ماذا قال السيِّد عبد الحسين شرف الدين (مؤلِّف كتاب المراجعات) حول الوحدة الإسلامية؟
كان السيِّد عبد الحسين شرف الدين(قد) من أئمَّة العلم والجهاد والإصلاح، ومن أشهر العلماء الأعلام المنتمين إلى مدرسة أهل البيت(ع). وقد ذاع صيته في الآفاق بسبب ما قدَّمه للأمَّة الإسلامية من خدمات جليلة، في صدارتها كتابه الشهير: «المراجعات»، والذي يحكي قصة حوار شيِّق علميٍّ عميق جرى بينه وبين شيخ الأزهر الإمام سليم البشري. والذي قال الشيخ البشري في نهايته: (أشهد أنكم في الفروع والأصول، على ما كان عليه الأئمة من آل الرسول، وقد أوضحتَ هذا الأمر فجعلته جليّاً، وأظهرتَ من مكنونه ما كان خفيّاً).
وللسيِّد عبد الحسين شرف الدين(ره) كلماتٌ وتصريحات مهمَّة حول الوحدة الإسلامية، نستعرضها فيما يلي:
1 ـ قد ولَّى زمن الاعتداء وأقبل عصر الإخاء، وآن لجميع المسلمين أن يدخلوا مدينة العلم النبويّ من بابها، ويلِجوا من باب حِطّة، ويلجؤوا إلى أمان أهل الأرض بركوب سفينتهم ومقاربة شيعتهم، فقد زال سوء التفاهم من البين، وأسفر الصبح عن توثّق الروابط بين الطائفتين، والحمد لله ربّ العالمين.
2 ـ فليتّق اللهَ أهلُ الشقاق، ولينهض رجال الإصلاح بأسباب الوئام والوفاق، فقد نصب الغرب لنا حبائله، ووجّه نحونا قنابله، وأظلّنا مُنطاده بكلّ صاعقة، وأقلّنا نفقه بكلّ بائقة، وأحاط بنا أُسطوله، وضربت في أطلالنا طُبوله.
3 ـ ولئن لم يعتصم المسلمون بحبل الاجتماع، ويبرؤوا إلى الله من هذا النزاع، ليكوننّ أذلّاء، خاسئين، وأرقّاء صاغرين، (أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا).
4 ـ إنّ كلّاً من الإماميّة والسنّيّة يؤمنان بالله، ويصدّقان رسول الله(ص)، ويقيمان الصلاة، ويؤتيان الزكاة، ويحجّان البيت، ويصومان الشهر، ويوقنان بالبعث، ويحلّلان الحلال، ويحرّمان الحرام، كما تشهد به أقوالهما وأفعالهما، وتحكم به الضرورة من كتبهما القديمة والحديثة، مختصرة ومطوّلة.
5 ـ فما بالهم – وهم في الدّين إخوة – قد انشقّت عصاهم، واختلفت مذاهبهم، فهاج بينهم قَسْطل الشرّ، وتعلّقت أهواؤهم بفواقر الفتن؟ ولو رجعوا إلى ما أفتى به المنصفون من علمائهم، لأيقنوا أنّ الأمر على خلاف ما زعم المرجفون.
6 ـ فهلمّوا يا قومنا، للنظر في سياستنا الحاضرة، وعرّجوا عمّا كان من شؤون السياسة الغابرة، فإنّ الأحوال حرجة، والمآزق ضيّقة لا يناسبها نبش الدفائن، ولا يليق بها إثارة الضغائن.
7 ـ قد آن للمسلمين أن يلتفتوا إلى ما حلّ بهم من هذه المنابذات والمشاغبات الّتي غادرتهم طعمة الوحوش وفرائس الحشرات.
8 ـ حَتّامَ هذا الإرجاف؟ وفِيمَ هذا الإجحاف؟ أليس الله – عزّ وجلّ – وحده لا شريك له ربّنا جميعاً، والإسلام ديننا، والقرآن كتابنا، وسيّد النبيّين وخاتم المرسلين محمّد بن عبد الله(ص)، وقوله وفعله وتقريره سنّتنا، والكعبة مطافنا وقبلتنا، والصلوات الخمس وصيام الشهر والزكاة الواجبة وحجّ البيت فرائضنا، والحلال ما أحلّه الله ورسوله، والحرام ما حرّماه، والحقّ ما حقّقاه، والباطل ما أبطلاه، وأولياء الله ورسوله أولياؤنا، وأعداء الله ورسوله أعداؤنا، (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ)، (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)؟ أليس الشيعيّون والسنّيّون شَرعاً في هذا كلّه سواء (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)؟!
9 ـ إنّ الطريق الوحيد إلى الوحدة الإسلاميّة بين طوائف المسلمين، إنّما هو تحرير مذاهبهم، والاكتفاء من الجميع بالمحافظة على الشهادتين، والإيمان باليوم الآخر، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصوم الشهر، والتعبّد بالكتاب والسنّة.
10 ـ الاجتماع معراج الارتقاء، ومفتاح بركات الأرض والسماء.
11 ـ وبعد، فإنّه لا حياة لهذه الأمّة إلّا بإجماع آرائها، وتوحيد أهدافها بجميع مذاهبها، وشتّى مشاربها على إعلاء كلمتها بإعلان وحدتها، في بنيان مرصوص، يشدّ بعضه أزر بعض، وجسم واحد إذا شكا منه عضو أنّت له سائر الأعضاء، حتّى ليكون المسلم في المشرق هو نفسه في المغرب، عينه ومرآته، دليله ومشكاته (لا يخونه ولا يخدعه، ولا يظلمه ولا يسلمه).
12 ـ بذلك يكون المسلمون أُمّةً واحدةً، وبه نكون كذلك خير أمّة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعتصم بحبل الله جميعاً ولا تتفرّق، كالذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً، واختلفوا من بعد ما جاءتهم البيّنات، وتنازعوا ففشلوا وذهب ريحهم.
13 ـ فالحذر الحذر، أيّها المسلمون من هذا الخطر، وأيّ خطر أدهى من أن تبقى الفِرقة فِرَقاً، والوحدة مزقاً، والألفة أشتاتاً، والنفوس أمواتاً؟
14 وإنّ من النصح لله ولرسوله ولكتابه، ولأئمّة المسلمين وعامّتهم إفشاء السلام وإحلال الوئام… ومن النصح: توحيد المسلمين، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً).
15 ـ فلا تقولوا بعد اليوم: هذا شيعي، وهذا سنّي، بل قولوا: هذا مسلم، فالشيعة والسنّة فرّقتها السياسة، وتجمعهما السياسة، أمّا الإسلام فلم يفرّق ولم يمزّق، الإسلام جمعهما بـ (أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله)، بـ (إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة)، بـ (صوم الشهر، وحجّ البيت)، بـ (الإيمان باليوم الآخر)، بـ (إحياء ما أحياه الكتاب والسنّة). بـ (إماتة ما أماتاه)، بـ (تحقيق ما حقّقاه). بـ (إبطال ما أبطلاه).
16 ـ ولا فرق بينهما إلّا كالفرق بين مذهب ومذهب من المذاهب الأربعة، ولكلّ من هذه المذاهب مفاهيم مستقاة من كتاب الله وسنّة نبيّه(ص).
17 ـ ذلك هو الإسلام السمح في محجّته البيضاء، وشريعته السهلة السمحاء، فليكن المسلمون مسلمين كما أراد الإسلام، سيراً على محجّته، والتزاماً بكتابه وسنّته.
18 ـ كونوا جميعاً كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً، أو كالجسد الواحد يشتكي منه العضو، فتئنّ له سائر الأعضاء، وبذلك تسيرون في مهمّاتكم على خطّة واحدة، ترمون فيها بيد واحدة، عن قوس واحد، إلى غرضٍ واحد، ويد الله حينئذٍ معكم، لأنّ يد الله مع الجماعة، فلا تخطئون ولا تغلبون، لأنّ يد الله لا تخطئ ولا تلوى.
19 ـ أرجو من المسلمين أجمع، أن يؤثروا وحدتهم الإسلاميّة على خصائصهم المذهبيّة، فلا يتعصّب أهل مذهب منهم على أهل مذهب آخر، ليكون الجميع أحراراً فيما قادهم الدليل الشرعيّ إليه – كما كان عليه سلفهم في صدر الإسلام – فإن فعلوا ذلك، كانوا في ظلّ منعة لا تُضام، وإلّا فهم هدف السهام وموطئ الأقدام أعاذهم الله.
20 ـ ورجائي إليكم أن نكون جميعاً إخوان صدق ووفاء، نتساهم الإخلاص والصفاء، ونتقاسم ضرعي الجهد والرخاء، متناصحين لله، متوازرين على ما يوجب الزلفى لديه عزَّوجلَّ، فعسى أن يعود حملة العلوم الإلهيّة بكم إلى سيرتهم الأولى، حيث كانت لهم الجلالة تعنو لها الجباه، وتتصاغر عندها الهمم، وبهذا يعلو شأن الدّين والمسلمين وإلّا فعلى الإسلام السلام.
الهوامش:
1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 921.
2- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 984.
3- سورة الأحزاب، الآية: 61.
4- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 984.
5- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 995.
6- في خبر وقعة نهاوند: (لمّا التقى المسلمون والفُرس غشيهم ريحٌ قسطلانيّة) أي كثيرة الغبار وهي منسوبة إلى القسطل: الغبار. النهاية في غريب الحديث والأثر 4: 61، «ق. س. ط. ل».
7- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 997.
8- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 1132.
9- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 1132.
10- سورة الحجّ، الآية: 7.
11- سورة النجم، الآية: 31.
12- سورة البقرة، الآية: 285.
13- الموسوعة، ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله، تسلسل ص 1598.
14- الموسوعة، ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله، تسلسل ص 1714.
15- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2421.
16- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4510.
17- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4510 – 4511.
18- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4511.
19- سورة الأنبياء، الآية: 92.
20- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4511.
21- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4511 – 4512.
22- السنّة والشيعة.
23- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4512.
24- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4512.
25- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4565.
26- الموسوعة،ج4، إلى المجمع العلميّ العربيّ بدمشق، تسلسل ص 1745.
27- الموسوعة،ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 3194.
تم بحمد الله تعالى.
المصدر: كتاب الكلمات القصار للسيد عبد الحسين شرف الدين.
نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
إعداد: مركز نون للتأليف والترجمة.
الطبعة: الأولى، رجب 1434 هـ – أيار 2013 م
المصدر: موقع مدرسة أهل البیت الإلکتروني