*أول الحديث
جاء في كتب التاريخ حين تذكر مدينة النجف الأشرف بأنها كانت وريثة مدينة الكوفة العلمية والكوفة وريثة مملكة الحيرة ولا يكاد ان ينفك ذكر العلم طيلة التاريخ الطويل والممتد عبر العصور وسميت هذه المنطقة المتمثلة هذه بالمدن الثلاث بـ (المثلث الحضاري) وتعد النجف الأشرف اهم المدن الإسلامية لعمقها الحضاري ويمكن تحديد نشوء هذه المدينة حسب رواية المؤرخين والتي ترجح نشئتها إلى أواسط القرن الثاني الهجري.
وقد قصد الكثير من محبي أهل البيت(ع) مدينة النجف لمجاورة مرقد أمير المؤمنين(ع) حتى (سكن النجف من السادة العلويين وقبل أن ينتهي القرن الرابع الهجري، ألف وتسعمائة نفر).
وترجح الكثير من الروايات على وجود الدرس العلمي في هذه المدينة المقدسة قبل مجي شيخ الطائفة ومتكلم الشيعة الإمامية. وحين مجيء الشيخ الطوسي(قد) الى النجف في سنة 447هـ بعد الأحداث المؤسفة في بغداد، فقد ازدانت به وتعاظم شأنها وصيرها مركزاً للعلم وجامعة كبرى للشيعة الامامية، وعاصمة للدين الاسلامي والمذهب الجعفري، وأخذت تشد اليها الرحال وتعلق بها الآمال، وأصبحت مهبط رجال العلم ومهوى افئدتهم وقام فيها بناء صرح الإسلام، وكان الفضل في ذلك لشيخ الطائفة نفسه فقد بث في أعلام حوزته الروح العلمية، وغرس في قلوبهم بذور المعارف الإلهية، فحسروا للعلم عن سواعدهم ووصلوا فيه ليلهم بنهارهم عاكفين على دروسهم خائضين عباب العلم غائصين على أسراره موغلين في استبطان دخائله واستخراج مخبآته، وكيف لا يكونون كذلك وقد شرح اللّه للعلم والعمل صدورهم وصقل أذهانهم وارهف طباعهم فحموا وطيس العلم، وبان فضل النجف على ما سواها من المعاهد العلمية، وخلفوا الذكر الجميل على مر الدهور والأعصار أعلى اللّه في الفردوس درجاتهم.
تلك هي جامعة النجف العظمى التي شيد شيخ الطائفة ركنها الاساسي ووضع حجرها الأول، وقد تخرج منها خلال هذه القرون المتطاولة آلاف مؤلفة من أساطين الدين وأعاظم الفقهاء، وكبار الفلاسفة ونوابغ المتكلمين، وأفاضل المفسرين واجلاء اللغويين، وغيرهم ممن خبروا العلوم الاسلامية بأنواعها وبرعوا فيها إنما براعة، وليس أدل على ذلك من آثارهم المهمة التي هي في طليعة التراث الاسلامي ولم تزل زاهية حتى هذا اليوم، يرتحل اليها رواد العلوم والمعارف من سائر الاقطار والقارات فيرتوون من مناهلها العذبة وعيونها الصافية (والمنهل العذب كثير الزحام).
*الرؤية
لعل من نافلة القول الحديث عن ضرورة إحياء التراث - جهود علماء الأمة - للأجيال بحلة قشيبة، إذ لا يخفى أن لإحياء التراث دورا علميا مهما في الفقه والأصول والرجال، هذا فضلا عن القيمة التراثية وإحياء جهود الأعلام.
وقد شكلت العلوم الحوزية من نسبة كبيرة معتد بها من تراثنا بعد سنين عجاف من الظلم والجور ألمت بالمسلمين الشيعة آبان تولي الطغمة الفاسدة حكم العراق زهاء ثلاثين عام، وعملها على طمس تراث الشيعة الإمامية من خلال تضيق الخناق على طلبة العلم العاملين وتهجير وسجن علمائها فضلا عن التصفية الجسدية للعدد كبير منهم كأمثال آية الله ... و... و... والكثير مما لا يتيح المقام لذكرهم وذكر آثارهم التي تم مصادرة بعضها واتلاف البعض الآخر فضلا عن تغيب المخطوطات العلماء ومنع تداولها، فكانت ضرورة احياء الآثار المخطوطة والعمل على تحقيقها واخراجها للنور جزء من تبيان عظمة المدرسة العلمية لمحبي أهل البيت(ع).
*التأسيس
تيمنا بذكرى السيرة العلمية للشيخ الطوسي(قد) ومن نفحات قمر العشيرة وحامل لواء الطف جاءت فكرة تأسيس هذا المركز في مدينة باب علم النبي ووصيه أمير المؤمنين(ع) برعاية كريمة من قبل المتولي الشرعي على العتبة العباسية المقدسة.
إذ نشأت قناعة تامة لدى مركز إحياء التراث التابع لدار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة بفتح مركز متخصص لإحياء هذا التراث في مدينة النجف الأشرف حيث مستقر الحوزة العلمية، للاستفادة من المتخصصين من طلاب الحوزة العلمية وأساتذتها ومن ذوي الخبرة في إحياء التراث وتحقيق المخطوطات.
فهو مركز متخصص يعنى بتحقيق تراث الحوزة العلمية كالفقه الأصول والرجال، اعتمادا على ملاك حوزي في الغالب من طلاب البحث الخارج والسطوح العليا.
وانطلقت اعمال المركز في عام 2017 لتحقيق تراث علمائنا النضر وصدر عنه أكثر من 40 اصدار لغاية عام 2022م.
*المبتغى والمسعى
يتمثل الهدف الرئيس من هذا المركز في المساهمة في إحياء تراث الطائفة الحقة، ولا سيما الموسوعات الفقهية والأصولية والرجالية التي يصعب عادة على الفرد القيام بتحقيقها، وشروح المتون الدراسية وحواشيها.
واحياء ذكرى العلماء عبر إقامة المؤتمرات والندوات، فضلا عن نشر الدراسات المتعلقة في السيرة والعلوم الدينية، وتكون أولويات عمل المركز:
1. سلسلة مؤلفات الأعلام الفقهية والأصولية والرجالية وبخاصة الموسوعية منها.
2. سلسلة شروح المتون الدرسية وحواشيها.
*اعمال المركز
عكف مركز الشيخ الطوسي منذ بداية التأسيس إلى الاهتمام في تحقيق أهم الكتب الخطية التي زخرت بها الحوزة العلمية في مختلف العلوم والتي بقيت لسنين طوال دون ان ترى النور أو التي طبعت دون ضبط وتحقيق مع تطور العلوم الخاصة بها.
فكانت باكورة اعمال المركز كتاب (رسالة في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي) في عام 2018م واستمر المركز في عطائه حتى وصل عدد الكتب المحققة في علم الأصول والرجال واللغة والسيرة إلى أكثر من 40 إصدار فضلا عن استعداد المركز لإصدار العدد الأول من مجلة إحياء المختصة.
ومن أجل التوسع في اعمال المركز وايصال هذه الإصدار الى مبتغيها من طلبة العلم فقد أطلق المركز موقعه الخاص به على شبكة الانترنت والذي حمل اسم الشيخ الطوسي.