کلمة رئیس التحریر
الشجرة الشامخة
الناس الذین یُزمجرون کَالأسد فی قیدِ الأَسر ویُثِیرونَ علی صیّادیهم، قلیل ما هم وغالباً ما یُفضّلُ المأسورونَ الصمتَ ویتحملونَ الإهاناتِ والتحقیرَ لیعیشوا بضعةَ أیامٍ أخرى من حیاةٍ بلا معنى، ناسینَ أن قیدَ العبودیةِ قد وُضعت علی قلوبهم لا علی أعناقهم، وتقودهم نحو وادي فقدان الهُویة.
ولكن تلك الفئة القلیلة، وإنْ أُسِرَتْ کَالمُصید فی القید، فإن رغبةَ التحررِ کَالدماءِ الطازجةِ تُبْقِی أوردةَ الأملِ والحیاةِ نابضةً ومُنعشةً في وجودهم، وظلمة الإهانة والذل لا تظلم كيانهم الداخلي الذي ينيره نور الإيمان والمعرفة.
زینبُ بنت علي (ع) الّتي شربتْ من نبعِ العصمةِ والطهارةِ الصافي، ونشأتْ في حضنِ الشجاعةِ، وإنْ أُسِرَتْ، فهي لبوةٌ. ولم تؤدِّ كلُّ تلكَ العنفِ والشتائمِ والجرأةِ علیها في حادثة کربلاءَ والأسرِ بعدها إلى أنْ تُكْسَرَ زینبُ وتفقدَ هُویّتها الإنسانيةَ وتُسْعِدَ أفئدة الظالمینَ.
من کربلاءَ إلى الكوفةِ ومن الكوفةِ إلى الشامِ، لم تكنْ زینبُ أسيرةً، بل كانتْ أمیرةً. ظهرتْ في سلوكها وكلامها بِقوةٍ وجلالٍ، ممّا جعلَ الجميعَ یتذكرونَ "أسدَ اللهِ الغالبِ، علي بن أبي طالبٍ(ع)".
حاولَ أعداءُ الحقیقةِ أنْ یُجفّفوا جذورَ هذه الشجرةِ الّتي تُلامسُ السماءَ، بِشُرابةِ الإهانةِ وهرزاتِ التحقیرِ، لكنّهم لم یفلحوا، وزینبُ (س) کَشجرة شامخة رفعت رأسها في سماءِ الوجودِ، وبسطت ظلها الرّحیمَ علی رؤوسِ الأحرارِ والمُحِبّینَ للحريةِ علی الأرض.
برچسب ها :
ارسال دیدگاه