لقاء
أهمیة المؤسسات الدینیة والاکادیمیة في النهوض الثقافي والمعرفي في لقاء مع سماحة الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء
ان النهوض العلمي والمعرفي، وبث روح التفكّر والتأمّل، وإيجاد ثقافة القراءة عند الناس، من أهم أسباب النهوض بالواقع الثقافي الذي يعيشه الشعب العراقي في هذه الفترة العصيبة، ومن هنا تظهر أهمية المؤسسات الدينية والاكاديمية وغيرها من مراكز الدراسات ودورها في النهوض الثقافي والمعرفي، وفي تطوير واقع النشاط العلمي والارتقاء بالمشهد الثقافي الذي من خلاله نستطيع أن نبني ثقافة متكاملة متحضرة، وهذا يتطلب تهيئة جوانب عدة لتحقيقها ، لذا حملنا هذه الافكار والهموم الى سماحة الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء لاسيما وهو خريج الدراستين الحوزوية والاكاديمية لنناقشها معه ، فكان حوارا هادفا بناء لمعرفة اسباب هذا التراجع المعرفي.
ما تقييمكم للواقع العلمي والفكري في العراق؟
الواقع ان المادة الفكرية والعلمية التي تدّرسها المؤسسات الاكاديمية والبحثية لم تُنّمِ في الطالب والباحث روح الابداع والانتاج ولم تفتح له باب الاجتهاد ، نعم هي تحصل له ما فاته من المعرفة فالمؤسسات الاكاديمية لم تُبنِ فكراً وإنما تصنع فكراً متلقيا وتابعاً فالطلبة يتخرجون بحمولة معرفية ثقيلة ضئيلة الفائدة.
كما ان على المؤسسات الفكرية والعلمية ان تترفع من النزعة الاقليمية والقطرية والمذهبية والأثنية ، وعلى وسائل نشر الثقافة والعلم من الكتب والصحف والمجلات والفضائيات والاذاعات التي تهتم بالعلم والثقافة ليس على حساب الاخلاق والتربية والدين.
وأحذر من ظهور ثقافات شديدة التباين داخل المجتمع العراقي يصعب التحاور والتواصل بينها مثل الثقافة الديمقراطية و الثقافة الدينية والثقافة العشائرية القبلية وتركيزها في المجتمع والعمل على أظهار ملامحها ومشخصاتها، ومما زاد الطين بلة ان الاحزاب السياسية تعتمد في برامجها الانتخابية على تعميق الفوارق بين هذه الثقافات فعلى الاساتذة والباحثين معالجة هذه الفوضى من الثقافات.
هل للمناهج التدريسية التي تتبعها بعض المؤسسات الاكاديمية والثقافية دور في ذلك ؟
برأيي ان خطر التعليم المغلوط والمتطرف والفكر المتشدد أعظم من خطر الجهل على المجتمع، فان خطر الجهل محدود وخطر سوء التعليم واسع الانتشار حتى انه ليجعل من ينتظر منه الصلاح منبعاً للفساد.
وينبغي على العلمية التعليمية التركيز على ذهن الطالب الغاية الصحيحة منها، هي قراءة المعرفة لنستخرج منها معرفة أخرى. لا قراءة العلوم لتحصيل معلوماتها فحسب كما هو الظن لدى كثير من طلابنا لأجل النجاح فهذه الغاية ضررها أكبر من نفعها.
كما الاهتمام بقوة المادة المعرفية والعلمية التي تدرس للطالب، والملحوظ ان المناهج الدراسية مازالت ضعيفة في مؤسساتنا العلمية حيث تدرس في بعضها نظريات وافكار تناقض ومعتقدات الطالب مثل نظرية دارون ونظرية فرويد ومسألة نشأة الكون وغيرها.
والحقيقة هنالك في بعض المناهج افكارٌ ميتةٌ تنتج فكراً ميتا وهي افكار التي تهدم الأصول وتستهزئ بالقيم أي انحرفت عن مثلها الاعلى وأفكار مميتة فقدت قيمتها الثقافية وأصبحت بالية مثل بعض الافكار المستوردة المخالفة لثقافتنا.
برأيكم لماذا يشهد العالم اليوم تصاعدا في التطرف الفكري والعقدي؟
ان موجة التطرف تتصاعد بشكل غير مسبوق في منطقتنا، والمسلح منه بالخصوص بدعوى العودة الى الخلافة، تحت غطاء السلفية ، والتطرف هو كل ما يناقض الاعتدال زيادة او نقصان، والخروج عن القيم والمعايير والعادات الشائعة في المجتمع، وتبني قيما ومعايير مخالفة لها والتطرف يولد الارهاب والارهاب أمر مرفوض.
اذن ما ابرز اسباب التطرف ؟
الخصها بالاتي :
الاول- الجهل بالدين والفكر والثقافة ، فالجاهل تقوده حلاوة الطرح وسلاسة النطق وهيبة المتحدث فلا يعتد بالأصول ولا يهتم بالثوابت ، إنما هو تابع على باطل من يوجه، والجهل كذلك في الفكر والثقافة والادراك، فالتبعية العمياء غطت كل قدرات التابع حتى أصبح التلقي عنده فقط من طرف شيخه.
الثاني- اليأس ، فكثير من المتطرفين أصبح متطرفاً عندما شعر بان جميع الأبواب أغلقت أمامه، فلا يجد نفسه الا أن يشفي غليله من المجتمع، الذي يعتقد أنه سبب يأسه، دون أن يتحرى الظلم والوقوع في الذنب.
ثالثاً- الإيجار ، وهو استئجار من يقوم بالتطرف أو يقود المتطرفين أو يديرهم ويوجههم، وهذا في الغالب أسلوب العمل مع القادة والرؤساء، وذلك مقابل مبالغ كبيرة ، لقد اصبح التطرف في عصرنا الحالي تجارة تحقق الأرباح وتمكن الأهداف باسم الدين والقيم والاخلاق، وانبرى لها علماء السوء واستنبطوا من الاحكام أشباه أحكام لا تمت للإسلام بصلة من بعيد أو قريب عدُّوها من أصول الدين وثوابته فأحلوا الحرام وحرموا الحلال وأجازوا الممنوع ومنعوا المفروض وغيروا على المسلمين دينهم، ونسوا أننا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك، فأننا متمسكون بكتاب الله عزوجل وهدي نبيه وأله بيته صلى الله عليهم أجمعين، وسائرون بتوجيهات مرجعيتنا الرشيدة التي اصبحت رمزاً للأمن والسلام والأخوة واحترام حقوق الانسان.
ما دور المؤسسات الدينية والفكرية في الحفاظ على المجتمع من الضياع ؟
تقع على عاتق المؤسسات الدينية والاكاديمية الكثير من الاجراءات والاعمال التي ينبغي القيام بها، ولعل ابرزها الاتي :
1-نشر قيم الاخلاق في المجتمع من خلال الشرائع الإلهية السماوية (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) والقيم الانسانية التي اهتدى اليها الانسان عن طريق العقل والتمييز بين الخير والشر والمنفعة والمضرة والحسن والقبح.
2-الاهتمام بمؤسسة الجامعة والجامع فبين الجامع والجامعة تبنى الأوطان.
3-بيان ان الدين هو العامل الأساسي والرئيسي في وقاية درء المفاسد والمخاطر عن الانسان المعاصر والمجتمع.
4-الدعوة الى تأسيس وتأصيل حقوق الانسان وحمايتها، وذلك من خلال كون الانسان المعاصر عليه أن يؤمن بعضويته في فضاء المجتمع البشري العام، بتقاسمه الحقوق، ويضطلع بنفس الواجبات.
ذكرتم تأصيل حقوق الانسان فما أبرز تلك الحقوق ؟
ان اهم الحقوق حق الحياة، وبيان ان الاسلام ارتقى بالحياة إلى ان جعلها مقدسا من مقدسات لحفظها فحث على الزواج وتأسيس الأسرة، وشرع القصاص حفظا للحياة، وجاءت أحكام الشرع منصبة على حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
وثانيها حق الحرية، فالانسان حر فيما يختاره من أفكار والتصرف في أمواله فلا أكراه في الدين، فقد خاطب الله لخير البشر الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وأله وسلم بان لايكره الناس على الايمان، وانما يرشدهم (أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) فغيره من باب أولى ان لا يكره الناس.
ان الحرية حق ألهي وهبه للناس مثل حق الحياة لا ينبغي لاحد ان يسلبه، وان الأقرار بالمواطنة التي دعت إليها المؤسسة الدينية والفكرية التي تذوب فيها الجنس واللون والعرق داعية للحرية وخادمة للتنوع.
المصدر: مجلة الولاية