printlogo


printlogo


□ قراءة في كتاب
المرأة العظيمة ؛ قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي(ع)
في هذه المعالجة نسلط الضوء على كتاب عن امرأة عظيمة في تاريخ الإسلام، بل في تاريخ الإنسانية، (المرأة العظيمة، قراءة في حياة السيدة زينب).

وفي المقدمة التي جاءت بعنوان (المرأة ودور القيادة السيدة زينب(س) انموذجا…، تناول الباحث محتوى الكتاب الثقافي وقال كتاب ذو قيمة معرفية حيث يرى المؤلف أن واقع المرأة في مجتمعنا يحكي عمق التخلف والانحطاط الذي انحدرنا إليه، وأن أسوء ما في الأمر أن يتم تجاهل المرأة واحتقارها وتهميشها باسم الإسلام، حيث يرى بعض المتدينين كراهة تعليم المرأة، واستحباب الأمية والجهل لها! ويرون أفضلية انزوائها في بيتها، فلا تخرج حتى للمشاركة في البرامج الدينية كصلاة الجماعة، وأن صوتها عورة فلا يبلغ مسامع الرجال، وأن لا دخل لها في الشأن السياسي، فجهاد المرأة حسن التبعل لزوجها فقط، وهم في ذلك يستندون في نسبة هذه الآراء الرجعية للدين على نصوص وروايات وفتاوى إما أن تكون مختلفة مصطنعة لا أساس لها وإما أنهم أساؤوا فهم تلك النصوص، وحرّفوا تفسيرها بما يتناسب وأفكارهم المتحجرة.
ويؤكد المؤلف في مقدمته على أن أفضل رد يكشف زيف هذه الآراء وبراءة الإسلام منها هو قراءة واعية لحياة السيدة زينب، ويعلل هذا بكون السيدة زينب عقيلة بني هاشم، وخريجة بيت الوحي والرسالة… فحينما نقرأ شخصيتها العظيمة، نراها المعلمة المحدثة التي تعلم النساء، ويروي عنها الرجال، ونراها الثائرة المجاهدة حيث غادرت بيتها العائلي الهادئ والتحقت بقافلة الثورة، لتنتقل من المدينة إلى مكة، ومنها إلى كربلاء، ثم إلى الكوفة والشام.
ونراها الخطيبة المفوهة ترتجل الخطب أمام جماهير الكوفة، وفي مجلس ابن زياد، ومجلس يزيد حيث رجالات الحكم، والجمع الحاشد من الجند والأعيان.
هذه الصور التي نراها في حياة السيدة زينب تناقض ما نراه من واقع المرأة في مجتمعاتنا، ثم يتساءل المؤلف: (أين يقف الدين في هذا الموضوع؟).
وأحسب أن المؤلف يعني بهذا أن هناك اتجاهين:
الاتجاه الأول: النظرة الدينية والتقليدية المغلقة، التي تكتسب مفهومها حول المرأة من عادات وتقاليد وآراء فقهية متشددة.
الاتجاه الآخر: سيرة السيدة زينب التي تمثل المرأة التي تربت في أحضان الإسلام الصحيح، ذلك الدين الذي مكنها من الخروج من بيتها للمعارضة السياسية التي كانت واجبة -كما ترى- في ظل الفساد الاقتصادي والاجتماعي والانحلال الخلقي الذي ساد بعد انتهاء الخلافة الراشدية.
إن هذا الاتجاه يعني أن الإسلام أحدث تقلبات وتغيرات سوسيولوجية في التكوين الثقافي لدى المجتمع العربي فمن وضع المرأة المتردي آنذاك [وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشِّر به …الآية]، إلى الوضع الذي أتاح للمرأة الدخول في المعترك السياسي وأعطاها الحرية في تقرير مصيرها، بعد ما كانت ذليلة كأي قطعة من قطع المنزل.
إن من أهداف المؤلف الرئيسية لتأليف هذا الكتاب -كما أرى- مخاطبة العقول الكلاسيكية المتطرفة في موقفها تجاه المرأة بشخصية مُسَلَّم بإيمانها، واتخاذ مواقف تلك الشخصية ذريعة وحجة للرد على الآراء الجامدة التي تعتبر صوت المرأة عورة توجب اختباءها في المنزل.
في المقدمة تطرق المؤلف إلى الجو العائلي الذي أحاط بالسيدة زينب، ذلك الجو الذي يمثله أشرف الناس وأنبلهم باعتراف الجميع، فالانتماء العائلي -كما يذكر المؤلف- عامل مؤثر في صياغة نفس الإنسان وفي توجيه سلوكه ومسار حياته، وأثبتت العلوم الحديثة عبر دراسات الجينات والكروموسومات الموجودة في الخلية الحية، ما يخلقه العامل الوراثي من قابلية واستعداد في نفس الإنسان، فإذا ما انحدر من أسرة شريفة، فإن ذلك يخلق في نفسه أرضية واستعداداً لتقمص أسرته وعائلته، وعكس ذلك فلو انتمى لعائلة فاسدة، فإن انشداده وميله للانحراف يكون أقوى. ويشير المؤلف إلى أن تلك قاعدة للأعم الأغلب ولا تمثل حتمية كلية ثابتة.
من هنا انطلق المؤلف كي يبدأ الحديث عن شرف نسب السيدة زينب ‏(س)، وابتدأ ذلك النسب الشريف بالرسول أفضل البشر كما يعتقد المسلمون، بل وغير المسلمين، فقد أشار المؤلف إلى رأي العالم الأمريكي (مايكل هارت) الذي عمل في مركز أبحاث الفضاء في (غرين بلت) في (ميرلاند)، وفي المركز القومي لأبحاث طبقات الجوفي (كولورادو… وفي أكبر مرصد للأفلاك في (كاليفورنيا في باسادينا - مرصد هيل) هذا الرجل المسيحي ألف كتاباً يقع في 572 صفحة، تناول فيه المائة الأوائل من تاريخ البشرية ونشره عام 1978م في الولايات المتحدة الأمريكية، وأحدث ضجة هناك ما لبثت أن انتقلت إلى أنحاء كثيرة من العالم، فهذا العالم وضع شخصية النبي على رأس القائمة، واعتبره أعظم شخصية في تاريخ البشر.
هذا هو جد زينب الذي فتحت عينيها في أحضانه:
ثم انتقل المؤلف للحديث عن ما تبقى من تلك العائلة، وهما أخوا السيدة زينب الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وكما سبق فقد استشهد المؤلف بروايات تعلي من قدرهما الذي لا يخفى على أحد.
كان ذلك عرضاً سريعاً لأهم أقرب الشخصيات للعائلة التي انحدرت منها السيدة زينب، والذي اتضح لنا من خلاله عظمة وأفضلية كل قطب من أقطاب بيتها الطاهر، ويمكننا القول بكل ثقة واطمئنان أن لا أحد يداني السيدة زينب في عراقة النسب وشرافة الحسب فهي أفضل الناس جداً وأباً وأماً وأخاً عدا عن بقية أطراف نسبها الطاهر.
ثم تحدث المؤلف عن ولادة السيدة زينب بعنوان (إشراقة النور). كان مولدها في السنة الخامسة للهجرة في الخامس من شهر جمادى الأولى، وتطرق بعد ذلك إلى نشأتها الفريدة، فهي أول طفلة يحتفي بها بيت علي وفاطمة، فقد سبق وأن ازدان هذا البيت بولدين حبيبين هما الحسن والحسين،
وهنا يلفت المؤلف نظر القارئ إلى النظرة الإسلامية تجاه المولود الأنثى، فخلافاً لما كان منتشراً عند بعض العرب في الجاهلية من التشاؤم والاستياء عند ولادة البنت، واعتبارها مولوداً ناقص القيمة والشأن بل ويسبب لهم العار والفضيحة، ولذلك كان بعضهم يئدها عند ولادتها بقتلها أوبدفنها حية، وخلافاً لذلك فقد أرسى الإسلام ثقافة سلوكية جديدة في المجتمع الإسلامي تدين تلك النظرة الاحتقارية للبنت، وتجعلها مساوية في الشأن والقيمة للولد.
واستطرد المؤلف إلى بيان اسم زينب ومعناه، فالسيد محمد كاظم القزويني يقول : (سماها جدها الرسول زينب، والكلمة مركبة من زين الأب)، وجاء في لسان العرب (الزينب شجر حسن المنظر، طيب الرائحة، وبه سميت المرأة)، ثم يسجل المؤلف وصفاً للسعادة التي غمرت البيت النبوي لعدد من المؤرخين والباحثين، فهاهي الباحثة الراحلة الدكتورة بنت الشاطئ (عائشة عبد الرحمن) تتحدث عن الأجواء التي سادت القلوب عند ولادة السيدة زينب فتقول: (وأقبل المهنئون من بني هاشم والصحابة يباركون هذه الزهرة المتفتحة في بيت الرسول، تنشد في المهد عبير المنبت الطيب …).
▪  المحنة السياسية
بعد الحديث بإسهاب عن الأجواء الطيبة التي عاشتها تلك العائلة انتقل المؤلف إلى توصيف الحالة السياسية أثناء حياة السيدة زينب، فتطرق إلى المعاناة التي مرت على تلك العائلة الصغيرة بفقد الرسول أولاً، وما لهذا الفقد من أثر على النفوس، وقد أعقب هذا الفقد محنة سياسية رهيبة، ضاعفت على البيت العلوي المصاب، وزادت من الآلام والحسرات، وقد سجلت كتب الحديث والتاريخ الكثير من تفاصيل تلك المحنة، مع اختلاف المؤرخين والمحدثين والكتاب في تفسير وقائعها. ولمعرفتها يمكنكم مراجعة الكتاب (المرأة العظيمة، ص61-73).
وهكذا ظللت بيت السيدة زينب غيوم وهموم ثقيلة سلبت من عائلتها حالة السرور والسعادة والهناء، وما هي إلا خمسة وسبعون يوماً من وفاة الرسول، حتى فارقت السيدة الزهراء الحياة، ويتجدد الحزن في نفس السيدة زينب.
مع أبيها علي:
قرر الإمام علي اصطحاب ابنته إلى الكوفة أيام خلافته، كي يجعل من الكوفة العاصمة الجديدة للخلافة، وعلي أراد السيدة زينب إلى جانبه لحبه لها في تلك الظروف السياسية الحرجة. أيامها لم تكن دار علي في الكوفة مجرد مركز للسلطة والحكم، بل كانت داره مركز إشعاع للمعرفة والفكر، ولكي تنتشر المعرفة في جميع أوساط المجتمع، وحتى لا يحرم أحد من حقه في الثقافة والوعي، عهد علي إلى ابنته السيدة زينب، أن تتصدى لتعليم النساء، وأن تبث المعرفة في صفوفهن، فكانت السيدة زينب تفسر لهن القرآن، وتروي لهن أحاديث جدها المصطفى وأخبار أمها الزهراء، وإرشادات الخليفة.
▪  في محنة أخيها الحسن
بعد رحيل أبيها في حادثة اغتيال معروفة، بادر الناس إلى مبايعة الحسن، ودامت هذه الخلافة ستة أشهر، بعدها تم الصلح وتنازل الحسن عن الخلافة والحكم، بشروط قبلها معاوية، لكنه نقضها فيما بعد. وبعد هذا الصلح بقي الحسن في الكوفة أياماً، وهو مكلوم القلب، يتلقى من شيعته مرارة الكلام، وقسوة النقد. وقد عزم الحسن على مغادرة الكوفة والشخوص إلى مدينة جده (المدينة المنورة)، وكانت السيدة زينب مع أخيها في ذلك المسير. وفي المدينة واصلت السيدة زينب تحمل مسؤوليتها في الهداية والإرشاد.
▪  بطلة كربلاء
تعد كربلاء المحطة الأهم والأبرز في الحياة السياسية التي مارستها السيدة زينب، فكان لها دور أساس ورئيس في هذه الثورة، فهي الشخصية الثانية على مسرح الثورة بعد شخصية أخيها الحسين، ولولا كربلاء لما بلغت شخصية السيدة زينب هذه القمة من السمو والتألق والخلود، ولولا السيدة زينب لما حققت كربلاء أهدافها ومعطياتها وآثارها في واقع الأمة والتاريخ. لقد أظهرت كربلاء جوهر شخصية السيدة زينب، وكشفت عن عظيم كفاءتها القيادية، كما أوضحت السيدة زينب للعالم حقيقة ثورة كربلاء، ويمكن للقارئ أن يتبحر في هذا الموضوع بقراءته للصفحات (131-216) من الكتاب.
في الخاتمة أشير إلى أن المؤلف أراد إيضاح عدم الحرج، بل ووجوب مشاركة المرأة في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي، والتخلي عن النموذج الخاطئ الذي لا علاقة له بالإسلام، فالنموذج الذي تقدمه السيدة زينب يقول أن الإسلام هو الذي أمرها بمواكبة التغيرات والانفتاح على الثقافة الإنسانية، وأن ما قامت به السيدة زينب هو رد صريح على الرؤية الدونية والمقيتة عند الكثير من الذين فهموا الدين فهماً خاطئاً.
المصدر: موقع مكتب سماحة الشيخ حسن الصفار