقد الأئمّة الأربعة المعصومين من أهل بيت النبوّة والرسالة(ع)، وهم: الإمام الحسن المجتبى، والإمام علي زين العابدين، والإمام محمّد الباقر، والإمام جعفر الصادق((ع)) وكانوا تحت قبة واحدة وضمت أيضا مدفن العباس عمّ النبي(ص) وسلم. ثمة قبةٌ قريبة منها عرفت ببيت الأحزان، حيث كانت الزهراء عليها السلام تخرج إلى ذلك المكان وتبكي على أبيها المصطفى. اشتملت مقبرة البقيع على قباب كثيرة، مثل أزواج النبي وأولاده ومرضعته «حليمة السعدية» وكانت هناك قبة «فاطمة بنت أسد»(س)، والدة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، وقبّة زوجته أم البنين عليها السلام التي تقع قرب قبّة عمات النبي(ص) وسلم، وقبّة الصحابي «جابر بن عبد الله الأنصاري» وغيرهم مما هو مذكور في التاريخ. أسماء القباب الشريفة التي هدمها آل سعود في الثامن من شوال سنة 1344 ه في البقيع خارجه وداخله: قبة أهل البيت(ع) التي تحتوي على ضريح سيدة النساء فاطمة الزهراء على قول بعض الروايات، ومراقد الأئمة الأربعة الحسن المجتبى، وزين العابدين، ومحمد الباقر، وابنه جعفر بن محمد الصادق عليهم الصلاة والسلام، وقبر العباس ابن عبد المطلب عم النبي. قبّة سيدنا إبراهيم ابن النبي(ص) وسلم قبة أزواج النبي(ص) وسلم قبة عمات النبي(ص) وسلم قبة حليمة السعدية مرضعة النبي(ص) وسلم قبة سيدنا إسماعيل ابن الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) قبة أبي سعيد الخدري قبة فاطمة بنت أسد قبة عبد الله والد النبي(ص) وسلم قبة سيدنا حمزة خارج المدينة قبة علي العريضي ابن الإمام جعفر بن محمد خارج المدينة قبة زكي الدين خارج المدينة قبة مالك أبي سعد من شهداء أحد داخل المدينة موضع الثنايا خارج المدين مصرع عقيل بن أبي طالب(ع) بيت الأحزان لفاطمة الزهراء(س).
المصدر: موقع مرآة الجزيرة