هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

الروحانية العلمانية هي تعبير عن مأزق المعنى في الحضارة المعاصرة

حوار / الجزء الأول

الروحانية العلمانية هي تعبير عن مأزق المعنى في الحضارة المعاصرة

مع د. محمد فنائي إشكوري تعريب: حسن علي مطر الهاشمي  (قسمت هایلایت شده، روی تصویر کار شود)

الدكتور محمد فنائي إشكوري حائز على شهادة الدكتوراه في فلسفة الدين من جامعة مكغيل الكنديّة. وهو حاليًا عضو في الهيئة العلميّة لمؤسّسة الإمام الخميني للتحقيقات، ويشتغل في حقل الفلسفة المقارنة، وفلسفة الدين والعرفان الإسلامي تدريسًا وتحقيقًا. وقد صدر له حتى الآن كتب كثيرة، منها: "المعرفة الدينية"، و"العلم الحضوري"، و"العلم الإسلامي والجامعة الإسلامية"، و"مكانة المرأة في الفكر الإسلامي"، و"الالتزام بالحقيقة"، و"أزمة المعرفة": نقد العقلانيّة والروحانيّة التجديديّة"، و"مناجاة العارفين: شرح الحكمة والروحانيّة الشيعيّة في دعاء كميل"، و"مدخل إلى تاريخ فلسفة الغرب"، و"خصائص العرفان الشيعي الخالص"، و"الفلسفة والعرفان الإسلامي في مواجهة التحديات المعاصرة"، و"العرفان الإسلامي في نصوص علماء الشيعة"، و"مدخل إلى فلسفة العرفان". كما نشر له العشرات من الأبحاث في حقل الفلسفة والعرفان والدين.
 نسعى في هذا الحوار إلى بيان عيوب وثغرات النّزعة الروحانيّة الجديدة السائدة اليوم وخصوصًا في الغرب.
ما المقصود بالنّزعة الروحانيّة الجديدة؟ وما هي أبعاد التقابل بين النّزعة الروحانيّة الجديدة والروحانيّة الإسلاميّة؟
الروحانيّة ترجمة للمفردة الإنجليزية (Spirituality) أو (Spirit) بمعنى الروح. وفي الحقيقة فإنّ الـ(Spirituality) تعني الروحانيّة والاتّصال بعالم الروح وما وراء المادة. وبطبيعة الحال فإنّ المعنوي والروحاني متوافقان من حيث المعنى والمصداق، رغم اختلافهما من الناحية اللفظية. ومن بين الاتّجاهات المعاصرة السائدة في حقل النزعة الروحانية، هو الاتّجاه إلى الروحانية دون الإيمان بعالم الغيب. في حين أنّه لا معنى للروحانية دون الاعتقاد بالروح وبالله وعالم ما وراء الطبيعة.
إنّ الـ (Spirit without Spirituality) يعني الحديث عن نوع من الروحانية بمعزل عن الروح. وبعبارة أخرى: الروحانية من دون دين، ومن دون الاعتقاد بالله والإيمان بالأمور الدينية، في حين يبدو أنّ هذا النّوع من الروحانية ينطوي على شيءٍ من التناقض؛ إذ إنّ الروحانية بالمعنى الشائع والتاريخي لا يمكن أن تفهم بمعزل عن الدين. ومن هنا فقد عمد المنظّرون في هذا الشأن إلى تغيير هذا المعنى، أي أنّهم استفادوا من لفظ الروحانية وأرادوا به معنًى آخر؛ وعلى هذا الأساس فإنّ الروحانية المعاصرة هي في الغالب أشبه باللفظ المشترك. إنّ الروحانية أو السلامة الروحيّة تعني في الكثير من الأحيان السلامة النفسيّة، وعدم وقوع الأشخاص في الاكتئاب وانعدام الأمل، وأن يعيشوا حياتهم بسعادة وحبور. أو أنّها تفهم - في الحدّ الأقصى - في إطار الحياة الأخلاقية. في حين أنّ هذا المعنى غاية في التضاؤل والانخفاض لمفهوم الروحانية. وبطبيعة الحال فإنّ الروحانيّة الدينيّة تشتمل بدورها على السلامة النفسية والأخلاقية أيضًا، إلا أنّها تمثّل شيئًا أوسع من ذلك.
إنّ جوهرها هو الارتباط بالمعنى وباطن العالم والارتباط بالله سبحانه وتعالى، وإنّ الموارد المذكورة إنّما تمثّل مجرّد جانب من آثار ذلك الارتباط. إنّ الفرد الذي يرتبط بالله سبحانه وتعالى ويكون متصلاً بباطن العالم يعدّ سليمًا من الناحية النفسية، ولا يعتريه الاكتئاب وانعدام الأمل. قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(سورة الرعد، الآية 28). إنّ الأساليب الدنيوية السائدة التي يتمّ تقديمها في إطار تسكين النفس والروح، من قبيل: حركات اليوغا، أو تناول بعض العقاقير الخاصة، أو الاستماع إلى الموسيقى، ربّما تساعد على إيجاد المسكّنات الوقتية، ولكنّها لا تحتوي على العمق والديمومة. إنّ هذه الروحانية لا ربط لها بالوحي وعالم الغيب، وإنّما هي من ثمار التجارب العاديّة للإنسان، وعلى خلاف الروحانيّة الدينية المتّصلة بوحي السماء. في الروحانيّة الدينية إذا كان هناك من كلام عن الروحانيّة وآثار الحياة الروحانية، فإنّ هذا الكلام بأجمعه يعود بجذوره إلى الوحي والتعاليم الدينية؛ وأما في الروحانية العلمانية فإمّا أن يتمّ إنكار الله بالمرّة، أو تتمّ الغفلة عن الربوبية التشريعية للباري تعالى في الحدّ الأدنى، أي إنكار تلك الشريعة التي تعمل على تنظيم الواجبات والمحرمات وسلوك الحياة على أساس الأحكام الإلهية. ومن هنا يتولّى الإنسان بنفسه عمليّة اتّخاذ القرارات بشأن هذه الضرورات والمحظورات بشكل كامل. ويقوم الإنسان بتحديد ما يجوز ولا يجوز بنفسه. وهكذا هو اتّجاههم إلى الحياة الأخروية وخلود الإنسان أيضًا. إنّ أكثر الروحانيات الجديدة لا تؤمن بالمعاد الديني. فهناك منها ما هو مادي بالكامل ولا يعتقد بالآخرة أبدًا، وهناك منها ما هو متأثّر بالعرفان الشرقي في ذهابه إلى الاعتقاد بالتناسخ. ومن هنا فإنّ التعاليم الدينية والمعتقدات التقليدية في المجتمع الإسلامي تتناقض جذريًّا مع معتقدات الروحانيات الجديدة. فلا يمكن للإنسان أن يكون متدينًا، ويتّخذ - في الوقت نفسه - من الروحانيات الجديدة منهجًا وطريقة لحياته؛ إذ سرعان ما سوف يتّضح هذا التناقض إن عاجلاً أو آجلاً.
ما هو موقع الخرافة ودورها في النزعة الروحانية الجديدة؟
- هذا سؤال جيّد. بعد الدخول في هذا النّوع من الروحانيات سوف تدركون للوهلة الأولى أنّها شديدة الجاذبيّة، وتبدو في بعض الحالات علميّة بحسب الظاهر، ولكن سرعان ما ستطفو بعد ذلك بعض الخرافات والكلمات الاعتباطية على السطح؛ وهي كلمات لا تقوم على أيّ مستند علميّ أو عقليّ. عندما تكون لدى الفيلسوف بعض المعتقدات - سواء أكان فيلسوفًا ماديًّا أم إلهيًّا، أم مسلمًا أم غير مسلم - فإنّه يقيم معتقداته على مجموعة من الأدلّة العقلية والفلسفية. فإن كانت تلك المعتقدات متطابقة مع العقل، كان ذلك الاستدلال والادعاء مقبولاً. كما أنّ العالم التجريبي في حقل الفيزياء والكيمياء، يعمل على توثيق مدّعياته عن طريق التحقيقات المخبرية والأساليب العلمية أيضًا. ونحن نرى تلك الأساليب ونعمل على تقييمها ثمّ نقبل بها أو نرفضها. وهكذا النبي عندما يدّعي شيئًا، إنّما نقبل مدّعاه على عمومه بسبب تطابق هذا المدّعى مع العقل والفطرة. وقد أجاب النبي الأكرم(ص) عندما سألوه: ما الذي تدعو إليه؟ قائلاً: أدعوكم إلى عدم الشرك بالله، والإحسان إلى الوالدين، والعدل في القضاء، وعدم قتل أولادكم مخافة الفقر والجوع، وما إلى ذلك من الأمور التي نجدها مجموعة في قوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ  وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(الأنعام: 151-152).
إنّ هذه بعض تعاليم النبي الأكرم(ص)، وهي تعاليم تتّفق مع الفطرة الإنسانية، ومن هنا فإنّها تكون مقبولة، فإذا كان المخاطب عنيدًا وصعب المراس، يأتي دور المعجزة. من ذلك أنّنا إذا انجذبنا لفنّ ما من قبيل: الموسقى أو الخط أو الصوت الجميل -على سبيل المثال- سنقع في الحقيقة تحت تأثير جمال ذلك العمل الفني. فإذا كان الادّعاء أو الأثر غير مشتمل على أيّ واحد من هذه الخصائص، بمعنى أنّه لم يكن متطابقًا مع الفطرة، ولا يمكن إثباته بالدليل العقلي والعمل المخبري والتحقيقات العلميّة، ولم يتم دعمه بالمعجزة، ولا هو يحتوي على جماليّة يمكن أن تجتذب المخاطبين، عندها سوف يضطرّ صاحب هذا الادّعاء إلى الخداع والتزييف واللجوء إلى الخرافات. ولا تزال هذه الأساليب موجودة في المجتمعات الإسلامية أيضًا؛ حيث يتم اجتذاب بعض الأشخاص من خلال الوعود الكاذبة أو ممارسة الخداع والشعوذة وما إلى ذلك من الوسائل المرذولة.
إنّ هذا النّوع من اختلاق الدين والروحانيات المصطنعة، ليس أمامه من سبيل سوى الخرافة والخداع؛ إذ ليس لديه شيء آخر يقدّمه كي يتمكّن الأشخاص من الإيمان على أساسه بما يدّعيه. ومن هنا فإنّ الخرافات تلعب دورًا كبيرًا في هذه الاتّجاهات والتيّارات. فلو تمّ تجريد الروحانيات الجديدة من الخرافات، سوف يتمّ تجريدها من كامل أسلحتها. إنّ الخرافة تعني المعتقدات التي لا تستند إلى أي مبنى يمكن الدفاع عنه. إنّ الكلام الذي لا يستند إلى دليل معتبر يعدّ خرافة، حتى إذا كان تقديمه باسم الدين.
ما سبب إقبال الشباب على المصاديق المختلفة للروحانيات الجديدة في المجتمعات الإسلامية المتنوّعة؟
- إنّ هذه الشرائط تعبّر عن آليّة الخداع، والخداع هنا يعني إظهار غير الواقع على أنّه واقع. ليس كلّ النّاس يفكّرون بمنطقيّة. نشاهد أنواع الخرافات في مختلف المجتمعات، وهذا الأمر يثبت أنّ النّاس على استعداد لتقبّل الخرافة؛ إذ إنّ الوصول إلى الحقيقة أمر مستصعب. لقد ذكر القرآن الكريم في الكثير من آياته أنّ أكثر الناس لا يعقلون ولا يتدبّرون ولا يتفكّرون. لا سيّما إذا وجدوا في شخص ما جاذبيّة خاصّة، فإنّهم سوف يصدّقون ما يقوله دون تريّث. إنّ لدى قادة هذا النوع من الفرَق والفنون وزعمائهم قدرات كبيرة للتأثير على الآخرين. هناك في بعض الأحيان شخصيات تتمتّع بكاريزما وظاهر أنيق أو حلاوة في اللسان، وجمال في البيان، ومهارة في نسج القصص، أو إنشاد الشعر. وعلى كلّ حال فإنّهم يتمتّعون بصفات بارزة تمكّنهم من اجتذاب الأشخاص. من ذلك على سبيل المثال أنّ ساتيا ساي بابا يقول: "إنّ الله قد حلّ في وجودي منذ أن بلغت سنّ الرابعة عشرة"، وقد ادّعى أنّه سيعود إلى الحياة بعد سبع سنوات من موته. وقد صدّق به أتباعه الذين يبدو عليهم أنّهم عقلاء وطبيعيون واعتياديون؛ إذ تمكّن ساي بابا من اكتساب ثقتهم بالخداع والاحتيال. وإنّ الذين ادّعوا النبوة جميعًا أو حتى الربوبية، أو الأشخاص الذين ادّعوا المهدوية وحصلوا على الكثير من الأتباع، قد استفادوا من هذه الأساليب. إنّ الدعامة الأولى التي يتمتّع بها هؤلاء الأشخاص تكمن في مجموعة من الخصائص التي يتّصفون بها، وإلا فإنّ الذي يعاني من الخرَق لا يستطيع أن يُؤسّس لنفسه فرقة وأتباعًا. غاية ما هنالك أنّهم يعملون على توظيف طاقاتهم وقدراتهم في الاتجاهات السلبية والخاطئة. وحتى بالنسبة إلى زعيم عصابات التهريب أو بيع الممنوعات أو السطو والسرقة، يتمتّعون بذكاء أو قوّة عضليّة وجسديّة تجعلهم مؤهّلين لهذه الخصائص واستقطاب الأعضاء وتماسك العصابة. إنّ هذه الخصائص تدعو بقية الأعضاء والأفراد إلى اختياره بوصفه رئيسًا للجماعة.
إنّ الخرافة ليست أمرًا جديدًا، فإنّ أكثر الادّعاءات والمعتقدات السائدة في المجتمعات البشريّة على طول التاريخ لم تكن سوى خرافة؛ بمعنى أنّ بذرة تقبّل الخرافات موجودة في البشر. لا سيّما وأنّ النّاس يميلون بغريزتهم الفطرية إلى المعنويات والروحانيات. إنّ المطالبة بالمعنويات أمر ذاتي؛ بمعنى أنّه كما نمتلك خمسة حوّاس ظاهريّة أو لدينا الحسّ والتجربة الأخلاقية، نمتلك كذلك حسّ المطالبة بالمعنويات أيضًا. وفي الواقع هناك حسّ فطري وذاتي اسمه الحسّ المعنوي وهو كامن في وجود البشر.
ومن هنا يمتلك الإنسان اعتقادًا بالمعنويات والروحانيات والأمور الباطنية والغيبية. وإنّ معرفة الله الفطريّة من هذا القبيل أيضًا. إنّ النزعة الأصيلة في وجود كلّ إنسان تدفعه إلى الحقائق الباطنية وعالم الغيب والأسرار والأمور الباطنية. فإذا لم يكن الشخص من أهل التعقّل والتدبّر ولم يهتدِ بنور الفطرة والعقل والوحي، فإنّه سوف يضلّ الطريق. إنّ ميل الإنسان إلى الخرافة أمر عرضي، أمّا ميله إلى المعنويات والباطن والغيب، فهو أمر أصيل وذاتي من قبيل الميل إلى الجمال والأخلاق. ومن هنا فإنّ النّاس على استعداد لينجذبوا إلى الادّعاء الصالح بمجرّد سماعه إذا كان لديهم ثقة نسبية بقائله؛ لظنّهم أنّ هذا الأمر يمثّل تلك الحالة الروحية والمعنوية التي تتوافق مع فطرتهم. إنّ هؤلاء المخدوعين ليسوا عاطلين من العقل. إنّهم أناس طبيعيون واعتياديون ولكنّهم لا يدققون، ومن هنا نجد أنّ الله سبحانه وتعالى يكثر من التأكيد على أهميّة التعقل والتدبّر وضروريتهما في آثار الأمم السالفة وأحوالها، والاعتبار بالتاريخ وما إلى ذلك، وأمر باتباع الصالحين.
المصدر: العتبة العباسیة المقدسة/المرکز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية

برچسب ها :
ارسال دیدگاه