هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

أصـول الفـقـه

□ مقالة/ الجزء الخامس

أصـول الفـقـه

□  المؤلف: احمد پاکتچی

هـ) الشيخ الطوسي وأتباعه ونُقّاد آرائه
يُلاحظ في أصول الفقه لـدى الشيخ الطوسي (تـ ۴۶۰ه‍ / ۱۰۶۸م) والتي يمكن أن تُعـَدّ جسراً بين أصول المتكلمين ومعتقد أصحاب الحديث، تحول جذريّ بشأن حجية خبر الواحد. وقبل أن يؤدي موقف الشيخ الطوسي في تأييد حجية خبر الواحد إلى ظهور تحول عملي في الفقه، وكما أشار هو في كتابه الأصولي، فهو تغيير في الرؤى النظرية وبتعبير أوضح هو تجديد نظر أصولي، ذلك، أن شطراً واسعاً من فقه متكلمي بغداد كان قبل ذلك قد بُني في الحقيقة على أساس أخبار الآحاد التي كان ضعفها السَّنَدي يتم تلافيه بإجماع الطائفة على الخبر، و في المجال العملي، فإن الشيخ الطوسي بدوره كان قد وضع نفس الأخبار بشكل رئيس في المستندات النقلية لفقهه. وبحسب بيان الشيخ الطوسي للمسألة، فإن رفض حجية خبر الواحد التي عُرف بها فقهاء الإمامية كانت معارضة نظرية لأخبار الآحاد المتداولة في أوساط أهل السنة، ولم يتردد هؤلاء الفقهاء عملياً في العمل بالأخبار المتداولة والمعمول بها لدى الأصحاب.
كذلك و من زاوية الرؤية النظرية و من غير الالتفات إلى القيمة العملية، ينبغي التذكير بأن إجماع الطائفة في نظرية الشيخ الطوسي الأصولية كانت ماتزال تتمتع بمكانة مهمة جداً؛ وبرغم أنه و من خلال نظرة عميقة كان يتوقع أن يقلل اتساع نطاق العمل بالأخبار بشكل طبيعي من مكانة الإجماع في أصول الشيخ الطوسي.
و قد جمعت آراء ونظريات الشيخ الطوسي الأصولية بين دفتي أثر عنوانه عُدّة الأصول كان على الدوام من المتون الكثيرة التداول في الأوساط الإمامية. وجدير بالذكر أن شخصية الشيخ الطوسي بوصفه شيخ الطائفة، تركت أثراً خالداً في الأوساط الإمامية من بعده، وكانت البحوث الأصولية في الفترات اللاحقة، تقوم بشكل أكبر على أساس آرائه ونظرياته، حتى إن سديد الدين الحمصي عدّ الفقهاء الذين أعقبوا الطوسي مقلِّدين له. و مع هذا، فلاينبغي تجاهل مكانة الشريف المرتضى إلى جانب الشيخ الطوسي ومكانة الآراء الحرة بشكل تام، والنظر إلى التعاليم الأصولية بعد الشيخ على أنها بأسرها تكرار لتعاليمه، بل يجدر البحث عن شواهد إضافية يمكنها أن توضح بشكل أكبر التاريخ غير الواضح للأصول الإمامية في الفترة الواقعة بين الشيخ والمحققين الحِلّيين.
و في العقود الأخيرة من القرن ۵ه‍ / ۱۱م وطوال القرن ۶ه‍ / ۱۲م، أُلفت آثار عديدة في أصول الفقه لدى الإمامية يصعب إبداء الرأي في مضامينها لعدم توفر مخطوطاتها، أو إيضاحات بشأنها، لكن استناداً إلى المعلومات القليلة المتوفرة يمكن تمييز الخطوط العامة لها. ولايبدو أن أبا بكر أحمد بن الحسين الخزاعي النيسابوري من علماء أواسط القرن ۵ه‍ وأحد تلامذة الشريف المرتضى والشيخ الطوسي، ترك جانباً في كتابه المفتاح في الأصول  كل ما تعلَّمه من الشريف المرتضى، كما أن عالماً مثل عماد الدين الطبري في أواخر القرن ۵ وأوائل القرن ۶ه‍، في مؤلَّفه الأصولي شرح مسائل الذريعة (م.ن، ۱۶۴)، وبرغم بعد الفاصل الزمني بينه وبين عصر الشريف المرتضى ونشأته في محفل درس أبي علي الطوسي، نجل الشيخ الطوسي وناشر آرائه، وكـذلك علـي بـن زيـد البيهقـي (تـ ۵۶۵ه‍ / ۱۱۷۰م) فـي مؤلَّفـه تلخيص مسائل من الذريعة، قد أبديا اهتماماً فائقاً بالتعاليم الأصولية للشريف المرتضى.
وحول كتاب لعبد الله بن أحمد بن أبي مطيع في أوائل القرن ۶ه‍ عنوانه كتاب الاجتهاد، فإن التخمين المنطقي الوحيد هو أنه كان كتاباً جدلياً في الرد على أصحاب الـرأي، وبتعبير أكثـر وضوحاً على الحنفية فيما يبدو، ذلك أنـه لم تُعرف سابقة لاستنتاج إيجابي لمصطلح الاجتهاد في الأوساط الإمامية إلى القرن ۷ه‍ / ۱۳م.
و في الفترة الممتدة من عصر الشيخ الطوسي وإلى عصر كتّاب الأصول من مدرسة الحلة، فإن الأثر الأصولي الوحيد الباقي هو النصـف الأول مـن كتـاب غنيـة النـزوع لابـن زهـرة الحـلبـي (تـ ۵۸۵ه‍ / ۱۱۸۹م) الذي يعدّ وثيقة مهمة لدراسة تاريخ الأصول لدى الإمامية خلال هذه الفترة. و قد بدأ ابن زهرة بحثه في بحوث الألفاظ بطرح موضوعات مثل مسائل الأمر والنهي، مبحث العموم والخصوص، حجية مفهوم المخالفة والنسخ، وواصل الحديث ببحوث الأدلة المتضمنة لبحوث الأخبار والإجماع والقياس والاستصحاب، وكان في مضامينه ومواقفه قريباً جداً من أصول الشريف المرتضى. إن معلوماتنا عن شخصية سديد الدين الحمصي، العالم الإيراني الشهير في أواسط القرن ۶ه‍ توضح إلى حدّ ما خصيصة كتابه الأصولي المفقود المصادر في أصول الفقه؛ ذلك أن الحمصي من أشهر الفقهاء الإمامية والذي انبرى في القرن ۶ه‍ / ۱۲م، لنقد أصول وأسلوب الشيخ الطوسي الفقهي جنباً إلى جنب ابن إدريس و ابن زهرة.
إن الميزة المشتركة التي يمكن العثور عليها لدى منتقدي الشيخ الطوسي هي تقييمهم للأصول عند الشريف المرتضى ولأسلوبه الفقهي، حيث كانوا يجدون مواقفه أحياناً أكثر رصانة من مواقف الشيخ وينبرون للدفاع عن تلك المواقف بالتصريح، أو التلميح و إن الاستناد إلى الموقف الأصولي للمتكلمين في نفي حجية خبر الواحد، هو العلم البارز لهذه النزعات.
وعلى حد علمنا، فإن أول مصدر إمامي تحدث عن الأدلة الأربعة و عدّ العقل رابعها، كان كتاب السرائر الفقهي لابن إدريس الحلي (تـ ۵۹۸ه‍ / ۱۲۰۲م) الذي أورد في مقدمته بشكل موجز أنه في حالة فقدان دليل من الكتاب والسنة والإجماع، فالمعتمد عند المحققين التمسك بالدليل العقلي. وبرغم أن ابن إدريس لايضيف إيضاحاً إلى قوله هذا، لكن و من خلال معرفتنا بأسلوبه الفقهي وكذلك نظراً للتمايز الذي كان يقول به بين الأدلة الثلاثة والدليل العقلي من حيث الرتبة في الاستناد، يمكن استنتاج أن ما كان يقصده بالدليل العقلي، ليس سوى الأصول العقلية. و إن تعامل ابن إدريس يمكن مقارنته بتعامل الغزالي الذي عدّ «دليل العقل» رابع أدلة الفقه، ولدى الإيضاح أرجعه إلى أصل البراءة.
و) التطور الأصولي في مدرسة الحلة
ينبغي أن يعدّ المحقق الحلي (تـ ۶۷۶ه‍ / ۱۲۷۷م) رائد حركة تطور في الأوساط الإمامية بالحلة، الحركة التي أوصلها العلامة الحلي (تـ ۷۲۶ه‍ / ۱۳۲۶م) إلى ذروتها. وبرغم أن تعاليم علماء الحلة في القرن ۷ه‍ كانت مدعومة بتعاليم متكلمي بغداد والشيخ الطوسي، لكنها عملياً أحدثت تطوراً جذرياً في النظريات الأصولية و في الأساليب الفقهية العملية. وكان الحلّيون بعيدين عن عصر متقدمي البغداديين، بحيث كانت تعابيرهـم حول إجماع وعمل الأصحـاب (الطائفة)  سواء أكـان إجماعاً على حكم، أو عملاً علـى مضمون خبر  غامضة وبعيدة عن متناول أيديهم. و لم يكن لهم نصيب من الإدراك المباشر الذي كان للشيخ الطوسي للأساليب غير الرسمية للإمامية في عصره، والذي كان بمقدوره من خلال الاستناد إلى إدراكه هذا أن يعدّ و ببساطة النزاع مع المتكلمين في باب أخبار الآحاد، نزاعاً نظرياً وغير عملي. و لم ‌تكن أصول الشيخ الطوسي وبعد قرنين من المنافسة مع أصول المتكلمين ودون نصر حاسم، لتلبي احتياجاتهم بطبيعة الحال.
فمحققو الحلة الذين كانوا إثر إصغائهم لأقوال نقاد الشيخ يخطون خطوة على طريق التخطيط لأصول متطورة، وجدوا السبيل أخيراً في أن يؤسسوا أصول فقههم بالاستفادة من بحوث الغزالي وبقية الأصوليين من أهل السنة مثل ابن الحاجب بنسيج مختلف، و في نفس الوقت، مع المحافظة على المواقف الأصيلة والتقليدية لمدرسة الإمامية. و إن عنصر «إجماع الطائفة» الـذي كان يستخـدم فـي الفقـه البغدادي القديـم  سواء لـدى المتكلميـن، أم لـدى الشيـخ الطوسي  بوصفـه دليلاً مستقـلاً وكذلك لتلافي ضعف الأسانيد في أخبار الآحاد، وبضعفه التاريخي لم‌ يكن قابلاً للفهم وبطبيعة الحال غير قابل للاعتماد عليه من قبل الحلّيين، فقد تمّ التقليل من شأنه والتأكيد على قلة جدواه من الناحية العملية.
وعلى هذا، فقد حذفت في فقه الحلة حالة وساطة الإجماع بين «المفتي» والأدلة الفقهية، وبمقتضى طبيعة عدم إنكار الظنية في أغلب الأدلة، فإن استنباط الفروع من المصادر الظنية، اتخذ له موضوعية بشكل جاد. و في الحقيقة، فإن أهم خصائص أصول الفقه لدى الحليين كانت نسيان الأساليب القديمة في تجنب الظن، والاتجاه نحو استنباط الفروع الفقهية عن الطرق الظنية والتي يمكن بلوغها مثل ظواهر الكتاب وأخبار الآحاد وبطبيعة الحال بعض الأساليب الاجتهادية.
رأى المحقق الحلي أن الأدلة الفقهية خمسة وأضاف إلى أدلة الكتاب والسنة والإجماع دليلي العقل والاستصحاب. ويتضح من شرحه لهذا التقسيم أنه بإلحاقه أصل البراءة بأصل الاستصحاب، بوّب الأصول العقلية ليس في القسم الرابع (دليل العقل) بل في القسم الخامس (العنوان العام للاستصحاب)، واعتقد بمصاديق أخرى لدليل العقل. ورأى أن القسم الرابع، أو دليل العقل على شكلين: الأول الدلالات العقلية الخاصة بالخطاب، و هي «لحن الخطاب وفحوى الخطاب ودليل الخطاب»؛ والثاني المستقلات العقلية.
ويقع على رأس أهم المؤلفات الأصولية لمدرسة الحلة، معارج الأصول للمحقق الحلي، و من بعده آثار العلامة الحلي وبشكل خاص مبادئ الوصول. و إن مجموعة الآثار المهمة التي ألفت بعد آثار العلامة الحلي هي في حقيقتهـا شروح علـى آثاره. و إن التيار الفقهي الذي بدأ في الحلة، استمر منذ فترة قديمة على أيدي فقهاء في إيران والبحرين وجبل عامل، لكن وبرغم كثرة المؤلفات في الفقه، فإنه قلما يلاحظ اتجاه للتأليف في الأصول.
و من المؤلفات القليلة، تجدر الإشارة إلى جامع البين في فوائد الشرحين للشهيد الأول الذي حاول المؤلف أن يوائم فيه بين الشرحين الشهيرين تهذيب الوصول لعميد الدين الأعرجي وضياء الدين الأعرجي، كما مَنحَ في مقدمة ذكرى الشيعة بشكل موجز ضمن حديثه عن أدلة الفقه وقصرها على الأدلة الأربعة الشهيرة، مجالاً أوسع لدليل العقل ورأى أنه على قسمين: الأول تلك المجموعة من الدلالات العقلية غير القائمة على الخطابات الشرعية والتي تشتمل المستقلات العقلية والأصول العقلية (البراءة والاستصحاب)؛ والثاني تلك المجموعة من الدلالات العقلية القائمة على الخطاب. كما ضمَّن في هذا القسم بعض البحوث المتعلقة بالملازمات العقلية مثل مقدمة الواجب، فضلاً عن دلالات لحن الخطاب وفحوى الخطاب ودليل الخطاب.
ومواصلة للحركة المحدودة لتدوين الأصول، ينبغي أن نضيف أن جهود السيد بـدر الدين الكركي (تـ ۹۳۳ه‍ / ۱۵۲۷م) في تأليف أثره الأصولي العمدة الجلية ظلت ناقصة بحسب شهادة تلميذه الشهيد الثاني؛ إلا أن منعطف تدوين الأصول خلال هذه الفترة كان معالم الأصول للشيخ حسن نجل الشهيد الثاني الذي مايزال حتى اليوم متداولاً في الحوزات العلمية الشيعية بوصفه متناً تدريسياً. وميزته هي البحوث التحليلية والمنقحة في نفس الوقت وإبداء المؤلف آراءه الشخصية التي ينبري فيها أحياناً لنقد نظريات الحليين الأصولية.
ز ) تعارض الفكرين الأخباري والأصولي
تزامناً مع تبلور المدرسة الأصولية في الحلة، كان نفي الأساليب الأصولية وقصر مصدر الأحكام على النصوص الواردة عن الأئمة(ع) إلى جانب نفي التقليد، بوصفهما ركنين أساسيين للفكر الأخباري، في حالة تبلور في بيئة الحلة نفسها ويلاحظ أحد مظاهرها في آثار رضي الدين ابن طاووس (تـ ۶۶۴ه‍ / ۱۲۶۶م)، إلا أن هذا النمط من التفكير لم يتخذ وإلى عدة قرون شكل مدرسة متكاملة.
ويُعدّ أمين الإسترابـادي (تـ ۱۰۳۳ه‍ / ۱۶۲۴م) بوصفه أول من دوّن الأفكار الأخبارية وطرحها في إطار نظرية مضادة للأصول، في تاريخ الفقه، برغم أنه كان يرى أن نظريته ليست فكراً جديداً، بل تتمة لحركة أصحاب الحديث الإمامية. و قد نقد في آثاره وبشكل خاص الفوائد المدنية، الأساليب الأصولية للحليين و عدّها اقتباساً من أصول أهل السنة وغير منسجمة مع البنية الأساسية للفقه الإمامي. و في محاربته للمصادر الظنية، عَدَّ حتى ظواهر كتاب الله بعيدة عن الحجية؛ وبطرحه نظرية أن الطريق الوحيد للوصول إلى مضامين الكتاب والسنة النبوية هو أخبار الأئمة(ع) عَدَّ بشكل عملي الأخبار، الدليل الوحيد. و في هذه الأوضاع، كان لدليل الإجماع وضع خاص، فكان يتم تضعيفه من قبل كلا المدرستين؛ إذ إن الإجماع لم‌ يكن في فكر الأخباريين معتدّاً به أساساً، و في المدرسة الأصولية وبرغم بعض الجهود للدفاع عن قيمته، فكانت قد وجهت إليه انتقادات شديدة.
في أواسط القرن ۱۲ه‍ / ۱۸م كتب علماء معتدلون من الجناح الأخباري ممن كانوا أصحاب نظريات أصولية، و في تعامل منصف لهم مع علم الأصول، تقبلوا قسماً من الأساليب الأصولية، واستدلالات الأصوليين. و من ثمار هذه الحركة ينبغي أن نذكر آثاراً مثل شرح الوافية لصدر الدين الهمداني ومقدمة الحدائق للشيخ يوسف البحراني ونخبة الأصول لمحمد بن علي البحراني، التي هي بحد ذاتها آثار أصولية من وجهة نظر ما. و قد هيأت هذه الحركة، الأرضية لأن يبعث الوحيد البهبهاني (تـ ۱۲۰۵ه‍ / ۱۷۹۱م) أواخر ذلك القرن، الحياة مرة أخرى في الفقه المستند إلى الأصول في أوساط الفقه الإمامي.
و من أهم المؤلفات في أصول الفقه، يجب أن نذكر حاشية المعالم لسلطان العلماء المازندراني (تـ ۱۰۶۴ه‍ / ۱۶۵۴م) والوافية للفاضل التوني (تـ ۱۰۷۱ه‍ / ۱۶۶۱م)، في الفترة التي سبقت الوحيد البهبهانـي؛ والقوانين المحكمـة للميرزا القمـي (تـ ۱۲۳۱ه‍ / ۱۸۱۶م) والفصول لمحمد حسين الأصفهاني (تـ ۱۲۵۴ه‍ / ۱۸۳۸م)، في الفترة التي أعقبته، وكان هذان الأثران بشكل خاص وحتى القرن الأخير من أكثر الكتب تداولاً في الحوزات العلمية.
ح) المدرسة الأصولية للشيخ الأنصاري
بادر الشيخ مرتضى الأنصاري (تـ ۱۲۸۱ه‍ / ۱۸۶۴م)، الفقيه القدير الذي ألقت تعاليمه الأصولية بظلالها على تعاليم الأوساط الإمامية في المائة وخمسين سنة الأخيرة، ولدى تناوله نظريته و من غير الخوض في البحوث الواسعة المتعارف عليها في الآثار الأصولية حتى ذلك الحين وبأسلوب بديع في التمهيد، إلى قصر بحثه على نطاق خاص من البحوث الأصولية، أي الأصول العملية. وبرغم أن كليات بحث الأصول العملية تلاحظ في أصول فقه ما قبل الشيخ أيضاً، لكن ما يضفي على نظرية الشيخ طابعاً متميزاً هو الزاوية التي ينظر منها في طرح البحث التي تجلت بأسلوب موجز ومنطقي في مقدمة كتابه الفرائد. فقد صور الشيخ الأنصاري في هذا الكتاب الذي هو المصدر الرئيس لدراسة الأسس والأفكار التي يتبناها في أصول الفقه برؤية فلسفية، وضع المكلَّف الحائر في مواجهة المجموعة الفقهية المعقدة، ورأى أن وقوفه على التكليف الشرعي بالحصر العقلي، على ثلاث مراتب هي القطع والظن والشك. وحدد الشيخ البحث في القطع والظن بحدود الحاجة، وخصص القسم الرئيس من كتابه لدراسة حالات الشك والذي هو ميدانه في التنظير الأصـولـي. و فـي تـعـامـلـه مـع حـالات الشـك مـرة أخـرى  وباتخـاذه الحصـر العقلـي أساسـاً  طـَرَح منظومة قائمـة على الأصول العملية الأربعة: الاستصحاب والتخيير والبراءة والاشتغال (أو الاحتياط) التي يُعَدّ وضعه لها إلى جانب بعضها مع طرحه نظرية جامعة ومانعة لإزالة الشكوك استناداً إلى هذه الأصول الأربعة، من خصوصيات فكره الأصولي.
ولدى عدّ أهم المؤلفات في أصول الفقه المتأخرة عند الإمامية، تجدر الإشارة بعد كتاب الفرائد، أو الرسائل للشيخ الأنصاري، إلى كتـاب الكفاية لآخوند الخراسانـي (تـ ۱۳۲۹ه‍ / ۱۹۱۱م) الذي كان كتابه خطوة على طريق مدرسة الشيخ وباتجاه توسيع نطاق أصوله. وجدير بالذكر أن الترتيب المتداول للمتون التعليمية لأصول الفقه في الحوزات الحالية للإمامية، ينسجم مع الترتيب الزمني لتأليف هذه المتون، و إن انسجام مكانة المتون التعليمية هذا مع التطورات التاريخية لعلم الأصول يعين الباحث على إدراك التعاليم الأصولية بشكل أعمق. و في الأسلوب التقليدي للتعليم، تُدرَّس أولاً الآثار الأكثر قدماً مثل معالم الشيخ حسن وقوانين الميرزا القمي، و في مرحلة متطورة، تدرس الفرائد والكفاية.
ط) أصول الفقه في الأوساط الزيدية
فيما يتعلق بالفقه القديم للزيدية وأساليبه الأصولية، ينبغي أن يبدأ الحديث أولاً عن زيد‌بن علي (مق‍ ۱۲۲ه‍ / ۷۳۹م) من علماء أهل البيت(ع) الذي رأى استناداً إلى رواية واردة في مسند زيد والذي ورد في سند روايته أبو خالد الواسطي، بعد الكتاب والسنة، «إجماعَ الصالحين» و في حالة عدم العثور على الحكم، الاجتهادَ والقياس من قِبل «إمام» و «قاضي المسلمين» من بين الأدلة الفقهية. و إن هذه الرواية قريبة جداً من الروايات الشبيهة بها الشائعة في الكوفة لتابعين مثل عمارة بن عمير وعامر الشعبي، وكان مضمونها نهجاً لفقهاء الكوفة في عصر زيد.
في النصف الأول من القرن ۳ه‍ / ۹م، كان القاسم بن إبراهيم الرسي (تـ ۲۴۶ه‍ / ۸۶۰ م) أحد الأئمة الزيدية في الحجاز، شخصية بارزة في تاريخ علم الكلام والفقه لدى الزيدية؛ وكان و هو الذي ينزع في عقائده إلى آراء المعتزلة، يتبع في الفقه والأصول أيضاً الأساليب القريبة من متقدمي المعتزلة مثل جعفر بن مبشر على ما يبدو، وكان المذهب القاسمي منسوباً إليه. وبرغم أنه وإلى جانب نشر المذهب القاسمي، كان شعور الزيدية بصلة القربى بأبي حنيفة يحدو بهم وبشكل خاص في أجواء العراق، إلى الاقتراب من الأساليب الفقهية الحنفية، لكن لاينبغي أن نبالغ في تأثير هذه النزعة في الحجاز في النصف الأول من القرن ۳ه‍، وخاصة في الحديث عن القاسم نفسه، إذ لايجب أن نعدّه من الذين ينزعون إلى الأساليب الحنفية التي كانت الطرف المقابل لأسلوب المتكلمين المتقدمين.
و في النصف الثاني من القرن ۳ه‍، كان النفوذ المتزايد للأساليب الأصولية للحنفية في الأوساط الزيدية من جهة، وإعادة المعتزلة النظرَ بشكل رئيس في أساليبهم الفقهية من جهة أخرى، قد جعل المذهب القاسمي أيضاً بحاجة إلى إعادة النظر في أصول الفقه، وتبعاً لهذه الحاجة، حلّ المذهب الهادوي محله. فقد أسس الهادي إلى الحق، حفيد القاسم الرسي من خلال اتخاذه عناصر المذهب القاسمي أساساً واستفادته من الأساليب الأصولية الحنفية، نظاماً في فقه الزيدية اشتهر بالمذهب الهادوي، وأصبح قريباً من المذهب الحنفي في نهاية المطاف. وطوال قرون كان المذهب الهادوي، المذهب الغالب على التعاليم الفقهية الزيدية وترك أثراً عميقاً في الأوساط الزيدية في الفترة التي أعقبت الهادي إلى الحق.
ولدى البحث عن الكتابات الأصولية، لاتلاحظ وحتى القرن ۶ه‍ نزعة نحو التدوين. و من النماذج القليلة تجدر الإشارة إلى كتاب القياس للهادي إلى الحق الذي كان رسالة في تأييد المبادئ الأصولية للقياس. و في بداية القرن ۷ه‍ / ۱۳م، ينبغي أن نذكر أثراً بعنـوان صفـوة الاختيـار لعبـد الله بن حمـزة المنصـور بـالله (تـ ۶۱۳ه‍ / ۱۲۱۶م) الذي كان مؤلفاً جامعاً في البحوث الأصولية، والذي أعقبته مؤلفات مثل ينابيع النصيحة للحسين بن بدر الدين (تـ ۶۶۲ه‍ / ۱۲۶۴م) والدرة المنظومة في أصول الفقه لعبد الله بن زيـد العنـسي (تـ ۶۶۷ه‍). و في القرن ۹ه‍ / ۱۵م، وكما هو الحال في المجالات الأخرى، أحدث ابن المرتضى أحمد‌بن يحيى (تـ ۸۴۰ ه‍ / ۱۴۳۶م) تطوراً في الأصول أيضاً، فألف في هذا العلم آثاراً عديدة وبشكل خاص كتابه المهم معيار العقول.
و إن أبرز مكانة في الأصول لدى الزيدية بعد ابن المرتضى هـي لكتـاب الـكـافـل الـذي ألفـه محمـد بـن يحيـى بـهـران (تـ ۹۵۷ه‍ / ۱۵۵۰م) والذي كتبت عليه عـدة شروح يمكن أن نذكر من أكثرها انتشاراً: شرح أحمد بن محمد ابن لقمان (تـ ۱۰۲۹ه‍ / ۱۶۲۰م) المطبوع في صنعاء (۱۳۶۰ه‍ / ۱۹۴۱م) والروض الحافـل لإبراهيم بن محمد المؤيـدي (تـ‍ ۱۰۸۳ه‍ / ۱۶۷۲م).
و في القرن ۱۱ه‍ / ۱۷م، شرح الحسين بن القاسم، أحد الأئمة الزيدية مؤلفه الأصولي الموجز، الغاية في أثر بعنوان الهداية، حيث كان المتن والشرح كلاهما يتمتعان بالرواج. كما شرح الحسن بن أحمد الجـلال مختصـراً آخـر لصـارم الديـن الـوزيـر (تـ ۹۱۳ه‍ / ۱۵۰۷م).
بعنـوان الفصول اللؤلؤية. وأخيراً و في القرن ۱۳ه‍ / ۱۹م، ينبغي أن نذكر الكتاب العلمي إرشاد الفحول لمحمد بن علـي الشوكانـي (تـ ۱۲۵۰ه‍ / ۱۸۳۴م) الذي كـان برغـم تمسك المؤلف بالمذهب الزيدي، بحثاً مقارناً في أصول المذاهب الإسلامية المختلفة، ويعدّ أثراً فريداً من نوعه.
المصدر: دائرة المعارف الإسلامیة الکبری
 

برچسب ها :
ارسال دیدگاه