قراءة في كتاب"خصائص الأئمّة" للشّريف الرضيّ
كتاب (خصائص الأئمّة)(ع) للشّريف الرّضي رضي الله عنه، لم يخرج منه غير الفصل الخاصّ بالإمام أمير المؤمنين(ع)، وقد ضمّ بين دفّتيه العلم الكثير، والأدب الجمّ، والحيويّة الفكريّة، وتداوله العلماء والمؤلّفون على امتداد التّاريخ، ونقلوه واستنسخوه وأكثروا من نسخه، وحافظوا عليه إلى يومنا هذا. وقد كان هذا الكتاب الباعث والحافز لجمع كلمات الإمام(ع) وخطبه في كتاب جليل أسماه الشّريف الرضي (نهجالبلاغة)، الذي طارت شهرته في الآفاق.
▪ هدف كتاب خصائص الأئمّة
رأى الشّريف الرضيّ أن يجمع أخبار الأئمّة(ع) في كتاب يسهل الرجوع إليه بعدما طلب منه طلّابه ذلك؛ وقد ذَكر الدّافع إلى تأليف كتاب (الخصائص) في مقدّمة الكتاب، فقال [موجِّهاً الكلام لأحدهم]: «كنتَ -حفظ الله عليك دينك، وقوّى في ولاء العترة الطاهرة يقينك- سألتَني أن أصنّف لك كتاباً يشتمل على خصائص أخبار الأئمّة الاثني عشر صلوات الله عليهم، وبركاته، وحنانه، وتحيّاته، على ترتيب أيّامهم، وتدريج طبقاتهم ذاكراً أوقات مواليدهم، ومدد أعمارهم ...». ثمّ يقول بعد كلام طويل: «فعاقني عن إجابتك إلى ملتمسك ما لا يزال يعوق من نوائب الزّمان، ومعارضات الأيّام إلى أن أنهضني ذلك اتفاق اتفّق لي، فاستثار حميّتي، وقوّى نيّتي، واستخرج نشاطي، وقدح زنادي».
▪ إكمال الجزء الأوّل من الخصائص
شرع الرَّضي بتأليف كتاب (الخصائص) عام 383 للهجرة، ولم يخرج منه غير خصائص أمير المؤمنين(ع)، وحول ذلك قال: «كنت في عنفوان السنّ وغضاضة الغصن، ابتدأتُ بتأليف كتاب في (خصائص الأئمّة) يشتمل على محاسن أخبارهم، وجواهر كلامهم، حداني عليه غرض ذكرتُه في صدر الكتاب، وجعلتُه أمام الكتاب، وفرغتُ من الخصائص التي تخصّ أمير المؤمنين عليّاً(ع)، وعاقت عن إتمام بقيّة الكتاب محاجزات الأيّام، ومماطلات الزّمان...»، إلَّا أنَّ عمره القصير لم يسمح له بإكمال الأبواب أو الفصول الخاصّة ببقيّة الأئمّة(ع)، إذ توفّي في العام 406 للهجرة، ولم يتجاوز السّابعة والأربعين سنة.
▪ أبواب كتاب (خصائص الأئمّة) الجزء الخاص بأمير المؤمنين(ع)
- فضل زيارته عليهالسّلام.
- طرف من الاحتجاج للنّصّ عليه.
- فصل في ما رُوي من الأشعار في نصّ النّبيّ(ص) على نصّ أمير المؤمنين(ع).
من أعلامه ودلائله:
- خبر ميثم التمّار رضي الله عنه.
- خبر ردّ الشمس وإن كان من الأخبار المشهورة.
- من أعلامه عليهالسّلام عند قتال الخوارج بالنهروان.
- من دلائله عليهالسّلام عند موته.
- في تسميته عليهالسّلام بأمير المؤمنين في حياة رسول الله(ص).
- في ذكر أسماء آبائه عليهالسّلام التي لا يكاد يعرفها أكثر النّاس.
- قطعة من الأخبار المرويّة في إيجاب ولاء أمير المؤمنين(ع)، وشيء من أخبار زهده في الدّنيا وما يجري هذا المجرى من خواصّ أخباره عليهالسّلام.
- المنتخب من قضاياه عليهالسّلام، وجوابات المسائل التي سُئل عنها.
- من مسائل سأله عنها ابن الكوّاء.
- من جملة كلامه عليهالسّلام للشّاميّ.
- من كلامه عليهالسّلام القصير في فنون البلاغة، والمواعظ والزهد، والأمثال.
- من كلامه عليهالسّلام في آخر عمره لمَّا ضربه ابن ملجم لعنه الله.
- من جملة وصيّته لابنه الإمام أبي محمّد الحسن بن عليّ(ع)والصلاة.
▪ خصائص الأئمّة ونهج البلاغة
بعد الفراغ من الجزء الخاصّ بأمير المؤمنين(ع)، ألقى على طلبته ما جمعه من محاسن كلامه عليهالسّلام، فطلبوا منه أن يؤلِّف كتاباً خاصاً، يجمع فيه كلّ خطبه وأقواله عليهالسّلام، وحول هذا قال الرّضي: «وسألوني عند ذلك أن ابتدئ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام أمير المؤمنين(ع) في جميع فنونه، ومتشعّبات غصونه، من خطب وكُتُب، ومواعظ وآداب، علماً أنَّ ذلك يتضمّن من عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة، وجواهر العربيّة، وثواقب الكلم الدّينيّة والدّنيويّة، ممّا لا يوجد مجتمعاً في كلام، ولا مجموع الأطراف في كتاب».
ومن هنا نجد الرضيّ يتحوّل بكامل حيويّته الأدبيّة وشخصيّته العلميّة الفذّة، إلى جمع كلام مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، الإمام أميرالمؤمنين(ع)، ويضع كتابه (الخصائص) جانباً ويندفع إلى التّنقيب عن كلام الإمام(ع)، وجمعه من بطون المراجع والمصادر النّادرة، ومن ثمَّ تصنيفه وتقسيمه إلى ثلاثة أبواب:
- الخطب والأوامر. - الكُتُب والرسائل. - الحِكَم والمواعظ.
فظهر كتاب (نهج البلاغة) الذي بلغ من السموّ والرفعة والخلود، ما لم يبلغه كتاب بعد القرآن الكريم .
▪ مقتطفٌ من «خصائص الأئمّة»
وصيّة النبيّ للأمير صلّى الله عليهما وآلهما
قال الشريف الرضيّ رحمه الله: حدّثني هارون بن موسى، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عمّار العجلي الكوفي، قال: حدّثني عيسى الضرير عن أبي الحسن عن أبيه، قال:
قال رسول الله(ص) حين دفع الوصيّة إلى عليّ: يا عليّ، أعدَّ لهذا جواباً غداً بين يديّ ذي العرش، فإنّي محاجُّك يوم القيامة بكتاب الله، حلاله وحرامه، مُحكمه ومتشابهه على ما أنزل الله، وعلى تبليغه من أمرتُك بتبليغه، وعلى فرائض الله كما أُنزلت وعلى أحكامه كلِّها من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والتّحاضِّ عليه وإحيائه مع إقامة حدود الله كلّها، وطاعته في الأمور بأسرها، وإقام الصّلاة لأوقاتها، وإيتاء الزّكاة أهلها، والحجّ إلى بيت الله، والجهاد في سبيله، فما أنت صانعٌ يا عليّ؟
قال عليٌّ عليه السلام، فقلت: بأبي وأمّي إنّي أرجو بكرامة الله تعالى، ومنزلتك عنده ونعمته عليك، أن يعينني ربّي عزّ وجلّ، ويثبّتني فلا ألقاك بين يدي الله مقصِّراً ولا متوانياً ولا مفرِّطاً ولا أمعر وجهك [وقاؤه وجهي ووجوه آبائي وأمّهاتي] بل تجدني بأبي وأمّي مشمّراً لوصيّتك إن شاء الله، وعلى طريقك ما دمت حيّاً حتّى أقدِم عليك، ثمّ الأوّل فالأوّل من وُلدي غير مقصِّرين ولا مفرّطين، ثمّ أُغمي عليه صلوات الله عليه وآله، قال: فانكببت على صدره ووجهه، وأنا أقول: واوحشتاه بعدك! بأبي أنت وأمّي ووحشة ابنتك وابنيك، واطول غمّاه بعدك يا حبيبي، انقطعت عن منزلي أخبار السّماء، وفقدت بعدك جبرئيل فلا أحسّ به، ثمّ أفاق صلّى الله عليه وآله.
٭ حدّثني هارون بن موسى، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عمّار، قال: حدّثني أبو موسى الضّرير البجلي، عن أبي الحسن(ع)، قال: سألت أبي فقلت له: ما كان بعد إفاقته صلّى الله عليه؟ قال: دخل عليه النّساء يبكين، وارتفعت الأصوات وضجّ النّاس بالباب، المهاجرون والأنصار.
قال عليّ(ع): فبينا أنا كذلك إذ نودي أين عليّ؟ فأقبلت حتى دخلت إليه، فانكببت عليه، فقال لي: يا أخي فهّمك الله وسدّدك، ووفّقك وأرشدك، وأعانك وغفر ذنبك، ورفع ذكرك. ثمّ قال: يا أخي إنّ القوم سيشغلهم عنّي ما يريدون من عَرَض الدّنيا، وهم عليه قادرون، فلا يشغلك عنّي ما شغلهم، فإنّما مَثَلُك في الأمّة مَثل الكعبة نصَبَها الله عَلَماً، وإنما تؤتى من كلّ فجٍّ عميق، ونأيٍ سحيق، وإنَّما أنت العَلم عَلَمُ الهدى، ونورُ الدّين، وهو نور الله.
يا أخي والّذي بعثني بالحقّ لقد قدّمت إليهم بالوعيد، ولقد أخبرتُ رجلاً رجلاً بما افترض الله عليهم من حقّك، وألزمهم من طاعتك فكلٌّ أجاب إليك، وسلّم الأمر إليك، وإنّي لأعرف خلاف قولهم.
٭ فإذا قُبِضتُ، وفرغتَ من جميع ما وصيّتك به، وغيّبتَني في قبري فالزمْ بيتك، واجمع القرآن على تأليفه، والفرائض والأحكام على تنزيله، ثم امضِ ذلك على عزائمه وعلى ما أمرتك به، وعليك بالصّبر على ما ينزل بك منهم حتى تقدم علَيّ.