في عالم اليوم المضطرب، حيث تتجدد أشكال الاستعمار وتتزيّن بلبوسٍ حديث يسعى لاحتلال العقول ونهب الثروات، يبرز السؤال الجوهري: أَنصمد أم نستسلم؟ للوهلة الأولى قد يبدو الاستسلام خيارًا أقلَّ كلفةً، لكنه في الحقيقة أثقلُ ثمنًا وأعمقُ أثرًا، لأنه يفتك بكرامة الإنسان ويفرغ هويته من معناها. 
إن المسلمين الذين يسيرون على نهج العلماء الربانيين يدركون أن العزة الحقيقية تنبع من الثبات في وجه الظلم والطغيان، لا من الخضوع لهما. فالصمود ليس مجرد موقفٍ سياسي، بل هو واجبٌ شرعيٌّ وعقليٌّ، لأنه يحفظ كرامة الأمة ويمتحن صدق إيمانها. وقد أكّد العلماء الصادقون عبر التاريخ أن الألم في سبيل الحق أهون من حياةٍ تُعاش في ذلٍّ وخضوع، لأن الأمة التي تبرّر الاستسلام باسم "المصلحة" تفقد تدريجياً استقلالها الفكري وروحها الإيمانية. 
لقد أثبت التاريخ الإسلامي أن الأمة كلما تشبثت بإيمانها وبقيادة علمائها، استطاعت كسر قيود التبعية وصنع نموذجٍ يُحتذى في الكرامة والبصيرة. أما حين غفلت عن قيمها واستسلمت لضغط الواقع، فتحت أبوابها للهيمنة والانحطاط. 

نعم، الصمود مكلف، وقد يكون الثمن دماءً وتضحياتٍ ومعاناة، لكنه يبقي الأمة حيّةً مرفوعة الرأس. أما الاستسلام، فثمنه فقدان الهوية والموت المعنوي البطيء. من يقاوم الظلم قد يُهزَم ماديًّا، لكنه يربح شرف الموقف وخلود المعنى، ومن يستسلم، وإن عاش في راحةٍ مؤقتة، فقد مات ضميره وذابت عزّته. لذلك، في منطق الإيمان والعقل، ليس الصمود خيارًا بطوليًّا فحسب، بل ضرورة وجودٍ تحفظ للإنسان المسلم حياته ومعناه.