إن الفطرة الإنسانية النقيّة تنحني دائمًا أمام عظمة أولئك الذين وقفوا صامدين دفاعًا عن كرامة الإنسان وضبطًا لشهواته الحيوانية؛ أولئك الذين لا يرون العزة مساوية لأي متاع دنيوي، ويجعلون أرواحهم دروعًا لصيانة الحقيقة والعدالة. وقد أثبت التاريخ مرارًا أن الأجيال القادمة تحيي ذكر الصامدين بالثناء والتبجيل، وفي الوقت ذاته تُعرض باشمئزاز عن الذين استسلموا للذلّ وباعوا الكرامة الإنسانية بثمن بخس.
كان السيّد حسن نصر الله، ذلك الرجل المقاوم الصبور، مثالًا حيًّا لمثل هؤلاء الناس؛ فقد قدّم تفسيرًا حيًّا للمعنى الحقيقي للعزة والحرية لشعب لبنان، وروّى قلوبهم بماء الكرامة الإنسانية الصافي. وبفضل قيادته وتوجيهه، تعلّم شعبٌ بأكمله أن يقف في وجه الاستبداد والهيمنة، وسار بخطوات راسخة لاسترجاع عزّته وكرامته المسلوبة.
وإن كان جسده اليوم ليس بيننا، إلا أن روحه ما زالت حاضرة بيننا؛ ففكره النيّر وتاريخه المشرّف في المقاومة يشكّلان خريطة طريق أمام أحرار العالم. إن ذكراه لن تبقى فقط في لبنان، بل ستظل نابضة في وجدان كل من يتطلّع إلى قمم الإنسانية السامقة.
إنه شهيد المقاومة؛ الرجل الذي علّم العالم بالإيمان والصبر والعزّة معنى «الثبات والصمود». وإن ذكراه السنويّة فرصة لتجديد العهد مع الطريق الذي شقّه، وللتأكيد مرّة أخرى على أن العزّة والحرية ميراث لا يشيخ ولا يندثر.