فلسطين في الشعر النجفي المعاصر
منذ عزمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على تخصيص عدد من مجلة -دعوة الحق- الغراء بالقدس أحببت أن أعرف القارئ العربي بكتاب (فلسطين في الشعر النجفي المعاصر) تأليف محمد حسين الصغير -وهو عبارة عن رسالة نوقشت في كلية أصول الدين ببغداد، ونالت التقدير بدرجة (امتياز) في الأدب العربي. وذلك بتاريخ 01/04/1388ه الموافق 26/06/1968م. وقد ساعدت كلية أصول الدين ببغداد على نشره.
يشمل الكتاب على:
1. مقدمة: بقلم الأديب الكبير الدكتور عناء غزوان إسماعيل.
2. المدخل إلى الكتاب: ويشتمل على:
- منهج البحث.
- هدف هذه الرسالة.
- تاريخ فلسطين السياسي في لمحات.
- لمحة عن تاريخ النجف السياسي والفكري المعاصر. وفي الأخير فلسطينيات المؤلف.
ولكي لا نطيل في عرض فصول هذا الكتاب سأنتقل توا إلى صلب الموضوع. وهو -فلسطين في الشعر النجفي المعاصر- وتسهيلا للبحث يقسم الكاتب الإنتاج الشعري إلى خمسة اتجاهات سياسية تتوخى حل قضية فلسطين. وتطهير أرضها المقدسة من الغزاة الطامعين.
▪ الاتجاه الفلسطيني
الذي يضع مهمة تحرير الجزء السليب من أرض العروبة على عاتق أبناء العروبة في فلسطين -فهم أولى بهذا الشرف- ويمثل هذا الاتجاه.
محمد مهدي الجواهري -حسين محمد الصغير محمد جمال الهاشمي- عبد الهادي الشرقي- محمد رضا آل صادق.
تناول الجواهري موضوع فلسطين مستثيرا همم الفلسطينيين بها. وشاحذا لعزائمهم مع دعوتهم للاستمرار على الثبات والنضال:
خذي معاك مثخنة الجراح
ونامي فوق دامية الصقاع
إلى أن قال:
وتاريخ الشعوب إذا تبقى
دم الاحرار لا يمحوه ماح
أأم القدس والتاريخ دام
ويومك مثل أمك في الكفاح
ومهدك وهو مهبط كل
وحي كنعشك وهو مشتجر الراح
٭ ٭ ٭
ولا تغني بنا أنا بكاة
نمدك بالعويل وبالصياح
ولا تعني بنا فالفعل جو
مغيم عندنا والقول صاح
ولن تجدي كأيانا نصيرا
يدق من الأسى راحا براح
ولا قوما يردون الدواهي
وقد خرست بألسنة فصاح
أما حسين محمد الصغير فينوه بعزم القدس. ويعدها بالنصر القريب:
إيه قدس وما جفت لنا
عزمات. لا. ولا قل مضاء
الحفاظ المر في أعماقنا
لهب يغلي. وثأر ولقاء
سيضوي الفجر مهما عسعست
ظلم يعتم فيهن القضاء
إلى أن يقول:
يا (حماة القدس) أين الأمنا
وإلى أين وقد ديس الفناء
حل فيها غير أهليها وقد
عبثت تنخر فيها النزلاء
جرح المجد على أعتابها
وعلى الذروة هيض الكبرياء
قد تمادى البغي في عدوانه
واستشاط الحقد فيه والعداء
ومضى يمعن في إرهابه
أسر تفنى، وتشقى أسراء
يا لهول الجرح أنا ههنا
تسمع الشكوى ويشجينا النداء
ثم نرجو من عدو ماكر
أو صديق فيه خبث ودهاء
وإذا نحن اعتمدنا غيرنا
فمن الواضح أنا بطاء.
أما عبد الهادي الشرقي فهو يدعو المنظمات الفدائية للكفاح. للبطش بالعدو بكل صلابة. وضراوة. منتقمة لعرضها الثكلى، لكرامة الشيوخ. ومصارعة الأطفال. ذاوية بنيران المدفع:
عودي لساحات الكفاح
للبطش شاكية السلاح
عودي بكل صلابة
أقسى من الغدر الوقاح
وبضراوة لم تعرف
التحنان في الوطن المباح
أبدا ولم تألف معاني
العطف أو لفظ السماح
عودي إلى الميدان
وانتقمي لعرضك والأضاحي
لتواكل قد روعت
في (القدس) مثخنة الجراح
لكرامة الشيخ الكبير
يهان مكبوح الجماح
لمصارع الأطفال أطفالي
كأزهار الأقداح
تذوي بنيران الفنا
بل في الشوارع والبطاح
كالزهر أحرقه الهجير
ولفح إعصار الرياح
وهذه قصيدة (رص الصفوف) للشاعر محمد رضا آل صادق يوجهها إلى الفدائيين الفلسطينيين وعلى لسانهم يقول:
ظمئ الفداء وزمجر الغضب
ولهيب عزمي للوغى شغب
والجرح راح يبث صرخته
حرقا على شفتي تنسكب
لن أترك الآلام صامتة
والقدس في أيدي العدا سلب
أنا لن أمد إلى الهوان يدا
حتى تضم رفاتي الترب
بلدي سيروى من دمي أبدا
ودمي لأرضي منهل عذب
أنا غضبة تجتاح كل دجى
عبر المدى، وخطاي تلتهب
سيظل يشمخ موطني شمما
وعلا تموج بأفقه الشهب
وله قصيدة نظمها في رثاء
الفدائيين عنوانها (النصر توأم الفداء).
ضحايا الاباء بكم أقم
وفي جناحي لظى مرزم
سنسترجع القدس في عزمه
دروب المنايا بها تقحم
لنحرق (صهيون) في نارها
ونقذف بالظلم من يظلم.
▪ الاتجاه العربي
الاتجاه العربي الذي يطالب الأمة العربية كلها لتهب يدا واحدة من أجل إنقاذ فلسطين بعد أن وعت أبعاد القضية وضخامتها. وآمنت بأن الخطر الصهيوني يهدد وجود الأمة العربية ومصيرها.
ويمثل هذا الاتجاه: عبد الحسين الحلي -عبد الغنى الخضري- محمد مهدي الجواهري -إبراهيم الوائلي -محمود الحيوبي -ضياء الدين الخاقاني.
يتساءل الشاعر عبد الحسين الحلي -متعجبا- عن العروبة وأبنائها بعد أن خسروا معركة عام 1948 مع اليهود. كيف يستهان بهم. ويدينون لأقوام دانوا لهم صاغرين.
أين العروبة ليت العرب قد عدموا
حياتهم فهي اذلال وخسران
لقد عجبت لهم أن يستهان بهم
وأن يدينوا الأقوام لهم دنوا
هذي اليهود تنزى في مواطنهم
وكيف يسكن أرض القدس شيطان
كما يعتبر الشاعر محمود الحبوبي من أوائل من عالجوا القضية الفلسطينية باتجاه عربي صريح:
أعيدوا المغاوير الحماة، وبأسهم
أثيروا الحمى المغصوب واستنهضوا مصرا
أعيذكم أن يهتف القدس صارخا
لكم، فتلبيه هتافاتكم تترى
يؤمل منكم منقذين فما يرى
لإنقاذه إلا الخطابة والشعرا.
أما إبراهيم الوائلي فيصور مدى تغلغل الغرب في الشؤون العربية. ومدى تأييده لإسرائيل بكل قواه. مستغلا نفطنا وذهبنا لجعلها كميادين لعصاباته. ثم ينادي نفطنا وذهبنا لجعلها كميادين لعصابته. ثم ينادي بالعرب بأن آن الأوان لاستمرار النضال. وتطهير القدس:
متى تتأثرون لجرح ينث
على مثله ودم يهدر
ويثأر من واتر حاقد
عصي المغامز لا يهصر
ويصطخب الموج في الشاطئين
وتجتاح خاوية صرصر
ويطفوا على اليم (تل الحصير)
وينتشر الكوخ والبيدر
ويقتلع الخزي من موطن
تلاقت على ظهره الاعصر
وتمحى من (القدس) أسطورة
ويستأصل الرجس والمنكر
فقد آن أن يستمر الكفاح
ويسود في أفق عثير
وأن يجمع الحي متصرخ
ويستعجل الزحف مستنفر
وتضرم مجموعة يستوي
بها السهل. والشامخ الأزور
ويصطبغ الرمل حتى يقوم
على موجه الشفق الأحمر
وتلتهم المعتدين الطغاة
لظي من جماجمهم تسجر
▪ الاتجاه الإسلامي
الاتجاه الإسلامي الذي تجاوز الحدود السياسية الإقليمية للدول العربية، فانتقل إلى العلم الإسلامي كله باعتباره القضية لاتهم العالم العربي وحده بل الشعوب الإسلامية كافة، مناشدا الجميع الوقوف صفا واحدا في وجه الخطر الصهيوني، وتحرير الأرض المقدسة.
ويمثل هذا الاتجاه:
حسين بحر العلوم -محمد آل حيدر- جعفر الهلالي- محمود البستاني- محمد صالح جعفر الظالمي.
وقد اخترت لهذا الاتجاه قصيدة للشاعر محمد صالح جعفر الظالمي الذي ندب (فلسطين) باتجاه إسلامي:
إيه (فلسطين) يا جرحا نكابده
وثوب ذل علينا راح يندل
و(القدس) يلهبها سوط العدو ضنى
ويستبيح الحمى قوم بها نزلوا
فتستباح حريم كان يؤمها
عز (الخليل) فلا خوف ولا وجل
هذي المآسي وما زالت نكابدها
في كل يوم، وما في حلها أمل
فنحن لم نتيقظ أي جارحة
منا، ويعبث في آرائنا الخطل
كل تراه أمام الخصم متخذلا
لكن على قومه مستأسد بطل
ولا علاج سوى تحكيم شرعتنا فيستقيم لنا حكم ويعتدل
▪ الاتجاه العربي الإسلامي
الاتجاه العربي الإسلامي يمثل وجهة نظر أولئك الشعراء الذين جمعوا بين الإطار العربي والإطار الإسلامي مرة واحدة حتى يكون الاستعداد أشمل وأعم.
ويمثل هذا الاتجاه:
محمد علي اليعقوبي -صالح الجعفري- عبد المهدي مطر -علي الصغير- عبد المنعم الفرطوسي -أحمد الوائلي.
وسنرافق في هذا الاتجاه الشاعر علي الصغير في قصيدته (مأساة الشرق) التي نظمها عقب نكبة 1948م. بعد قيام دويلة العصابات الصهيونية. داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد عبر عن آلامه. وخيبة آماله. وآهاب بالعرب والمسلمين للرجوع إلى ماضيهم. عقيدة ومنعة... ثم يتوجه إلى القدس. وهي مهبط الوحي الإلهي فيخاطبها:
يا (مهبط الوحي) في الدنيا لقد عبثت
بسفر الواحك الغر الأساطير
ذكر بنيك بماضيهم ومجدهم
فطالما نفع الناسين تذكير
وارسم لهم صورة في المجد زاهية (فالعصر رائجة فيه التصاوير).
ثم يدخل صميم الموضوع فيقول:
يا سكنين على (سيناء) قد طويت
(سيناء)، واندك يا أربابه (الطور)
هذي (فلسطين) قد عاث العدو بها
ولا مصير، سوى ما قال (بلفور)
تحفز الركب إذ سارت طلائعه
فما مقامك فينا أيها العير؟
قفوا على الآثار واذكروا
إن الوقوف على الآثار مأثور
سلوا الثرى عن بقايا أمجادكم
فكم لها يوم عز فيه مشهور
وكم دم سال من هندمي العروق لكم
بها لنا جالت الجرد المحاضير
حق العروبة والإسلام مضطهد
قسرا، وثار (رسول الله) موتور
▪ الاتجاه الوجداني
الاتجاه الوجداني الأخير، ونعني بذلك تأثر عدد من شعراء النجف الأشرف، واهتمامهم بقضية فلسطين دون أن يوضحوا التزامهم بأي من الاتجاهات الأربعة السابقة.
ويمثل هذا الاتجاه:
محمد الخليلي -عبد الكريم الدجيلي- أحمد الموسوي الهندي- عمار سميسم- عبد الصاحب الدجيلي- جواد شبر -يحيى الصافي- محمد بحر العلوم- أحمد الصغير- حمد فرج الله.
وسنصاحب هذا الشاعر أحمد الصغير الذي حاول أن يستنهض العرب. ويستنجد بقوتهم في الذنب عن فلسطين. بإثارة عواطفهم. واهاجة حفائظهم، ولعل الأمر يبدو جليا في قصيدته (من أجل فلسطين) التي نظمها في 01/01/1968م يقول فيها:
قم ناشد (القدس) واستنطق (فلسطينا)
وايقظ الفكر، والإحساس، والدينا
واستنهض العرب في البلوى
فعزمهم يفجر الذر في الحلي براكينا
قد آل أن تملأ الدنيا طلائعهم
وأن تطهر من رجس أراضينا
فذي اليهود، وقد غلت أكفهم
تغزو الديار ميادينا ميادينا
وللرصاص أزير من مدافعنا
وفي القذائف ما يدمي أعادينا
ويستمر الشاعر يخاطب القدس بقوله:
يا (قدس) يا كعبة الآمال معذرة
إن طال أسرك كابوسا وتنينا
فنحن يا (قدس) رغم العنف حتفهم
سنسحق الطغمة إلى عناء توهينا
فالنصر والفتح قد لاحت بشائره
وهذه النهضة الكبرى تحيينا
فيخسر الحرب من قد راح منتصرا
ويربح الحرب من قد عاد مغبونا
وتستعاد ديار الوحي آمنة
وراية الحق والإسلام تعلونا
ويختم المؤلف كتابه بفصل اسماه: (فلسطينيات المؤلف) أي القصائد التي قالها عن القضية الفلسطينية. وقد قسم هذا الفصل إلى:
- فلسطين في مهرجان المولد النبوي.
- فلسطين في عيد الفلاح.
- فلسطين في ذكرى الميلاد.
- فلسطين ومهرجان المبعث النبوي.
- إلى أعضاء منظمة (فتح) الفدائية.
ويختم الكاتب جولته الشعرية بقوله:
ولعل خير ما نختم به كتابنا... هذه الأبيات للشاعر العربي الكبير الأستاذ السيد أحمد الصافي النجفي، وقد استمعتها منه وهو ينشدها عندما زرته في سوق الغرب بلبنان في 08/08/1968 أنا والصديق العزيز الدكتور حسين أمين أستاذ التاريخ الإسلامي في كلية التربية ببغداد. وكانت تحوط بالصافي النجفي ثلة من أعلام الفكر لبنانيين ومصريين. وعراقيين وفي طليعتهم الأستاذ الكبير جعفر الخليلي (صاحب موسوعة العتبات المقدسة). والأبيات كما يلي:
(محمد) هل لهذا جئت تسعى
وهل لك ينتمي همل مشاع
أإسلام وتغلبهم يهود
وآساد وتقهرهم ضباع
أيشغلهم عن الجلى نزاع
وهذا نزع موت لا نزاع
شرعت لهم سبيل المجد لكن
أضاعوا شرعك السامي فضاعوا
المصدر: مجلة دعوة الحق