printlogo


printlogo


ملاحظة
الحوزة الدّينيّة الأولى في لبنان وإسهاماتها في تعزيز علوم أهل البيت(ع)

حازت الحوزة الدّينيّة المكانة المتقدمة في المجتمع الشّيعيّ، لجهة مكانة عالم الدّين من جهة، ولكونها المركز التعليميّ شبه الوحيد للطائفة الشّيعيّة حتى زمن متأخّر، بالإضافة إلى بعض الكتاتيب، على مدى عشرات العقود من جهة ثانية، حيث إنّه لم يكن هناك طرق علميّة غيرها، فكان على رأس كل من الحوزة الدّينيّة أو الكتّاب عالم دين يتولّى التدريس، ويعود الفضل لها بتخريج من هو ضالع باللغة العربيّة، سواء بالشعر، أو الأدب، أو البلاغة، أو غيرها من فنون اللغة العربيّة، وهذا ما كان حال الشّيعة في لبنان لناحية العلم والتعليم.
ابتدأت الحوزة العلميّة في لبنان بتدريس مواد التعليم كافّة باللغة العربيّة، وذلك مع انطلاق حوزة جزين (حوالي 760هـ – 900هـ) التي أنشأها الشّهيد الأول محمد بن مكّيّ الجزينيّ وتُعدُّ الحوزة الأولى في لبنان. وكان السيد محسن الأمين (1284هـ/ 1865م – 1371هـ/ 1952م)، قد عرض في كتابه (أعيان الشّيعة) ما يزيد على خمسين تخصّصًا علميًّا لأعيان الشّيعة عمومًا، يتخصّص (أعيان لبنان) بالأغلب الأعمّ منها، من حيث التنوّع مثل العلوم الدّينيّة، والأدبيّة، والعقليّة، والتّربويّة، إضافة إلى علوم التاريخ، والشّعر، والأدب، والجغرافيّة وغير ذلك، مع ذكر توصيفات الأعيان، من أمراء ورحّالة وعلماء ونسّابين، ما شكّل ركيزة أساسية لبنيان الحركة الفكريّة العامليّة، وانفردت بعض هذه المدارس بالزّعامة الدّينيّة إذ أصبحت المصدر الرئيس للإشعاع الفكري في العالم الشّيعيّ، مع وجود أعيان عظام كالشّهيد الأوّل والشّهيد الثاني، والمحقّق الكركيّ والحرّ العاملي وغيرهم من الأعلام الذين ساهموا في بلورة حركة فكريّة علميّة وثقافيّة، قامت على مدى عصور متعاقبة، وكان لها ارتباط فاعل بالنّهضة العربيّة، من خلال اعتناقهم المذهب الجعفريّ الذي يسمح للنمو المتزايد في حقل العلم والفقه لتفسير المظاهر المستجدة في الحياة.
لقد تميّز جبل عامل بالعلم والعلماء، وظلّ زاخرًا بالمدارس والعلوم المتنوّعة التي ساهمت في تعزيز العلوم الدّينيّة كالحديث والفقه وأصول الفقه وتفسير القرآن وعلم الكلام والثقافة العقائدية، حيث إنها صبّت كلّها في خدمة الرسالة المحمدية. إلى ذلك، فقد شهدت الحوزة الدّينيّة وعلماؤها في جبل عامل تقدّمًا واضحًا في امتهان اللغة العربيّة بتشعبّاتها كافّة، فكانت بصماتهم الخاصّة واضحة وجليّة من حيث المعنى والأسلوب والقواعد الإملائيّة والإعرابيّة، ما يدلّ على عمق التّخصص بالكتابة والمضمون، وتاليًا استحواذهم على مَلَكة اللغة العربيّة إضافة إلى مَلَكة الشّعر، فبرع العامليون بنظمه في العلوم المتعدّدة، وعلى سبيل المثال، هناك منظومات للسيد جواد الحسينيّ الشقرائيّ (1164 – 1226هـ) في الرّضاع تقارب 140 بيتًا، وفي الخُمُس تقارب 80 بيتًا، وفي الزكاة تقارب 110 أبيات؛ وللسيد حسن الأمين (1299 – 1368هـ)، وهو من أعلام القرن العشرين، منظومة في الرّضاع والاجتهاد والتقليد.
كانت بعض مؤلفاتهم معتمدة في التدريس منذ زمن سابق في القِدَم ولا تزال، ككتاب (اللمعة الدمشقية) للشّهيد الأول، وكتاب (المعالم) لحسن بن زين الدين الشّهيد الثاني وغير ذلك، ولا يزال هذا الامتهان واضحًا وجليًّا في الحوزة الدّينيّة في لبنان. كما يُعِدُّ البعض أنّ هدف افتتاح الحوزة في لبنان حاليًا هو إعادة إحياء حوزة جبل عامل لما كانت عليه سابقًا من تقدّم علمي، لا تزال آثاره قائمة حتى اليوم.
 يتميّز أبناء جبل عامل بمقدرتهم على نظم الشّعر، سواءً في أبواب الشّعر العامّة أو في بعض تخصّصات العلوم المتعدّدة، كما كانت عليه بعض الأراجيز تسهيلًا للحفظ ورسوخًا في الذّاكرة، هذا وقد ذكر السيد محسن في أعيانه نحو (719) عينًا عامليًّا، منهم نحو (250) أديبًا وشاعرًا، وقد احتلّت الحوزة العلميّة واقعًا مليا بكتابات علميّة كعلم النّحو وعلم البلاغة وغيره.
المصدر: شبکة المعارف الإسلامیة