printlogo


printlogo


مقال
الحوزة العلمية في سورية؛ النشأة و الامتداد

على غرار الحوزات العلمية لشيعة أهل البيت(ع) في بلاد المسلمين. والتي عادة ما تنشأ وتترعرع في أحضان المراقد المشرّفة لآل بيت النبوة(ص)، فإنّ الحوزة العلمية في دمشق قد نشأت وازدهرت حول المقام المطهّر لعقيلة بني هاشم السيدة زينب(س)، و توافد إليها طلاب العلم فرادى وزرافات بحيث صارت تعتبرُ حاضرةً للعلم والفكر والثقافة الإسلاميّة. وأصبحت مدينة دمشق ـ ومنطقة السيدة(س) بالخصوص ـ تُصنّفُ في المرتبة الثالثة لتجمّع الحوزات العلمية الدينية في العالم الإسلامي. و ذلك بعد مدينتي قم والنجف المقدستين.
 
*بدايات الحوزة في السيدة زينب(س)
تأسست الحوزة العلمية في السيدة زينب(س) ـ كما أفادتنا عدّة مصادر مطلعة ـ على يد سماحة السيد حسن الشيرازي. وكانت باسم الحوزة الزينبية. و لمزيدٍ من التأكد قمنا بزيارة هذه الحوزة و التحدّث مع القائمين عليها حيث أخبرونا أنه ولدى قدوم السيد حسن الشيرازي إلى منطقة السيدة زينب(س) أشاد الحوزة العلمية الأولى فيها (وكانت حوزةً خاصةً بالرجال) و ذلك ـ بالتحديد ـ في عام 1975م، ما يوافق 1395 هـ. أي منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً.
ثم ـ بعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة ـ ما لبثت أن تلتها أختها حوزة الإمام الخميني(ره). و ذلك في عام 1983م / 1403 هـ، على يد سماحة السيد أحمد الفهري. الذي كان وكيل الإمام الخميني في سورية آنذاك.
وكانت هذه الانطلاقة هي بداية تشكّل الحوزات العلمية في منطقة السيدة زينب(س). ثمّ ما لبثت أن تنامت وازداد عددها إلى أن قارب عددها العشرين حوزة في أيامنا هذه (بين حوزاتٍ نظامية. وأخرى فصليّة أو غير مسجّلة رسميّاً لدى الدولة). وهي ـ ولله الحمد ـ تنبئ بمستقبلٍ واعدٍ لانتشار الثقافة الدينية والفكرية في هذا البلد بوجهٍ عام.
 
*الحوزة في الوقت الراهن
تتوزع الحوزات العلمية في جُلّ المدن السورية (كدمشق وحمص وحلب. وسواها) ـ وخصوصاً النسائيّة منها ـ، في حين تتركز الحوزات الخاصة بالرجال في منطقة السيدة زينب(س). وفيها ما يقارب العشرين حوزة ـ للنساء والرجال ـ (حسب المسح الذي أجريناه على الأرض).
و هي كأخواتها في قم والنجف تدرّسُ شتى العلوم الإسلاميّة. كالفقه وأصوله وعلوم القرآن والحديث والفلسفة الإسلامية، ومواد أخرى كاللغة العربية والمنطق. وسوى ذلك.
وتتمتع هذه الحوزات بكفاءة علمية ليست بالقليلة. سواءٌ من ناحية الكادر التدريسي، أو المنهج الذي يُدرّسُ للطلاب ـ وإن تفاوتت المستويات طبعاً ـ. هذا فضلاً عن تفاوت عدد السنوات الدراسية بين الحوزات (ابتداءً من سبع وحتى عشر سنوات).
والذي لفت نظرنا فعلاً في النظام الحوزوي الذي ألفناه شيءٌ مميز. وذلك أنّ هناك إحدى الحوزات المعروفة على مستوى السيدة زينب(س) ـ و هي حوزة الإمام الخميني(ره) ـ قد استبدلت الشكل التدريسي الذي تعتمده جلُّ الحوزات «التقليديّة» إلى شكلٍ آخر ظاهره الشكل الأكاديمي ـ وإن احتفظ بمحتواه الحوزوي ـ، فقد أصبحت الدراسة فيها تنقسم إلى مرحلتين (المقطع الأوّل. ومدّتهُ خمس سنوات، والمقطع الثاني ـ أو الاختصاص كما أسموه ـ ومدّته ثلاث سنوات) وعندما أردنا الإطلاع على التفاصيل توجهنا بالسؤال إلى سماحة السيد عيسى حميدي ـ مسئول معاونية التعليم في حوزة الإمام الخميني ـ فأجابنا بقوله:
«منذ أربع سنوات انضمت حوزتنا إلى المنظمة العالمية للحوزات الدينية، وعندها حصل تغيير في شكل النظام التدريسي للحوزة. فأصبح نظاماً أكاديميّاً بمحتوى حوزوي، حيث أصبح عبارةً عن مقطعين. الأول (وهو الليسانس) مدته خمس سنوات، والثاني هو الاختصاص (أو الماجستير) ومدّته ثلاث سنوات. كما أنه ينقسم إلى عدّة فروعٍ وهي: علوم القرآن والحديث، والفقه والأصول، والفلسفة وعلم الكلام. وبهذا الشكل يمكننا أن نضيف إلى الحوزة شيئاً من النقاط الإيجابية التي تتمتع بها الدراسة الأكاديمية».
وقد لاقت هذه الخطوة كثيراً من النقاش والجدال. بين مؤيّدٍ لهذا النوع من الدراسة، ومعارضٍ متشبثٍ بالأسلوب التقليدي القديم. ويرفض التخلي عنه بهذه السهولة.
هذه كانت صورة موجزة يمكننا من خلالها أن نطَّلع على الجانب التعليمي والتنظيمي للحوزات في هذه المنطقة. يبقى أنه لا بد من الإشارة إلى أنّ بعض هذه الحوزات تهدف إلى تخريج (مبلغين) لشتّى مناطق البلد. و ليس إلى إعداد (علماء) بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
 
*طلاب الحوزة. الحلقة الأهم
يبلغ عدد الطلاب الذين يدرسون داخل الحوزات العلمية في منطقة السيدة زينب(س) ـ وحسب الإحصاء الذي أجريناه ـ ما يقارب الألف طالب (988 طالباً بالتحديد). هذا بالنسبة للأخوة، أمّا الأخوات فمجموع عددهن ـ في منطقة السيدة(س) و خارجها ـ ما يزيد على الثلاثمائة طالبة.
ولاشك أن الطلبة هم الحلقة الأساس في هذه السلسلة ـ إلى جانب المدرّسين والإداريين وـ، وعليهم المعوّل في النهوض بهذه الحوزة وفكرها وأهدافها.
و إذا أردنا أن نتحدّث عنهم، فإننا نستطيع أن نتكلم في نقطتين اثنتين، هما من الأهمية والحساسية بمكان. ألا وهي:
أولاً: إنّ الحوزة العلمية في دمشق تضمُّ في طيّاتها طيفاً واسعا من الطلاب ذوي الجنسيات والقوميات المختلفة. فهي إلى جانب غناها بالطلاب العرب ومن شتّى البلدان العربية، تضمُّ طلاباً من جنسياتٍ عديدةٍ أخرى. كالطلاب الذين يفدون من القارة الإفريقية، والذين تزايد عددهم في السنوات الأخيرة بشكلٍ ملحوظ جداً. خصوصاً مع كون الساحة الإفريقية من أحوج الساحات إلى العمل التبليغي والنشاط الديني الدؤوب.
هذا إلى جانب الطلاب القادمين من الدول الآسيوية والأوربية والأمريكية. كتايلند وأذربيجان والهند وباكستان وتركيا… وغيرها الكثير.
و لدى محاولتنا حصر عدد الدول التي يَفِدُ منها الطلاب إلى الحوزات العلمية في سوريا وجدنا أنها تربو على (36 دولة) ـ و هذا ما استطعنا إحصاءه على الأقل ـ.
هذه الميزة للحوزة تعتبر ميزةً بالغة الأهمية لو تمً استغلالها بالشكل المناسب. فهي كفيلة بتوسيع نشاط الحوزة وتأثيرها إلى رقعةٍ جغرافيّة ٍ كبيرةٍ جدّاً.
والأمر الثاني:هو أنّ لهؤلاء الطلاب ـ الذين نؤكد ثانية على أهمية دورهم ـ والذين ينتمون في أغلبهم إلى الفئات الشابة. لهم آراءهم وأفكارهم التي ينظرون من خلالها إلى تطوير واقع الحوزة من جهة. وسد ثغراتها من جهة أخرى.
وعندما قدّمنا أنفسنا لنكون في (المرفأ) منبراً لرأيهم وصوتهم. فاجأنا فعلاً ذلك العدد الكبير من الأخوة الذين أحبّوا ـ بل وأصرُّوا ـ على أن يدلوا بدلائهم. كما لمسنا عن قربٍ ذلكَ الهم الكبير الذي يحملونه بوعي كامل. فوجدنا بين أيدينا الكثير من المقترحات والمشاكل التي يرونها ويعرضون حلولها، ولمّا كان المجال لا يتسع لذكر كل ذلك اخترنا ما كان أكثر شمولية أو كان يعبر عن مساحة واسعة من الطلبة في هذه الحوزة المباركة.
فمن ناحية المشاكل والثغرات الموجودة في الحوزة بشكلٍ عام ـ و التي قلّ أن تخلو منها أيٌّ من المشاريع و الجهات التعليمة ـ وبهدف إصلاحها وتلافيها ما أمكن. حدّثنا الأخ علاء الحسين (طالب ماجستير ـ سنة أولى ـ اختصاص أصول ـ في حوزة الإمام الخميني) بما يلي:
«أولاً: التخلف الملحوظ عن مواكبة الزمان والعصر، خصوصاً على صعيد المناهج التي لا زالت تعتمد المتون القديمة. بما فيها من مسائل كُتبت لزمانٍ غير زماننا ولأشخاص غير طلابنا، كما يُلاحظ أيضاً على صعيد الأدوات الدراسية و المسائل التوضيحية، فهي ما انفكّت تعتمد الطرق الإلقائيّة.
وثانياً: النقص الواضح في دور الحوزة بمنح طلابها الكثير من المهارات التي يحتاجون إليها. كتعليم كيفية ممارسة فن التبليغ والخطابة وسوى ذلك من المهارات العملية الضرورية».
بيد أنّ البعض الآخر يرى أن الطلبة يتشاطرون الواجب والمسؤولية مع الإدارة… وهذا ما حدّثنا عنهُ الأخ جمال جزّان (طالب ماجستير اختصاص أصول في حوزة الإمام الخميني): «يمكن القول بأنّ هناك علاقة متبادلة بين الحوزة و القائمين عليها من جهة، وبين الطلبة من جهةٍ أخرى، والخلل في هذه العلاقة هو خلل في النتائج بلا جدال، فالحوزة من جانبها مطالبة بالعمل على تطوير نفسها على جميع الصُعد: إداريّاً تعليمياً وتربويّاً، وكذلك الطلبة. فعلى عهدتهم يقع التفاعل مع هذه المعطيات، انطلاقاً من موقعهم و طبيعة مهمتهم.
هذا من حيث المبدأ. لكنّ الواقع ـ وللأسف ـ يزخر بمشاكل كثيرة،سواء أكانت هذه المشاكل في اختيار الطلبة و قبولهم أم كان بالنسبة إلى التعامل معهم أثناء الدراسة بعد القبول. فضلاً عن الجمود المناهجي السائد. المناهج الذي ينتظر منها مواكبة معطيات الساحة المعرفية والعلمية والفكريّة المتنوعة والمتداخلة».
ومن هنا يمكننا أن نتكلّم عن تطوير الحوزة وتنشيطها وتفعيلها بما يتناسب ويتماشى مع الجانب الإيجابي لمواكبة العصر. والوصول إلى حجم التحدي المفروض على رسالتنا الفكرية والإنسانيّة.
 
*دروس البحث الخارج
وبما أنّ دروس البحث الخارج تعتبرُ مقياساً مهماً للمستوى العلمي المتقدّم في الحوزات العلمية، قمنا بجولةٍ على الدروس الأساسية للبحث الخارج في السيدة زينب(س)، وكانت أربع دروس للفقه والأصول.
وقد ازداد عدد طلاب هذه الدروس، خصوصاً بعد الاكتفاء النسبي من المبلغين المستقرين في القرى والمناطق السورية, بحيث يستطيع الطلبة البقاء في الحوزة وإكمال دراستهم. وللإطلاع على التفاصيل توجهنا بالسؤال إلى سماحة الشيخ طالب صطوف (وهو أحد روّاد هذا الدروس) فأجابنا: «إنّ دروس البحث الخارج في السيدة زينب على نوعين. بعضها يومي، والبعض الآخر في أيام محددة من الأسبوع، إلا أنّ مستوى هذه الدروس قد بلغ درجةً جيدةً من الناحية العلمية، ومن ناحية عدد الطلبة المشاركين فيها».
هذا وتجدر الإشارة إلى أن عدد طلاب البحث الخارج ـ وبحسب الإحصاء التفصيلي الذي أجريناه ـ يبلغ ثلاثمائة و عشرة طلاّب (310). أغلبهم من المعممين.
كانت هذه صورة تفصيلية ودقيقة ـ قدر الإمكان ـ لواقع الحوزة العلميّة في منطقة السيدة زينب(س)، والتي نأمل من خلالها فتح بابٍ التواصل والحوار لتطوير واقع هذه الحوزة الواعدة. والارتقاء بها إلى مستوى التحدي المفروض على أمتنا وفكرنا في هذا الزمن. والتسامي إلى المضامين العميقة لهذا الفكر الإسلامي الرفيع الذي نتبناه ونتحمّلُ مسؤولية تقديمه لكل أطياف البشرية بالشكل الأكمل والمستوى الأمثل…
علي عباس
جريدة المرفأ ـ دمشق