الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
خلاصة المشروع الايراني للعراق:
تبلور مشروع إيران الاسلامية للعراق منذ حرب الخليج الاولى التي فرضها النظام الصدامي على إيران منذ السنة الثانية للحرب واعدت له عدته من خلال العراقيين أنفسهم الذين هجرهم صدام سنة 1980 م وفي اوائل السبعينات ومن كل اطيافهم وهذا المشروع هو اقامة الجمهورية الاسلامية في العراق امتدادا للجمهورية الاسلامية في إيران وتحت قيادتها المتمثلة بالولي الفقيه السيد الخميني(قد) ثم السيد الخامنئي كانت ولادة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق سنة 1982م كمؤسسة تعمل تحت شعار ولاية الفقيه.
المخطط الامريكي الجديد بعد حرب الخليج الاولى لتحجيم نفوذ إيران في المنطقة:
أدركت امريكا وحلفاؤها انها قد فشلت في مواجهتها العسكرية مع إيران وأنها خرجت قوية بالمكاسب التي ذكرناها انفا.
كما أدركت ان البديل لـصدام هم شيعة العراق والاكراد وبخاصة وان إيران تدعمهم دعما مطلقا.
ولم يكن لديها الا معالجة ذلك واحتوائه بتدرج وكانت خطتها على ثلاث مراحل:
المرحلة الاولى:
بناء قواعد عسكرية جديدة في السعودية والخليج لمواجهة خطر إيران المتزايد ولا يتم ذلك إلا من خلال تحسيس الملوك والامراء العرب بخطورة صدام وجيشه ومن هنا اعطوا الضوء الاخضر لصدام ليغزو الكويت ثم استنجد الخليجيون بأمريكا للتخلص من الخطر الجديد عليهم وهكذا كانت حرب الخليج الثانية سنة 1991م التي حققت فيها أمريكا أهدافها كاملة:
تدمير الجيش الصدامي وأرجعت أمير الكويت وجربت أسلحة دمار شامل لم تستخدم سابقا وابقت النظام قويا في العراق في قبال المعارضة الشيعية.
بناء قواعد عسكرية جديدة في الكويت وبقية دول الخليج والسعودية.
فك الحصار عن تجربة السادات في الصلح مع اسرائيل والتحاق الاردن وقطر بمشروع الصلح.
المرحلة الثانية:
إسقاط النظام الصدامي سنة 2003م تحت ذريعة انقاذ الشعب العراقي ومساعدة المعارضة العراقية التي استنجدت بأمريكا لتخليصها منه بعد ان تمادى النظام في قتل ابناء شعبه من الشيعة والاكراد بطريقة وحشية انتجت المقابر الجماعية.
المرحلة الثالثة:
العمل على تغيير نظام بشار الاسد في سوريا وتسليم الحكم للأكثرية السنية الموالية للسعودية والغرب وقد وضعوا اساس هذه المرحلة في مؤتمر الاستراتيجية المنعقد في الاردن سنة2003م.
مسار المشروع الانكلو-امريكي للعراق في مواجهة الشيعة وإيران منذ انقلاب عبد الرزاق النايف والداود
كان المخطط الانكلو- الامريكي للعراق قد بدأ منذ انقلاب 17/7/1968ومجيء عبد الرزاق النايف ومجيء البعثيين الثاني بهدف مواجهة الشيعة الذين تزايد نشاطهم واخذ حجما كبيرا وتخوفت بريطانيا منه كثيرا، ولم يكن لديهم غير حزب البعث للمواجهة وقد اثبت هذا الحزب كفاءة منقطعة النظير وبخاصة حين تبوأ القيادة صدام حسين لتحقيق امرين:
الأول: مواجهة الشيعة في العراق.
الثاني: تطويق نهضة السيد الخميني(قد) في إيران، باعتقاد ان إيران الجديدة انذاك ضعيفة فكانت سنة 1979م هي سنة بروز صدام قائدا للحزب وللدولة ومن ثم تورطه في شن الحرب على إيران.
ازداد تخوف الغرب من اتساع نفوذ الثورة الاسلامية وبخاصة بعد احتضان إيران للمعارضة الشيعية وبروز وجوه سياسية عراقية عريقة كان أبرزهم السيد محمد باقر الحكيم بن المرجع الكبير الراحل السيد محسن الحكيم(ره).
كانت المعارضة العراقية تعول على الحرب كثيرا لإسقاط نظام صدام ثم تغيرت استراتيجيتها بعد الحرب من المشاركة العسكرية مع الايرانيين الى استئناف العمل السياسي لإسقاط النظام والانفتاح على الغرب.
(اما صدام فقد خرج من الحرب سنة 1988م وهو مرهق بالديون ولكنه يمتلك اقوى جيش في المنطقة وزادت الكويت من انتاجها النفطي عن عمد في اعقاب الحرب مما قلل ذلك اسعار النفط الدولية مما تسبب في المزيد من تدهور الاقتصاد العراقي وهدد صدام الكويت لتخفض انتاجها من النفط او يقوم باحتلالها وانهارت المفاوضات وفي يوم 2/8/1990م، بدأ صدام بغزو الكويت، وقامت حرب الخليج الثانية بقيادة قوات التحالف 17/2/1991م فيما عرف بعملية عاصفة الصحراء او تحرير الكويت.
(احرق الجيش العراقي في اواخر شهر شباط 1991م ما يقارب 1037 بئر نفطي في الكيت وذلك عن طريق تفجيرها مما ادى الى احتراق اكثر من 727 بئر نفطي مسببا غيمة سوداء غطت سماء الكويت والدول المجاورة له والدول المطلة على المحيط الهندي استمرت مدة ثمانية اشهر ووصلت اثار الدخان الى اليونان غربا والصين شرقا بل وصلت اثار السحابة الدخانية الى الولايات المتحدة الامريكية وقد تمت السيطرة على جميع الابار المحترقة خلال 240 يوما وذلك بمشاركة 27 فريقا دوليا متخصصا في اطفاء الحرائق بمشاركة عشرة الاف عامل من 37 دولة تم اطفاء اخر بئر في 6/11/1991، خسرت الكويت نتيجة النفط المحروق ما يوازي استهلاك العالم للنفط مدة ثلاثة اشهر في تلك الفترة، خسرت الكويت 3% من احتياطي النفط لديها وكانت كلفة عمليات اطفاء الابار المشتعلة ما يقارب 2.2 مليار دولار، تم انتاج فيلم عن حرائق النفط الكويتية عرف بحرائق الكويت).
حصلت الانتفاضة العراقية سنة 1991م وازعج الامريكان قوة الاحتواء الايراني لها من خلال الصور المرفوعة فعملوا على اخمادها من خلال سماح قائد القوات الامريكية نورمان شوارز كوف لقيادات الجيش العراقي باستعمال المروحيات بكثافة لإخماد الانتفاضة.
ونزح الاكراد من الشمال بالملايين نحو الحدود العراقية مع إيران وتركيا.
(ونتج عن حرب الخليج الثانية تدمير بنية العراق التحتية وجيشه وحرسه الجمهوري الذي كان يعد من اقوى جيوش المنطقة وثم فرض عزلة جديدة على العراق اثر قرار هيئة الامم المتحدة فرض عقوبات اقتصادية خانقة استمرت ثلاثة عشر عاما، لقد نتج عن الحرب الجوية تدمير 96% من مولدات الطاقة الكهربائية واعادت مستويات انتاج الكهرباء في العراق لما قبل عام 1920م. وكان للحصار تأثير كبير شمل جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية وصارت نسبة التضخم الاقتصادي (ارتفاع مستوى الاسعار)(انخفاض قيمة العملة مقابل اسعار السلع والحاجات بنسبة 2400%، وادى الحصار الى هجرة اكثر من ثلاث وعشرين الف طبيب وباحث ومهندس عراقي اثر انخفاض معدلات اجر الفرد الى اكثر من النصف).
ونتج عن غزو صدام للكويت قرار الامم المتحدة رقم 661 صدر في 6/8/1990 الذي يقضي بعقوبات اقتصادية خانقة على العراق لتجبر قيادته على الانسحاب الفوري من الكويت، استمر الحصار قرابة 13 عام انتهى بسقوط نظام حزب البعث سنة 2003م، مات مليون ونصف طفل نتيجة الجوع ونقص الدواء واصبح العراق بعد هذا الحصار من اكثر دول المنطقة تأخرا وبخاصة بعد السنوات التي تلت حرب الخليج الثانية حيث دمرت بنيته التحتية من مصانع ومصافي ومحطات توليد ومحطات المياه والمجاري والتي عاد بها الى حقب ما قبل الصناعة كما قال جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكي في وقتها.
ادت فترة الحصار 1990م-2003م الى هجرة أكثر من مليونين عراقي الى أكثر من عشرين دولة أبرزها بريطانيا ودول اوروبية وامريكا وفي السبعينات والثمانينات كان صدام قد هجر الالاف الى إيران بحجة التبعية وعوائل غير مرغوب فيها كلهم من الشيعية من النجف الأشرف وكربلاء المقدسة وبغداد وغيرها. هذا الى جانب الفارين ببدنهم من ملاحقة النظام منذ اواخر الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات.
شكلت هذه الاعداد الهائلة مادة المعارضة العراقية وقياداتها في الخارج على محورين:
الاول: إيران وقد اصبحت محورا للمعارضة العراقية الشيعية والكردية وقد احتضنتها ودعمتها بكل ما تستطيع وتوظيفها في معركتها مع النظام العراقي سواء أ في أيام الحرب أم بعدها.
الثاني: سوريا والغرب الذي أصبح محورا للمعارضة العلمانية بكل اطيافها وقد وجد الغرب فيها بديلا لنظام صدام على المنهج الغربي نفسه وكانت سوريا تدعم بحدود ما تستفيد ايضا، وبعد انتهاء الحرب التحق بالغرب عدد من الاسلاميين الشيعة الى دول الغرب وأصبحوا موضع اهتمامه ليكونوا بديلا عن الموالين لإيران.
بعد ايقاف الحرب وبقاء صدام بالحكم انفتحت المعارضة الشيعية في إيران على الغرب بقيادة المجلس الاعلى ورئيسه السيد محمد باقر الحكيم(ره) واستجاب الغرب لهذا الانفتاح فهو يطمع باحتوائها ومنافسة الايرانيين على التأثير عليهم ليسهل عليه استبدال صدام بهم بصفتهم الاغلبية المقهورة التي لا بد من فسح المجال لها وتغيير معادلة حكم الاقلية للأكثرية.
المشروع الامريكي للعراق كان يريد عراقا علمانيا شيعيا مواليا للغرب في سياساته ومناهجه.
في قبال المشروع الايراني الذي كان يريد : عراقا اسلاميا شيعيا مواليا لإيران الاسلامية تحت قيادة الولي الفقيه.
وكان أمام المعارضة الشيعية الاسلامية الموجودة في إيران أحد خيارين:
الخيار الاول: رفض المشروع الامريكي تماما وتبني المشروع الايراني الذي خسر القضية الاساسية في الحرب وهي اسقاط النظام وتسليمه للمعارضة الشيعية الموالية.
الخيار الثاني: الانفتاح على المشروع الامريكي جزئيا بالتنازل عن مشروع اقامة الدولة الاسلامية في العراق تحت شعار ولاية الفقيه والاكتفاء باسقاط النظام بوصفها المرحلة الاولى التي تلتقي عليها كل أطراف المعارضة ويوافقها الغرب عليها.
ولم يكن امام المعارضة الشيعية في محنتها ومحنة شعبها في سنوات الحصار العصيبة ووحشية النظام الا الخيار الثاني وهو خيار لم تكن الديبلوماسية الايرانية بعيدة عنه الى جانب شعارهم (صدام لنا ضعيف خير لنا منه قوي).
تتابع
المصدر: مرکز فجر عاشوراء الثقافي