□ مقالة
الحرب الناعمة في الآيات القرآنيَّة
□ د. علي الحاج حسن
الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
▪ تمهيد
تضمنّت بعض الآيات القرآنية الشريفة إشارات تدلّ على ما اصْطُلح عليه اليوم بالحرب الناعمة، حيث استخدمها المشركون والمنافقون في حربهم ضد رسول الله(ص) والمؤمنين، كما لجأ هؤلاء في حربهم على الإسلام إلى الحرب العسكرية الخشنة، استعانوا بالحرب الناعمة أيضًا.
لم تُذْكر كلمة الحرب الناعمة في الآيات الشريفة، إلّا أنَّ مضمون هذه الحرب واستخدامها قد ذُكر في أماكن عديدة، وإذا كنا سنتحدث عن الحرب الناعمة في الآيات القرآنيَّة، فإنَّ وضوح المفهوم وكثرة المقالات والدراسات التي نُشرت، تغنينا عن توضيح المفهوم وتبيين الاختلاف بين الحرب الناعمة والحرب الصلبة.
إنَّ ما ينبغي التأسيس عليه للدخول إلى البحث، هو أنَّ الحرب الناعمة تستهدف الأذهان، فتعمل على تغيير القناعات والآمال والطموحات، ثُمَّ تغير القيم والمعارف وبالتالي السلوكيَّات عند الفرد ممَّا يساهم في تغيير الهويَّة واستبدالها بأخرى. فهل أشارت الآيات الشريفة إلى هذا النوع من الحروب؟ وهل تعرّض رسول الله(ص) والمؤمنون لها؟ وما هي أهداف قادة الحرب الناعمة طبق النص القرآنيّ؟ وكيف تحصل المواجهة طبق الفهم القرآنيّ؟
▪ أعداء المؤمنين
تمتاز الحرب الصلبة بأنَّ الأطراف يعرفون بعضهم البعض ويدركون حجم الإمكانيَّات والأهداف لدى كلّ منهما. أمَّا في الحرب الناعمة، والتي هي نوع من الحروب الخفيَّة، فالأطراف المتنازعة (المعتدي والمعتدى عليه) لا يعرفون بعضهم، وليس من السهل اكتشاف المخطّطات والأهداف والإمكانيَّات، لأنَّ الحرب الناعمة تنسلّ إلى الطرف المستهدف بأسلوب جذَّاب فيتّجه نحوها بملء إرادته، وقد أشار القرآن الكريم في الكثير من الآيات الشريفة إلى أعداء المؤمنين:
الشيطان: أشار القرآن الكريم إلى الشيطان كعدوّ [إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مبين]. لا بل يمكن القول إنَّ الشيطان كان أوَّل من استخدم الحرب الناعمة في مواجهته لآدم وحوّاء، فجاء في الآية الشريفة: [فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ].
الكفار: أشارت الآيات الشريفة إلى عدائهم [مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ].
اليهود والمشركين: جاء في الآيات الشريفة: [لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ]. صحيح أنَّ الآية هي خطاب للرسول(ص) إلَّا أنَّ مصاديق هذه العداوة الممتدّة تشير إلى استمراريَّة عدائهم. لذلك أكّد العلامة الطباطبائي على أنَّ وجود توضيح في الآية لضابطة عامّة تحكي عن العداء بين المؤمنين من جهة واليهود والمشركين من جهة ثانية. يقول العلامة: ومن المعلوم أن قوله تعالى[لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا ..]، من قبيل بيان الضابط العام في صورة خطاب خاصّ... .
المنافقون: هم من أخطر الفرق التي عاشت في العالم الإسلامي والتي مارست العداء للمؤمنين بالأخص العداء الناعم، فكانوا يعمدون إلى احتقار المؤمنين ويمارسون الفساد تحت عنوان الإصلاح، ناهيك عن الكذب والنفاق والوعود الكاذبة وما شابه ذلك. جاء في الآيات الشريفة: [إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ].
▪ أساليب الأعداء في حربهم الناعمة
مارس أعداء المؤمنين أساليب متعدّدة في حربهم الناعمة على المؤمنين، من أبرزها:
الاستهزاء والسخرية: يُبيِّن تاريخ الإسلام أنَّ الاستهزاء والسخرية كانا من أبرز العمليَّات التي واجه الأعداء بها المؤمنين، يعود ذلك إلى أنَّ الاستهزاء والسخرية يساعدان في إضعاف الروحيَّة الإيمانيَّة لدى المسلمين ويسلبهم اعتقادهم بالإسلام مما يساعد في انحرافهم التدريجيّ عن إيمانهم. ولم يترك الأعداء أمرًا إلَّا واستهزأوا به، بِدءًا من جزئيَّات الأحكام وصولًا إلى الاعتقادات وما شابه ذلك. ويمكن القول إنَّ الاستهزاء قد طال رسول الله(ص) والآيات الشريفة، وكان يتوجّه تارةً أخرى لأصحاب الرسول(ص) ومعتقداتهم. جاء في الآيات الشريفة: [وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعًا]. الواضح من الآيات وجود فئة انضمّوا إلى جماعة المسلمين بهدف الاستهزاء بالآيات.
إضعاف القيادة: تَعرَّض الأنبياء وعلى امتداد التاريخ لحملات من أعداءهم، ولعلَّ من جملة أسباب محاربة الأعداء للأنبياء أنهم قادة المجتمعات نحو الأهداف الإلهيَّة والتي تمكن خلاصتها في الهداية والنجاة. وقد تعرّض الانبياء ومن ثم أئمة أهل البيت(ع) لأنواع العداء بدءًا من الخشنة والصلبة -[إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيّینَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ]، إلى الناعمة اللينة.
من جملة ما تعرض له الأنبياء توجيه الاتّهامات لهم وللقادة الدينيّين، فقد جاء في القرآن الكريم حول قصة النبي نوح(ع): [فَقَالَ ٱلْمَلَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِى ءَابَائِنَا ٱلْأَوَّلِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ]، وقد اتُّهم نبي الله بالجنون وهي تهمة رائجة على امتداد التاريخ. رفض القرآن الكريم هذه الاتّهامات وأكّد أنَّ الأنبياء ليسوا كهنة ولا مجانيين.. [فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ]. ومن جملة ذلك أيضًا احتقار الأنبياء ليظهروا أنَّهم أشخاص عاديّون لم يحملوا ما يؤدّي إلى صلاح البشريّة أو أنَّهم أرادوا سلب الناس معتقداتهم وأموالهم، وغير ذلك من الأمور التي يُراد منها الانتقاص من شخصيّات الأنبياء وإسقاطهم في المجتمع.
الترويج للإشاعات: إنَّ الإشاعة هي من أبرز أساليب الحرب الناعمة وأكثرها فعاليَّة بسبب سرعة انتشارها ووقوعها محلّ قبول عند أصحاب الاعتقادت الضعيفة والبسيطة. تنتشر الإشاعة بسرعة لامتلاكها ما يُقنع الناس حتى لو كان باطلًا، فيبادرون إلى نقله للآخرين، ويساعد كثرة النقل في أن تصبح الإشاعة مشابهة للحقيقة. كما تبرز خطورة الإشاعة كونها تجعل الواضح والبديهيّ مرفوضًا وغير صحيح، وهذا ما عانى منه الأنبياء والقادة في مسيرة دعوتهم الناس للحق. وقد وصل الأمر في الإشاعات التي روّجها أعداء الدين إلى درجة أنَّ الآيات الشريفة أشارت إلى خطورتها مُهدِّدة إياهم: [لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا]. وفي معنى الإرجاف الواردة في الآية الشريفة جاء في مجمع البيان أنَّه "إشاعة الباطل للاغتمام به".
زرع الفرقة والشقاق: من جملة أساليب الأعداء زرع الفتن في المجتمع، وينتج عن الفتن النزاعات الداخليَّة والحزبيَّة والطائفيَّة والمذهبيَّة، ما يتيح للأعداء العبث بالقيم والمعارف الدينيّة. من أبرز مصاديق الفتن في زمان رسول الله(ص) بناء مسجد تحت اسم "مسجد ضرار"، وقد أشارت الآيات الشريفة إلى مسجد ضرار حيث جاء: [وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ]. الواضح من الآيات الشريفة أنَّ المسجد المذكور كان لأجل إيقاع الفتنة بين المسلمين ودعمًا لمن حارب الله ورسوله. وأمّا قصة المسجد "أنَّ أبا عامرٍ كان قد أرسل إلى المنافقين أن استعدّوا، وابنوا مسجدًا، فإنّي أذهب إلى قيصر، وآتي من عنده بجنود، وأخرج محمدًا من المدينة". وعندما تقع الفتنة فإنّها لا تصيب جماعة خاصّة بل تصيب الجميع وتترك تبعاتها على كافّة طبقات المجتمع.
التهديد والإرعاب: التهديد والإرعاب وسيلتان تُستخدمان بين الأعداء وإنْ كانتا تتّسمان بطابع الخشونة وليس النعومة إلَّا أنَّ ما تؤدّيان إليه من استضعاف للآخر وجعله منقادًا من دون القوة يجعل منهما وسيلتان ذات بُعد ناعم. لذلك قد يؤدي الخوف لدى طرف ما للاستسلام وقد يؤدي للقناعة والقبول والرضا وما يترتّب على ذلك من تغييرات جوهريَّة تطال بنية المجتمع والقيم الحاكمة عليه.
أشارت الآيات الشريفة إلى أسلوب التهديد والإرعاب: [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا]. إنَّ أيّ تزلزل نتيجة الخوف سيؤدّي إلى انهيار المنظومة والعمل وفقًا لمنظومة الذين كفروا، كما هدّد فرعون السَحرة بالقتل والتمثيل بهم بعد إيمانهم بموسى(ع)، علّه يدفعهم بذلك إلى الطاعة والخروج عن إيمانهم: [لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ].
وكما يستخدم التهديد والإرعاب في تحقيق الأهداف المطلوبة للعدو فيؤدّي الدور المطلوب في الحرب الناعمة، إلّا أنّهما من أبرز أدوات الحرب النفسيَّة، لا بل يمكن القول أنَّهما أقرب للحرب النفسيَّة منها إلى الحرب الناعمة.
المكر والخداع: وهما من أهم الأساليب وأكثرها قِدَمًا حيث تشير الآيات الشريفة إلى الخداع الذي استخدمه إبليس في حواره مع آدم وحواء. والمكر والخداع وسيلتان لا تدلّان على المنطق والإقناع انما تمهّدان لوضع المخاطب في جوٍّ نفسيٍّ مخالفٍ للحقيقة، ويتمّ تصوير الباطل على أنَّه حق، فيسهل انتقال المستهدف من الحق والحقيقة إلى ما تمّ تصويره أنَّه كذلك، [قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا، وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا].
كما وصل المكر عند البعض أن تمنّوا أن ينزل الله عليهم العذاب الأليم باعتبار ان هكذا عذاب لا يمكن ان ينزل وبالتالي يظهر للعوام ان ما يدعيه الانبياء على انه حق، ليس كذلك [وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ].
ما تقدم هو بعض الأساليب المستخدمة في الحرب الناعمة ضد الأنبياء والمؤمنين، وإلى جانبها أساليب أخرى من قبيل إلقاء الشبهات وإضعاف المعنويَّات وغير ذلك.
▪ أساليب مواجهة الحرب الناعمة
كما أشارت الآيات الشريفة إلى الأعداء وأساليبهم وتعرَّضت للحديث عن الأساليب التي استخدمها الأنبياء والمؤمنون في المواجهة الناعمة، ولعل العنوان الحاكم والأساس في المواجهة الناعمة يتمثّل في الفهم العميق والدقيق والاستدلالي لتعاليم الدين. بعبارة أخرى تَفْقد الحرب الناعمة تأثيرها عندما يكون المستهدف على دراية تامّة بدينه وقيمه؛ دراية وعي ومعرفة يقينية فيتمكّن من تشخيص الحق من الباطل، ويدرك ما هو من الدين وما هو من سواه. لذلك عندما تحدث الإمام علي(ع) عن الإيمان الحقيقي المتمثّل بالتقوى قال: "فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ، وَبَصَرُ عَمَى أَفِئِدَتِكُمْ، وَشِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ، وَصَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ، وَطُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ، وَجِلاَءُ عَشَا أَبْصَارِكُمْ، وَأَمْنُ فَزَعِ جَأْشِكُمْ" ما يعني أنَّ التقوى الحقيقيَّة النابعة من الفهم والوعي تلعب الدور الأبرز في عدم تأثير حرب الأعداء الناعمة لأنَّها تشكّل الحصن المنيع أمام كلّ ما يعارضها. أمَّا أبرز ما يجب أن يتسلّح به المؤمنون لمواجهة الحرب الناعمة إضافةً إلى ما تقدَّم:
البصيرة: البصيرة ركنٌ أساسيٌّ في الثبات على الحق ومعرفة أساليب الأعداء، وهي تدلّ على مقدار الوعي والمعرفة عند الإنسان، فتُشكِّل سلاحه الفعَّال في المواجهة. كما تبرز أهميَّة البصيرة عندما يمارس الأعداء كافَّة الأساليب في حربهم ضدّ المؤمنين سواء أكانت الأساليب ظاهريَّة واضحة أو خفيَّة ومجهولة، لأنَّ صاحب البصيرة يُدرك حقائق الأمور فلا يتزلزل أمام المؤامرات ولا تُسقِطه الشُبهات والتشكيكات، ذلك لأنَّ المشتركات قد تكون عديدة بين الخصمين، فكلاهما يصلي ويأتي بعباداته إلَّا أنَّ البعض قد يأخذه الشطيان فيحيك المؤامرات ضدّ المسلم الآخر.
الصبر والتقوى: يساعد الصبر في مواجهة الحرب الناعمة على اتّخاذ قرارات حكيمة، تُخرج الإنسان من الأجواء السلبيَّة والمضطربة، ويمتلك القدرة على تقييم الأمور بشكل صحيح وسليم. لأن اتّخاذ قرارات عجولة يوقع الإنسان في شراك العدو. يقول تعالى: [لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ]. وتساهم التقوى في أن تعتمد كافّة القرارات على مبدأ التوحيد وعبادة الله وعدم الخروج عما أراده الله تعالى، كما ورد عن الإمام علي(ع): "وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا مِنَ الْفِتَنِ، وَنُورًا مِنَ الظُّلَمِ".
إحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: تكمن أهداف الأعداء في الحرب الناعمة الترويج لروحيَّة التساهل في تطبيق الأحكام والقيم الدينيَّة، ممّا يسهِّل انتشار الفساد في المجتمع. وعندما ينتشر الفساد يفقد المجتمع الحياء والعفة والتدين وغيرها، لذلك من جملة طرق مواجهة الحرب الناعمة والتي تُحصِّن المجتمع، تدعيم وتقوية روحيَّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما لذلك من أثر على مستوى القضاء على كافة مظاهر الفساد: [كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ]. كما ورد عن الإمام علي(ع) أنَّه قال: "لا تَتْرُكُوا الأَمْرَ بِالمَعْرُوْفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ"، وإذا تولّى الأشرار عاثوا في المجتمع فسادًا وحرفوا الأمّة عن قيمها وتعاليم دينها.
بالإضافة لكلّ ما سبق: هناك العديد من الأساليب الأخرى التي ذكَرتها الآيات الشريفة والتي تساهم في المواجهة الناعمة منها:
الوحدة والتكاتف [ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم].
تقوية المعرفة الإيمانية والعقائديَّة والالتفات إلى ما يحيكه الأعداء.
الخاتمة:
يطال تأثير الحرب الناعمة كافَّة مقوّمات الصمود والهويَّة عند أيّ شخص وأيّ مجتمع، وهي أمضى وأشد وطأة من الحرب العسكريَّة. كما مارس أعداء الإسلام منذ نبوغه وظهوره حربًا ناعمة طاحنة ضد الرسول(ص) والمؤمنين بهدف إبعادهم عن دينهم وهدم عقائدهم، بيد أنَّ القرآن الكريم يحدّثنا عن السبيل الإلهي الذي يمكن بواسطته مواجهة تلك الحرب وبالتالي تحصين المجتمع والفرد. لذلك من الحريّ العودة إلى المنهج القرآني وإلى سيرة المعصومين(ع) لنتعلّم منهم كيفيّة المواجهة الناعمة علّنا نتمكّن من مواجهة تيارات الحرب الناعمة العاتية التي تجتاج المسلمين، فيكون التمسّك بالقرآن الكريم منهج نجاة للأمّة.
ما قدّمناه هو إطلالة سريعة ومُختصرة لم نشأ منها الغوص في تفاصيل المنهج القرآني في المواجهة الناعمة، بل المساهمة في فتح باب البحث عن المنهج القرآني في هذا الشأن.
المصدر: المعارف