عندما تتصاعد أصوات النداء من قلب قطاع غزة المحاصر، وتصرخ امرأة فلسطينية بينما تنطلق رصاصات الاحتلال الإسرائيلي وقنابله الدمارية، يظل السؤال يرن في أذهان الكثيرين: "أين العرب؟ وأين الملايين؟" إنه سؤال يجسّد الألم واليأس، وفي الوقت ذاته يعبّر عن الغضب والاستياء من الانعزال الذي يعانيه الشعب الفلسطيني.
إن تلك الصرخة ليست مجرد استفسار، بل هي صرخة من القلب، تعبير عن الإحباط والخيبة، حيث يعيش الفلسطينيون تحت وطأة الحصار والاحتلال الصهیوني الغاشم منذ عقود، دون أن يجدوا دعمًا يليق بمعاناتهم من الدول العربية والإسلامية.
في هذا الزمن الذي يشهد تغيرات جذرية في الساحة الإقليمية والدولية، يبدو أن القضية الفلسطينية قد فقدت مكانتها في أجندة الدول العربية والإسلامیة، ولم تعد أولوية تستحق الاهتمام وأن معاناة نساء وأطفال غزة قد غابت عن أعينهم. إن الأوضاع الداخلية في العديد من هذه الدول، والتحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها، جعلت من القضية الفلسطينية مجرد قضية ثانوية، بعيدة عن أولويات الحكومات والشعوب.
تشير التحليلات إلى أن الأنظمة العربية، وعلى الرغم من الشعارات الرنانة، قد أظهرت تخاذلاً ملحوظًا في دعم الفلسطينيين في غزة، خاصة في ظل الهجمات الإسرائيلية الأخيرة. وقد أرجع محللون هذا التخاذل إلى عدة أسباب، منها الارتباطات السياسية لبعض هذه الأنظمة بالقوى العالمية المهيمنة، وخاصة الولايات المتحدة والکیان المحتلّ.
ومع ذلك، لا يمكن أن نغفل أن القضية الفلسطينية ليست فقط قضية فلسطين وحدها، بل هي قضية عربية وإسلامية، وهي قضية حق وعدل. إن تجاهل العرب لمعاناة الشعب الفلسطيني يمثل تخليًا عن المسؤولية الإنسانية والأخلاقية، وهو يفتقد إلى المبادئ الأساسية التي يجب أن توجّه سياسات الدول في التعامل مع القضايا الإنسانية ويجب على العرب والمسلمين أن يتحدوا ويدعموا قضية فلسطين بكل الوسائل المتاحة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، لأن الوحدة والتضامن هما السلاح الأقوى في وجه الظلم والاستكبار.
إن الوضع في غزة يُعد اختبارًا حقيقيًا لمدى صدق الالتزام العربي تجاه القضية الفلسطينية. فالمطلوب ليس فقط الإدانات اللفظية، بل الأفعال العملية التي تُترجم إلى دعم ملموس يُخفف من معاناة الشعب الفلسطيني ويُساهم في رفع الحصار عن غزة. وفي ظل تعقيدات السياسة الدولية، يبقى الأمل معقودًا على الضمير الإنساني والمسؤولية الأخلاقية التي يجب أن تحتل مكانة مركزية في سياسات الدول العربية والإسلامیة.
في النهاية، يجب أن نتذكر دائمًا أن قضية فلسطين ليست مجرد قضية إقليمية، بل هي قضية إنسانية تتعلق بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والسلام العالمي. إن دعم الفلسطينيين والوقوف إلى جانبهم هو واجب إنساني وأخلاقي لا يمكن التنازل عنه، وهو الطريق الوحيد نحو بناء مستقبل أفضل لجميع الدول العربیة والإسلامیة في العالم.