printlogo


printlogo


□ مقالة
في ذكری ولادة الإمام جعفر الصادق(ع)


أشاد الإمام الباقر(ع) أمام أعلام شيعته بفضل ولده الصادق(ع) قائلا: هذا خير البريّة.
وأفصح عمّه الشهيد زيد ابن الإمام عليّ زين العابدين عن عظيم شأنه فقال: «في كلِّ زمان رجلٌ منّا أهل البيت يحتج الله به على خلقه وحجة زماننا ابن أخي جعفر لا يضلّ من تبعه ولا يهتدي من خالفه».
وقال مالك بن أنس: «ما رأت عينٌ ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق علماً وعبادةً وورعاً».
وقال المنصور الدوانيقي مؤبّناً الإمام الصادق(ع): «إنّ جعفر بن محمّد كان ممّن قال الله فيه: [ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا] وكان ممن اصطفى الله وكان من السابقين بالخيرات».
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ( ت 327 ه ): سمعت أبي يقول: جعفر بن محمّد ثقة لا يُسألُ عن مثله.
وقال: سمعت أبا زرعة وسئل عن جعفر بن محمّد عن أبيه وسهيل بن أبي صالح عن أبيه والعلاء عن أبيه أيّما أصحُّ؟ قال: لا يُقرنُ جعفر بن محمّد إلى هؤلاء.
وقال ابو حاتم محمّد بن حيّان ( ت 354 ه ) عنه: كان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلا.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي ( 325  412 ه ) عنه: فاق جميع أقرانه من أهل البيت(ع) وهو ذو علم غزير وزهد بالغ في الدنيا وورع تام عن الشهوات وأدب كامل في الحكمة.
وعن صاحب حلية الأولياء ( ت 430 ه ): ومنهم الإمام الناطق ذو الزمام السابق أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع وآثر العزلة والخشوع ونهى عن الرئاسة والجموع.
وأضاف الشهرستاني ( 479  548 ه ) على ما قاله السلمي عنه: وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه ويفيض على الموالين له أسرار العلوم ثمَّ دخل العراق وأقام بها مدَّة، ما تعرّض للإمامة قط، ولا نازع في الخلافة أحداً، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حطٍّ.
وذكر الخوارزمي ( ت 568 ه ) في مناقب أبي حنيفة أ نَّه قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمَّد. وقال: لولا السنتان لهلك النعمان. مشيراً إلى السنتين اللتين جلس فيهما لأخذ العلم عن الإمام جعفر الصادق.
وقال محمّد بن طلحة الشافعي ( ت 652 ه ) عنه: هو من عظماء أهل البيت(ع) وساداتهم ذو علوم جمّة وعبادة موفورة وأوراد متواصلة وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجايبه، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكّر الآخرة، واستماع كلامه يزهّد في الدنيا، والإقتداء بهديه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع أنه من ذريّة الرسالة، نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من الأئمة وأعلامهم.. وعدّوا أخذهم عنه منقبةً شُرِّفوا بها وفضيلةً اكتسبوها.
وأما مناقبه وصفاته فتكاد تفوت عدّ الحاصر ويُحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر حتَّى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى، صارت الأحكام التي لا تدرك عللها، والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها، تضاف إليه وتروى عنه.
وقد قيل أنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب ويتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه(ع) وأنّ في هذه لمنقبةً سنيّةً، ودرجةً في مقام الفضائل عليّةً، وهي نبذةٌ يسيرةٌ مما نُقِلَ عنه.
وفي تهذيب الأسماء ( 631  676 ه ) عن عمرو بن أبي المقدام قال: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أ نَّه من سلالة النبيين.
وقال ابن خلكان ( 608  681 ه ): جعفر الصادق... أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية وكان من سادات أهل البيت، ولُقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يذكر وله كلامٌ في صنعة الكيميا، والزجر والفال... ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه عليّ زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن عليّ(رضي الله عنهم أجمعين) فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه.
وقال البخاري في فصل الخطاب ( 756  822 ه ): اتّفَقوا على جلالة الصادق(ع) وسيادته.
وقال ابن الصبّاغ المالكي (784  855 ه ): نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان، ولم يُنقل من العلماء عن أحد من أهل بيته ما نُقل عنه من الحديث.
وروى عنه جماعةٌ من أعيان الاُمة.. وصّى إليه أبو جعفر(ع) بالإمامة وغيرها وصيّةً ظاهرةً، ونصّ عليها نصّاً جليّاً.
▪ من مظاهر شخصية الإمام الصادق(ع)
سعة علمه
لقد شقَّق الإمام الصادق(ع) العلوم بفكره الثاقب وبصره الدقيق، حتَّى ملأ الدنيا بعلومه، وهو القائل: «سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم أحدٌ بعدي بمثل حديثي». ولم يقلْ أحدٌ هذه الكلمة سوى جده الإمام أمير المؤمنين(ع). وقد كان من مظاهر سعة علمه أنه قد ارتوى من بحر علومه أربعة آلاف طالب وقد أشاعوا العلم والثقافة في جميع الحواضر الإسلامية ونشروا معالم الدين وأحكام الشريعة.
 كرمه وجوده
لقد كان الإمام الصادق(ع)، من أندى الناس كفاً، وكان يجود بما عنده لإنعاش الفقراء والمحرومين، وقد نقل الرواة بوادر كثيرةً من كرمه، كان من بينها ما يلي:
سأله فقيرٌ فأعطاه أربعمائة درهم، فأخذها الفقير، وذهب شاكراً، فقال(ع) لخادمه: ارجعه، فقال الخادم: سئلت فأعطيت، فماذا بعد العطاء؟ قال(ع): قال رسول الله ((ص)): «خير الصدقة ما أبقت غنى»، وإنّا لم نغنه، فخذ هذا الخاتم فاعطه فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم، فإذا احتاج فليبعه بهذه القيمة».
ومن بوادر كرمه أنه كان يطعم ويكسو حتَّى لم يبق لعياله شيء من كسوة أو طعام.
ومن كرمه أنه مرّ به رجلٌ، وكان(ع) يتغدّى، فلم يسلّم الرجل فدعاه الإمام إلى تناول الطعام، فأنكر عليه بعض الحاضرين، وقال له: السنة أن يسلمَ ثم يُدعى، وقد ترك السلام على عمد... فقابله الإمام(ع) ببسمات مليئة بالبِشر وقال له: «هذا فقه عراقي، فيه بخل...».
 صدقاته في السرّ
أما الصدقات في السرِّ فإنها من أفضل الأعمال وأحبها لله لأنها من الأعمال الخالصة التي لا يشوبها أيُّ غرض من أغراض الدنيا، وقد ندب إليها أئمة أهل البيت(ع)، كما أنها كانت منهجاً لهم، فكل واحد منهم كان يعول جماعةً من الفقراء وهم لا يعرفونه. وكان الإمام الصادق يقوم في غَلَسِ الليل البهيم فيأخذ جراباً فيه الخبز واللّحم والدراهم فيحمله على عاتقه ويذهب به إلى أهل الحاجة من فقراء المدينة فيقسمه فيهم، وهم لا يعرفونه، وما عرفوه حتَّى مضى إلى الله تعالى فافتقدوا تلك الصلات فعلموا أنها منه.
سموُّ أخلاقه
كان الإمام الصادق(ع) على جانب كبير من سموِّ الأخلاق، فقد ملك القلوب، وجذب العواطف بهذه الظاهرة الكريمة التي كانت إمتداداً لأخلاق جدّه رسول الله(ص) الذي سما على سائر النبيين بمعالي أخلاقه.
وكان من مكارم أخلاق الإمام وسموِّ ذاته أنه كان يحسن إلى كل من أساء إليه، وقد روي أنّ رجلا من الحجاج توهم أنّ هميانه قد ضاع منه، فخرج يفتش عنه فرأى الإمام الصادق(ع) يصلي في الجامع النبوي فتعلق به، ولم يعرفه، وقال له: أنت أخذت همياني..؟.
فقال له الإمام بعطف ورفق: ما كان فيه؟..
قال: ألف دينار، فأعطاه الإمام ألف دينار، ومضى الرجل إلى مكانه فوجد هميانه فعاد إلى الإمام معتذراً منه، ومعه المال فأبى الإمام قبوله وقال له: شيء خرج من يدي فلا يعود، إلي، فبهر الرجل وسأل عنه، فقيل له: هذا جعفر الصادق، وراح الرجل يقول بإعجاب: لا جَرَمَ هذا فعال أمثاله. إنّ شرف الإمام(ع) الذي لا حدود له هو الذي دفعه إلى تصديق الرجل ودفع المال له.
وقال(ع): «إنا أهل بيت مروءتنا العفوُّ عمن ظلمنا».
وكان يفيض بأخلاقه الندية على حضّار مجلسه حتَّى قال رجلٌ من العامة: والله ما رأيت مجلساً أنبل من مجالسته.
إقباله على العبادة:
أما الإقبال على عبادة الله تعالى وطاعته فإنه من أبرز صفات الإمام، فقد كان من أعبد الناس لله في عصره، وقد أخلص في طاعته لله كأعظم ما يكون الإخلاص، وإليك صورةٌ موجزةٌ عن عباداته:
أ) صلاته: إنّ الصلاة من أفضل العبادات وأهمها في الإسلام، وقد أشاد بها الإمام الصادق(ع) في كثير من أحاديثه:
قائلاً(ع): «ما تقرب العبد إلى الله بعد المعرفة أفضل من الصلاة».
وقال(ع): «إن أفضل الأعمال عند الله يوم القيامة الصلاة، وما أحسن من عبد توضأ فأحسن الوضوء».
وقال(ع): «الصلاة قربان كلّ تقي».
وقال(ع): «أحبّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء، فما أحسن الرجل يغتسل أو يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يتنحى حيث لا يراه أنسيٌّ فيشرف الله عليه وهو راكعٌ أو ساجدٌ إنّ العبد إذا سجد فأطال السجود نادى إبليس: يا ويله أطاعوا وعصيتُ، وسجدوا وأبيتُ».
وقال أبو بصير: دخلت على اُمِّ حميدة  زوجة الإمام الصادق(ع)  اُعزّيها بأبي عبد الله(ع) فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمّد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجباً فتح عينيه ثم قال: «اجمعوا كلَّ من بيني وبينه قرابة. قالت فما تركنا أحداً إلاَّ جمعناه، فنظر إليهم ثمَّ قال: إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة».
ومن الجدير بالذكر أنّ الإمام(ع) لم يَدَعْ نافلةً من نوافل الصلاة إلاّ أتى بها بخشوع وإقبال نحو الله.
وكان(ع) إذا أراد التوجه إلى الصلاة اصْفَرَّ لونه، وارتعدت فرائصه خوفاً من الله تعالى ورهبةً وخشيةً منه. وقد أُثِرَتْ عنه مجموعة من الأدعية في حال وضوئه، وتوجهه إلى الصلاة وفي قنوته، وبعد الفراغ من صلاته.
ب) صومه: إنّ الصوم من العبادات المهمة في الإسلام، وذلك لما يترتب عليه من الفوائد الاجتماعية والصحية والأخلاقية، «وهو جُنّةٌ من النار»  كما قال الإمام الصادق(ع).
وقد حثَّ الإمام الصادق(ع) الصائم على التحلي بالأخلاق والآداب التالية، قال(ع): «وإذا صمت فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك من القبيح والحرام، ودعِ المراءَ، وأذى الخادم، وليكن عليك وقار الصيام، ولا تجعل يوم صومك مثل يوم فطرك سواء..».
وكان(ع) صائماً في أغلب أيامه تقرباً إلى الله تعالى. أما شهر رمضان المبارك فكان يستقبله بشوق بالغ، وقد أُثرت عنه بعض الأدعية المهمة عند رؤيته لهلاله، كما أُثرت عنه بعض الأدعية في سائر أيامه وفي ليالي القدر المباركة وفي يوم عيد الأضحى الأغرّ.
ج) حجّه: أما الحجّ فهو بالإضافة إلى قدسيته فإنه من أهم المؤتمرات العبادية السياسية التي تعقد في العالم الإسلامي، حيث تُعرضُ فيه أهم المشاكل التي تواجه المسلمين سواء أكانت من الناحية الاقتصادية، أم الاجتماعية، أو المشاكل السياسية الداخلية والخارجية، مضافاً إلى أنه من أهم الروابط التي يعرف بها المسلمون بعضهم بعضاً.
وقد حجّ الإمام الصادق(ع) مرات متعددةً والتقى بكثير من الحجاج المسلمين، وقد كان المعلم والمرشد لهم على مسائل الحجّ، فقد جهد هو وأبوه الإمام محمّد الباقر(ع) على بيان أحكام الحجّ بشكل تفصيليٍّ، وعنهما أخذ الرواة والفقهاء أحكام هذه الفريضة، ولولاهما لما عُرِفت مسائل الحج وأحكامه.
وكان الإمام الصادق(ع) يؤدي بخضوع وخشوع مراسيم الحجّ من الطواف، والوقوف في عرفات ومنى، وقد رَوى بكر بن محمّد الأزدي فقال: خرجت أطوف، وإلى جنبي الإمام أبو عبد الله الصادق(ع) حتَّى فرغ من طوافه ثم مال فصلى ركعتين بين ركن البيت والحجر، وسمعته يقول في أثناء سجوده: «سجد وجهي لك تعبداً ورقّاً، لا إله إلاّ أنت حقاً حقاً، الأوّل قبل كلّ شيء، والآخر بعد كلّ شيء، وها أنا ذا بين يديك، ناصيتي بيدك فاغفر لي إنه لا يغفر الذنب العظيم غيرك، فاغفر لي، فإني مقرٌّ بذنوبي على نفسي، ولا يدفع الذنب العظيم غيرك».
ثم رفع رأسه الشريف، ووجهه كأنما غُمّس في الماء من كثرة البكاء.
ورَوى حمّاد بن عثمان فقال: رأيت أبا عبد الله جعفر بن محمّد بالموقف رافعاً يده إلى السماء... وكان في موقف النبيّ(ص) وظاهر كفّيه إلى السماء.
وكان(ع) إذا خرج من الكعبة المقدسة يقول: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، اللهم لا تجهد بلاءنا، ولا تشمت بنا أعداءنا، فإنك أنت الضار النافع».
وروى حفص بن عمر  مؤذن عليّ بن يقطين  فقال: كنا نروي أنه يقف للناس في الحجّ سنة (140 ه ) خير الناس، فحججت في تلك السنة، فإذا إسماعيل بن عبد الله بن العباس واقف فداخلنا من ذلك غمٌّ شديدٌ، فلم نلبث، وإذا بالإمام أبي عبد الله(ع) واقفٌ على بغلة له، فرجعت أبشّر أصحابي، وقلت: هذا خير الناس الذي كنا نرويه.
وكان من أعظم الخاشعين والداعين في مواقف الحجّ، فقد رُوي أنّ سفيان الثوري قال: والله رأيت جعفر بن محمّد(ع) ولم أرَ حاجّاً وقف بالمشاعر، واجتهد في التضرُّع والإبتهال منه، فلمّا وصل عرفات أخذ من الناس جانباً، واجتهد في الدعاء في الموقف.
المصدر: رواق الحج (باختصار)