مقالة
الامام الخميني والقضية المقدسة
المتتبع لمواقف الامام الخميني من القضية الاسلامية في فلسطين يرى حضوراً غير عادي لهذه القضية في منهج هذا الرجل العظيم. فمن ايران حيث كان الشعب المسلم هناك يعاني ظلم الشاه وممارساته البشعة، كان الامام القائد يدرك عمق التأثير الصهيوني على سياسة الشاه المقبور، فينبري لفضح هذا الوجود في ايران "ان الأمر المؤسف أشد الأسف وأعمقه، هو سيطرة اسرائيل وعملائها على مقدرات ايران وعلى مراكز حساسة من اقتصادنا بمساعدة ودعم الحكومة الايرانية وأجهزتها الطاغية. فاسرائيل في حالة حرب مع المسلمين، والحكومة الايرانية تمد اليها يد الصداقة والتعاون وتوفر لها كل الامكانيات الاعلامية وسبل استيراد بضائعها. ولقد حذرت مراراً من الخطر الاسرائيلي المحدق بالدين الاسلامي والمهدد لاستقلال البلاد واقتصادها بالفناء".
وكان هذا الموقف وأمثاله سبباً في ابعاد الامام عن وطنه ونفيه خارج البلاد.
والواضح ان رسالة الامام الفقهية تضمنت احكاماً صريحة حول حرمة التعامل مع "اسرائيل" بالأسم، ومما جاء فيها:
"يحرم عقد الروابط التجارية والسياسية مع الدول التي هي ألاعيب بأيدي الدول الكبرى ـ كأسارئيل ـ وعلى المسلمين كافة مكافحة هذه العلاقات مهما أمكن".
والتجار الذين لهم عقد روابط تجارية مع اسرائيل وعمالها (عملائها) انما يخونون الاسلام والمسلمين ويعاونون على هدم الاحكام الاسلامية. وعلى المسلمين ان يلزموا هؤلاء الخونة من تجار ودول بالتوبة وقطع كل علاقة من هذا القبيل" عن كتابه "من هنا المنطلق" ص 106 المسألة 11.
وعن أسلوب مواجهة هذه الجرثومة السرطانية فقد حدد اختيار الأسلوب الجذري الذي يستهدف استئصالها من الجذور فقال في بيان أصدره خلال حرب حزيران/ يونيو 1967 ما نصه:
"يجب على الدول الاسلامية وشعوبها على اختلاف قومياتها ولغاتها ان تتوحد وتبذل كل جهودها وامكانياتها في استئصال الغاصب المعتدي وان تكفّ عن مساعدة اسرائيل وعمالها السائرين في ركابها ومناصريها، وان تقطع عنهم كل معونة مادية ومعنوية بجميع أشكالها فتحرم عليهم النفط والأسلحة والمتفجرات وان تقطع عنها كل رابطة تجارية وسياسية وان تمنع عن استقبال المنتوجات الاسرائيلية كافة. ولتعلم الأمة الاسلامية جمعاً أن المخالف لما نوهنا به يعتبر عدواً مناهضاً للاسلام والمسلمين".
وقال في بيان آخر:
"يجب علينا جميعاً أن ننهض لنقتلع اسرائيل من الجذور".
وفي جواب له(قد) على سؤال وجه اليه من قبل بعض المجاهدين ضد "اسرائيل" قال:
"التوجه الأول والأخير لاخواننا الصامدين، المواصلة دون انقطاع في جهادهم، فان الحياة عقيدة وجهاد ومما لا ريب فيه ان الفكر الاسلامي يفضي بأن الموت خير من هذه الحياة المخزية، فلا سبيل لنا اذ ذاك الا مواصلة النضال بكافة الطاقات والامكانيات لنكسب العز والشرق لنا ولاخلاقنا. (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين)".
وعندما أقدمت "اسرائيل" على ارتكاب جريمتها المروعة في إحراق المسجد الأقصى وهتك حرمته. حاولت الأنظمة السائرة في ركاب "اسرائيل" كنظام الشاه، والملك الحسن الثاني والملك حسين وغيرهم. التستير على جريمة "اسرائيل" بأسلوب مضلل للجماهير، فقد أقدم الشاه حينذاك الى الاعلان عن فتح صندوق خاص لجمع التبرعات من الشعب الايراني من أجل ترميم المسجد الأقصى وكان يقصد من خلال ذلك تحقيق هدفين:
الأول: طمس معالم جريمة "اسرائيل".
والثاني: سرقة أموال الشعب الايراني.
ولم تفت الامام هذه الفرصة لتتصدى لتلك المناورة فقام بفضح المخطط وقال:
"لقد احرقوا المسجد الأقصى. ونحن نصرح: دعوا آثار الجريمة باقية. في حين يفتح الشاه حساباً في البنوك لاعادة بناء وترميم المسجد الأقصى. وعن هذا الطريق يملأ جيوبه وخزائنه ويزيد في أرصدته. وبعد ترميم المسجد يكون قد غطى وستر كل آثار الجريمة الصهيونية".
وفي أثناء حرب العاشر من شهر رمضان 1973 دعا الامام الخميني الى الاستمرار في قتال العدو "الغاصب حتى تحرير الأرض المقدسة وجاء في بيانه آنذاك:
"أنه لا يمكن التخلص من هذه الجرثومة الا بالتضحية والمقاومة. وان على الدول الاسلامية المنتجة للنفط ان تستخدمه والامكانيات الأخرى كسلاح ضد اسرائيل والمستعمرين وان تمنع بيع النفط الى تلك الدول التي تساعد اسرائيل. وعلى الدول التي تحارب اسرائيل ان تكون في هذه المعركة المقدسة جدية وقوية الارادة وان تثبت وتقاوم وأن لا تهتم لتوصية أوامر المنظمات التابعة للدول الاستعمارية حول وقف اطلاق النار، وعليها أن تطمئن الى أنه في ظل الصبر والمقاومة وتنفيذ الأوامر الاسلامية يكون النصر والظفر للأمة الاسلامية".
وحذر مراراً من الخطر الصهيوني وأطماعه التوسعية فقال:
"يجب على رؤساء البلدان الاسلامية ان ينتبهوا الى أن جرثومة الفساد هذه التي وضعوها في قلب البلدان الاسلامية ليست من أجل قمع الشعب العربي فحسب بل أن خطرها يهدد جميع الشرق الأوسط وأن خطط استيلاء الصهيونية وسيطرتها على البلدان الاسلامية واستعمارها تستهدف أكثر الأراضي الخصبة التي تدر ذهباً، والمصادر الفياضة للبلدان الاسلامية ولا يمكن الخلاص من شر هذا الكابوس الاستعماري الأسود الا بالتضحية والمقاومة واتحاد الدول الاسلامية".
وحين يعبّر الامام الخميني عن "اسرائيل" بأنها جرثومة الفساد انما يكشف عن فهمه الدقيق لهذا الكيان التوسعي الذي لا يعالج بالمسكنات والعقاقير بل لا بد من اقتلاعه وبتره:
"ان جرثومة الفساد ـ اسرائيل ـ غرست في قلب الدول الاسلامية بدعم وحماية الدول الاستعمارية الكبرى، وأصبحت جذور فسادها تهدد أكثر فأكثر، كيانات الدول الاسلامية بالانهيار، ويجب اقتلاع جذورها بجهود الدول الاسلامية وشعوبها العظيمة".
وعلى العكس مما يرى الآخرون فان الامام الخميني رضوان الله عليه يرى أن "اسرائيل وليدة تواطؤ وتفاهم الدول الاستعمارية الغربية والشرقية وقد أوجدت لسحق الشعوب الاسلامية واستعمارها. واليوم تحظى باسناد وحماية كل المستعمرين، فالانجليز والاميركان يدعمانها عسكرياً وسياسياً ويجهزانها بأنواع أسلحة الدمار ويحرضانها على مواصلة العدوان على العرب والمسلمين. وقد ضمن الاتحاد السوفياتي الوجود الاسرائيلي بمنعه المسلمين من التسلح وبممارسة أسلوب الخداع والتضليل وسياسة المساومة".
وبمناسبة الغزو الصهيوني للبنان أصدر الامام الخميني بياناً كشف فيه عن تواطؤ بعض أنظمة الدول الاسلامية مع اسرائيل وقال:
". على كل المسلمين في كل مكان أن يرددوا انا لله وانا اليه راجعون، للدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه أنظمة البلدان الاسلامية لاميركا أم الخبائث، واسرائيل والبعث العراقي العفلقي اللذين ينفذان المرامي والمخططات الاميركية المشؤومة".
ثم يندد بالمشروع الاستسلامي الذي طرحته احدى الدول العربية فيقول:
"فكم هو مؤسف أن تقوم اسرائيل بكل هذه الجرائم أمام أنظار وأسماع الحكومات ورغم ذلك تجتمع اليوم هذه الحكومات لتنفيذ المشاريع الاميركية، مثل كامب ـ ديفيد والمشروع الاميركي الجديد الشبيه بكامب ديفيد، الرامي الى الاعتراف باسرائيل كدولة مستقلة فكم هو مؤلم هذا الأمر ومؤسف.".
". واذا كانت احدى النقاط الايجابية في هذا المشروع هو انسحاب اسرائيل حتى حدود ما قبل 1967 فمعنى ذلك أنها يجب أن تحتفظ بكل الأراضي والأماكن التي احتلتها قبل ذلك. ولو لم يكن في هذا المشروع أي نقطة سلبية غير الاعتراف باسرائيل وضمان أمنها لكانت بغية النقاط الايجابية في الظاهر كلها خلافاً للواقع لأن معنى ذلك هو اعطاء الأمان لاسرائيل التي اغتصبت اراضي المسلمين وقامت بمجازر جماعية في فلسطين ولبنان وأماكن أخرى وشردت المسلمين. ولو أراد أحد أن يتعرض لاسرائيل الغاصبة المجرمة في المستقبل فعلى كافة المسلمين والحكومات في المنطقة ان تخالفه حفاظاً على أمن اسرائيل التي فعلت ما فعلت بفلسطين والقدس ولبنان".
وبوحي من هذه المواقف المبدئية التي سطرها الامام يوم كان وحده في الساحة يصرخ بوجه الطغاة منذ أكثر من أربعين عاماً، تنامى وعي المسلمين على امتداد العالم الاسلامي وتحركت فيهم مشاعر الايمان والاستشهاد ووضعوا نصب أعينهم هدفاً واضحاً لا تحول دون تحقيقه صعوبات ولا عراقيل، ونادوا من أعماق قلوبهم والدموع تنهمر على وجناتهم: "يا قدس اننا قادمون".
المصدر:موقع العهد الاخباري