printlogo


printlogo


□ مقال
فلسفة الشهادة الحسينية


جاء استشهاد الإمام الحسين(ع) في يوم عاشوراء، امتدادًا لخط الإمامة، فالإمام الحسين(ع) كان يدافع عن الوجود الإسلامي ذاته، كان(ع) يريد العودة إلى خط النبي وخط أمير المؤمنين، أن يسير بسيرة جده وأبيه، أي كان خروجه دفاعًا عن قيم الإسلام التي كادت تضيع، وأن دماءه المراقة على أرض كربلاء جعلت المسلمين ينظرون فيجدون أن الخلافة جاءت بالدم والغلبة والقهر، فكسر الإمام الحسين(ع) القداسة المزعومة لمنصب الخلافة، ولولا القداسة الوهمية لما وصل يزيد بن معاوية لمنصب الخلافة أبدًا، فالمأساوية المروعة لواقعة كربلاء عنصر أساسي في تحقيق مصلحة الإسلام العليا. فقد كان للصورة التي تميّزت بها واقعة “الطف” الدامية في كل وقائعها ومفرداتها، دور مرسوم وأثر بليغ، شاءه الله سبحانه لتتحقق للإمام الحسين(ع)، أهدافه الإلهية من خلال نهضته الكبرى، فقد كان الإمام الحسين(ع) يطلب بيعة شرعية رغم إمامته المعصومة، يطلب بيعة أكثرية وليست بيعة إجماع تحت قهر السيوف، تمامًا مثلما طلب أمير المؤمنين علي(ع).
إن المتصفّح لكتب التاريخ التي تسرد تفاصيل واقعة الطف الأليمة سيهتز ضميره ويعتريه الحزن والألم الشديد، بل تجري دمعته مع كل مفردة من مفردات الواقعة المأساوية، منذ حركة الإمام الحسين(ع) بأهل بيته وأصحابه من مكّة المكرمة، حتى استشهاده على أرض كربلاء المقدسة، وسبي نسائه وأطفاله فيما بعد، وفي الوقت نفسه يستعر غضبًا وغيظًا على الطاغيتين “يزيد وابن زياد” وعمّالهما من قتلة الإمام الحسين(ع)، لشدة قسوتهم وظلمهم، الذي لا حدّ له في طريقة مواجهة الإمام(ع)، وقتله وقتل أهل بيته وأصحابه وسبي نساء عترة الرسول(ص) وأطفالهم. وكل هذا جعل المسلمين، ينظرون للإمام الحسين(ع) نظرة تقديس، ربما كانت نظرة روحية، ولكنها في النهاية نظرة إيمانية، فلقد فعلت هذه المأساة فعلها في تأجيج عواطف المسلمين، خصوصًا أهل الكوفة وغيرها في حواضر العراق والحجاز، وخلقت الأرضية الواسعة لأيّة مبادرة تعبوية لمواجهة الخلافة الأموية، وكسر هيبتها، وفضح تستّرها بستار الخلافة الإسلامية، ولهذا نجد أن مرحلة المواجهة والجهاد العنيد لهذا الخط المنحرف، قد بدأت منذ أن بدأت النهضة الحسينية الكبرى، واشتدت بعد استشهاده(ع)، وكلها تنادي بشعار الرضا من آل محمد، وهو شعار الإمام الحسين(ع) الشهير، الذي أطلقه في نهضته حيث قال: “رضا الله رضانا أهل البيت”. وهو  الشعار الدائم لأئمة أهل البيت(ع)، الرضا الإلهي لخطهم السماوي، هذا بالإضافة للنداء الحسيني الشهير “الموت بعزة خير من الحياة بذلة”، وهو النداء الثوري المستمر حتى اليوم.
كان دور الإمام الحسين(ع) حماية الإسلام من العبث السلطاني، فقد قال: “من لحق بنا استُشهد ومن تخلّف لم يدرك الفتح”، فالفتح الذي رآه سيد الشهداء هو حماية الدين من الانحراف، لأنه لم يخرج أشرًا أو بطرًا أو طالب ملك، ومن هذا المنظور كانت فلسفة الشهادة.
ولم يقف الأثر التعبوي للنهضة الحسينية عند حدٍّ مقطعي من مسيرة الأمّة، بل تواصل بنمو نوعي وكمّي مطّرد عبر العصور، حتى إننا نستطيع القول: إن من أبرز الأدلّة الواقعية على الأثر الدائم لهذه النهضة الخالدة في أعماق المسلمين، وتحقيقها للهدف الشامل في تقويم المصلحة الإسلامية العليا على مستوى الرسالة والأمّة جمعاء، هو هذا الإجماع المطلق في جميع العصور على تأييدها والتفاعل مع معطياتها، والإدانة المطلقة ليزيد بن معاوية موقفًا ومنهجًا، فهذه كتب الحديث والتاريخ والسِيَر لكل المذاهب والفِرَق الإسلامية تجمع على ذلك، وهذه كتب المحدّثين من إسلاميّين وغير إسلاميّين، ممن تناول قيام الإمام الحسين(ع)، ونهضته بالدرس والتحليل، تُجمع على ذلك أيضًا.
لم تقتصر قضية الإمام الحسين(ع) على المسلمين فقط، بل وصلت إلى كل العقول النيرة التي رأت في ثورة الإمام الحسين(ع) ومبادئها قدوة تستحق الإجلال على مدى العصور، فالرسالة المحمدية ليست موجهة إلى المسلمين دون غيرهم، وكذلك القضية التي حملها الإمام الحسين بن علي(ع)، فالظلم قد يوجد في كل بقعة من الأرض، والمتاجرة بحياة البشر قد يقوم بها أي إنسان بغض النظر عن دينه وثقافته، وليس أجمل من شخص عاش بعيدًا عن بيئة الإسلام وقرأ عن الحسين ليرى نفسه ذائبًا في سيرته.
▪ ثورة الإمام الحسين في الفكر الإنساني
جاء على لسان الزعيم الهندي المعروف المهاتما غاندي قوله: “لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بدّ لها من اقتفاء سيرة الحسين”. كما قال غاندي: “تعلمت من الحسين كيف أكون مظلومًا فانتصر“.
والكاتب الاسكتلندي “توماس كارلايل” تعلم من الإمام الحسين كيفية الإيمان بالله تعالى حين قال: “أسمى درس نتعلمه من مأساة كربلاء هو أن الحسين وأنصاره كان لهم إيمان راسخ بالله… والذي أثار دهشتي هو انتصار الحسين رغم قلة الفئة التي كانت معه”. بينما يعبّر المستشرق الإنكليزي “إدوارد براون” عن تأثره العميق بنبل قضية الإمام الحسين وطهارتها فيقول: “هل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثًا عن كربلاء؟ حتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلها”.
وتطلق المؤرخة الإنكليزية “فريا ستارك” العنان لمشاعرها عندما قرأت عن الحسين حتى تقول: “إن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس، وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها دون أن أبكي”.
وقال الشاعر الألماني “غوته”: “إن مأساة الحسين هي مأساة للضمير الإنساني كله… فالحسين جسد الضمير بدفاعه عن القيم الإنسانية الرفيعة”.
أما الكاتب والأديب الأيرلندي “جورج برنارد شو” فقد عبّر عن إجلاله لشخص الإمام الحسين بالقول: “ما من رجل متنور، إلا وعليه الوقوف وقفة إجلال واحترام لذلك الزعيم الفذ حفيد الإسلام، الذي وقف تلك الوقفة الشامخة أمام حفنة من الأقزام الذين روعوا واضطهدوا أبناء شعوبهم”.
وكما قال الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه “أبو الشهداء الحسين بن علي”: “كان الصراع بين الأريحية والمنفعة”، أو بمفهومنا المعاصر الثورة والسلطة.
لقد دافع سيد الشهداء عن الرسالة وعن خط الإمامة، فقد كان(ع) يمكنه التريث والانتظار، وعدم الثورة، ولكنه لم يفعل لأن إمامته المعصومة تمنعه من ذلك، وثورته صبّت في النهاية لكشف الطواغيت الذين يحكمون باسم الإسلام.
وتوجد قضايا كثيرة فقهية وغير فقهية كادت تندثر لولا ثورته، مثل الطلاق بغير شهود، وميراث الرجال دون النساء، والمساواة في النكاح، وغيرها من قضايا، وهي رغم أهميتها، ولكنها دون الثورة من أجل العدل، من هنا نجد أن استشهاد الإمام الحسين(ع) حمى دور الإمام من التشويه السلطاني لها، ومعظم الثورات في العالم الإسلامي أخذت بعض رموزها من ثورة عاشوراء. ولقد انتشر النسل النبوي في كل البقاع وأسس دولًا كبيرة وقوية في العالم الإسلامي، مثل إمبراطورية “مالي” في الغرب الأفريقي، وفي جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وفي باكستان وبنغلاديش وماليزيا، وحتى في الفلبين، فضلًا عن الحركات التحررية التي انتشرت في العالم الإسلامي ضد الاستعمار الأوروبي.
وفي دراسة سابقة لنا، وجدنا أن 70% من مسلمي اليوم دخلوا الإسلام من خلال التجار المسلمين ومن أهل التصوف، الذين رحلوا في الآفاق باعوا تجارتهم، وكسبوا شعوبًا كثيرة للدين الإسلامي، وتلك حجة كبرى على الذين يزوّرون التاريخ ويزعمون أن الفتوحات الإسلامية الأموية هي التي نشرت الإسلام.
وما يحدث اليوم من وجود الحركات التكفيرية التي اجتاحت العالم بأسره، هو بسبب المال والفكر التكفيري الوهابي الأموي، الذي انتشر كالنار في الهشيم طوال ثلاثة عقود، وهذه الحركات التكفيرية التي ننسبها إلى الخط الأموي القديم، تُكفّر وتقتل الشيعة في أي مكان، وشوّهت الدين الإسلامي، ولا تجد من يصد إرهابها، كما يحاول الأزهر الشريف في مصر والحوزات الدينية في العالم الشيعي بأسره، ندعو الله أن تتحرر حركات التحرير من التكفير والإرهاب.
المصدر: المعارف الحکمیة