□ مقالة
قراءة لمنهج السيد الخوئي(قد) في الفكر الإسلامي
الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق و خير الأنام نبينا المصطفى وعلى اله الطيبين الطاهرين الكرام وعلى علمائنا الأبرار وسادتنا الأخيار وعلى من سار على نهجهم إلى يوم الدين. وبعد
ان السيد الخوئي(قد)سلطان الفقاهة والإفتاء وزعيم الحوزات العلمية كما وصفه كبار المراجع والمجتهدين، وقد أثمر منبره العلمي خلال أكثر من نصف قرن ثمارا عظيمة جليلة، هي الأزكى والأفضل عطاء"على صعيد الفكر الإسلامي وفي مختلف العلوم والقضايا والمواقف الإسلامية المهمة، حيث تخرج على يديه مئات الفقهاء والمجتهدين والفضلاء العظام الذين اخذوا على عواتقهم مواصلة مسيرته الفكرية ودربه الحافل بالبذل والعطاء والتضحية لخدمة الإسلام والمجتمع.
ويتميز السيد الخوئي(قد) بمنهج علمي متميز ورصين، وأسلوب خاص به في البحث والتدريس، واهم ما في ذلك الربط بين الفكر الحوزوي والثقافات المعاصرة التي دلت عليها مقدرته العلمية في تحليل المسائل المعقدة والنظريات الصعبة الأصولية والفقهية، إضافة إلى التحليل والتدقيق في هده المسائل العلمية الدقيقة وطرحها على أسس ومباني متينة ورصينة، ابتكر فيها أراء ونظريات لم تسبق عند غيره، وقد تميز في كثير من الموارد الأصولية والفقهية بآراء جديدة غير الآراء التي اشتهرت عند الفقهاء الذين سبقوه، وكان له إسهام هام في علم الرجال وقد شيد صرحا علميا قويما لهدا العلم ومدخليته في استنباط المسائل الفقهية .
كما بدل جهدا كبيرا في التفسير وعلوم القران وغيرها من الحقول العلمية الأخرى إضافة إلى مهام الحوزة العلمية وتدريس الطلبة فيها.
وكانت له منهج علمي تجديدي يدعو إلى التغيير والانفتاح على قضايا امته ومواكبة عصره لان كل عصر يحتاج الى حركة فكرية اجتهادية تبعا لتطور الحياة العامة، فله مقدرة علمية فائقة لتحليل مثل هده المسائل وايجاد الحلول لها. أخيرا يتم عرض تطبيق فقهي لآراء السيد(قد) حول احد المواضيع، راجين من الله السداد والتوفيق.
▪ المبحث الأول: المنهج العلمي للسيد الخوئي(قد)
لقد كان منهج السيد الخوئي(قد)منهجا متميزا على غيره من المناهج الأخرى في الحوزة العلمية، فيتجلى منهجه بعدة خصائص منها:
أولا: المنهج العلمي في أصول الفقه
ان السيد له نظرة خاصة في بعض المباحث الأصولية التي درسها الأعلام الذين سبقوه، مثل مسالة الوضع التي تعد من أهم المسائل الاجتماعية في كل مجتمع عقلائي لان الإنسان مند نشاته يستخدم اللغة كوسيلة للتفاهم مع الآخرين، فكان للسيد نظرية جديدة هي نظرية التعهد التي تناسب مكانة هده المسالة لان الدلالة الناتجة عنها هي دلالة تصديقيه عقلائية لا تصورية، وان كل مستعمل يصبح واضعا حقيقا على ضوء هده النظرية للتلازم بين اللفظ الخاص والمعنى المخصوص، لان الوضع عبارة عن التعهد والفرض وان كل مستعمل تعهد بان لاينطق باللفظ الا عند إرادة إفهام معنى خاص.
واشتهر بين الفقهاء ان الإنشاء عبارة عن إبراز الأمر الاعتباري النفساني، فمن يجعل ويعتبر الواضع الجملة الإنشائية وسيلة وسببا لتحقيق المادة، كالبيع في (بعت) والصلح (صالحت) والزوجية في (زوجت) وهكذا في عالم الاعتبار، ان كون الصيغة سببا اعتباريا لتحقق الأمر الاعتباري في النكاح والبيع أمر معقول ولكن الدليل إثباتي عليه، لا من الواضع ولا من العقلاء.
فالسيد الخوئي(قد) يرى ان كل هده الموارد اعتبار وإبراز للاعتبار النفساني والدليل عليه هو الارتكاز ألعقلائي من المعتبر، ثم إمضاء العقلاء والشارع قد أمضى ذلك ورضي به، فللشارع اعتبار مماثل.
وللسيد نظرية في التعارض بالنسبة للواجبات الضمنية، بعد ان عمل الفقهاء بقاعدة التزاحم في هذا المورد، فادا لم يتمكن المكلف من الجمع بين الواجبين الضمنيين فالأمر يسقط بسقوط متعلقة، فتقع المعارضة بين إطلاق دليل الجزئيين.
وفي نظرية إطلاق الدليل أي ان الإطلاق الثابت بمقدمات الحكمة غير داخل في مدلول اللفظ فان الحاكم بت انما هو العقل فالإطلاق ليس لفظا إنما هو دلالة ناشئة إما عن السكوت في مقام البيان أو عن مقدمات الحكمة.
وقد حلل مسالة حجية مثبتات الإمارات لا يمكن ان تكون جزافا لان الإمارات ناظرة الى الواقع وحاكية عن مدلولاتها الالتزامية بالواسطة على أساس الملازمة بينهما ثبوتا وإثباتا.
وله نظرة في المسائل الأصولية فاعتبر البعض منها مسائل غير أصولية وان درست في علم أصول الفقه منها مسالة حجية الظواهر وأصالة الطهارة لان المسالتين من المسائل المسلمة الواضحة عند الجميع فلامجال لإبداء النظر وإعمال الفكر فيها من اجل دلك لاينطبق عليها ضابط المسالة الأصولية.
وهناك كثير من المسائل الاصولية تعرض لها السيد(قد)فبذل لها الجهد الشاق للخروج بمبنى علمي رصين في البحوث الاصولية المرتبطة بعملية الاستنباط التي أنتجت ثمرة علمية في الفقه في موارد أخرى عديدة.
ثانيا: المنهج العلمي في الفقه
أما منهجه الفقهي فكان من المناهج المهمة في تدريس الفقه واستدلالاته، وكانت ملامح هذا المنهج واضحة الرؤى كما نجد دلك في طروحات بحثه الاصولية والفقهية، وبعد الاستقراء يجمع شتات الموضوع المراد دراسته ويجمع كل ما قيل من الأدلة حوله ثم يناقشها دليلا دليلا، وبعد ذلك يقيم الدليل القطعي المتيقن من قوته بين الادلة الاخرى في ذلك الموضوع فيتبين من ذلك قدرته على الاستنباط، فيخرج بالنتيجة التي يرتضيها، وهنا نلاحظ بيان الدقة في التحقيق والبحث.
وان له موارد فقهية انفرد فيها عن الذي سبقوه من العلماء فمثلا في حال شك المكلف بعد الصلاة في انه اغتسل من الجنابة او لا، فالسيد(قد) لا يطبق قاعدة الفراغ في هذه الحالة لاستلزامها المخالفة القطعية العملية، فعلى هدا يجب اعادة الصلاة المتقدمة والجمع بين الوضوء والغسل للصلاة الاتية.
اما نظريته تؤكد على ان الشهر القمري بداية واحدة بالنسبة للجميع ولايمكن ان يكون حلوله امرا نسبيا، بان يكون لكل بلد او منطقة شهرها القمري الخاص، اذ من الخطا قياس ذلك على نسبية طلوع الشمس، والشهر القمري يبدا بخروج القمر من المحاق أي بين الشمس والارض، وهده ظاهرة كونية محددة، بهده التعليلات وغيرها يبدع السيد في هذه النظرية.
وله نظرة فقهية تجمع بين العبادات والمعاملات في مسالة اذا ملك شخص مالا بالهبة او الحيازة او الاحياء، فعند الفقهاء لا فرق بينه وبين الملك بالشراء فلا يجب فيه الخمس للزيادة في القيمة لكن السيد يفرق بين الملك بالهبة او الحيازة او الاحياء لا خمس في تلك الزيادة اما في الشراء فيجب فيه الخمس، وفي مسالة اخرى متعلقة بالخمس ايضا حول الضمان النسبي للنقص الوارد في المال المتعلق في الخمس فالنسبة ترد على المال المشترك بين المالك والامام.
اما في مسالة الارث فعند الفقهاء ان اولاد الاخ لابوين او لاب يقتسمون المال بينهم بالتفاضل ان اختلفوا بالذكورة او الانوثة، السيد له نظرية في ذلك ان المال يقتسم بينهم بالتساوي وان كانوا مختلفين في الذكورة والانوثة، فالضابط العام لذلك ان مقتضى القاعدة في كل مورد ورد لامر بتقسيم المال بين احاد وجماعة من دون التقييد بخصوصية زائدة لاكما ولا كيفا هو التقسيم بينهم بالتساوي، واما التقسيم بينهم بالتفاضل فهو بحاجة الى قرينة ومؤنة زائدة.
ويلاحظ على هدا المنهج المتبع لديه دلالة واضحة على عمق افكاره ودقة النظر والراي اضافة الى جمال البيان والتعبير والى مقدرة علمية عالية حيث تجلت في مدرسته الفقهية الفكرية العلمية النابضة بالافكار والاراء وهو قطب رحاها، فكان بعيد الغور عميق الاثر عندما يواجه المسائل العويصة والقواعد المعقدة نظريا وتطبيقيا من مختلف الجهات فهده المقدرة الفائقة تتجسد في تحليل المسائل المعقدة والنظريات الصعبة الاصولية والفقهية بصيغة اسهل تناولا وابلغ تنظيما وترتيبا، وبفضل هده القدرة والمؤهلات الفكرية الواسعة الداتية والذهنية الوقادة في علمي الاصول والفقه ابتكر فيهما اراء ونظريات لم يسبقه اليها غيره كما تقدمت الاشارة اليه.
▪ المبحث الثاني: المنهج التجديدي للسيد الخوئي(قد)
ان الابداع والتجديد الذي تمييز فيه السيد الخوئي قد ظهر جليا في كثير من ابحاثه الاصولية والفقهية والرجالية وغيرها، لان الافكار والاراء قد تنامت في رجل العلم والتاريخ والفكر، فكان له استيعاب خاص لمختلف نواحي الحياة بحلول دقيقة واجوبة متقنة.
فكان السيد الخوئي(قد) رجلا منفتحا على التجديد ومريدا للتغيير بحسب مواكبة العصر ووجود المسائل الفقهية المستجدة ولذا يتطلب من الفقيه تلك المواكبة، فكان اول مرجع يخطط لدرس تفسير القران في النجف باعتبارها كانت تفتقر لمثل تلك الدراسة فكانت تاخذ من القران مايتصل بالشريعة فقط.
وقد ساهم السيد الخوئي في حركة التغيير بما تسمح له الظروف لانه عاش ظروفا قاهرة بالتزامن مع الحكم الجائر في العراق في تلك الحقبة، فكانت مهامه صعبة للغاية في امور الشريعة والحياة.
والملاحظ على مدرسة السيد الخوئي انها تجمع اراء اساتذته اضافة الى ارائه ، وفي علم الرجال الف موسوعته القيمة التي انفرد فيها، فكان يحدد مركز الراوي في السلسلة السندية عمن يروي عنهم وعمن هم يروون فحل بها مشكلة معقدة ويسرها امام الباحثين في كتابه معجم رجال الحديث.
ومن هنا يجب ان يقال في حقه ان مقام ثبوته اقوى وارقى من مقام اثباته رغم ان علو مقامه اثباتا قد اصبح جليا وظاهرا كما قال عنه احد تلامذته السيد محمد باقر الصدر(قد) وبعض من تخرج على يديه هم من الاعلام والفضلاء اصبحوا اليوم مرجعيات للعالم الاسلامي اليوم ومنهم السيد علي السيستاني(دام ظله) زعيم الحوزة العلمية في النجف الاشرف.
نبذة عن مسيرته الفكرية
يذكر العلامة الفضلي مسيرته الفكرية مفصلة ولكن سوف نذكرها بشئ من الاختصار.
تربع السيد الخوئي(قد) على كرسي الدرس في النجف الاشرف مدة تزيد على نصف قرن حاضر في التفسير والفقه واصوله، ترك بصمات واضحة على صفحات التغيير والتطور، اتخذ من بيته صومعة للعلم والمعرفة وازدهر فيه الكتاب والقلم والف فيه عشرات الكتب والابحاث في شتى العلوم ودرس فيه كثير من طلابه المقربين الذين دونوا محاضراته وتقريراته في الفقه والاصول وغيرها من العلوم حتى بلغوا مرحلة الاجتهاد فعقد لهم مايعرف بالحوزات العلمية (مجلس الفتوى) يتراسه السيد(قد) ويديره حوارا ونقاشا حتى يميز قدرة هولاء الحضور على الاستنباط، وكان يدير هذا المجلس ليلا.
وكان يصلي جماعة في مسجد الخضراء في النجف الاشرف وبعد الصلاة يحاضر لطلابه بدرس ما يسمى بالبحث الخارج، درس كتاب المكاسب للشيخ الانصاري ثم كتاب العروة الوثقى للسيد اليزدي، فكان يذكر الادلة ويحلل ويعلل، ويوازن ويقارن، ويناقش ويحاكم، منتهيا الى مايراه من دليل قوي.
وتتلمذ على اقطاب المدرسة الاصولية العريقة وهم العراقي والاصفهاني والنائيني ولكل مدرسة منهج خاص بها، فمدرسة الاصفهاني اخذت طابع فلسفي والعراقي اخذت مدرسته طابع علمي والنائيني جمع بينهما.
فهذه المدرسة الرائدة التي تتلمذ فيها العالم الجليل السيد الخوئي(قد) مسيرته الحافلة بالعطاء والعلم والمعرفة.
▪ المبحث الثالث:نموذج تطبيقي فقهي
سوف اتناول في هذا المبحث آراء السيد الخوئي(قد) في موضوع من المواضيع الاخلاقية المهمة لما له من اهمية وخصوصية في هذا الوقت الا وهو موضوع الكذب من الناحية الفقهية.
ان الكذب لغة هو الاخبار عن الشئ بخلاف ماهو سواء فيه العمد او الخطا وهو نقيض الصدق كما في لسان العرب.
1. الكذب عرفا او شرعا على راي السيد الخوئي(قد):المعروف عند اهل اللغة وغيرهم ان الكذب نقيض الصدق، فصدق الكلام بالمطابقة وكذبه بعدم المطابقة، وان المراد بالمطابق (بالكسر) هو مراد المتكلم وان المراد بالمطابق (بالفتح) هو الواقع ونفس الامر المحكي، ثم ان السيد يذكر كلاما عن النظام ويناقشه ومفاده:ان صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر وكذبه وعدمها وان كان الاعتقاد خطا ورد عليه السيد الخوئي بعدة ردود اهمها:انه لو اخبر احد بقضية لم يعتقد بوقوعها في الخارج وهي واقعة فيه فانه على مسلك النظام خبر كاذب، مع انه صادق بالضرورة.
2. التورية عرفا او شرعا: التورية لغة وريت الخبر تورية اذا سترته واظهرت غيره حيث يكون للفظ معنييان احدهما اشيع من الاخر، وفي ذلك قال السيد الخوئي(قد):(لاشبهة في خروج التورية عن الكذب موضوعا، فانها في اللغة بمعنى الستر فكان المتكلم وارى مراده عن المخاطب باظهار غيره وخيل اليه انه اراد ظاهر كلامه، وقد عرفت انفا ان الكذب هو مخالفة الدعاوي النفسانية للواقع، لامخالفة ظاهر الكلام ويتفرع على هذا ان جواز التورية لا يختص بمورد الاضطرار ونحوه لانها ليست من مستثنيات الكذب بل هي خارجة عنه موضوعا
ومن هنا ذهب الاصحاب فيما سياتي من جواز الكذب عند الضرورة الى وجوب التورية مع التمكن منها وعللوا ذلك بتمكن المتكلم مما يخرج به كلامه عن الكذب).
3. حكم الكذب
من المتفق عليه بين الفقهاء والمسلم به حرمة الكذب بل حرمته ضرورية، ولكن يمكن ان تطرا عناوين تجعل من الكذب واجبا وهذا متقين اما كونه مستحبا او مكروها او مباحا، فقد ورد كلام للسيد الخوئي(قد) يدل على استحباب الكذب بالعنوان الثانوي قال:(ما من مؤمنين اهتجروا فوق ثلاث الا برئت منهما في الثالثة، قيل هذا حال الظالم فما بال المظلوم؟ فقال ما بال المظلوم لايصير الى الظالم فيقول انا الظالم حتى يصلحا، ومن الواضح جدا ان قول المظلوم:انا الظالم كذب وقد ذمه الامام(ع)على تركه فيكون مستحبا مؤكدا ).
وقال بعض الفقهاء بحرمة الكذب بالادلة الاربعة، لكن السيد الخوئي(قد) ناقشهم في دليلي العقل والاجماع فقال:(اما الاجماع فمن المحتمل ان المقطوع به انه مستند الى الكتاب والسنة فلايكون هنا اجماع تعبدي اما العقل فانه لايحكم بحرمة الكذب بعنوانه الاولي مع قطع النظر عن ترتب المفسدة والمضرة عليه وكيف يحكم العقل بقبح الاخبار الكذابة التي لايترتب عليها مفسدة دنيوية او اخروية ).
واكد السيد على حرمة الكذب وذكر انها ليست ذاتية كحرمة الظلم، ولذا يختلف حكمه بالوجوه والاعتبارات وعليه فاذا توقف الواجب على الكذب وانحصرت به المقدمة وقعت المزاحمة بين حرمة الكذب وبين ذلك الواجب في مقام الامتثال وجرت عليه احكام المتزاحمين.
اذن السيد(قد) يرى ان الحرمة هي بالوجوه والاعتبارات والفقهاء الاخرين يرونها حرمة ذاتية
4. حكم التورية
ذكر صاحب الجواهر ان التورية داخلة في الكذب اما موضوعا واما حكما قال:(والتورية والهزل من غير قرينة داخلان في اسمه وحكمه ولافرق في المحرم منه )
السيد الخوئي(قد) اعتبر مفهوم التورية خارج عن مفهوم الكذب موضوعا وحكما فيكون لازم الحكم بجواز التورية مطلقا أي مع الاضطرار وعدمه موافقا بذلك للشيخ الانصاري والامام الخميني في هذا الحكم.
يذهب السيد(قد) الى التفصيل بين الاحكام التكليفية والاحكام الوضعية، ففي الاولى تجب التورية مع امكانها والثاني لاتجب، ويذهب احد الباحثين بالقول ان تفصيل السيد(قد) في محله وانه لايجوز اللجوء الى الكذب مع امكان التورية لعدم صدق الاضطرار ولعدم صدق الاضطرار مع امكان التورية لمن يعلم مواردها ويمكنه استخدامها، مع عدم امكان ذلك يسقط القيد وبالتالي يجوز الكذب مباشرة عند الاضطرار لعدم امكان التورية.
5. الموارد المسوغة للكذب
من المسوغات للكذب هي الاضطرار والاصلاح بدليل قوله تعالى (الا من اكره وقلبه مطئمن بالايمان) وقوله(ع) (مامن شئ الاوقد احله الله لمن اضطر اليه ) وايضا قاعدة الضرورات تبيح المحضورات، وقد استفاضت الاخبار بجواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني او المالي.
اما الاصطلاح فمن الاخبار الدالة على ذلك صحيحة معاوية بن عمار (المصلح ليس بكذاب ) وفي مرسلة الواسطي عن ابي عبدالله(ع) قال:(الكلام ثلاثة:صدق وكذب وصلاح بين الناس)
وعن الصدوق بسنده عن ابي الحسن الرضا(ع) قال: (ان الرجل ليصدق على اخيه فيصيبه عن صدقه فيكون كذابا عند الله، وان الرجل ليكذب على اخيه يريد نفعه فيكون عند الله صادقا).
وناقش السيد الخوئي(قد) الاستدلال بالاجماع والعقل لان الاجماع ليس اجماعا تعبديا كاشفا وقد استند الى الروايات، اما العقل وان كان حاكما الا انه لا يحكم بذلك في جميع الموارد.
اما الاية الشريفة فانها تدل على جواز التكلم بكلمة الكفر والارتداد في الاسلام عند الاضطرار، فتدل على جواز الكذب في غير ذلك بطريق اولى.
6-المبالغة في الكذب
يذكر السيد الخوئي(قد) اذا كانت المبالغة بالزيادة على الواقع كانت كذبا حقيقة كما اذا اعطى زيدا درهما فيقول اعطيته عشرة دراهم، او اذا زار الحسين(ع)مرة واحدة ويقول زرت عشرين مرة ومن هذا القبيل تادية المعين بلفظ واحد موضوع للكثرة والمبالغة فانه اخبار عن الكثرة بالهيئة واعتبر السيد ان المبالغة اذا عدت مخالفة للواقع فهي كذب الا مع وجود قرينة على المبالغة.
▪ الخاتمة
في ختام هذا البحث المصغر عن تلك الشخصية العظيمة التي اثرت العالم الاسلامي بالعلوم والمعارف الفقهية والاصولية والحديثية والبلاغية وغيرها، وباطلالة بسيطة وقراءة مبسطة عن هذا العلم الشامخ في الفكر الاسلامي بينا بعض مسارات المنهج عنده وذكرنا بعض الموارد التي تمييز فيها من انفراداته ونظريات من ابتكاراته العلمية ووقفنا امام مدرسته العلمية في النجف حتى وصلنا الى تطبيق فقهي لموضوع من المواضيع التي تكثر بين حياة الناس وهو الكذب، فتم عرض اراء السيد(قد) في هذا الموضوع وما تفرع عنه ثم خاتمة البحث وفي ذلك ارجو من الله ان يعذر لي تقصيري في هذا الامر وان يكون خالصا لوجهه الكريم انه نعم المولى ونعم النصير واهداء"للاثر الصالح لمن كتب عنه هذا الجهد البسيط.
المصدر: معهد الخوئي